ما يحدث في لبنان

هجوم مصري أمني وسياسي لملء فراغ أميركا والسعوديّة

إبراهيم الأمين
يتعب الدبلوماسيون العرب والأجانب هذه الفترة من كثرة الاسئلة اللبنانية عن المرحلة المقبلة. وقد تكون السفارة الاميركية هي الاكثر مللاً لناحية الاجابات التي تقتصر على عبارة اكثر جموداً من الخشب: إن سياسة بلادنا ثابتة تجاه لبنان بمعزل عن الاشخاص الذين سيصلون الى البيت الابيض. ونحن ندعم سيادة لبنان واستقلاله وحريته! هي العبارة نفسها التي قرّر دوري شمعون أن يخوض الانتخابات المقبلة على أساسها، وهو الذي يعرف أن وصوله الى البرلمان رهن قرار وليد جنبلاط الذي لا يحتاج الى محاضرات لكي ينفذه الناخبون المتصلون به. ومع ذلك، فقد يكون فارس سعيد هو المعني اكثر بهذه العناوين والبحث عن ثبات تحالفات 14 آذار التي سوف تخوض الانتخابات كتلة واحدة وصفاً واحداً… الخ من العبارات التي لا يفهم لها معنى.
ومع ذلك فإن الدبلوماسية العربية والاجنبية في بيروت، تكرّر المعزوفة ذاتها على ثبات سياساتها تجاه لبنان، ويمكن هؤلاء أن يضيفوا عبارات حسب الزائر، مثل التأكيد على المحكمة الدولية لمناصري النائب سعد الحريري، ومنع إسرائيل من خرق سيادة لبنان لمناصري المعارضة، وحماية التعددية والتنوّع والوجود المسيحي لهواة النوع، وصولاً الى الحديث عن دور لبنان الاقتصادي المميز لفريق الدجالين المنتشرين تحت عناوين خبراء واختصاصيين وهم يتقاضون رواتب من مؤسسات مالية واقتصادية تعيش على حساب الدين العام في لبنان.
لكن هل هناك من كلام جدي بين هذه الجهات الدبلوماسية؟
المصريون يظهرون من بين العرب اهتماماً لافتاً، وهو اهتمام بدأ بزيادة منسوب المتابعة السياسية للأوضاع في لبنان وتوسيع دائرة اللقاءات والحوارات، ورفع مستوى الحضور الأمني أيضاً، في نشاط لافت لا يتصل فقط بزيارات لقيادات أمنية ـــــ سياسية مصرية كالتي يقوم بها اللواء عمر قناوي نائب رئيس الاستخبارات المصرية. لكن القاهرة تبدو الآن، بعد حصر نتائج أحداث أيار الفائت، تتصرف على أساس ملء الفراغ الذي تركته السعودية والولايات المتحدة الاميركية والأردن وجهات دولية اخرى. فراغ ثقيل لمن يعرف أسرار “الهروب الكبير” الذي نفّذته أجهزة كما هي يومي السابع والثامن من أيار الماضي. وهو فراغ يتجاوز حدوده التقنية أو البشرية، ليلامس طريقة مقاربة الملف اللبناني من زواياه المختلفة، وخصوصاً أن “من فر بثياب النوم” ظل يعيش حالة الصدمة إزاء ما كان يتراكم لديه من معطيات وافتراضات جعلت البعض منهم يفكر بالإقامة الدائمة في بيروت. وهذا ما سوف يفسر تعاظم الحركة المصرية، برغم أنه لن يكون في لبنان موقف واحد من هذه الحركة في ظل استمرار التباين الكبير بين موقف القيادة المصرية وموقف أكثرية لبنانية. عدا عن أنه يجب ترقب نتائج الدخول المصري الى قلب الملعب الذي كانت القاهرة تعرف أنه من اختصاص سوريا وحدها.
الامر الآخر يتعلق بالموقف الاوروبي، إذ إن النكات والتندر حول سلوك قيادات وقوى 14 آذار باتت سمة حاضرة لدى هؤلاء وخصوصاً الصف الثاني والتقنيين الذين يتابعون الاخبار على طريقة الصحافيين أو المخبرين الامنيين، وهؤلاء يعيدون تنظيم علاقاتهم مع التغيير الذي طرأ على صعيد السلطة التنفيذية وبعد وصول رئيس جديد للبلاد واستعادة مؤسسة مثل الجيش لحضورها السياسي في قلب المشهد اللبناني وتراجع أو ضمور صورة قوى الامن الداخلي ووجود مشاركة لفريق 14 آذار على صعيد ادارة الحكومة، هذا الى جانب العناوين الاخرى الاعلامية والسياسية والاقتصادية.
وفي جانب مهم، يبدو أن الاوروبيين ولا سيما الفرنسيين منهم يتعاملون مع الملف اللبناني بصورة تختلف يوماً بعد يوم عما كان عليه المشهد قبل عام، إذ إن المناقشات حول موقف سوريا ودورها لم تعد مطابقة لما كانت عليه الامور مع جاك شيراك، حتى ولو انقطع نفس الناطق باسم الخارجية الفرنسية وهو يتحدث بلسان المهرج الاكبر برنار كوشنير عن “اختبار سوريا” و”ثبات الموقف من الملف اللبناني” وغيرها من العناوين المملة، ولا سيما أن العنوان الامني عاد ليسيطر على اهتمامات الجانب الاوروبي بمعزل عن تقييمه لمن يقف خلف التوتر الامني، إذ إن في فريق 14 آذار من يقول إن الاوروبين يتعاملون بحذر مع سوريا لأنهم “يعرفون أنها مسؤولة عن الفوضى الامنية في لبنان” فيما يقول السوريون وجهات لبنانية اخرى “إن الاوروبيين اكتشفوا خداع السعودية وحلفائها في لبنان، وهم يشعرون بأنهم أمام تحالف طبيعي مع سوريا بمواجهة موجة من الإرهاب المموّل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من السعودية والقوى الحليفة لها في لبنان”.
وبين النقاش الافتراضي في ما ستكون عليه الاوضاع بعد الانتخابات الاميركية، وعودة الرهان على حرب أميركية ضد إيران أو حرب إسرائيلية ضد سوريا ولبنان، والإفاضة في التحليل لخلفية وأبعاد العدوان الاميركي على سوريا أخيراً، فإن الاهتمام الجدي يتركز على معرفة انعكاس ما يحصل على الانتخابات النيابية المقبلة، والسؤال خاصة عن التوقعات بشأن نتائج الانتخابات بين المسيحيين، وما إذا كان فريق 14 آذار سيحصل على مناصفة مع التيار الوطني الحر وتيار المردة وشخصيات المسيحيين المعارضة، أم يخرج عون من هذه المعركة مفوّضاً من جديد ناطقاً باسم غالبية المسيحيين؟
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى