هل بات مفهوم الثقافة عائماً وملتبساً
معتز حيسو
سنركز في سياق نقدنا لما تقدم به وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا في لقاءٍ معه في جريدة البعث في عددها 13897 تاريخ 17/ 3/ 2010/ على بعض إشكاليات الثقافة والمثقفين والوعي الاجتماعي عموماً في مسارها المتراجع.
ماذا نعني بالثقافة؟ هل هي الوعي الاجتماعي الذي يتم التعبير عنه بالعادات والتقاليد وأنماط التفكير، والأغاني والموسيقى والمسرح والموسيقى والسينما وأشكال اللباس والعادات الغذائية… إضافة إلى الأشكال العقائدية الدينية والسياسية والتعليم (والقراءة خارج الأطر الدراسية )أم هي تعبيراً عن أحد هذه الجوانب. وإذا كانت الثقافة تتجلى بما ذكرناه؟ كيف يمكننا أن تحدد المثقف؟وهل يمكننا توصيف ساكن البادية الذي يمارس حياته اليومية بناءً على منظومة من القيم والعادات وأشكال التفكير( الديني والعشائري)بالمثقف.لذلك فإن اختلاف البيئة الاجتماعية والجغرافية ومستوى التعليم والتخصص الأكاديمي يساهم في تحديد أشكال ومستويات الوعي الاجتماعي. إذ يمكننا تحديد تموضع المثقف من خلال موقعه الفكري من الثقافات العقائدية والسياسية ومن الوعي الاجتماعي السائد.
طرح السيد الوزير نقاط متعددة نتناول في هذا النص بعضاً منها:
(المثقف السوري مسؤلاً عن المشروع التحرري العربي) للمثقف السوري جلّ الفخر عندما يكون كذلك، لكن كيف يتمكن المثقف من ممارسة دوره على المستوى العربي إذا كان مقيداً في وطنه، ونعلم ويعلم سيادته حجم الضغوط التي يعاني منها المثقف العلماني، وعليه ليتمكن المثقف أياً كان انتمائه السياسي أو الثقافي من ممارسة دوره، يجب أن يتمتع أولاً بمستوى معيّن من الحرية السياسية، وإلا سيبقى مسجوناً في إطار التماهي مع الثقافة السائدة ومن العزلة والاغتراب في مجتمعه، فأي دور وطني و قومي يمكن أن يمارسه مثقف مقيد ومؤطر بحواجز المنع والرفض والقمع… بذات اللحظة التي يحاول فيها الحد من تنامي تأثير الفكر الديني السلفي الأصولي الذي يمكن أن يتحول في أي لحظة لظوهر تكفيرية جهادية.
(أن وزراء الإعلام العرب في القمة العشرين في دمشق تبنوا مفهوم العوربة في مقابل العولمة وأنهم يعملون على تمكين اللغة العربية التي لا تقف عند حدود اللغة بمكوناتها الوظيفية، إنما بمكوناتها الدلالية،مشروع إحياء اللغة العربية هو مشروع إحياء الفكر العروبي). في إطار ما طرحه سيادة الوزير نرى بأن الصراع مع العولمة لا يمكن أن يحل بإطلاق المفاهيم. فماذا يفيد المواطن العربي تبني مفهوم العوربة أو غيره في ظل التفكك والتناقض والتخلف العربي؟ هل تحسن دخل المواطن العربي؟ هل تغيرت أشكال توزيع الثروات الوطنية، هل انخفضت معدلات الفقر والبطالة؟ لماذا تتراجع معدلات الإنفاق أمام سياسات التقشف والانكماش؟ هل تعمل الحكومات العربية على صياغة إستراتيجية تنموية تمكّنهم من زيادة مساهمتهم في الاقتصاد العالمي؟ هل حالوا زيادة معدل الإنفاق على البحث العلمي الذي من خلاله يمكن تطوير وسائل الإنتاج وقوى العمل؟ هل يتم توظيف الثروات الوطنية وتحديداً الناضبة في سياق مشروع تنموي يحقق الاستقرار الأمني والغذائي. هل حقق النظام العربي درجة دنيا من التضامن تمكّنه من مواجهة أخطار العولمة؟هل حقاً الإقتصادات العربية هي خارج النمط الرأسمالي المهيمن؟ ماذا يعني إذاً إطلاق الحرية المطلقة لاقتصاد السوق ولرأس المال؟؟ لذلك نقول إذا لم تعبّر الحكومات العربية عن واقع مجتمعاتها،بذات اللحظة التي يكون فيها الموطن متملكاً لحاضره ومستقبله في الحدود الدنيا، فإن كل ما يطلق من مفاهيم يذهب مع الريح. لذلك فإن رافعة الثقافة المقاومة لن تقف عند عروض مسرحية مثل «الإلياذة الكنعانية»وغيرها، لأن استنهاض الماضي وإعادة إحيائه يلزمه كي يؤسس لثقافة المقاومة، تعزيز ثقافة المواطنة، لأن الأوطان تبنى بالإنسان الحر القادر على التعبير عن ذاته.
