لقد وضعت الأصبع على الجرح يا شيخ الحقوقيين
محمد فاروق الإمام
مطالبة شيخ الحقوقيين المحامي المعتقل هيثم المالح القضاة العسكريين الذين استجوبوه يوم 22 نيسان الحالي بأن يعلنوا انسحابهم وأمام الجمهور من حزب البعث الحاكم، لمخالفتهم للمادة 150 من قانون العقوبات العسكرية عبر انتسابهم لحزب البعث الحاكم، الأمر الذي يجعل من الحياد المفروض توفره في المحكمة العسكرية مشكوك فيه، ويدخل الشك في نفسي – كما يقول المالح – من إمكان أن تكون المحاكمة عادلة، كما تدخل عدم الاطمئنان إلى النتائج التي تنجم عن المحاكمة.
هذه المطالبة المحقة للأستاذ هيثم المالح والتي وضعت الأصبع على الجرح أخذتني بعيداً في قراءة ملف ذكرياتي وبالتحديد إلى عام 1976(إن لم تخن الذاكرة) حيث ألغي قرار تعيين صديق لي في سلك القضاء بعد أن نجح في المعهد القضائي بتقدير جيد جداً، وفي نفس السنة رفض تعيين صديق لي معيداً في الجامعة رغم فوزه بالدرجة الأولى على سورية باختصاصه (رياضيات). والسبب أن كلا الصديقين لم يكونا منتسبين لحزب البعث الحاكم، ورفضا عرض المسؤولين في القضاء والجامعة الانتساب لحزب البعث حتى يتم تعينهما، وقد توسل عميد الكلية التي تخرج منها صديقي (الرياضي) أن يقبل الانتساب لحزب البعث لأن هذا الأمر روتيني وشكلي ويحقق له الالتحاق بالعمل وإدراج اسمه في البعثة التي ستغادر إلى إحدى الدول الأوروبية لمتابعة الدراسات العليا على نفقة الحكومة، ولكنه رفض كل هذه العروض السخية. وكان رفضهما لقناعتهما أن العلم والقضاء يجب أن يكونا بعيداً عن السياسة وسيطرة الحزب وهيمنة السلطة التنفيذية. وقد جر عليهما هذا الرفض الكثير من المعاناة والشرشحة والبهدلة، وبقيا معلمين في المدارس الابتدائية والإعدادية حتى تقاعدهما.
من هنا نتلمس إلى أي حال وصلت إليه مؤسسة القضاء في سورية التي ترفع شعار (ميزان العدل) وتتبنى الحكمة التي تقول: (العدل أساس الملك)، وإلى أي حال وصلت إليه مؤسسة التعليم الجامعي في سورية التي ترفع شعار (العلم نور)، لأن كلا المؤسستين لابد من أن يكون العاملين فيهما يدينون بالولاء لحزب البعث الحاكم والانتساب إليه دون النظر إلى الكفاءة أو النزاهة أو الاستقامة أو طهارة الكف.
وفي سياق الحديث عن الكفاءات والولاءات لا أنسى ما قاله ضابط المخابرات السوري للصديق الدكتور برهان غليوم عندما حط في مطار دمشق لأول مرة بعد غياب طويل، وعاد يحدوه الشوق لبلده والأمل في خدمته، ليعمل على رفع شأنه والمساعدة في تطوره بما لديه من خبرة وعلم حصّله واكتسبه أثناء هجرته الطويلة في بلاد الغرب، حيث عمل أستاذاً في أرقى الجامعات الغربية وأعرقها، فبعد أن أَطلع الأستاذ البروفيسور برهان غليوم ضابط المخابرات على شهاداته وما يمتلك من خبرة فوجئ بأن نحى الضابط كل هذه الوثائق من أمامه وقال: (نحن نريد ولاءات لا نريد كفاءات).
وهكذا جرّت الولاءات دون الكفاءات سورية إلى ما وصلت إليه اليوم من تخلف في كل مناحي الحياة، ومن فساد عام لم يستثن عمال النظافة وحتى رؤساء الحكومات والوزراء والقضاة مروراً بكل أجهزة الدولة ومؤسساتها وحتى القطاع العام والقطاع الخاص، ففي كل يوم يُنشر غسيل الفساد على صفحات الجرائد الرسمية وشبه الرسمية أو الموالية للحزب الحاكم في سورية، وعبر مسلسلات ، ظاهرها التهريج والضحك، وداخلها المرارة والتوجع. كمسلسل (مرايا) و(بقعة ضوء) و(ضيعة ضايعة) وقبلها ما كان يقوم به الفنان دريد لحام ورفاقه على خشبة المسرح، دون أن نجد بادرة أمل بالتغيير أو التصحيح، وبالعكس من ذلك فالأمور تسير من أسوأ إلى أسوأ، فحيتان الفساد يزدادون تخمة، وأصحاب الدخل المحدود يزدادون فقراً.. والمجتمع يزداد فساداً.. وإلى متى.. سؤال نطرحه على أهل الحكم وأصحاب القرار في دمشق.. دمشق التي يتهددها الأعداء من كل حدب وصوب؟!
خاص – صفحات سورية –