صفحات من مدونات سورية

شظايا 500 ليرة . .

أمسك َ بالقطعة النقديّة ، نظر إليها ، تأمـّلها كأنـّها فتاته ُ يوم َ عرسه ِ ، كانت قطعة ً ورقيّة ً من فئة الخمسمئة ليرة . فكـّر كيف َ سيصرفها ، سيدفع ُ لصديقه” أبا محمـّد ” خمسون ليرة ، فقد وعده ُ في الأسبوع الماضي أنـّه ُ سيبدأ بإيفاء الدين المترتـّب عليه ِ إبتداء ً من ” بداية الشهر ” .. و سيدفع مئة ليرة لجاره ” أبا رضا ” الذي له ُ بزمـّته ِ ما يقارب الألف ليرة ، أمـّا ” أبا صفوان ” فيسعطيه ِ مئة و خمسون ليرة فهو َ سيفرح بإبنه ِ صفوان في الشهر المقبل و سيحتاج ُ لكل ّ ليرة .

50 + 100 + 150 = 300 مائة . سيبقى معه ُ مئتان !

سيدفع ُ مئة منها لمؤسسة المياه و خمسون ليرة فقط لمؤسسة الكهرباء فالشمع الذي اشـتراه ُ الشهر الماضي قد أعطى مفعولا ً جيّدا ً .
300 + 50 + 100 = 450 ليرة ، سيقى بحوزته ِ خمسون ليرة ، توقّف عن التفكير لبرهة ٍ : ماذا عن الأطفال ؟ لقد وعدهم أنـّه ُ سيشتري لهم لحما ً هذا الشهر !

بدأ يعيد الحساب :
سيعتذر لأبا محمـّد عن الدفع في هذا الشهر عسى أن يتحسـّن الوضع في الشهر القادم ! و سيعطي أبا رضا خمسين ليرة فقط ! أمـّا أبا صفوان فلن يقتطع من مخططه ِ السابق شيئا ً عنه ُ فعرس صفوان ” عالبواب ! ” ، و سيدفع كلّ من فاتورة المياه و الكهرباء و بذا يكون المجموع 50 + 50 + 150 = 250 سيزيد ُ بحوزته 250 ليرة سيشتري بها لحم و أشياء أخرى للمنزل

و لكـن !!

ماذا عن الديون المترتبه عليه لكل ّ من اللحام و الخضرجي ّ و السمـّان ؟
و كان على وشك البدأ بالحساب مجددا ً عندما شعر َ بشيئ ٍ مالح يتحرّك في عينيه ِ فيجعل التحديق في الخمسمئة ليرة يبدو أصعب ، فأصعب ، فأصعب ، ثم ّ سقط َ شيئ من مقلة ِ عينيه ِ ليرسم َ دائرة ً مبتلّة ً على المساحة البيضاء إلى أقسى يمين القطعة النقديّة !
مدّ يده ُ إلى جيبه ِ بحثا ً عن علبة السجائر ، لم يكن بداخلها سوى علبة الكبريت الزرقاء المهترئة . نظر َ إليها بغضب ، مرّت كل ّ حساباته ِ المعقدة برأسه ِ معا ً ، كل ّ محاولاته ِ بأن يحفظ َ ماء وجهه و الجزء المتقبي من كرامته ِ أمام الجميع ، إبتسم بسخرية من نفسه ِ و حرقة تسير ُ على خديه ِ ، أمسك َ بعلبة الكبريت ، سحب منها عودا ً واحدا ً استلّه ُ كأنـّه ُ سيف أحد كبارات التاريخ ، قرّبه ُ برفق ٍ غاضب ٍ من العلبة : ” تشك ، تشك ، تشك ” إشتعل !
راقبه ُ يحترق ُ رويدا ً رويدا ً ، و عندما لم يبق َ من إشتعاله ِ سوى ما يكفي لإحرق ِ أمله ِ بتلك الخمسمئة ، قرّبه ُ من أحد أطرافها و راقبه ُ كيف َ يشعلها ، يزلـّها كما أزلّته ُ ، يحرقها بتفاصيلها التي أتعبته ُ .
بعد قليل ، إنطفأ عود الكبريت و وقع َ على الأرض ، أمـّا هو َ فكان مازال يراقب شظايا القطعة النقديّة تتطاير ُ منها ، بدأت تحرقه ُ ، ألقى بها أرضا ً و راح يضحك عاليا ً ، عاليا ً جدّا ً !
استمر ّ بالضحك إلى أن إنطفأ كل ّ شيئ ، حتـّى أحلامه ُ ، داس َ على البقايا المحترقة جمعيا ً و بدأ يسر ُ بإتجاه ِ المنزل و هو يحاول ُ أن يفكـّر بما سيقوله ُ لكل ّ من أبا محمـّد و رضا و صفوان و و و و . . .

http://www.freesham.com/2010/05/500.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى