ليست معروفة في بلادها لأن شعوب المغرب العربي مشغولة بالخبز والأولاد والأمراض
فضيلة الفاروق: لست كاتبة جنس
فضيلة الفاروق: قراءة لا محاكمة –
حكيم عنكر، وحسين محمد
حجزت الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق لنفسها موقعاً ندياً في الكتابة، واستطاعت أن تبني شهرتها ككاتبة لها صوتها الخاص من خلال التراكم الذي جعلها غزيرة النشر، وقد صدرت كتبها تباعاً من بيروت، حيث تقيم، لدى دار رياض نجيب الريس ودار الفارابي، وهي مثل الكاتبة الجزائرية الأخرى أحلام مستغانمي مثيرة للجدل، وآراء نقاد الأدب منقسمة بشأنها، زيادة على أنها تكتب من فضاء خصب للإثارة والإبداع، وهذا الفضاء هو بلدها الجزائر، حيث المدن المغاربية تتشابه بسبب سيادة حالة من الإحباط العام··
إنها كاتبة مغاربية ”مغتربة” في بيروت المتعددة على نفسها· هنا نص هذا الحوار مع كاتبة يقرأها الشرق ولا يعرفها إلا القليل في فضاء مغاربي تقول عنه إنه جحود·
؟ تقيمين في بيروت، لكن ذاكرة الكتابة ومادتها بالنسبة لك موجودة في الجزائر، هل تشعرين أن كتابتك تنتمي إلى هجرات الكتاب وغربتهم، أم أن بيروت توفر لك فرصة أخرى لتأمل مصيرك ككاتبة؟
؟؟ كثيراً ما حاولت أن أكتب عن بيروت، ولعلها تحضر في مقالاتي كثيراً ولكنها لا تفرض نفسها في أدبي، الجزائر فضاء خصب للإثارة والإبداع، وهذا يبدو مناقضاً لمن يقرأ ما أكتبه، مدننا في الحقيقة في أغلب المغرب العربي الكبير محبطة، وتفتقر لهواء الحرية العليل الذي تنعم به بيروت، ومع هذا أجدني أكتب عن أمكنة الماضي، تطفو الطفولة بفضاءاتها، ومراهقتي بفضاءاتها، حقيقة بيروت منحتني وهجاً، ودفعاً لأبرز، ولكنها أعطتني دروساً كثيرة في الحياة لم أتعلمها في الجزائر، وأظن أنني استفدت رغم كل ما عانيته فيها؛ لأني اليوم أفضل بكثير، ولا أندم على أي مرحلة من حياتي· على هذا الأساس بيروت والجزائر فضاءان صنعا رؤيتي الروائية، وكونا بطاقة هويتي·
؟ لماذا في نظرك تتحول الكتابة عن الجسد إلى عار اجتماعي؟ هل لهذا علاقة بتصور ما عن وظيفة الكتابة أو الكاتب وكأنه مصلح اجتماعي؟
؟؟ الكتابة عن الجسد تتحول إلى عار عند فئات معينة في المجتمعات العربية والمتخلفة، إذن فهذه الفرضية خاطئة، وكون المتلقي يعتبر هذه الكتابة عاراً اجتماعياً فهذه مشكلته، خاصة وأنا أعرف جيداً وأنت تعرف جيداً أن عدد القراء في الوطن العربي ”يكادون يعدون على أصابع اليد الواحدة” بمعنى استخفافي أقصده، فالوطن العربي الذي يهاجم كتاباً صدرت منه ألف نسخة يبدو مجتمعاً سخيفاً، خاصة حين ندرك أن الألف نسخة بيع منها عشرون نسخة في سنة، على أي أساس ينظر للكتاب على أنه عار؟
هي وأحلام
؟ أنت وأحلام مستغانمي الجزائريتان اللدودتان، تقيمان معاً في بيروت، وتكتبان وتتنابذان أحياناً في الصحافة، هل هذا دفاع من ناحيتك عن حقك الطبيعي في الوجود؟ وهل تشعرين أن الأدب النسائي في الجزائر قد أصبح بشكل ما مركوزاً في مستغانمي؟
؟؟ في الجزائر كاتبات رائعات وكتاب رائعون، ومن الإجحاف أن نتوقف عند اسم واحد، لقد كتبت كاتبات كثيرات وناضلن من أجل الوطن ومن أجل إعلاء الحرف العربي ولكنهن قوبلن بالتنكر لهن، الكاتبة زهور ونيسي أحسن مثال على ذلك، والكاتبة جميلة زنير، والشاعرة مبروكة بوساحة، والقاصة شريفة عرباوي···
؟ موضوعة الحديقة السرية للمرأة، هل ترينها ماتزال قادرة على منح النص الأدبي النسوي ذلك الامتياز؟
؟؟ هل تقصد ركام الروايات الخليجية التي تكتسح السوق؟ أم أنك تقصد أسماء بعينها؟ بالنسبة لي النصوص التي تكتب تغربل بغربال النقد وتنتهي أسماء تظهر فجأة وتختفي كما ظهرت، حتى الأدب الخليجي تميزت فيه زينب حفني مثلاً، وفوزية شويش السالم، وبثينة العيسى، وربما أسماء أخرى لم أقرأ لها·
هناك بالطبع أسماء يروج لها الناشرون لتحقيق ربح مادي، ولكنها أسماء لا علاقة لها بالأدب، إنها تكتب أشياء مثل روايات عبير، وآرلوكان الفرنسية·
؟ في روايتك تحضر أوتوبيوغرافيا شخصية، ألا تخشين من هذه النظرة التي تقرأ الأدب باعتباره مرآة للواقع، وهل توجدين على مسافة كافية من عدوى التطابق؟
؟؟ اقرأ صامويل شمعون في سيرته الروائية ”عراقي في باريس”، وستعرف أن سرد السيرة لا يتعارض مع بناء رواية جميلة، صحيح أني لم أكتب سيرتي بوضوح ولكني وظفت جوانب منها في نصوصي الروائية؛ لأني كأية امرأة تجاربي في الحياة قليلة ومحدودة، وعلى كل هذه صفة من صفات الأدب النسائي، وهي أيضاً السلاح الذي يوجهه النقاد للمرأة الكاتبة لمحاكمتها بدل قراءتها···
لكن هذا لا يخيفني فكل مبدع يضع شيئاً من شخصيته في إبداعه، لقد تأثرت أول ما تأثرت بالكاتب تشارلز ديكنز وكنت صغيرة، ولكني كنت أتخيل ذلك الرجل حنوناً وشهماً ويدافع عن الفقراء؛ لأنه ذاق الفقر، فيما بعد حين كبرت قليلاً وبحثت عن حياته وجدته كما تخيلته···
سحر ذلك الكاتب يكمن في أنه طعم أدبه بميزات من شخصيته وتجربته، وكل الكتاب الذين أثروا في بصدق لم يبتعدوا كثيراً عن حياتهم الشخصية منهم حنا مينا، وأذكر أني حين قرأت له ”الثلج يأتي من النافذة” لم أتوقف عن البكاء طيلة الليل لتأثري بالنهاية، و”نهاية رجل شجاع”··· حنا مينا يكتب من تجاربه ومحيطه والبحر الذي يميز أدبه لم يأت من فراغ·
بعيداً عن الجنس
؟ في ”تاء الخجل” هل كان يهمك كل هذا الاستعراء وذلك التلصص إلى الأعضاء الحميمية؟ ماذا يمكن أن تضيفي إلى كل مدونة الإيروتيكي التي أنتجتها الثقافة العربية؟
؟؟ ”تاء الخجل” عمل مؤلم، لأني لم أذكر فيه كلمة نابية واحدة، ولم اسم فيها لا أعضاء جنسية ولا وصفاً جنسياً··· كل ما هنالك أنها تتحدث عن الفتيات المغتصبات في الجزائر ومصائرهن المحزنة، ليس لها علاقة بالأيروتيكي أبداً، رواية صارخة في وجه النظام والمجتمع، حتى أن البعض أسماها رواية ريبورتاجا؛ لأنها نقلت وقائع محزنة عن وضع هؤلاء الفتيات اللواتي اغتصبن وكن ضحايا الإرهاب فيما عائلاتهن تخلت عنهن بعد أن أنقذهن الجيش وتحولن إلى مشكلة، حيث وضعن في مراكز تابعة للدولة، لكن المجتمع صار ينظر إليهن كأنهن عاهرات· هل تظن أن موضوعاً كهذا فيه مزاح؟ نص إيروتيكي مثل ”برهان العسل” لسلوى النعيمي، وليس نصي الذي يهاجم القضاء في الجزائر، والنظام والمجتمع·
؟ أنت موجودة في بيروت التي تطبع، هل تعتقدين أنك كاتبة معروفة بما يكفي في بلدك وفي المغرب العربي، أم أنك تحتاجين إلى ناشر قوي وحضور إعلامي من أجل الوصول إلى القارئ المغاربي؟
؟؟ تعاملت مع ناشرين محترمين جداً، الأستاذ جوزيف بوعقل بدار الفارابي، والأستاذ رياض الريس بالدار التي تحمل اسمه، وإن كانت دار الفارابي غير قوية توزيعاً، فإن رياض الريس ناشر قوي وصحفي كبير ومحنك، ومع هذا لست معروفة جيداً في الجزائر والمغرب العربي، المسألة متعلقة بالتوزيع في المغرب العربي كله والعوائق الكثيرة التي تعيق الكتاب، منها أننا في المغرب العربي فتحنا سوقاً للكتاب كتجارة أولاً وثانياً كترويج لفكر معين، الكتاب الديني هو المسيطر على السوق خاصة في الجزائر، وهذا ما أرادته الأنظمة، وإلا كيف نجد مسؤولين في وزارات الثقافة لا يقرأون ولا يعرفون أكثر الكتاب شهرة في العالم؟ وكيف تمنع كتبنا من الدخول بسهولة فيما كتب تروج للإرهاب نجدها على الأرصفة أحياناً؟ غير ذلك شعوب المغرب العربي شعوب فقيرة تفكر بالخبز أولاً، والأولاد، والأمراض، وأشياء أخرى بتسلسلها نجد الكتاب في آخر القائمة أو أسقط بالمرة·
المنفى البيروتي
؟ صرحت في ملتقى أدباء المهجر بالجزائر مؤخراً بأنك تركت بلدك واخترتِ المنفى الإرادي بحثاً عن الاحترام· أي نوع من الاحترام الذي تبحثين عنه في المنفى، وهل وجدتِه؟
؟؟ أحب أن أمشي في الشارع دون أن أسمع كلاماً يخدشني كأنثى، أحب أن أرتدي الثياب التي تعجبني دون أن يتدخل شخص غريب ويعطيني أمراً لأغطي رأسي أو أغير ثيابي لأنها لا تعجبه، لا أحب تلك النظرات الشبقة لي كأنثى، وأكره أن أقف لأوقف تاكسي فيقف لي عشرون حقيراً يدعونني إلى الركوب وكأني عاهرة·
هذه بعض الأشياء التي أكرهها في الجزائر، وللأسف وجدت الاحترام في المنفى؛ في بيروت ترتدي الفتاة تشادور أو مايوه ولا أحد يعلق عليها، اللبناني لا يتعدى على امرأة؛ لأنها تأخرت خارج البيت، ولا ينظر إليها الجيران نظرة دونية لأنها تحضر مسرحية وتدخل بعد منتصف الليل، إنها ثقافة تريحني وتناسبني، أنا سعيدة في منفاي بغض النظر عن أي تعليق سخيف قد يلحق صراحتي·
؟ هل تؤمنين بأنَّ إصلاح المجتمعات يبدأ بكشف المستور والمسكوت عنه وإن لم تكن مهيأة لتقبّل ذلك؟
؟؟ أؤمن بأن الجرح يجب أن يُكشف ويُطهر وإلاَّ لا فائدة من صبِّ الدواء عليه وهو مغلق·
المحافظون والرواية
؟ برأيكِ، إلى أيِّ مدى أدى نفور المحافظين من الرواية العربية واعتبارها ”مروقاً” إلى تراجع مقروئيتها؟
؟؟إننا ننتمي إلى دين جميل هو الإسلام، وهو يجرد فكرة الله ولا يربطها بتمثال أو صليب أو وثن أو كاهن يعطي صكوك الغفران، ديننا يحرر الإنسان من التسلط البشري الظالم للإنسان ولكن الإنسان محتال كبير يخترع أسماء مختلفة ليبقي سلطته على البعض، هل نحن فعلاً بحاجة إلى من يسمون أنفسهم ”محافظين” يراقبوننا كيف نمشي وكيف نأكل وكيف نلبس وماذا نقرأ ليرضوا عنا؟ وفيما ينفعنا رضاهم؟ لم أر ”محافظاً” في الجزائر يحترم جاره وينظف محيط بيته ويغرس شجرة قربه أو يلقن البذيئين في الشارع درساً في الأخلاق·
هؤلاء المحافظون يجلسون في أوكارهم ويقرأون بعض الروايات العربية أحياناً وينتقدونها بشدة لنشعر بوجودهم تماماً كالمثل الفرنسي الذي يقول: ”الخزّانات الفارغة تصدر ضجيجا قوياً”· على هذا الأساس ليس المحافظون هم الذين أساؤوا للرواية العربية، إنه مخطط كبير وحاقد من جهات أكبر من هؤلاء الأقزام الذين كانوا مجرد أداة صغيرة من بين أدواتهم لتحطيم البنية الاجتماعية في الجزائر، لقد ضُربت بيروت أوّلاً لأنها مركز النشر والإشعاع الثقافي في العالم العربي·
أقلام جادة
؟ كيف تقيِّمين الرواية النسوية العربية في السنوات الأخيرة؟ وماذا قدمت للمرأة في نضالاتها من أجل التحرر؟
؟؟ إننا نكثر ونتطور ونتعثر ونتعلم، هناك أقلام جادة تناضل ليتطور المجتمع العربي، وهناك أقلام تُستغل من طرف دور نشر لتكسب الملايين· النساء اثبتن قدرتهن على القص والسرد وهذا شيء جيد·
بالنسبة لي كجزائرية، أشعر بأن المرأة الجزائرية قدمت الكثير وغيّرت واقعنا نحو الأحسن بالرواية وبغيرها، أما في الوطن العربي فالمرأة غير فاعلة، أنظر إلى روايتي” تاء الخجل” موضوعها جاد وقاسي ولا علاقة له بالجنس كشهوة وممارسة ومع هذا رُوِّج له على أنه رواية جنسية، وانظر إلى” اكتشاف الشهوة” إنها رواية تروي مشكلة الزواج عندنا وكيف هي مبنية على أهداف خاطئة تحوِّل العلاقة بين الرجل والمرأة إلى جحيم، ولكن أيضاً هذه الرواية رُوِّج لها على أنها جنسية؛ لأنها صدرت في فترة تهاطلت فيها الروايات الجنسية من كل صوب وحدب، وقد قرأت عدداً كبيراً منها ولم أفهم مغزاها سوى أنها مخطط من بعض دور النشر لمقاومة إفلاسها·
جريدة الاتحاد