أوباما وسوريا
رنده حيدر
يطرح تزامن الإعلان عن عودة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مع إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما تمديد العقوبات الإقتصادية المفروضة على سوريا، تساؤلاً مهماً عما إذا كانت إدارة أوباما قد غيرت من التوجهات الإنفتاحية التي تبنتها منذ مطلع هذه السنة تجاه سوريا. فلقد كان واضحاً لدى تسلم أوباما منصبه عدم رغبته في مواصلة الخط المتشدد الذي انتهجه سلفه جورج بوش تجاه سوريا، وسعيه الى فتح صفحة جديدة في العلاقة مع الحكم السوري قوامها التحاور وصولاً الى التعاون. وقد إنعكس التوجه الجديد في عودة الحرارة الى العلاقات الأميركية – السورية، وفي الزيارات التي قام بها مسؤولون أميركيون الى دمشق، وصولاً الى تسمية سفير أميركي جديد هناك. وكان التبدل الأهم الذي حملته إدارة أوباما هو دعمها استئناف المفاوضات السياسية المعلقة بين إسرائيل وسوريا، رغبة منها في تسريع العملية السلمية وإنجاح المفاوضات مع الفلسطينيين، والأهم من هذا كله عزل إيران، من طريق احتواء سوريا، وإضعاف حلفائها الآخرين وعلى رأسهم”حزب الله” و”حماس”.
لكن رغم الإنقسام الإسرائيلي الداخلي بين تيار مؤيد للمفاوضات مع سوريا وآخر معارض لها، كان واضحاً أن حكومة نتنياهو الحالية ليست مستعدة فعلياً لإستئناف المفاوضات السياسية غير المباشرة مع سوريا التي كان قد قطع رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق شوطاً كبيراً فيها قبل أن يوقفها فجأة ويعود الى إسرائيل ليشن حربه على غزة. والسبب الأساسي يعود الى عدم حماسة نتنياهو للتفاوض مع سوريا الحليف الأساس لإيران، ورفض اليمين المتشدد الذي يقوم عليه الإئتلاف الحالي الإنسحاب الشامل من هضبة الجولان مقابل السلام مع سوريا، وخوفه من تقديم تنازلات على أكثر من جبهة، الأمر الذي سيفسره العرب برأي هذا اليمين كمؤشر على ضعف إسرائيل.
جاء الموقف الأميركي الأخير من تمديد العقوبات على سوريا، في وقت حساس للغاية، وفي ذروة حملة أميركية وإسرائيلية تتهم سوريا بتزويد “حزب الله” بالصواريخ المتطورة البعيدة المدى، مما قد يفسح في المجال امام إسرائيل لتوظيف هذا الموقف لمصلحتها. لكن البلبلة في الموقف الأميركي من سوريا لا تبعث على الإطمئنان في إسرائيل لا بل على العكس فهي تثير الشكوك في السياسات الأميركية تجاه دول المنطقة. ففي رأي بعض الإسرائيليين، استطاعت سوريا الإستفادة من التوجه الأميركي الجديد للخروج من عزلتها الدولية، وتعزيز علاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي، كما قامت بتوطيد تحالفها مع تركيا، واسترجاع مكانتها الإقليمية، من دون أن تغير قيد أنملة في تحالفها الوثيق مع إيران أوتخفف من دعمها السياسي والعسكري لـ”حزب الله” وحركة “حماس”.
فإذا ما أضفنا الى هذا الموقف، التحفظ الإسرائيلي على السياسة الأميركية في معالجة مشكلة السلاح النووي الإيراني، والرضوخ الإسرائيلي على مضض للضغوطات الأميركية من أجل معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين، والحذر الكبير من الدعوات الأميركية الأخيرة المطالبة بتحويل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي؛ كل ذلك يظهر مدى الخلافات في الرأي التي تفصيل بين مواقف الدولتين الحليفتين. لكن ما يثير الإنتباه هو حجم التنسيق والتفاهم الأميركي – الإسرائيلي من موضوع الصواريخ البعيدة المدى التي حصل عليها “حزب الله” من سوريا. ويوماً بعد يوم تتضح صورة التهديدات وحجمها ومداها.
وبحسب المعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام الإسرائيلية، لا يستبعد المسؤولون هناك أن يكون الحزب قد حصل من سوريا على رؤوس كيميائية، وعلى صواريخ دقيقة بعيدة المدى يمكن نصبها في أماكن بعيدة من الحدود. كل ذلك يترك الباب مفتوحاً أمام كل الإحتمالات، على الرغم من تعهد إسرائيل بأنها لن تكون المبادرة الى شن الحرب، ومن تعهد “حزب الله” بأنه لن يقدم ذريعة لإسرائيل لتحقيق مأربها وشن الحرب. لكن الراهن حتى الآن أن الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بات حساساً، وأي انتكاسة قد تؤدي الى ما لا تحمد عقباه.
النهار