الجزيرة السوريّة : نقـاط و نـزوح !!
الجزيرة السوريّة هي مصطلح يطلق على المدن الشماليّة و الشمالية الشرقيّة من سوريا . تشكّل هذه المنطقة ما يعادل ثـُلث الأراضي السوريّة لكنّها و بكل ّ أسف منسيّة تماما ً ، فإذا أوقفت أي ّ شاب أو فتاة من أي ّ من المحافظات السوريّة الجنوبيّة و الجنوبيّة الغربية و سألتهم عن أحد محافظات الجزيرة السوريّة فإنهم في الغالب سينظرون إليك نظرة َ إستفهام ٍ قد تطرّ على إثرها لمراجعة نفسك و التأكّد أنّك لم تسألهم عن المريخ أو عطارد مثلا ً . فالغالبيّة العظمى من شباب اليوم ( و أنا كنت ُ منهم ) لا يعرف أسماء أو مناطق أو آثار أو أيّة معلومات عن تلك المنطقة من سوريا . ( أذكر أنني عندما رأيت ُ الجسر المعلّق في دير الزور لأوّل مرّة في صورة لم أعلم أن ّ هذا الصرح هو سوريّ في أراض ٍ سوريّة بل ظننت ُ أنّه ربما تركي ّ أو في أحد الدول الأوربيّة أو الآسيويّة القريبة ) ، و لن أدخل في الحديث عن مغامراتي الشصخيّة و الحديث عن تجاربي فقط فالأمر عام و شائع بين كل أبناء جيلي ( و ربما أجيال سابقة من قبلي ) و هذا ليس تبريرا ً إنما إن دلّ على شيئ فهو يدل ّ على أن ّ الأمر ليس مجرّد صدفة إنما هو ناتج عن عدّة عوامل سأذكر بعضا ً مما خطر َ لي منها و سأترك لكم مساحة لإضافة ما قد تعتقدون أنـّه يلعب ُ دورا ً في خلق هذا الشرخ الجغرافيّ داخل سوريا .
أعتقد بداية ً أن ّ اللوم الأكبر يقع على عاتق الإعلام عامة ً و الإعلام السوري خاصة ً ( الذي هو بحدّ ذاته يعاني مشاكل كثيرة ) ، فأنا لا أذكر ُ متى على الشاشة السوريّة تم ّ عرض أي ّ شيئ يتعلّق بالمناطق الشمالية و الشرقية من سوريا ( عدا النشرة الجويّة التي لطالما أوحت إلي ّ أن ّ الجزيرة السورية هي عبارة عن محافظة واحده فقط ! ) لا برامج ثقافية ( على علّاتها ) ولا مسلسلات ( التي تعتبر الوسيلة الأولى التي يتابعها الجميع ) تعرض مشاكل أو تلقي الضوء على أحداث تحصل في تلك البقعة الجغرافيّة من سوريا ..
و في المرتبة الثانية مباشرة ً يقع اللوم على عاتق المؤسسات التعليميّة و الترفيهيّة ، فمعظم الطلاب و الأهالي ليس بمقدورهم تحمـّل أجور رحل ٍ سياحيّة لأبنائهم بل يعتمدون على الرحل المدرسيّة التي يقوم بها الطلاب و التي تعتبر الطريقة الأولى التي يتعرّفون من خلالها على المحافظات و المناطق الأخرى في بلدهم . لذا أقترح ُ على وزارة التربية و التعليم أن تخصص برنامجاً محدد للطلاب حسب أعمارهم و المناطق التي زاروها في أعوام سابقة ، فبدل أن يذهب نفس طالب دمشقيّ في رحلة إلى الغوطة الدمشقيّة أربع أعوام على التوالي و يذهب طالب حمصيّ في رحلة إلى بحيرة قطينة فيحفظ كلّ منهما المناطق القريبة و المحيطة بمنطقته فقط (عن ظهر قلب ) و لا يعرف ُ عن سواها شيئا ً . أقترح ُ أن يتم ّ تنظيم هذه النقطة بشكل ٍ جيّد بحيث يتعرّف الطالب الدمشقي ، الحمصي ّ ، أو الطرطوسيّ و غيرهم على المناطق البعيدة كالقامشلي و الحكسة و غيرها من المحافظات الشرقيّة البعيدة و التي لا يعرفون عنها شيئا ً لـشح ّ ما توفّر في الإعلام و التواصل معها عن أيّ طريق آخر.
لن أذكر ُ المناهج التعليميّة في مقالتي هذه فهي الأخرى تحتاج ُ “ إعادة إحياء “ لكي يصبح بمقدوري أن أنتقدها على الأقل .. و سأذكر ُ هنا أنني درست ُ في أميركا عن أحد الآثار التاريخية التابعة لمدينة الرقة و التي لم أقرأ عنها سطرا ً واحدا ً في أيّ من كتب التعليم في سوريا طوال تسعة أعوام ٍ في المدارس السوريّة.
في المرتبة الثالثة أوجـّه بعض اللوم إلى سكان تلك المناطق و بعضه الآخر لسكان المناطق الرئيسيّة الأخرى في سوريا . ( لقد عرفت ُ و منذ ُ فترة ٍ وجيزة ٍ فقط أن ّ لي عدد كبير من الأقارب الذين يسكنون في كلّ من دير الزور و الحكسة و الرقّة و أيّ من عائلتي أو عوائلهم لم تهتم ّ لإقامة أيّ علاقات قريبة و لا حتّى في المناسبات و الأعياد ، فأصبح التواصل مع أقرباء آخرون في أوربا أسهل من التواصل مع الذين مازالوا يعيشون داخل سوريا و الذين لم أعرف عن وجودهم سوى من فترة ٍ وجيزة و تحت واقع الصدفة البحتة !! ) فلأسباب أجهلها فعليّا ً ( و أتوقعها منطقيّا ً ) قرر أهل الجزيرة السورية الإنفصال إجتماعيّا ً عن باقي المناطق السورية و لأسباب مماثلة تقبـّلت باقي المناطق هذا القرار بكل ّ رحابة صدر و كأنّها كانت تنتظره ُ فأصبح التواصل العفويّ مفقود أو مغيّب .
الذي دفعني لكتابة هذه التدوينة اليوم هو إيميل قد وصل إلي ّ عن طريق إحدى مجموعات الفيس بوك التي أرسلت مقالة ً تتحدّث فيها عن هجرة أهل الحسكة إلى ريف دمشق نتيجة الجفاف و صعوبة إستمرار الحياة في قريتهم .. (لقراءة كامل المقال من هنا)
و بشكل ٍ شخصيّ لم أستطع أن أكتب عن الأمر شيئا ً ( لجهلي عن المنطقة أصلا ً ) فقررت ُ الكتابة عن جهلي و دعم أهالي المنطقة المذكورة بأقل ما يمكن من بعض الكلام .
و كما يردد أحد الأصدقاء في مدونته ٍ أمواج اسبانيّة في فرات الشام دائما ً
عمـــــــــــــــــــــــــــــــــار يا بلـد !
http://www.freesham.com/2010/05/blog-post_05.html