صفحات ثقافية

«النّساء والحبّ»: Goodbye Freud

null
نوال العلي
قبل أكثر من ثلاثين عاماً، قرّرت إحدى الشابات النسويات المتحمّسات أن تنقل أخباراً سيّئة عن الحياة الجنسيّة للمجتمع الأميركي. هكذا، أصدرت شير هايت كتابها الأول الشهير «تقرير هايت حول الحياة الجنسية النسوية» (1976). ومنذ ذلك الحين، عانت الأمرّين من سخط المجتمع الأميركي وتهجّم رفاقها الأكاديميين على منهجيّتها. ما دفعها إلى مغادرة أميركا فور حصولها على الجنسية الألمانية وتخلّيها عن تلك الأميركية (1996). رغم ذلك، استمرت هايت (1941) في إصدار كتبها حتى أكملت رباعية تقاريرها بـ«تقرير هايت حول الرجال والحياة الجنسية الذكورية» ثم «النساء والحب»، وأخيراً «تقرير هايت حول العائلة: النشوء في ظل البطريركية»، فضلاً عن مؤلفاتها الأخرى.
كان لا بد من هذه المقدمة للإحاطة بالأجواء التي رافقت ظهور «النساء والحب». وقد صدرت طبعته الثانية بترجمة فؤاد جديد عن «دار المدى». في الواقع، إنّ هذا النوع من الكتب يصيب قارئه بشيء من الحيرة. إذ إنّه يحاول إخضاع مفاهيم كالحبّ وعلاقته بالرغبة والجسد وعلاقة كل ذلك بالغضب والكبت، إلى سياق دراسي، ثم يخلص إلى نتائج وإحصائيات. وقد هاجم كثيرٌ من المتخصصين بالبحث صلاحيّتها بالنظر إلى طريقة انتقاء الباحثة للعيّنة.
لكنّ نتائج هايت ـــــ المستندة إلى استمارة أسئلة عن الحياة الجنسية للنساء فقط وزعت منها 10 آلاف نسخة بالبريد وحصلت على ردود 4500 حالة ـــــ تضيء علاقة المرأة بجسدها، في وقت تشكّل في حقيقتها كشافاً للمفهوم الاجتماعي للحب والجنس، تجريه هايت على اعتبار أنّ التصورات الجنسية هي بنى اجتماعية، أكثر مما توحيه تلك التصورات من فردية مطلقة. حتى لتظنّ كل مَن تقرأ الكتاب أنّه يتحدث إليها بشكل خاص. وتعطي الانطباع بأنّ حال المرأة الجنسية الأميركية زمن صدور الكتاب (1987) تشبه الحياة الجنسية للمرأة العربية الآن. إنّه مجرد انطباع!
وبغضّ النظر عن مثل هذه التساؤلات، فإنّ هايت ـــــ بهذه المحاولة التي باعت 48 مليون نسخة ـــــ بدأت بالنظر في الانفعالات وارتباطها بالسلوك في التعبير عن الحب، وحاولت إعادة تعريف الحياة العاطفية واكتشاف الجنسية sexuality النسوية، مظهرةً كيف بنى الرجل هذه الجنسية لحسابه. وهي بذلك كأنّها تواسي ملايين النساء صاحبات الحياة الجنسية البائسة بقولها «إنّه ليس خطأك».
يُقسم هذا الكتاب الضخم إلى خمسة فصول، تستهلّها هايت بالحديث عن «العقد العاطفي» ثم «أن يكون المرء عازباً: النساء والاستقلال الذاتي»، أما الفصل الثالث فهو عن «الزواج والحب»، يليه «عشق النساء للنساء» ويتعلّق الفصل الأخير بـ«تغيير الثقافة من خلال قيمنا».
وتفرد هايت مساحةً للحديث عن الحياة العاطفية بين الزوجين، مثبتةً بالأرقام كيف يصبح الرجل نجم الحياة الزوجية. هكذا، تتعلّم المرأة أن تكون مغذّيةً بينما يتعلم الرجل أن يتغذّى جيداً. ولنقل إن ما توصلت إليه هايت بالأرقام ليس بجديد، بل إنّها تخرج أحياناً بنصائح لن يصغي إليها أحد على الأغلب. كأن تخلص مثلاً إلى قولها «على الرجال ألّا يخشوا غضب النساء بل يتقبلوه، إذ من الطبيعي أن يقاوم المرء الظلم». لكن الغضب الذي تظهره النساء في الكتاب هو الغضب المكبوت، يظهر امتناع المرأة عن التصديق بأنّ الحب ينتهي والأحلام تتحطّم أو تشحب مع الوقت. واللافت حقاً في الكتاب هو دعوة هايت إلى رؤية جديدة في علم النفس النسوي، فهي ترى بأنّ الوقت حان لقول: باي باي فرويد، كان العمل معك عصابياً! بل إنّها تذهب إلى أن «الصوفية الفرويدية» استمرت في تضليل النساء وأساءت فهمهنّ واعتبرت بأنّ مردّ استيائهنّ ليس وضعهنّ الدّونيّ، بل إنّ أسبابه «عصابية». إذ إنّ النظرية الشخصية لفرويد وغيره لم تبحث في «الأهمية المركزية للرغبات الاجتماعية وللثقافة في تحديد أفعالنا وطريقة إحساسنا»، وهي بالتالي تقدم قليلاً من العناصر الملائمة لفهم حيواتنا وتصرفنا.
وفي فصل«عشق النساء للنساء»، تتساءل هايت إن كان الحب المثلي بين النساء أكثر شرعية. وقد يكون استنتاجها النفسي امتداداً أصيلاً لاستنتاج جنسي توصلت إليه في تقريرها الأول حين خلصت إلى أنّ 70 في المئة من النساء لا يتوصّلن إلى ذروة النشوة الجنسية خلال الجماع، بل إنّ ذلك يتم عبر إثارة بظرية أكثر مباشرة. وهي مسألة سبقتها إليها النسوية آن كوديت في كتابها «المهبل وخرافة النشوة الجنسية». وفي هذا السياق، تعالج هايت الموضوع البيولوجي من وجهة سيكولوجية، وتفكّك النسيج الغني والخاص للحياة المثلية بين النساء، فتحلّل المكتسبات النفسية التي تحقّقها هذه الحياة، كالقدرة على فهم الآخر والإصغاء إليه؛ فـ 82 في المئة من النساء يقلن إنّ علاقاتهنّ الغرامية مع النساء ممتازة لأنّ الأحاديث الحميمة ممكنة وسهلة.
هذا الكتاب واحد من أعمال كثيرة لم تبدأ من عند سيمون دو بوفوار وتمر بكلاريسا بنكولا وهيلين سيكسو ومارلين فرينش ولن تنتهي بشير هايت. إذ إنّ التفكير بالعلاقات الغرامية يطرح النظام الاجتماعي والثقافي برمّته قيد البحث والنقد. وهي مسألة لن يكون لها حدّ، لكننا نحب أن نكون متفائلين كحال الكاتبة التي ترى أنّ القرن الـ 21 هو قرننا، وأنّ النظام الأبويّ ليس أزلياً.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى