تساؤلات واشكالات مطروحة أمام المعنيين: حسابات مسرح الشباب لم تتوافق مع نتائج مهرجانهم الخامس
أنور بدر
حلب ـ ‘القدس العربي’ انتهت الدورة الخامسة من مهرجان الشباب للفنون المسرحية والتي أقيمت برعاية الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة في محافظة حلب شمال سورية ما بين 6 – 13 أيار( مايو) الحالي، مُفجرة مجموعة من الإشكالات وطارحة مجموعة من علامات الاستفهام، تبدأ بالعلاقة ما بين مسرح الشباب ومسرح الهواة، ولا تنتهي عند حدود التجريب في حقلي الكتابة والإخراج.
ودعونا نؤكد بداية أهميّة هذا المهرجان الذي انطلق عام 2006 في أول دوراته في محافظة إدلب لينتقل في دوراته التالية ما بين الحسكة، دمشق، طرطوس وكانت محطته الأخيرة في محافظة الشهباء حلب، وقد راكم هذا المهرجان في مسيرته القصيرة تلك مجموعة من الخبرات، حاولت ِ التأكيدَ عليها وباستمرار كلُّ التوصيات الصادرة في نهاية دوراته الخمس، حيث نجحت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة بالتعاون مع المسرح القومي في حلب ومحافظة حلب في إنجاح الدورة الأخيرة تنظيمياً، كما أكـّد السيد عماد جلول مدير المهرجان، مُضيفاً أنّ: ‘سويّة العروض الفنية كانت متفاوتة، وهي بذلك إنما تعكس واقع الحراك المسرحي الشبابي، والذي سوف نعمل على الارتقاء به من خلال إقامة المزيد من ورش التدريب والاهتمام أكثر بانتقاء العروض المرشحة ومتابعتها فنياً قبل الوصول إلى لحظة السباق الأخيرة في المهرجان’.
ورغم أنّ المهرجان الأخير قدّم اثني عشر عرضاً في المسابقة الرسمية من أصل ثلاثين عرضاً تقدمت للمسابقة، إضافة إلى عرض الافتتاح الذي قدمته جمعية الشارقة للفنون الشعبية والمسرح في دولة الإمارات العربية المتحدة باسم ‘ليلة بعمر’ بتوقيع محمد صالح مخرجاً، فإنّ لجنة التحكيم المؤلفة من الدكاترة نبيل الحفار، محمد قارصلي، وأنيس باندك، رأت أن تحجب ثلاث جوائز هي: جائزة أفضل عرض متكامل، والجائزة الخاصة للجنة التحكيم، وجائزة أفضل نص والذي رأى فيه المتابعون نوعاً من الاحتجاج على السويّة الفنية لأغلب العروض المشاركة، فيما منحت اللجنة شهادة تقدير للطفل طارق خليلي مع جائزة نقدية بقيمة 5000 ل.س للمشاركة في عرض ‘الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا’ الذي قدمته فرقة ‘سما’ المسرحية الخاصة في حلب، عن نص للكاتب السوري الراحل ‘سعد الله ونوس’ بتوقيع محمد دباغ مخرجاً.
أمّا الجوائز الأخرى فذهبت كالتالي:
جائزة أفضل ممثل دور ثان ـ قيمة الجائزة خمسة عشر ألف ليرة سورية ذهبت للممثل شريف ديوب عن دوره في عرض ‘الليلة التي أمضاها ثورو في السجن’.
جائزة أفضل ممثلة دور ثان ـ قيمة الجائزة خمسة عشر ألف ليرة سورية ذهبت للممثلة نور جوان عن دورها في عرض ‘نور العيون’.
جائزة أفضل ممثل دور أول وقيمة الجائزة ثلاثون ألف ليرة سورية ذهبت للممثل يوسف أبو دان عن دوره في عرض ‘الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا’.
جائزة أفضل ممثلة دور أول ـ قيمة الجائزة ثلاثون ألف ليرة سورية ذهبت للممثلة فيحاء أبو حامد عن دورها في عرض ‘بلغني’.
جائزة أفضل إخراج ـ قيمة الجائزة خمسون ألف ليرة سورية ذهبت مناصفة للمخرج خالد أبو بكر عن عرض ‘بلغني’ و المخرج سعيد حناوي عن عرض ‘حياة.. حوار’.
*****
وإن كانت نتائج هذه الدورة قد خيّبت أمل أغلب الفرق المشاركة، إذ لم تتطابق حساباتهم مع نتائج لجنة التحكيم التي رأت كافة العروض التي شملتها مسابقة المهرجان وعددها اثنا عشر عرضاً مسرحياً، وقد أوصت اللجنة بما يلي:
لوحظ أن أغلب العروض لا تعبّر عن روح الشباب، وليس المقصود هنا أن ينفذها مسرحيون شباب فقط، بل الأهم أن تعكس قضايا وهموم ومشاكل الشباب بأساليب تعبير شابة.
نقترح أن لا يتجاوز عمر مخرج العرض الأربعين عاماً.
لم تكن جميع العروض على سوية فنية وإبداعية واحدة، بل تفاوت مستوى العروض وسويتها الفنية والمسرحية.
لوحظ وجود عدد من العروض التي نفّذت قبل فترات زمنية متباعدة لذلك توصي اللجنة بأن يكون من شروط الاشتراك في المسابقة أن يكون العرض قد أنجز قبل عام فقط من انعقاد الدورة الحالية.
توصي اللجنة باتباع آلية المشاهدة الميدانية لعروض كل محافظة من قبل لجنة المشاهدة وانتقاء العروض الأفضل للاشتراك في المسابقة، على أن تكون هذه المشاركة من قبل اختصاصيين يساعدون الفرق في تدارك الأخطاء الفنية والتقنية قبل انعقاد دورة المهرجان.
توصي اللجنة باتباع مبدأ السوية الفنية والإبداعية مرجحة هذا المبدأ على كمّ العروض المشاركة.
توصي اللجنة بإقامة دورات تخصصية للشباب المسرحي قبل فترة كافية من انعقاد دورة المهرجان القادمة، على أن يقوم أخصائيون بإدارة هذه الدورة، ويفضل أن تنتج عنها عروض مسرحية أو أساس لعروض مسرحية تتابع الفرق العمل عليها، على أن تشرف مديرية المسارح والموسيقا على إقامة هذه الدورات وتحدد الاختصاصات وأهمها: دورات إخراج وتمثيل، دورات في التقنيات كالديكور والإضاءة والصوت وغيرها.
توصي اللجنة بتقديم منحة مالية ( من الميزانية المرصودة للمهرجان) لكل فرقة تم اختيار عرضها للاشتراك في أعمال المهرجان القادم، وتدفع المنحة قبل بدء المهرجان بفترة كافية ليتسنى لهم تدارك الاحتياجات المطلوبة.
توصي اللجنة بضرورة تفعيل اللجنة الإعلامية للمهرجان قبل فترة كافية من انعقاده في المحافظات المعنية.
توصي اللجنة بإقامة فعاليات وأنشطة موازية تتناسب مع روح الشباب كعروض الشارع أو احتفالية كرنفال وغير ذلك مما يقترحه الشباب بأنفسهم.
تتمنى لجنة التحكيم أن تأخذ إدارة المهرجان القادم بهذه التوصيات كي لا تضطر اللجنة القادمة لإعادة صياغة توصيات مماثلة ومكررة.
من جهتنا نلفت الانتباه إلى ضرورة وجود مخرج محترف لأعمال الفرق الشبابية، أو الاستعانة بمخرج محترف كمشرف على العرض في حال إصرار هذه الفرق على التعامل مع مخرجيها الهواة، لكن الأهم في هذه الحالة هو معرفة ذلك المخرج الهاوي بحجمه الإبداعي، فلا يُعقل أن يتصدى ذلك الهاوي ممن لم يشاهد في حياته عشرة عروض مسرحية جيدة لمهام كتابة النص والإخراج وبناء السينوغرافيا إضافة لدور البطولة في أغلب الأحيان، كما رأينا في عرض علي رمضان ‘دعوة ضد مجهول’ وهو الأسوأ في هذا المهرجان، وحتى في عرض سعيد حناوي ‘حياة حوار’.
المسألة الأخرى وهي لا تبتعد عن الملاحظة السابقة، أنّ المخرج الهاوي في حال تنازل عن حقه في كتابة النص، فإنّه غالباً ما يلجأ إلى اختيار غير موفق للنص سواء كان محليا أو عالميا، وغالباً ما يكون خياره منساقاً وراء المقولات النظرية للنص كما في عرض ‘الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا’ لسعد الله ونوس، أو نص ‘الليلة التي أمضاها ثورو في السجن’ لجيروم لورانس وروبرت أي لي، وهي نصوص صعبة ونظرية تحتاج إلى دراماتورج ذكي يشتغل على إعدادها أولاً كنص للعرض أو نص خشبة، كما تحتاج إلى مخرج يستطيع تقديم حلول إخراجية لإنقاذ تلك العروض من رتابة الحوارات النظرية.
*****
واعتقد أن الكثير من هذه الملاحظات وسواها كانت محل نقاشات في الندوة المركزية التي أقيمت على هامش المهرجان بعنوان ‘أي مستقبل ينتظر مسرح الشباب’ وشارك فيها كل من الدكاترة ميسون علي، عبد القادر الملا والفنان رأفت الزاقوت، وأدارها الناقد والكاتب جوان جان رئيس تحرير مجلة ‘الحياة المسرحية’.
بعيدا عن ذلك قام المهرجان بتكريم عدد من نجوم المسرح والتمثيل من أبناء محافظة حلب، وهم: الفنانة ثناء دبسي، الفنان عمر حجو، الفنان جوزيف الناشف، الفنان إيليا قجميني، الفنان غسان مكانسي، إضافة إلى تكريم الكاتب المسرحي والناقد عبد الفتاح قلعة جي والكاتب محمد أبو معتوق.
أسامة السيد يوسف مدير المسرح القومي: لا تسألني عن سبب عدم حضور الجمهور
في نهاية الدورة الخامسة لمهرجان الشباب للفنون المسرحية، رأينا في ‘القدس العربي’ أن نقف مع الفنان أسامة يوسف، مدير المسرح القومي في حلب، والذي كان صريحاً ومنفتحاً على جميع الملاحظات وحتى الانتقادات التي أثيرت في هذه الدورة.
* بداية كيف ترون الدورة الأخيرة من هذا المهرجان، وأنتم أحد المشاركين في انجازها؟
** في كل الدورات السابقة كانت تظهر بعض الأخطاء هنا أو هناك، وهذا من طبيعة الأشياء باعتقادي، وكانت هذه الأخطاء تتراجع من دورة إلى أخرى، وهذا لا يعني أنها انعدمت تماماً، لكننا حاولنا في الدورة الأخيرة تجاوز أغلب المشاكل على صعيد التنظيم التي واجهتنا سابقاً، ولن يخلو الأمر من وجود إشكالات جديدة يمكن أن تبرز باستمرار.
من ناحيتي أنا راض عن المهرجان تنظيمياً، مع طموح دائم باتجاه الحالة التي تخلق نوعاً من الأريحية لكافة الضيوف والفرق المشاركة.
* ولكن أثير لغط كبير حول السوية الفنية لأغلب العروض؟
** أنا لن أتنصل من المسؤولية تجاه العروض المنتقاة، لكن يمكنني التأكيد بالنسبة لأعمال الفرق الحلبية الثلاث التي شاركت في هذه الدورة، أنني حاولت تقديم كل العون والمساعدة المتوفرة من أماكن تدريب إلى الديكورات والألبسة والإكسسوارات الموجودة في مستودعاتنا.
بالطبع وصلني أكثر من رأي يؤكد على تفاوت شديد بين العروض، بعضها جيد وبعضها الآخر غير جيد، وهذا شيء طبيعي نلاحظه في كل المهرجانات، إذ يمكن دائماً أن تتفاوت سوية العروض، وأنا كما علمت من السيد عماد جلول مدير المسارح والموسيقى مدير المهرجان، أن لجنة مختصة كانت مسؤولة عن انتقاء العروض، وقد اختارت اللجنة 12 عرضاً من أصل ما يقارب 30 عرضاً تقدم للمشاركة في المهرجان.
لذلك أقول: إذا كان هناك تراجع في مستوى العروض المسرحية، فالمسؤولية تقع على الجهات التي رشحت العروض، لأنه لا يعقل، وليس تبريراً أن تكون لجنة مشاهدة العروض قد استبعدت العروض الجيدة، وليست لها مصلحة في ذلك.
* برز في الدورة الأخيرة التباس واضح حول مفهوم مسرح الشباب؟
** أنا برأيي مهرجان الشباب لا يلغي سن الرجال، أنا أقول بأن مهرجان الشباب يتضمن هموم وطموحات وأهداف الشباب، عندما توجد خبرة للتعامل مع مجموعة من الشباب وإضاءة مشاكلهم وطموحاتهم، فنحن نكسب عرضاً شبابياً، ويكسب الشباب خبرة هم بأمس الحاجة إليها.
ولكي نتجاوز ما أشيع من تدني العروض المسرحية فنياً، فإننا ندرس حالياً إمكانية دعم الفرق المشاركة مادياً وفق ما هو متاح لنا من ديكور وإكسسوارات ومطبوعات… إلخ، لأن معظم الفرق المشاركة لا داعم مادياً لها، وأنا على معرفة مباشرة بواقع الفرق المسرحية في محافظة حلب، حيث صنّع بعضهم الديكور واشتروا الإكسسوارات أو الأزياء من تبرعات أعضاء الفرقة أنفسهم. ولي رأي هنا أن تمنح لجنة مشاهدة العروض التي ستشكل لاحقاً صلاحيات حقيقية في الدورة القادمة للمهرجان للعمل على تطوير العروض المسرحية من خلال مشاهدة البروفات، وتقييم مشاهدتها، وتقديم ما يمكن من دعم فني وملاحظات أكاديمية، ودعم مادي أيضاً لتطوير تلك الأعمال التي تحظى بالموافقة الأولية فقط.
* كيف ترى المشهد الثقافي في حلب وأنت أحد الفاعلين فيه من خلال المسرح القومي؟
** إن ما ينطبق على حلب ينطبق على كافة المحافظات السورية، وأرجو عدم سؤالي عن سبب عدم حضور الجمهور لحفلة موسيقية أو ندوة أدبية أو عرض مسرحي، إذ لا جواب لديّ.
لكني أقول من وجهة نظري، أن أحد الأسباب الرئيسية لحالة الانكماش الثقافي أن الجمهور أو المشاهد هو بحاجة لأن يتابع الجديد، ويبحث عن المنتج الذي يضيف له معلومة أو فكرة أو حالة من السعادة، أو المنتج الذي يثير لديه إشكالية جديدة، لكي يتفاعل معها.
وأنا من موقعي في مسرح حلب القومي، أحاول دائماً أن أختار العروض المسرحية التي تلبي متطلبات أوسع شرائح ممكنة من الجمهور، وأحاول أن أنوع في اختياراتي للعروض ما بين اللهجة المحكية أو الفصحى، وما بين النصوص المحلية أو المترجمة، ولكل من هذه العروض جمهور شبه خاص به.
* عرض القومي الأخير في حلب ‘إطلاق النار من الخلف’ حقق نجاحاً ملفتاً للانتباه من خلال ما قرأنا عنه في الإعلام، لماذا لا تذهب هذه العروض إلى المشاهدين في دمشق وباقي المحافظات السورية؟ ولماذا لا تكثف هذه العروض الجيدة للمساعدة على استقطاب الجمهور إلى العروض المسرحية؟
** إن عرض ‘إطلاق النار من الخلف’ للمخرج الدكتور وانيس باندك عن نص الكاتب الكبير وليد إخلاصي كان من العروض الجيدة والمتميزة، لكن الحديث عن جولة عروض مسرحية كهذه على المحافظات مرتبط بمديرية المسارح والموسيقا، كذلك الأمر بعدد العروض المسرحية المنتجة لدينا فهذا مرتبط أيضاً بالميزانية المحددة لذلك.
* سمعنا عن مشروع مسرحي جديد بين المسرح القومي في حلب والفنان الكبير عمر حجو؟
** تقدم شيخ المسرحيين لدينا الفنان عمر حجو بفكرة أن يكون في حلب مهرجان مسرحي دائم وعلى مدار العام، على أن تتصدى فرق الهواة المسرحية في المحافظة وفرق المنظمات الشعبية لانجاز تلك العروض التي شكلت علامة فارقة في تاريخ المسرح السوري، ونحن في إدارة المسرح القومي في حلب، ومن خلال وظيفتنا في دعم الحراك المسرحي في المحافظة نرحب وندعم مثل هذا المهرجان، وسنقدم لإنجاحه كل ما نملك من صالات عرض، وأماكن للبروفات، وما هو متوفر لدينا من عناصر العرض المسرحي كالديكور والإكسسوارات … إلخ…. آملين أن تنجح هذه المبادرة في تجسير الهوة القائمة حالياً ما بين المسرح والجمهور، واستعادة قسم من هذا الجمهور إلى المسرح مجدداً.
القدس العربي