صرخة “كفى صمتا” السورية
غسان المفلح
إن الدعوة التي وجهها مجموعة من الشباب السوري، وبالتوازي مع دعوة منظمة العفو الدولية، للاحتجاج على القمع والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان الذي تقوم به أجهزة النظام في دمشق، بحق كافة النشطاء السوريين، سياسيين وحقوقيين، ومنع السفر لإلوف من النشطاء خارج سورية، هذه الدعوة- الحملة التي كان عنوانها” كفى صمتا” تعبر عن صرخة سورية مخنوقة وإن بدت عالية الصوت، مخنوقة من حجم هذا التواطؤ الدولي والعربي على مايدور في سورية، وعلى أوضاع شعبنا المرهق بفساد النخب الحاكمة، وقمعها لأي حراك مدني، هذه الحملة التي يحاول بعضنا إعطاءها وجها سياسيا وبعضنا إعطاءها وجها حقوقيا، تندرج في إطار الرد المباشر أو غير المباشر، على هذا التواطؤ الذي، حصل بعد مجيء الثنائي أوباما- ساركوزي إلى الحكم في أمريكا وفرنسا، هذا الاتجاه الدولي، الذي يتوافق مع مزيدا من الدعم لهذا الثنائي من قبل اللوبيات الإسرائيلية في الدول الغربية، وخاصة في سياسة هذا الثنائي الانفتاحية تجاه منظومة الاستبداد الإقليمي عموما، والسوري بشكل خاص، وتراجع مريع عن أية إشارة كانت تصدر سابقا، عن المنظومة الغربية تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
هذه الصرخة يجب ألا تكون مقطوعة عما قبلها، ولا أن تكون وحيدة، بل يجب تفعيلها بشكل دائم وتراكمي، وهذه المسألة تحتاج إلى عنوان عريض، يتناسب وطبيعة المرحلة الحالية، هذا العنوان يجب أن يكون له طابعا حقوقيا، أكثر منه سياسيا، لأن الفعل السياسي الآن، ذو محصلة صفرية، في ظل ميزان القوى الحالي، ودون أن يعني هذا ان تتخلى القوى والفعاليات السورية عن النشاط السياسي، ولكن علينا أن نرى إمكانية تحقيق شيء ما، من خلال هذا النشاط الحقوقي، شيء عملي، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يمكن للعناوين الحقوقية أن تجمع أكبر طيف من النشاط الحقوقي والسياسي لدى المعارضة السورية، وهذا أمر أكثر ما نحتاجه في هذه الفترة. كما أن هذه العناوين الحقوقية تبعدنا عن التحزب بكل أشكاله الأيديولوجية والحزبية، وخلافه، لأن وعي الإمكانية على الفعل هو جزء أساسي من الفعل ذاته، سياسيا لا أحد يريد الاستماع لمطالب المعارضة السورية، سوى قلة قليلة من أعضاء بعض البرلمانات الأوروبية، ولكي نكون أكثر وضوحا، عن التيارات الليبرالية عموما وبعضا من التيارات الاشتراكية في البرلمانات الأوروبية، لا تريد حتى التعاطي مع أي نشاط سياسي سوري معارض، ومن المعلوم أن هذه التيارات يتخللها، أعضاء من اللوبيات الداعمة لإسرائيل، وهذه لم تكن مفاجئة بالنسبة لنا، ولكن علينا أن نكون أكثر مرونة في التعاطي مع هذه القضية، فإسرائيل ومطالبها ليست نهاية التاريخ الإنساني، ويجب ألا نستغرب المواقف هذه حتى مع إيران، رغم كل هذا الضجيج الإعلامي الساركوزي- الميركلي- الأوبامي، إضافة إلى أن الروس والصينيين مضمونين على هذا الصعيد وهم لا يمارسون نفاقا ساركوزيا، تقول الناشطة الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي” يؤسفني القول بأن عددا من الحكومات الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الانسان، تغمض عينيها عندما توقّع شركاتها عقوداً مع ايران. المستشارة الالمانية انجيلا ميركل هي من أشد القادة الغربيين انتقادا للنظام الايراني. ومع ذلك ضاعفت ألمانيا عام 2009 من عدد العقود الموقّعة مع طهران. السيد مشائي، وهو رجل أحمدي نجاد لكل الأعمال، هو اليوم في المانيا، للتفاوض معها على عقود. وحتى الفرنسيين، مع شركة “اوتيلسات”، لا يفعلون غير ذلك. (…). ماذا فعلت هذه الشركة؟ سحبت البرامج الفارسية في الـ”بي. بي. سي” والـ”ف.و.آ”، وسمحت للفضائية الايرانية الرسمية بالبث في فضائها. فبدل ان تعاقَب الحكومة الايرانية عوقب الشعب الايراني. ومن أجل أي أسباب؟ المال.
هذا ما قالته بمناسبة صدور كتابها الجديد “القفص الذهبي” حيث عقدت المحامية الايرانية شيرين عبادي، (جائزة نوبل للسلام 2003)، مؤتمرا صحافيا في نادي الصحافة في باريس. وعبادي، المعارضة لنظام بلادها، تعيش الآن في الخارج خوفا من اعتقالها لو عادت اليه.
ألا تشبه صرختنا السورية” كفى صمتا” صرخة شيرين عبادي الإيرانية هذه، مع العلم أن الشباب الإيراني لازال ينزل إلى الشارع، ويقاوم هذا عسف ملالي ولاية الفقيه.
إن النشاط الحقوقي المزمع إقامته في العواصم الأوروبية، ترفض أية عاصمة عربية استقبال نشاط مثله، وهو عبارة عن وقفة احتجاج ليس إلا، وهذه نقطة يجب أن نقدرها للغرب، فالحرية هنا مكفولة وإن كانت ليست كل مفاعيلها قابلة للتحقق، أما عندنا فالحرية ممنوعة بكل مفاعيلها. النظام السوري، يستولي على مصالحه الخاصة والضيقة كلها وزياردة حبة مسك، ومع ذلك الحرية السياسية والحقوقية ربما بأبسط معانيها مصادرة. هذه المساحة الأوروبية من الحرية علينا استغلالها بهكذا نوع من الأنشطة الحقوقية، ريثما نستطيع على الأقل أن نكون فاعلين سياسيا. فعل إرادوي وفق إمكانياتنا..هكذا الأمر ببساطة.
الحوار الغربي مع النظام السوري الذي افتتحه ساركوزي لا يستطيع أحد إيقافه الآن، وهو حوار لا علاقة له مطلقا بمصالح الشعب السوري، لا من قريب ولا من بعيد، وقادم الأيام إما تكذبنا او تصدق كلامنا.
إن النشاط الحقوقي يمكن أن يجمع كل النشاط السوري، عربا وكردا، ولا داعي لأية رمزيات ذات طابع سياسي محض، فيكفي أن تكون صورة رياض سيف ومشعل تمو وانور البني وجبر الشوفي وحسن صالح والقائمة تطول..وفداء حوراني وتهامة معروف أيضا القائمة تطول..أعلاما لنشاطنا الحقوقي هذا…كما أنه لا داعي لأن نجد أسم أي تجمع سياسي في هذه النشاطات، وإذا أرادت هذه التجمعات السياسية أن تعقد نشاطات لها، تستطيع وترفع أية رمزيات ذات طابع سياسي، فهي حرة في ذلك.
في النهاية لا بد أن نشكر مجموعة الشباب المثابرين والمجهولي الهوية الذين يتابعون صراخنا” كفى صمتا”
ايلاف