صفحات سورية

إعلان دمشق كيــف .. ولمــاذا ؟؟!!

null

حسن الصفدي

لمّا صدر “إعلان دمشق” دار لغط كثير حوله، معه وضدّه، بل وجرت محاولات إصدار بيانات أخرى محلّية، بعضُها صدر ونُسيَ في حينه، وبعضها لم يتح له الصدور. واقعياً استمر الإعلان يفعل فعله، ولا أقول يقوم بدوره، فهذه الجملة- التعبير متروكة للتنظيمات الجبهوية التي تكلّف أعضاءها بالمهمات (النضالية) مديريات ووزارات وعضوية مجالس ولجان ونقابات.

ثم كان لابد، بطبيعة الحال، من أن تتصاعد وترتقي وتيرة عمل الإعلان، فكان أن توّجت بخبر انعقاد “المجلس الوطني”. وكان مبشّراً والحق يقال، أن يستطيع هذا الائتلاف عقد مجلسه مع هذا العدد، في مثل ظروفنا، التي تحتاج فيها جهة معنية بالثقافة أرادت أن تدعو شاعراً كي يقرأ، على جمهور محدود معدود، قصيدة منشورة في صحيفة من صحفنا، أو في مطبوعة من مطبوعات اتحاد الكتاب أو أي هيئة أخرى، إلى طلب الموافقة – أخذ الإذن- من جهة ترسل من يسأل عن أمه وأبيه وبناته وبنيه وصاحبته التي تؤويه، وعن عمه المقبور وخاله المتعطل، ويعاد السؤال في كل مرّة سيلقي فيها هذا الشاعر، قصيدته المعروفة، في أي بقعة من بقاع وطننا الحبيب.

أقول ويا لها من فرحة ما تمت “لأن الحلو ما يكملش” لأننا بتنا نسمع كلاماً عن إقصاء- كناية بلاغية عن عدم النجاح في الانتخابات-، وعن تغييب مبيت لأخطار مبهمة- من أجل فهم هذا التغييب هناك حاجة إلى مراجعة الفلسفة الظاهراتية، الفينومينولوجيا-، لحقه تجميد (سبق أن حكينا عن منشأ التجميد في مقال سابق).

وأعود فأقول، أريد أن أفهم، ألم يقم الإعلان على التوافق بأن قضية الديمقراطية هي المسألة الأساس، على ما فهمنا من البيان الأول للإعلان! ثم أليس الإعلان ائتلافاً عريضاً من مشارب شتى، تم الاتفاق فيما بين المؤتلفين على أن يضمّّ أحزاباً وأفراداً وهيئات، ومن يريد أن ينضمّ لاحقاً فلينضم، ومن يريد أن يوقّع فليوقّع؟؟ فمن أقصى من؟ ومن أبعد من؟ وكيف يتم التصدي لمواجهة الأخطار الخارجية، من قِبَل أناس ليس لهم من أمرهم شيء بتاتاً؟ أبالخطب العصماء والبيانات النارية ونداءات التضامن! أم بالعمل على شد السُّدى واللحمة الداخلية لترسيخ الثقة المتبادلة والسعي إلى إرساء عقد اجتماعي، لكل مواطن فيه نصيب فيتواضع على ما تم التواضع عليه وهو راض غير مقهور.

كما جرى أيضاً حديث عن ليبراليين، أما ما توجهاتهم – واقتصاد السوق قادم ليس بجهودهم- ومَنْ الذي ينظّر لليبرالية وتلك “النيو”! التي لا أدري كيف لها أن توجد في بلد مثل بلدنا؟ فلم يتطرق أحد لهذا! ولماذا نبقت الليبرالية بعد انتخاب الأمانة العامة، وأين كان أنصارها الاقصائيون، المستهينون بالأخطار التي تهدد الوطن عند تشكيل الإعلان؟؟

اعذروني لأسلوب القول الذي سأورده لبيان ما أريد قوله بمنتهى الوضوح. هل كنتم تقبلون باستمرار وجود الليبراليين في “الإعلان” لو تشكلت الأمانة العامة من غير هؤلاء؟؟!! بل لماذا تحالفتم معهم أصلاً، إذا كنتم تعتبرون الأخطار هي المسألة الأساس، ناهيك عن إشارات إيديولوجية عن يساريين وقوميين و..و.. وهنا لابد من أن تغدو مسألة الديمقراطية مشروطة إما بالمركزية أو بالشعبية، مما يُخِلّ بالشرط اللازم والكافي لصحة بؤرة منظور كافة الأطراف المشاركة في الإعلان؟؟!! هل كنتم تسايرون بداية، ثم أردتم أن تسوّدوا وجهة نظركم؟! أم.. أم.. وكيف كان سيستوعب الإعلان هذا الكم المتناقض من الإيديولوجيات وتفرعاتها، التي لم نلمح لها ظلاً في البيان الأول.

أتذكر، للمناسبة، حكاية منذ الخمسينيات، إذ قال لي صديق لبناني مغترب في السنغال: فاجأني موظف شركة فرنسي تعرفت إليه بالقول: أنتم اللبنانيون مدهشون – كتجار- عمل واحد منكم يعادل عمل عشرٍ من الفرنسيين، لكن عشرَ فرنسيين يكافئون أكثر من مئة منكم.

وتتعرّف في بلدنا الحبيبة إلى الشباب فتلمس في كل فرد منهم إمكانات كامنة، وعندما تشاهد بضعة منهم في عمل جماعي فقل: أعوذ بالله من كلمة أنا من كثرة ما تسمعها. أما مرّ عليكم وأنتم أطفال أن فرض عليكم واحد منكم طريقته في اللعب وسايرتموه إما لأنه قوي الشخصية، أو قوي الشكيمة، وإما لأنكم لا تعرفون اللعب إلا وفق عدد محدد لم تحاولوا التساهل فيه، ونبذ من يحاول فرض رأيه على المتفقين. أما حصل معكم وأنتم شباب تقومون برحلة محددة، أن طلب أحدكم أن تسلكوا طريقا لم يسبق الاتفاق عليه، وكان تهديده: إما أن تسيروا في الطريق الذي أقول لكم عليه أو إني مغادركم!! وكنتم حريصون على بقائه من باب الخجل!!

هل تراني أوضحت، ببساطة، لماذا تسود عندنا المركزية مجيّرة للفردية؟!

أخيراً أتعرفون ما ذنب إعلان دمشق؟ ذنبه أنه بدأ النداء بالديمقراطية من دون لاحقة!!!!

ملاحظة للتذكير: عندما جرى البطش بالحزب القومي السوري في الأيام المزعومة بالديمقراطية الحق، لم ينبس أي جماعة أو حزب قائم آنذاك بكلمة استنكار، بل أزعم أنهم كانوا من الفرحين، إذا لم يكونوا من الشامتين. بعد أقل من عقد من السنين جرى التنكيل بالشيوعيين، وكانت الصورة طبق الأصل، وهكذا دواليك… ولا داعي للحديث عمن كانوا ملكيين أكثر من الملك كلٌ في حينه… إنها الشرذمة ولا فخر….

حسن الصفدي: ( كلنا شركاء ) 7/2/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى