صواريخ حزب الله علــى خط دمشق ــ واشنطن
في ذكرى الشهداء القادة لحزب الله (أرشيف ــ مروان بو حيدر)في ذكرى الشهداء القادة لحزب الله (أرشيف ــ مروان بو حيدر)اهتمت الصحافة الأميركية هذا الأسبوع بموضوع صواريخ سكود التي قيل إنّ سوريا منحتها لحزب الله، فحفلت الصحف بتغطيات عن الموضوع مع استشراف آراء الخبراء العسكريين في هذه الخطوة،ومدى تأثيرها في عملية السلام في الشرق الأوسط. وفيما رأى بعض المحللين أنّ الصواريخ قديمة وعديمة الأهمية ولا يمكن أن تؤثر في إسرائيل، رأى آخرون أنّ السوريين ربما عدّلوا تلك الصواريخ لتطاول كلّ إسرائيل. ودافعت الصحف المقرّبة من الديموقراطيّين عن قرار الإدارة إرسال سفير إلى سوريا في وجه مطالبات الجمهوريّين بتجميد ذلك، نظراً إلى تورّط سوريا في مساعدة حزب الله
إعداد وترجمة: ديما شريف
تقويض الجهود الأميركية
أندرو تابلر*
فاجأ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك المسؤولين في دمشق وواشنطن حين ادّعى الثلاثاء الماضي أنّ سوريا توفّر لحزب الله صواريخ سكود تهدّد بمداها ودقّتها المدن الإسرائيلية أكثر من أيّ وقت مضى. إعلانه غير المتوقّع، الذي نفته سوريا بشدّة، يهدّد بإشعال حرب جديدة بين إسرائيل وخصومها في المنطقة، في الوقت الذي تضعف فيه جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما في التواصل مع سوريا.
يخيّم نقل الصواريخ المزعوم اليوم على موافقة الكونغرس على من اختاره أوباما سفيراً في سوريا، وهو روبرت فورد، الذي سيكون أول مبعوث من واشنطن إلى دمشق منذ أكثر من خمس سنوات. قرار الرئيس السوري بشّار الأسد بنقل أسلحة ذات مدى أكبر ودقّة أكثر إلى حزب الله هو تطوّر مثبط لعزيمة المسؤولين الأميركيين، الذين أملوا أن يدفع انفتاح أوباما على النظام السوري إلى تعديل سلوكه. ففي الوقت الذي تسلّح فيه دمشق حليفها اللبناني بواسطة مجموعة من الأسلحة الفتّاكة، تصبح أكثر فأكثر صدقيّة سوريا كشريك سلام لإسرائيل موضع شك.
لقد تدفّقت الأسلحة من سوريا للبنان منذ عقود، لكن في الأشهر الأخيرة، تشير بعض التقارير إلى زيادة في تطوّر نظام الأسلحة التي مُنحت لحزب الله. في تشرين أول 2009، قالت المجلة العسكرية البريطانية «جاينز ديفانس ويكلي» إنّ سوريا أعطت حزب الله صواريخ إم ـــــ 600، وهي نسخة سورية عن الصاروخ الإيراني فاتح 110، الذي يستطيع نظامه الملاحي البسيط أن يحمل شحنة تصل زنتها إلى 500 كيلوغرام لمسافة تصل إلى 250 كيلومتراً.
وفي بداية آذار الماضي، قال رئيس قسم الأبحاث في قسم الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي الجنرال يوسي بايداتز للجنة العلاقات الخارجية والدفاع في الكنيست، أي برلمان إسرائيل، إنّ سوريا وفّرت أخيراً لحزب الله نظام الدفاع الجوي «إيغلا إس» الذي يمكن حمله بواسطة شخص. يستطيع السلاح الذي يطلق من الكتف أن ينال من الطائرات الإسرائيلية الصغيرة، أي التي هي بدون طيار، وأسلحة الطوّافات، وكذلك الطائرات التي تحلّق على علو منخفض تحليقاً روتينيّاً فوق لبنان لجمع المعلومات.
