أوباما لا يسحر الإسرائيليين بل يقلقهم
رنده حيدر
مشاعر الإستياء والغضب التي أثارها خطاب المرشح الديموقراطي للإنتخابات الرئاسية الأميركية باراك أوباما أمام “اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة” “أيباك” وسط الجمهور العربي والفلسطيني تحديداً عندما قال إن امن اسرائيل “مقدس” وأن القدس ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل؛ لم تقابلها مشاعر الإرتياح او الترحيب من الجانب الإسرائيلي لا بل على العكس من ذلك أثار فوز أوباما على هيلاري كلينتون الكثير من المخاوف والشكوك في المرشح الديموقراطي الشاب والأسود الذي استطاع ان يسحر الجماهير الأميركية بشعار التغيير الذي رفعه.
وباستثناء تعليق رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت على كلام أوباما ووصفه إياه بالمؤثر، فإن ردود الفعل الإسرائيلية الأخرى اعتبرت ان تعهدات أوباما لا تعدو أن تكون نوعاً من التقليد الإنتخابي درج عليه المرشحون للرئاسة من الحزبين المتنافسين وهو بالتالي لا يشكل خروجاً عما هو مألوف لا سيما ان السباق الحقيقي الى البيت الأبيض قد بدأ ومن المنتظر أن يكون شاقاً وصعباً.
لا ينظر الإسرائيليون الى فوز أوباما من الزاوية عينها التي ينظر منها الجمهور الأميركي. وكون اوباما المرشح الديموقراطي الأسود الأول الذي يصل الى السباق النهائي وعمره الفتي نسبياً (45 عاماً) لا يخلقان الحماسة عينها لدى الإسرائيليين فالمهم بالنسبة اليهم خبرته السياسية وقدرته على التعامل مع الأزمات الكبيرة ومعرفته الفعلية بالملفات الصعبة وجدول اعماله.
ثمة اجماع اليوم داخل اسرائيل أنه على الرغم من أن الصورة المستقبلية للشرق الأوسط مرتبطة الى حد بعيد بنتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وبشخصية الرئيس المقبل؛ لم يعد الموضوع الإسرائيلي والنزاع العربي الاسرائيلي يشكل محور المعركة الإنتخابية التي باتت تتمحور اليوم حول موضوعات خارجية ساخنة وملحة أخرى مثل مستقبل التواجد الأميركي في العراق وكيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني.
والحق ان من يراجع مواقف المرشحين الديموقراطي باراك اوباما والجمهوري جون ماكين من مسألة النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يقع على فروقات في الجوهر ولكن في أسلوب التعاطي مع المسائل. فماكين واوباما ضد تسوية سلمية تفرض فرضاً على اسرائيل وضد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والرجلان يلتزمان التزاماً كاملاً ومطلقاً بأمن اسرائيل ويدعمان تفوقها العسكري ويقفان معها في حربها على الإرهاب ويرفضان ان تتفاوض اسرائيل مع “حماس” لأنهما يعتبرانها تنظيماً ارهابياً. ولكن الفارق بينهما أن ماكين أكثر تشدداً في نظرته فهو يرفض تفاوض اسرائيل مع الفلسطينيين تحت ضغط العمليات ويعتقد بانها غير ملزمة بالعودة الى حدود 1967، كما انه لا يؤمن باحتمال التوصل قريباً الى تحقيق حل الدولتين لشعبين. باختصار لو فاز ماكين بالانتخابات من المنتظر أن يواصل السياسة عينها التي طبقتها ادارة الرئيس جورج بوش وبالتالي لن يكون هناك ما يقلق اسرائيل وستبقى تقرر لوحدها مسار العملية التفاوضية من دون أي ضغط او إملاء من جانب الادارة الأميركية الجمهورية الجديدة.
ولكن يختلف الأمر في حال فوز المرشح الديموقراطي أوباما الذي يُسجل عليه أنه كان السيناتور الأميركي الوحيد الذي عارض جدار الفصل، وبعكس ماكين من المنتظر منه أن يوظف جهوداً أكبر في دفع العملية التفاوضية وقد يكون أقل صبراَ مع اسرائيل وأكثر تطلباً منها وملاحقة للوفاء بتعهداتها وسيعيد تحريك كل الخطط القديمة مثل “خريطة الطريق” التي تفرض على اسرائيل ازالة الحواجز العسكرية من مدن الضفة واخلاء النقاط الاستيطانية غير القانونية وتجميد البناء في المستوطنات وكلها أمور تتجاهل اسرائيل القيام بها في الوقت الحاضر.
من هنا قد يرجع تفضيل الإسرائيليين للمرشح الجمهوري على الديموقراطي الى انهم يفضلون من يعرفونه على من يجهلونه. ناهيك بأن اوباما قد سبب في بداية حملته الإنتخابية بنوع من “نقزة” لدى الإسرائيليين عندما اعلن عن استعداده التفاوض مع ايران من دون شروط مسبقة على سلاحها النووي، الأمر الذي أخاف اسرائيل وأيقظ شكوكاً كبيرة لديها من موقف متساهل يقفه الرئيس الأميركي الجديد من ايران يسمح لها باستكمال مشروعها النووي وانتاج القنبلة الأولى بحيث يصبح لا مفر من القبول بالواقع الجديد. ولم ينفع تصوير اوباما لإيران بالخطر الحقيقي على الولايات المتحدة واسرائيل، واعتبار أحمدي نجاد الأكثر خطراً، لاسيما انه لا يؤيد تصنيف الحرس الثوري الايراني كتنظيم ارهابي واستخدام ذلك كمبرر للقيام بضربة عسكرية لإيران.
في موضوع الخطر الإيراني الذي يحتل قائمة سلم الأولويات في اسرائيل، يبدو ماكين أكثر صقرية في التعامل مع الملف النووي الايراني فهو يدعم التصدي بالوسائل الديبلوماسية للمشروع الايراني ويستخدم مصطلح” الديبلوماسية الهجومية” التي لا تقتصر على فرض عقوبات اقتصادية صارمة على ايران وانما يمكن ان تذهب الى حد اعتبار السلطة في ايران غير شرعية و مقاطعتها والعمل على اثبات عدم تمثيل هذا النظام للرأي العام الإيراني. لدى المقارنة يبدو موقف اوباما أكثر اعتدالاً فهو مثلاً يقترح على صعيد العقوبات الإقتصادية سن قانون يتيح مصادرة أموال الشركات التي تتعامل مع ايران. من هنا يتخوف الاسرائيليون في حال وصول أوباما الى البيت الأبيض من ضياع الفرصة السانحة حالياً بتوجيه ضربة عسكرية تطيح المشروع النووي الايراني وتوقف صعود نفوذ ايران في المنطقة وتهديدها وجود اسرائيل.
ما يقلق الاسرائيليين أيضاً ويثير شكوكهم بالمرشح الديموقراطي مجموعة المستشارين الذين يحوطونه. من الوجوه البارزة حول اوباما مستشارون مثل روبرت مالي و زبينغيو بريجنسكي وسامنتا باور وهؤلاء ليسوا من المعروفين بتعاطفهم مع اسرائيل وزاد ” الطين بلة” بالنسبة الى الاسرائيليين اعلان الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر وقوفه الى جانب أوباما وكان هذا الأخير قد اثار موجة كبيرة من الإستياء والتحفظ لدى الزيارة الأخيرة التي قام بها لاسرائيل منذ شهر وتعرض فيها لمقاطعة رسمية من جانب مؤسسات الحكم بسبب مواقفه المتعاطفة مع الفلسطينيين.
اما في موضوع الشرق الأوسط فيستعين اوباما بدنيس روس و أهرون ديفيد ميلر و دان كوتسر القريبين من اليهود الليبراليين في أميركا، ولكن بالنسبة للإسرائيليين فإن هذه الأسماء مرتبطة بعملية أوسلو وقد تعني عودة الى استخدام هذا الأسلوب في الادارة الديموقراطية الجديدة. مما يزيد من شكوكهم ومخاوفهم من المرشح الديموقراطي.
ليس العرق ولا الدين ما يحدد موقف الإسرائيليين من المرشح الديموقراطي أوباما وانما جدول اعمال هذا الرئيس والسياسة المتوقع أن يطبقها بصورة خاصة في الشرق الأوسط. وهم يدركون تماماً أن مصير النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يعتمد بصورة كبيرة على رؤية مستشاري المرشح الديموقراطي الى هذا النزاع، الأمر الذي يثير قلقهم ويجعلهم أكثر ميلاً الى تأييد المرشح الجمهوري جون ماكين الذي يعرفونه واختبروه، ويعلمون أن شيئاً كبيراً لن يتبدل عما كان أيام ادارة الرئيس جورج بوش.
النهار