صفحات العالم

دروس عن الوقت مستمدّة من بركان

إريك فوتورينو
قد لا نؤخَذ على محمل الجد إذا قلنا إن غيمة تسمح لنا فجأة بأن نرى بوضوح. غير أن ثورة بركان إيسلندي والخلل الذي أعقبها في الملاحة الجوية يدعواننا إلى أن نعيد النظر، ببطء إنما بثقة، في أفكارنا عن الوقت. الوقت الذي نحن فيه، والوقت الذي نحتاج إليه. كي نعيش ونتصرّف ونفكّر. ليست الطائرات فقط هي التي تربض أرضاً في مختلف أنحاء العالم. فالوقت الذي علّق طيرانه، يرغمنا على التفكير.
الدرس الأول هو في التواضع. ها نحن قد أُعِدنا إلى مكاننا. لسنا سوى ما نحن عليه. عابرون على الأرض التي تفعل ما يحلو لها، وتحرمنا على هواها من أحلامنا بالارتفاع عن سطحها. الحدث ملهم للفلاسفة والشعراء. لقد قدّمت لنا الكرة الأرضية فرملة قوية خرجت من أحشاء الأرض ووصلت حتى طبقة الستراتوسفير. منذ  أيام، ترقص البشرية على بركان. إنها رقصة بطيئة كما رقصة الـ”سلو”. وجزء من البشرية فقط يرقصها: فبالنسبة إلى ملايين الأشخاص، تمضية عطلة، فما بالكم بالسفر في الطائرة، أمران بعيدا الاحتمال جداً تماماً مثل استيقاظ بركان إيافيول تحت النهر الجليدي إيافيالايوكول في إيسلندا، هذا البلد الذي لا يُعرَف جيداً.
بعد انقضاء المفاجأة – ماذا يفعل بركان تحت نهر جليدي؟ ماذا تفعل السخونة تحت حماية البرودة؟ للطبيعة أفكار غريبة عن التعايش – نقيس مَن الأقوى. لا انطلاقاً من المقياس التراجيدي لأحداث مثل تسونامي آسيا أو زلزال هايتي تقتل عشرات الآلاف وتزرع الدمار على نطاق واسع. ولا انطلاقاً من المقياس الكوميدي، لأننا نعرف مسافرين وشركات لا يضحكهم أبداً هذا التوقيت السيئ المكلف والمثير للغضب على السواء.
لكن كما كتب آلان فينكييلكرو يوم الأحد المنصرم في أسبوعية “جورنال دو ديمانش”: “ليس محكوماً على الإنسان أن يجد في داخله ذاته فقط: وهذا ليس بالضرورة خبراً سيئاً”. فمن الآن فصاعداً سيكون هناك بداخلنا القليل من إيسلندا، وسوف يشعر كل  واحد منا أن “تأثير الفراشة” الشهير الموصوف في معاهدات العولمة، يطاله هو أيضاً.
الدرس الآخر يتعلّق باستعمال الوقت. بطء أم سرعة؟ تمر الساعة كما الثانية. كل شيء يسير بسرعة أكبر، المعلومات، الحياة المهنية، وسائل الترفيه، القراءة. لم يعد يخطر في بال أحد أن يأخذ الوقت الكافي، أن يأخذ وقته، أن يوقظ “السلحفاة في داخله”.
كل فعلٍ حديث يبدو مجرَّداً من الوقت. فكما يشرح عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني هارتموت روزا في بحثه الذي يصدر حالياً في فرنسا، حول مجتمع التسارع، تجرف ديكتاتورية الطوارئ هذه الميادين السياسية والاقتصادية وحتى الشخصية، فهي تجعلنا نبادر إلى رد الفعل بدلاً من الفعل، وتجعلنا نتحرّك عندما يتوجّب علينا أن نستكين لا بل نرتاح.
إنه درس لمن يحكموننا: كل ما يتم ضد الوقت، ينساه الوقت. فالتسرّع يجرّ مزيداً من التسرّع.

(افتتاحية “الموند” ترجمة نسرين ناضر )
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى