صفحات ثقافية

الزواج بين وهم الحرية ووحش الروتـين، هل تقول “نعم” أيها المثقف؟

null
زهرة مروة
تقول الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار: “الزواج يضاعف الالتزامات العائلية والأعمال الاجتماعية المرهقة”، أما بالزاك فيؤكد من جهته أن الزواج “يجب أن يحارب بلا هوادة وحشا يلتهم كل شيء، وهو الروتين”. فعلا، حارب عدد كبير من المثقفين الغربيين فكرة الزواج واعتبروا هذا الارتباط مقبرة الحب. فهل يكون هذا أيضا رأي المثقفين اللبنانيين؟ وماذا عن الهوّة بين ما يقوله المرء علناً، وما يعيشه فعلياً. لأجل ذلك توجهنا الى عدد من الكتّاب والفنانين بالسؤال الآتي: ما رأيك في الزواج؟ وفي العلاقة الحرة؟ وفي مفهوم الثنائي بشكل عام؟ فأتت الأجوبة متنوعة.
الشاعر بول شاوول يثني على رأي الكاتبة سيمون دو بوفوار لأنه يعتقد أن الزواج يضاعف الالتزامات والمسؤوليات. “أنا شخصيا ضد الزواج لأني لا أجد نفسي موهوبا لهذا النوع من العلاقات كونها تتطلب مني مسؤوليات كثيرة كتربية الأولاد وواجبات اجتماعية وعائلية وتضحيات لم أخلق لها”. أما بالنسبة الى زواج الكاتب أو الفنان بشكل عام فيعتقد شاوول أنها مسألة شخصية ولا يستطيع ان يجزم فيها، فلكل كاتب وفنان شخصيته ومزاجه.
الروائية علوية صبح تتشارك الرأي مع الشاعر بول شاوول وتقول إنه ليس لديها جواب مطلق لكل الأشياء وتكره الإعتبار أن على الفنان أو الكاتب أن لا يتزوج، “فلكل كاتب مزاجه وقدراته وطبيعته وتكوينه. قد يريح الزواج كاتبا وقد يزعج آخر”. ولكن يخيل اليها “أن الزواج ربما يناسب الكاتب الرجل أكثر من المرأة الكاتبة. لأننا في مجتمعاتنا الذكورية المرأة هي عادة التي تتكيف مع الرجل والتي تتنازل”. وكالشاعر بول شاوول، هي لم تفكر في الزواج مطلقا لأنها حرّة إلى حد كبير ولا تحب أن يدجنها شيء: “ليست لديّ القدرة أو الجرأة لخوض تجربة كهذه. ربما الأمر أنانية وعدم قدرة على الشراكة الفعلية الأبدية المطلقة أو التفصيلية والتافهة واليومية. هذا لا يعني أني ضد الزواج بالمطلق. ربما أكون قد خسرت متعا ما في هذه المؤسسة، لكنني سعيدة بمتعة الوحدة التي اخترتها أو ربما هي التي اختارتني”.
الكاتبة هالة كوثراني، بخلاف شاوول وصبح، تنظر الى الزواج بطريقة ايجابية ومتفائلة. تعتقد أن الكاتب يجب ألا يضع نفسه في صومعة أو يدخل في علاقات متعددة. وتضيف أن زواجها ناجح لأن زوجها متفهم كثيرا ومنفتح وتجمعها به علاقة صداقة أيضا. وهو يترك لها مساحة من الحرية ولا يخنقها بغيرته. كما أنّها تتناقش معه في الثقافة كونه أستاذا جامعيا وليس بعيدا من اهتماماتها، “وربما هذا ما يقرب بيني وبينه ويجعله يتفهمني أكثر”.
المسرحية نضال الأشقر تعتقد ايضاً أن الكاتب يجب ألا يضع نفسه في صومعة أو يفكر انه ليس موهوبا للزواج، “فليس هناك فرق بين زواج الكاتب وزواج أي انسان آخر. أي ان الكاتب يمكن أن تكون شخصيته غنية وأن يكون موهوبا للقيام بوظائف عدة، بالاضافة الى عمله ككاتب، كأعمال التجارة والزواج ويمكن ان يكون أبا كذلك”. وتضيف الأشقر أن هناك دائما هالة من الرومنطيقية تحيط بزواج الكاتب أو الفنان ولكن في الواقع هم أناس كباقي الناس يعيشون حياة عادية ولديهم أولاد ومسؤوليات. ثم تعود لتشدد “ان الزواج هو عقد واتفاق بين طرفين والمهم الاتفاق بين الثنائي سواء كان الطرفان من الكتّاب أو التجار…”.
الكاتب حسان الزين كان رأيه معتدلا، فهو مع الزواج شرط أن يوفر هذا الزواج مساحة للمثقف فلا يخنقه. في رأيه ان زواج الكاتب أو المثقف هو أمر بديهي، ويعتقد ان معظم المثقفين تزوجوا ولديهم عائلة، ولكن التحدي الأكبر يكمن في امكان توفيق الكاتب أو الخلاّق بين واجبات الزواج والمسؤوليات العائلية والاجتماعية التي يتطلبها، وبين ابداعه ومشروعه الثقافي. يضيف: “بالتأكيد الزواج يروض كل مشروع ثقافي ويخفف من كمية الخلق، وكذلك يتطلب من المتزوج التزام قواعد عيش ونظام مختلف عما كان عليه أيام العزوبية”.
أما بالنسبة الى العلاقة الحرة أو المساكنة فمعظم الكتاب بدوا متقبلين لهذا النوع من العلاقة. وشددوا على حرية الانسان في العيش بالطريقة التي تناسبه وتناسب نزواته ولا تقف في وجه عمله الخلاّق.
الشاعر بول شاوول يؤيد العلاقة الحرة. وهو مع المساكنة بدون زواج لأنه يحافظ على حريته في طريقة العيش هذه، ويتحرر من الواجبات الاجتماعية والمسؤوليات التي ستقع على عاتقه، فـ”في هذا النوع من الزواج ما من مرجع الا الثنائي نفسه، وكذلك ما من عقد أو أوراق ستقيدني، أنا وهي فقط نقرر ما نريد”. ويروي لنا شاوول أنه ساكن نساء عديدات ولمس من خلال تجربته ان الحب يدوم سنة
ثم لا يلبث أن ينطفئ وهجه ويتحول، تالياً تنتهي العلاقة.
بدورها، الكاتبة علوية صبح هي مع العلاقة الحرة أو المساكنة أو أي شكل من أشكال العيش الذي يتيح امكانات الكتابة أو الخلق. لكنها تعود لتقول إنها أيضا مع الزواج التقليدي اذا كان مناسبا للكاتب: “لست من النوع الذي لديه تصور واحد، فهذا رأي فاشي أو هو شكل من أشكال الارهاب مع الآخرين. أنا مع الحريات ومع كل ما يهب الكاتب الحرية، لأن الكتابة بلا حرية لا تتحقق”.
المسرحية نضال الأشقر أيضا لا تعارض فكرة المساكنة كونها تؤمن بحرية كل فرد شرط أن لا يتعدى على حرية الآخرين ولا يضايق المجتمع بتصرفاته، “فالانسان حر أن يعيش حياته بالطريقة التي تناسبه وهو حر بجسده وبطريقة تفكيره. المهم أن يعرف أن يستعمل حريته. والمهم أيضا أن يكون الشريكان مقتنعين بهذه الطريقة من الزواج”.
الكاتب حسان الزين يوافقها الرأي ولكن شرط أن تؤمّن له العلاقة الحرة معنى الارتباط. “أنا مع كل أشكال الارتباطات المدنية الارادية”. وهو مع المساكنة التي يختارها الانسان بإرادته والتي يستطيع ان ينهيها بإرادته. وهو مع كل ارتباط يحافظ على فردية الانسان وحريته. ويضيف “ان شكل الارتباط هو في الوقت نفسه مضمونه، أي عندما ينتهي الحب في الزواج وتنتهي كذلك الحاضنة العاطفية والاجتماعية يلتغي الزواج”. فالزواج، في رأيه، خيار حر يتفق فيه شخصان على أن يساعد أحدهما الآخر، ولكن من دون أن يضغط أحدهما على الآخر.
أما كوثراني، فتتحفظ عن فكرة العلاقة الحرة. تقول انه ليس لديها الجرأة الكافية كي تخالف المجتمع وتقوم بمعارك ضده. لكنها في الوقت نفسه تتفهم الناس الذين يقومون بهذا النوع من العلاقة ولكن شرط أن يبقى طرفا الثنائي مخلصين أحدهما للآخر. وتعتقد كوثراني أن هذا النوع من العلاقة ليس البديل من الزواج التقليدي، أي يمكن أن تكون المساكنة بمثابة فترة تحضيرية للزواج التقليدي كما يحصل في بعض الدول الغربية.
بالنسبة الى مفهوم الثنائي بشكل عام، يعتقد معظم الكتاب والفنانين أن الطرف الآخر يكمل الذات، وهو الأنا أيضا. يثني الكتّاب على أهمية التناغم والانسجام. وكي يكون الثنائي ناجحا، يجب أن يجمع بينهما صداقة ويجب أن يكون هناك تواصل دائم بينهما وتفاهم على كل الأمور واعتراف بحقوق الآخر وحريته.
تعتقد كوثراني مثلا أن الطرف الآخر يكملها ويضفي على حياتها رونقا ونكهة، شرط أن لا يكون هناك تضحيات او مساومات في العلاقة، “وخصوصاً في الأمور الأساسية والتي تتعلق بالشخصية أو الطموح أو في طريقة الحياة، باستثناء بعض التنازلات الخفيفة كتلك التي تتعلق بالأمور اليومية السخيفة”. أي يجب أن يكون كل طرف مقتنعا بالآخر منذ البداية. وتشدد كوثراني على أهمية الصداقة بين الثنائي كونها عاملا مهما وأساسيا ويساعد في نجاح العلاقة الزوجية.
المسرحية نضال الأشقر تتشارك الرأي مع كوثراني في ما يتعلق بأن الطرف الآخر يكملها، وتثني بدورها على أهمية التفاهم والصداقة والتواصل بين الطرفين وتقول: “الثنائي وجد منذ أن وجدت الحياة على الأرض. وما من حياة بدون ثنائي ولا بد أن يأتي يوم ويلتقي كل منا بطرفه الآخر”. وتضيف أن الثنائي هو الأنا، هو الآخر، هو ذلك الانسجام والتناغم بين شخصين. وترى ان الانسجام هو الذي يولد الشغف ويجمّل العلاقة بين الطرفين. المهم ان يبقى طرفا العلاقة على تواصل ويخبر أحدهما الآخر عن نشاطاته اليومية وقراءاته. وتضيف ان التجدد مهم في العلاقة بين الطرفين، ويجب أن يكون هذا التجدد مناسبا لمزاج الثنائي وطريقة عيش كل منهما.
أما الكاتبة علوية صبح فتعتقد أنه من النادر تحقيق فكرة الثنائي. وتقول ان الثنائي فكرة ابتدعتها البشرية، ربما لخوف الانسان من الوحدة والهشاشة والحرية والانقراض. وربما هو سنّة من سنن الحياة ولكن من النادر تحقيقها. ثمة دائما من يبتلع الآخر أو يلغيه لكي يتحقق التواصل. “أؤمن بها لمن يختارها ولكن من منطلق الاعتراف بالآخر. لكني لا أؤمن بها بمعنى محو الآخر. على كلّ حال، ربما تكون الحاجة الى الثنائية هي حاجة للاعتراف بما يكملنا ويكمل جسدنا وذواتنا ويكمل الآخر فينا. لكنني أعتقد أيضا أنها ليست جوابا وحيدا لمنطق الطبيعة وربما للخلق أيضا”. وتضيف ان متعة العزلة أيضا سر جميل وممتع لكنه أيضاً مؤلم وضريبة ندفعها، تماما
مثلما ان خيار الثنائي ضريبة. وكل يدفع ما يستطيع دفعه.
كذلك الكاتب حسان الزين لا يعني له الثنائي شيئا. لأنه يرى أن الثنائي له معنى اعلامي وهو ليس لديه أي ميل لاظهار أي شيء اعلامي. “الثنائي يعني لي كذلك أننا شخص واحد وأنا ضد هذه الفكرة لأن لكل انسان كيانه الخاص ونظرته الى الحياة، وهناك دائما فوارق واختلافات بين الحبيبين”.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى