رغم معلوماتها… أميركا لا تفهم سوريا !
سركيس نعوم
يبدو ان الولايات المتحدة بـ”جمهورييها” و”ديموقراطييها” ومسؤوليها ومتعاطي الشأن العام فيها لم تستطع بعد ان تفهم سوريا بشار الاسد وان تتعرف الى طريقة مقاربتها للتطورات الصعبة بل الخطيرة التي تواجهها، سواء في المنطقة او في العالم، وذلك رغم “الكم” الهائل من المعلومات التي تملك عن هذه الـ”سوريا” من زمان والتي تحدّثها في استمرار حتى في اوقات شبه القطيعة معها بوسائل متنوعة. ويظهر ذلك ملياً من خلال سؤالين تقول مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة ان واشنطن تطرحهما على خبراء في سوريا ومتابعين لأوضاعها ومتعاطين معها، وكل هؤلاء من ابناء المنطقة طبعاً: السؤال الاول هو: ماذا ستفعل سوريا في حال اصدرت “المحكمة الخاصة بلبنان” (الدولية) تقريراً ظنياً اتهمت فيه اعضاء من “حزب الله” اللبناني، حليفها وابن ايران الاسلامية حليفتها الاستراتيجية، بالاشتراك في شكل من الاشكال في اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ والسؤال الثاني هو: هل ستبادر في صورة من الصور الى احتواء رد فعل “الحزب” على اتهامات كهذه بل الى منعه من التصرف على نحو يهدد الاستقرار في لبنان؟
واضح من السؤالين ان الولايات المتحدة تتوقع او ربما تعرف ان المدعي العام للـ”المحكمة الخاصة بلبنان” سيدعو اعضاء من الحزب المذكور للاستماع اليهم أولاً بصفة شهود وتالياً لاستجوابهم في حال وجد في اقوالهم ما يثير شكوكه وربما لإصدار مذكرات توقيف في حقهم. وواضح ايضاً من السؤالين ان المدعي العام نفسه قد يوجه الى “الشهود” مذكرات احضار في حال امتناعهم عن المثول امامه لاعطاء افاداتهم. وواضح ثالثاً من السؤالين ان الولايات المتحدة تقدّم “جزرة” الى سوريا الاسد، هي إبعادها وفي صورة نهائية عن المحكمة والاتهامات التي طالتها منذ 14 شباط 2005. وواضح رابعاً انها تسأل ماذا يمكن ان تقدم سوريا في مقابل ذلك؟ ومعروف ان ما تطلبه اميركا يتعلق بـ”حزب الله” الذي صار العدو الاول لاسرائيل واستطراداً لاميركا والذي صار لا بد من وضع حد له، اذا جاز التعبير على هذا النحو، اذا كان المجال لوضع حد لمن اسسه ورعاه وقدم اليه كل شيء – اي ايران – صعباً للاعتبارات المعروفة، وكذلك اذا كان المجال لوضع حد لحليفه القريب اي سوريا غير متوافر لاسباب اقليمية معروفة اهمها التقاء المصالح. لكن الواضح خامساً ان الولايات المتحدة لا تعرف، رغم ضخامة ما تعرفه وتعجز عن تحليله في صورة صحيحة وتالياً عن استعماله لوضع قراءة صحيحة لأي مشكلة تواجهها، ان سوريا بشار الاسد لن تتصدى في اي ظرف كان مباشرة لـ”حزب الله” على النحو الذي يرغب فيه الكثيرون في لبنان والمنطقة والعالم. والأسباب كثيرة وليس الدخول فيها متاحاً او متيسراً. الا ان اهمها اثنين: الاول، حلفها مع ايران الاسلامية. والثاني، تعاظم قوة “حزب الله” الذي لم يعد لقمة سهلة لأي جهة داخلية أو خارجية. ولكن الواضح سادساً ايضاً ان الولايات المتحدة تحاول استعمال “المحكمة الخاصة بلبنان” اداة ضغط على سوريا كي تُنَفِّذ بعض مطالبها وخصوصاً بعدما “اكلت” سوريا هذه في السابق واكثر من مرة “الطعم الاميركي وعملتها على الصنارة” كما يقال.
اذا كانت هذه حال سوريا مع اميركا في موضوع “حزب الله” انطلاقاً من تحرك قضائي ضده تعتزم “المحكمة” القيام به، فما هي حال “الحزب” حيال كل ذلك؟ هل هو محشور؟ ام محبط؟ ام خائف؟ ام مربك؟ وهل لديه خيارات كثيرة للمواجهة؟ وما هي؟
طبعاً لا احد يملك اجوبة عن هذه الاسئلة وعن اخرى كثيرة مشابهة لها لأسباب كثيرة معروفة. لكن ما يعرفه متابعو ملف المحكمة من قرب يشير الى ان قيادة الحزب ليست “مغشوشة” بما يجري وانها لا تنظر بارتياح الى خطوات قامت بها المحكمة وستواصل القيام بها رغم البراءة “الظاهرة” فيها، كما لا تنظر بارتياح الى مواقف داخلية لا توحي الا أن اصحابها ينتظرون “زلزالاً” ما. وما يعرفونه ايضاً ان الحزب لا يستطيع على الاقل في المرحلة الراهنة وفي ظل الاوضاع السائدة عدم التجاوب مع طلب المحكمة الاستماع الى اعضاء فيه. فمثلاً يقول هؤلاء ان اللائحة الاولى بالمطلوب الاستماع اليهم لم يكونوا حزبيين، فنصحهم الحزب بالتجاوب، لكنه يعرف ان ذلك قد يكون استدراجاً وان اللائحة الثانية من هؤلاء قد تتضمن اسماً من الحزب، وان اللائحة الثالثة قد تتضمن اكثر من اسم. ويعرف ايضاً ان هذا الاستدراج في ظل محكمة “مسيَّسة”- في اعتقاده طبعاً – لا بد ان يكون جزءاً من خطة محكمة للايقاع به. وطبيعي ان يكون موقفه استناداً الى المتابعين والخبراء المشار اليهم اعلاه الحذر والتحوط والتحفظ والدفاع عن النفس وتلافي السقوط في “الفخ”. اما كيف ذلك؟ فهذا هو السؤال الكبير والمهم والصعب الذي لا يملك احد جواباً عنه. لكن الشيء الوحيد الذي يمكن التعليق به عليه هو: كان الله في عون لبنان من المحكمة ومن اسرائيل (العدوة) ومن سوريا (الشقيقة) كي لا يتهمنا احد بالمساواة بينهما وتالياً بالعمالة، ومن كل اشقائه العرب ومن المجتمع الدولي وفي مقدمه الزعيمة الاحادية له اي اميركا.
النهار