ولادة أخرى مشوهة لحزب كردي جديد
محي الدين عيسو
لا يمكن للمرء أن يدرك ويشعر بقيمة أي تجربة حزبية على وجه الأرض إن لم تكن ذا نتائج إيجابية ومكشوفة للعيان، وواضحة المعالم، وتقف بحق في وجه كل من يحاول إلحاق الضرر بالآخر المختلف قومياً أو دينياُ أو ثقافياً .. الخ، وقد كان ميلاد أول حزب كردي معبرا بصدق عن إرادة الشعب الكردي النضالية ومستجيباً لآماله وطموحاته القومية والوطنية، ولكن بعدها توالت الانقسامات والانشقاقات في صفوف الحزب الأم حتى أصبح عددهم في الفترة الأخيرة ثلاثة عشر حزبا كودياً أو ربما أكثر،
بعض منها يطالب بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد ” دون توضيح ماهية الحقوق القومية المشروعة ” والبعض الآخر يطالب بكردستان الغربية، ومنها من يطالب بكردستان سوريا، ومنها من يرفع شعار المجتمع الكردستاني، ومن يطالب بالحقوق الثقافية والمدنية، وغيرها من الشعارات القومية والوطنية في آن واحد، ولم يعد المواطن الكردي قادرا على التمييز بين الخطاب القومي والخطاب الوطني لهذه الأحزاب، وهل هذه الأحزاب هي أحزاب وطنية أم أحزاب قومية أم أحزاب باطنية، لذا ينبغي علينا أن نعترف بكل صراحة وشجاعة بان تجارب الحركة الكردية في سورية بعد ولادة أول حزب كردي عام 1957 خير مثال على النموذج الذي يمكن أن يضرب به المثل في الفشل السياسي وإلحاق الضرر بالقضية الكردية في سورية نتيجة عدم امتلاك رؤية سياسية واضحة، والخنوع والخشوع أمام السياسات المتبعة بحق الشعب الكردي في سوريا، والخلافات الشخصية بين أطراف الحركة الكردية على أتفه الأشياء مما مهدت هذه الأحزاب للسلطات الحاكمة بإجراء المشاريع العنصرية بحقه دون وازع من ضمير أو رادع أخلاقي.
لم تكن للحركة السياسية الكردية أي دور في محاولة إيقاف المشاريع العنصرية التي طبقت بحق الشعب الكردي في سورية من الإحصاء الاستثنائي عام 1962 إلى الحزام العربي عام 1973 إلى مرسوم ( 49 ) وإلى آخر هذه المشاريع لم تقف تلك الحركة بوجه من يحرم الأكراد حتى من رغيف الخبز لا بل ربما كانت مساهمة وشريكة في تلك المشاريع من خلال سكوتها على الحق الكردي المُداس من قبل النظام الحاكم، فكل الكتب والدراسات والكراسات التي تناولت الحركة السياسية الكردية منذ ولادتها لم تتناول إلا الخلافات الشخصية بين قادة هذه الأحزاب والانشقاقات والاصطفافات الحزبوية لأنها لا تملك في إرثها التاريخي غير الأمراض السرطانية التي تفاقمت يوما بعد آخر.
آخر هذه الإبداعات أو البدعات السياسية أطلقها الأستاذ فيصل يوسف عضو المكتب السياسي السابق لحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي أكن له شخصيا كل الاحترام والتقدير لكتاباته وجرأته في طرح القضية الكردية عبر المواقع الالكترونية وفي ندوات المراكز الثقافية حين يتحدث عن المشاريع العنصرية بحق أبناء جلدته، والدور الكبير الذي لعبه في حزبه من خلال الحوار الكردي – العربي، فكان بحق أحد ابرز الشخصيات الثقافية والسياسية التي تواصلت مع رجالات المجتمع المدني في سورية، لكنه في الآونة الأخيرة قدم مشروعا لولادة حزب كردي جديد – رغم عدم الإعلان الصريح عنه – سمي بـ الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ( حركة الإصلاح ) وهو يدعي بأن هذه الحركة ليست حركة انشقاقية بقدر ما هي دعوة إصلاحية بحسب تعبير الأستاذ فيصل يوسف في إحدى ندواته التي أقامها في الجزيرة السورية بالقول ” نحن في صدد دعوة إصلاحية داخل حزبنا وبسبب هذه الدعوة الإصلاحية يسد الرفيق حميد كل السبل لعودة الحياة الحزبية الطبيعية عن طريق هذه الإجراءات والممارسات الاقصائية وفرض إجراءاته التي يحاول بها قطع العلاقة بين الرفاق وتأجيج الخلافات بينهم لتمرير مشروعه في التأبيد والتوريث وإطلاق العنان لفرديته ومزاجيته” أعتقد أن الأستاذ فيصل يوسف يدرك جيداً بأن الحركات والمحاولات الإصلاحية يتم داخل جسد الحزب وعندما يكون الشخص عضواً في هذا الحزب يمكن طرح هذه المشاريع، ويسعى لتغيير الحالة النمطية السائدة بما يمكنه من تصحيح الاعوجاج إن وجد، ولكن حالة الأستاذ فيصل مختلفة تمام فهو مفصول من الحزب بقرار المكتب السياسي المنتخب من قبل المؤتمر العام كما أعتقد، وبحسب العرف السياسي المتبع لا يحق للشخص المفصول أن يطرح مشاريع إصلاحية داخل الحزب لأنه لم يعد جزء منه، وما كلام الأستاذ فيصل بأننا “نشكل رؤية لحالة إصلاحية ولم نفكر ولو مجرد تفكير لزيادة رقم إلى الحركة الكردية” ليس إلا مجرد دعاية لا يصدقها من يملك ذرة عقل أو عَمِل في الحقل السياسي ليوم واحد فقط، فحركة الإصلاح حزب كردي جديد يضاف إلى الأرقام الكردية وسيزف خبرها الأستاذ فيصل يوسف آجلاً أم عاجلاً لكنه يحتاج إلى بعض الوقت ربما لكسب التأييد والمباركة من قبل الأحزاب التي تتصارع مع سياسة الأستاذ عبد الحميد درويش.
يعلم الأستاذ فيصل يوسف إن طرح أي مشروع سياسي أو ثقافي يحتاج على حوامل فكرية واجتماعية وشعبية … ويحتاج أيضاً إلى آليات لإنجاح هذا المشروع أو ذاك، لكن حالة الحراك السياسي أو الثقافي الكردي في سورية لا تشبه أي حالة في العالم، فقد وصلنا إلى مرحلة يجتمع فيها ثلاثة سياسيين لا يفقهون من السياسة إلا أسمها ويعلنون إنشاء حزب كردي جديد ويطرحون المشاريع الكبيرة دون وجود آليات حقيقية بيدهم لكنهم يطرحونها هكذا، أو يجتمع ثلاث متثاقفين يعلنون عن ولادة مجلة ثقافية أو سياسية أو اجتماعية بعناوين عريضة لا تصدر منها إلا إعداد قليلة ثم تتوقف لأنها تأتي دون تخطيط مسبق أو سياسة واضحة، أو يجتمع عدة مهتمين بالشأن العام ويعلنون عن إنشاء منظمة تهتم بحقوق الإنسان أو بالبيئة أو بالطفولة… وتكون القرارات في لحظة طيش ومجرد فكرة عابرة ليكتشفوا فيما بعد بأنهم قد وضعوا أنفسهم في غير المكان المناسب، ولا أتمنى حقيقة أن يكون الأستاذ فيصل يوسف من بين هؤلاء وأن يفكرا ملياُ قبل إطلاق مشروع حزبه الجديد.
وختام الحديث أود التأكيد على نقطتين الأولى تتمثل في عدم خوضي في تفاصيل الخلاف الحزبي ( لأنني لست طرفا بالخلاف أو عضواً في الحزب ) متمنيا على جميع الأحزاب الكردية والشخصيات المستقلة أيضا أن لا تكون طرفا فيه لغايات وحسابات شخصية غايتها الانتقام وإضعاف الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، والنقطة الثانية همسة في أذن الأستاذ فيصل يوسف لأقول له بأنه مشروع مثقف وكاتب كردي محترم يحمل بذور ثقافية ناضجة قادرة على العطاء أكثر من أن يحرق أوراقه بالمشاريع السياسية الغير ناضجة، وأن تشكيل حزب كردي جديد لن يكون إلا رقما من الأرقام الضعيفة المتوالدة ولادات مشوهة تسيء إلى القضية الكردية أكثر مما تنفع.