كذلك برزت تقارير تتحدت عن نقل متزايد للأسلحة بعد جلسة الاستماع إثر تسمية فورد في 16 آذار. انتشرت الشائعات في كابيتول هيل (مبنى الكونغرس) عن أنّ سوريا سلّمت صواريخ «سكود دي» للبنان. لم تحدّد هذه التقارير ما إذا كانت الصواريخ هي «سكود دي» الروسية الصنع أو أخرى عدّلها السوريون، وتمثّل نسخاً مطوَّرة من نماذج سكود القديمة، التي يقال إنّ سوريا بدأت بإنتاجها بكميات كبيرة خلال العام الماضي. يصل مدى النوعين إلى 700 كيلومتر، ما يعني أنّها تستطيع ضرب معظم المدن الإسرائيلية، إن لم تكن كلّها، حتى لو أطلقت من شمال لبنان. النوعان يستطيعان حمل رؤوس حربية كيميائية أو بيولوجية.
بعد أقل من أسبوع على الزيارة التي قام بها في 17 شباط نائب وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية وليم بيرنز، وهو أرفع مسؤول أميركي يزور سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، استضاف الأسد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على وليمة في دمشق. خلال الزيارة، سخر الأسد علانية من الجهود الأميركية لإبعاد سوريا عن إيران، وقال إنّه وحكومته «نعدّ أنفسنا لأيّ اعتداء إسرائيلي».
يبدو أنّ نقل الأسلحة يمثّل استمراراً لموقف الأسد الحربي. ففيما كان لبنان لوقت طويل مركز المعركة بين سوريا وإسرائيل، فإنّ نقل هذه الأسلحة قد يشير إلى أنّ الرئيس السوري يعتقد أنّ الحرب المقبلة مع إسرائيل تتضمّن ضربات ضد الأراضي السورية. وبالعكس، اقترح آخرون أن يكون تسليم الأسلحة قد حصل لوضع الضغط على الولايات المتحدة لإعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات، وهو تكتيك غريب لا يبدو أنّه فعال.
في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، زار مسؤولون في الكونغرس الأميركي، وخصوصاً السيناتور جون كيري، دمشق في الأسابيع القليلة الماضية، وحاولوا جعل الأسد يلتزم مباشرةً بهذا الموضوع. لم تكن نتائج اللقاءات علنية. وفي الوقت نفسه، يقال إنّ الولايات المتحدة وجّهت عدداً من المساعي الدبلوماسية صوب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لتشتكي من نقل الصواريخ. لكن، بما أنّ الحكومة اللبنانية لا تملك أيّ سيطرة على الحدود السورية ـــــ اللبنانية، فلن يعبأ أحد بهذه المساعي.
سبّبت هذه الاكتشافات ردود فعل متناقضة في واشنطن في ما يتعلق بالتعاطي مع سوريا. المشكّكون يقولون إنّ التعاطي غير المنسّق من جانب فرنسا، السعودية، والاتحاد الأوروبي، والآن الولايات المتحدة، سبّب نوعاً غريباً من «الانتصار السوري»، مما دفع الأسد إلى التخلي عن الحذر. ويقول هؤلاء المشكّكون إنّ قرار سوريا إرسال سكود إلى لبنان يُثبت أنّ دمشق غير مستعدة لإبعاد نفسها عن طهران. كذلك يناقشون أنّ إرسال سفير أميركي إلى سوريا في هذه الظروف يوجّه الرسالة الخاطئة إلى دمشق وسيجعل الأسد أكثر تجرّؤاً.
المدافعون عن علاقات أعمق مع سوريا يقولون إنّ إرسال سفير سيحسّن التواصل مع النظام السوري، وبالتالي سيؤدّي إلى تجنّب أزمات مستقبلية. فقد كانت النتيجة غير المباشرة وغير المقصودة لسياسة واشنطن بعزل سوريا زيادة أهمية السفير السوري عماد مصطفى، الذي تبيّن أنه محاور غير فعّال أبداً. عودة سفير إلى دمشق ستوفّر قنوات لتفادي مصطفى، وتساعد أيضاً على تجنّب «حادث» قد يشعل صراعاً في هذا الجو المفعم بالتوترات السورية ـــــ الإسرائيلية.
تعتمد قدرة الدبلوماسية الأميركية لتجنّب أزمة اليوم على الموقع الحالي لصواريخ سكود. إذ تشير التقارير التي تقتبس من مسؤولين أميركيين وإسرائيليين إلى أنّ الصواريخ عبرت الحدود، لكنْ من غير الواضح عدد الصواريخ الموجّهة إلى حزب الله، التي لا تزال على الأراضي السورية. وإذا اندلع القتال، يخاف الدبلوماسيون في واشنطن من أن يسرق الصراع الانتباه عن مصلحة وطنية أميركية أكثر أهمية: الجهود الموجهة نحو إيقاف البرنامج النووي الإيراني. ففي حال وقوع حرب إقليمية، سيتشتّت تركيز واشنطن على مهمّتها في قيادة مساندة دولية لعقوبات من جانب الأمم المتحدة على إيران. فعبر البرهنة أنّ حزب الله لا يمكن تحييده دون مساعدة سورية، ساعدت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله على كسر عزلة نظام الأسد الدولية، وهو درس لم يفت طهران.
لقد استجابت إسرائيل تقليدياً لتهديدات كهذه عبر ضرب مواقع صواريخ حزب الله في لبنان. لكنّ إسرائيل قالت خلال السنة الماضية إنّ الصراع المقبل قد يتضمّن ضربات داخل سوريا أيضاً، أو سيستهدف قوافل الأسلحة وقت عبورها الحدود السورية ـــــ اللبنانية المليئة بالثُّغر.
رغم ارتفاع نسبة حصول ضربة سورية مضادة، قد يرى بعض المسؤولين الإسرائيليين إيجابيات في ضرب سوريا ولبنان عسكرياً. يقول المحلّلون إنّ معظم قرارات الحرب ستعتمد على حسابات إسرائيل الاستراتيجية في الشمال. لكن هناك حسابات إقليمية تتعلق بإيران أيضاً. إذا دمرت إسرائيل أسلحة حزب الله، فستوفّر فترة زمنية تكون فيها المدن الإسرائيلية بعيدة عن تهديد اعتداء صاروخي. سيعطي هذا إسرائيل فرصة رائعة لضرب إيران دون المخاطرة بردّ مباشر من حلفاء طهران على شمالها. هذا السيناريو لن يكون مجانياً لإسرائيل، لكن في ظل القلق من امتلاك إيران سلاحاً نوويّاً، قد يرى القادة الإسرائيليون أنّ مقدار المخاطرة مقبول. وبما أنّ أيّ ضربة إسرائيلية لإيران تبدو اليوم خارح الطرح، فقد يكون هذا هو السبب وراء غلبة رأي الهادئين حتى الآن.
وسط هذا الموقف الذي لا يحسد أحد عليه، يقف السفير روبرت فورد. التصعيد المفاجئ من جانب النظام السوري يمثّل تحدياً إضافياً لسياسة أوباما بالتعاطي مع سوريا، وتحقيق سلام إقليمي. استطاعت الدبلوماسية الهادئة أن تجنّب الموقف مزيداً من التدهور والوصول إلى حرب شاملة. لكن إذا استطاعت إسرائيل تحديد موقع صواريخ سكود في لبنان، فقد لا يطول هذا الهدوء المخادع.
* عن «فورين بوليسي»، مجلة أميركية تصدر كلّ شهرين أسّسها صموئيل هانتنغتون تنشر مقالات لأكاديميين ومفكرين
حلّ دبلوماسي
الرئيس الأميركي باراك أوباما (أ ب)الرئيس الأميركي باراك أوباما (أ ب)اتهم مسؤولون إسرائيليّون سوريا هذا الأسبوع بأنّها قدّمت إلى حزب الله صواريخ سكود متوسطة المدى، ما يجعل المقاتلين اللبنانيين أول جيش غير نظامي يمتلك أسلحة مشابهة، ستمكّنهم من استهداف كلّ إسرائيل. لم يؤكّد المسؤولون الأميركيون إن كانت الأسلحة قد سلِّمت فعلاً، وتنفي سوريا التهمة بعناد. كما تحذّر كلّ من سوريا وإسرائيل من أنّ الآخر يُعدّ للحرب، ما يثير القلق من صراع عسكري جديد في المنطقة. وقد دفع ذلك الجمهوريّين إلى الطلب من الرئيس باراك أوباما تأخير إرسال سفير أميركي إلى دمشق للمرّة الأولى منذ خمس سنوات. إنّ ذلك، في حال حصوله، سيمثّل خطأً كبيراً. فالولايات المتحدة لا ترسل سفراء كمكافأة للدول على سلوكها، بل لتوفير أدوات لنزع فتيل أزمات مثل هذه التي نشهدها حالياً.
لقد سلّحت سوريا حزب الله لعقود. لكنّ تسليم صواريخ سكود يُعدّ تقدّماً مهمّاً في ترسانته، ما يزيد من ضعف الدولة اللبنانية، رغم أنّ التأثير في إسرائيل سيكون نفسياً وعسكرياً على السواء. خلال حرب 2006 مع إسرائيل، استخدم حزب الله صواريخ ذات مدى يصل إلى 60 ميلاً، وستعزّز صواريخ سكود هذه المسافة بسبعة أضعاف على الأقل. لكنّ صواريخ الخمسينات ليست دقيقة، ولدى إسرائيل القدرة على اعتراضها. رغم ذلك، سترى إسرائيل أنّ دخول هذه الصواريخ في المعادلة هو فعل ينمّ عن عداء من جانب سوريا.
من الصعب معرفة ما يمكن أن تربحه سوريا عبر تسليم صواريخ سكود لحزب الله (لدى المجموعات المسلحة المتمردة طريقتها في التهرّب من سيطرة مشغّليها، كما اكتشفت الولايات المتحدة وروسيا). يقترح البعض أنّ سوريا وحزب الله ربما يعتقدان أنّ إسرائيل تنوي تكرار حرب 2006 ضد حزب الله، الذي أعاد تسليح نفسه اليوم. لكن وفق هذه النظرية، فإنّ صواريخ سكود تمثّل رادعاً. البعض الآخر يقول إنّ دمشق غاضبة من قلّة التقدم الحاصل في المحادثات مع إسرائيل
بشأن إعادة هضبة الجولان، وتريد أن تزيد الضغط. لكن، يقترح آخرون أنّ كل ما يجري جرت هندسته من جانب طهران كجزء من رد إقليمي محتمل على أيّ اعتداء إسرائيلي على منشآتها النووية. مهما كان السيناريو، تردّ إسرائيل عادةً على أيّ تهديد متصاعد بضربة، كما فعلت على ما ادّعت أنّه موقع نووي في سوريا في 2007. يقال إنّ ملك الأردن عبد الله الثاني أخبر أعضاءً في الكونغرس في واشنطن الخميس الماضي أنّ هناك تهديداً وشيكاً بوقوع حرب في المنطقة. هذا عذر إضافي للولايات المتحدة لتتدخّل في الموضوع. رغم نقص النتائج حتى الآن كما يبدو، يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في جهودها لجذب سوريا بعيداً عن طهران. يجب أن تتوسط الإدارة بين إسرائيل وسوريا، ويجب أن تفعل ذلك مع ترسانة دبلوماسية كاملة. هذا يعني أنّ مجلس الشيوخ يجب أن يوافق على تعيين روبرت فورد سفيراً في سوريا.
* افتتاحية صحيفة «إل. آي. تايمز» في 16 نيسان
الأخبار