يقول سيادة الوزير:لا يوجد شيء اسمه: الثقافة خبز يومي، فهؤلاء الذين يحلمون بأن تصبح القصيدة بديلاً عن«السندوتش» حالمون جداً…
صحيح بأن الإنسان لا يحيى بالثقافة. لكنه بحاجة لأن يستمتع بالموسيقى والمسرح والغناء … لأن روح الإنسان ونفسه تحتاج للغذاء. وعندما يكتفي الإنسان بغذاء جسده فإنه يتحول لصحراء جرداء وجدباء. فإذا كان الإنسان بحاجة للغذاء بأوقات محددة، فإن حاجة روحه للثقافة دائمة، فالإنسان لا يستقر و يستوي إلا باستقرار ذاته الداخلية، فهل يريد السيد الوزير تحويل الإنسان لصحراء دون حياة.
إن تعدد المراكز الثقافية البالغة / 443/ ونشاطات المسارح، وعدد المتعلمين مهم.. لكن لنقف على فاعلية نشاطات المراكز الثقافية أولاً، إذ لا يمكننا أن نحدد بشكلٍ أولي المستوى الثقافي للمجتمع بعددها، بل بمستوى الدور الثقافي الذي تمارسه وبدرجة ارتباط المواطن بها؟ ومن الملاحظ بأن تراجع دور المراكز الثقافية، وغياب المواطن عنها يعود لجملة من الأسباب، قد يكون في مقدمتها ارتهانها للأجهزة الرقابية التي تعمل على تحديد ما يجب تقديمه، لتبقى المشاركة محصورة على فئات ثقافية محددة، إذ تُمنع المساهمات الثقافية التي لا تحظى بموافقة الجهات الرقابية. إضافة إلى أن مدراء المراكز الثقافية يفتقدون للاستقلالية اللازمة لتطوير أداء هذه المراكز التي يتم توظيف قاعاتها في كثير من الأحيان للنشاطات لا علاقة لها بالثقافة، باستثناء النشاطات الثقافية والفنية ذات الرؤية الأحادية، وما يدور في فلكها، لذلك فإن المواطن لا يرى فيها إمكانية تطوير ثقافي أبسط مقوماته التنوع و الحوار وكلاهما يستدعيان الخوف. ونذكّر سيادة الوزير بأن فسحة الحرية التي شعر بها المواطن السوري فيما بات يسمى بربيع دمشق، أكدت نوازعه الكامنة للحياة التي تم اغتيالها بإغلاق كافة المنتديات التي مثلت رئة الإنسان التواق لحرية التعبير، لذلك فإن إطلاق حرية التعبير هو الأساس الموضوعي لإحياء الثقافة والإبداع والفنون بكافة أشكالها.
يقول سيادة الوزير بأن(الثقافة السورية في هذه المرحلة بالذات بلغت ذروتها)، من المؤكد بأنه يقصد فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية. وهذا بطبيعة الحال لا يعبّر عن الواقع والمستوى الثقافي خارج إطار تلك الفعاليات. وإذا كان الحامل الثقافي هم المتعلمون والخريجون نتساءل: في ظل تراجع مستوى التعليم في المدارس والجامعات الرسمية، وتضييق إمكانيات القبول فيها، والتي يرافقها إطلاق الحرية للتعليم الخاص؟؟ ألا يشكل هذا مقدمة لتراجع عدد المتعلمين نتيجة عجز المواطن عن تسديد تكاليف التعليم الخاص مما يؤدي لزيادة مستوى الأمية؟ وهذا يعني بداهة تراجع الحامل الموضوعي للمشروع الثقافي التنويري، في لحظة يشكل فيها تجاوز الأمية الحاسوبية وليس أمية القراءة والكتابة ضرورة، لعلمنا أن لغة التواصل لا تتوقف على القراءة بل على استخدام التقنيات الحديثة التي باتت لغة العصر.
لكون (المستقبل مجهول .. والإسرائيليون يدقون أجراس الحروب، وهنا يكمن دور الثقافة والمثقف في الدفاع عن الوطن والأمة..) كما يقول سيادة الوزير، نؤكد ضرورة تطوير العلم كونه أحد الرافع الثقافية، ومدخلاً لتّنمية الاقتصادية والبشرية والعلمية .. التي تعتبر بوابة لترسيخ ثقافة المقاومة التي تبقى في طور العاطلة إذا لم تفتح الأبواب والشبابيك لنسائم التغيّر التي تستوجب إطلاق الحريات وفي مقدمتها حرية التعبير..أخيراً ألا يكفي ما يعانيه المواطن العربي من القهر والحرمان والاحتواء والاستغلال، واستبعاد عن المشاركة في حقه بتحديد مستقبله… لتحقيق تقارباً عربياً قاعدياً.