تقارير المخبرين من رسائل الورق إلىSMS !
خالد سميسم
منذ نحو 70عاما تقريبا اشترى أحد الرجال في إحدى قرى الريف السوري جهاز راديو،فقررت زوجته بعد فترة من استخدام الراديو أن تغسله مع قطع الألبسة التي تأخذها في العادة أسبوعيا إلى عين الماء، و بالفعل غسلته و نقعته في الماء حتى صار يلمع من النظافة لكن الجهاز اتلف تماما، و كاد عقل الرجل صاحب الراديو أن يتلف معه في ذلك الحين، هذه القصة حكتها لنا المرأة ذاتها حتى انها تعتبرها من “تراثها” و ذكرياتها الأليمة مع جهاز لا تعرف عنه شيئا.
بعد 70 عاما تروي المرأة ما حصل معها و تضحك على جهلها غير المقصود الذي لا تتحمل مسؤوليته،و ما حصل من ثورة للاتصالات جعلتنا جيل يشبه هذه المرأة مرتبك في معرفة الأشياء و عدم معرفتها، في كرهنا للتكنولوجيا و حبها، إذ أثر ذلك على حياتنا و على نمط تفكيرنا و أصبحت الكلمات و الأفكار الألكترونية بلا روح و مع ذلك نحبها، كون الروح كانت تعذبنا و تجعلنا نستمتع بقلقها .
قوم ” المخبرين” استفادوا من ثورة الاتصالات تلك و خصوصا جهاز “الموبايل”، و مع ذلك حسب ما قال احدهم لقد فقدوا الروح في عمل طالما وصف المشتغل به بصاحب الخط الجميل، ففي غابر السنوات التي مضت أي قبل وجود الموبايل و الإيميل كان المخبر يكتب على الورق، و الورق معروف بحنيته، فكان يجمل خطه و يختار القلم المناسب الذي “يرتق” إلى مقام الحدث، أي حدث الكتابة إلى فخامة احدهم، و بعد الكتابة يكون اللقاء الموعود الذي يضع المخبر وجها لوجه مع أحد “الفخامات”حين يشكره بطريقة مذلة لـ “إخلاصه” و يستمع منه أيضا إلى ما يستجد من أمور.
في تلك السنوات الغابرة كان المخبر صاحب “سطوة” في الشارع، فهو الذي يهدد و يتوعد إذا كان غبيا و إذا كان عنده بضع عقل يكون كتوما، و مع ذلك يظن نفسه أنه يخدم الوطن بكل إخلاص من دعاة الهدم أكانوا من الشيوعيين أو البعثيين أو الإسلاميين أو من قبل هؤلاء الذين يرتبطون بالخارج “حديثا”و أي خارج كان.
كان يكتب و بخط واضح، يعرف كيف صياغة المقدمة و قبلها “الترويسه” و من ثم “الإخبارية”، و كان للمخبرين درجات حسب نشاطهم و كمية التقارير و نوعيتها التي يقدمونها إلى صاحب الفخامة.
اليوم و من خلال تطور كل شيء، قد تطورت أساليب وصول المعلومات إلى الأمن، فالمخبر عليه أن يستخدم الموبايل، و كتابة الرسائل القصيرة، و هذا الأمر يتطلب الذكاء و المهارة، فعليه ان يكتب رسالة قصيرة ليخبر عن شيء ببضع كلمات معبرة و تفي بالغرض، و هنا المهارة، و لا نعتقد أن مخبري أيام زمان و إذا ما دار الحديث فيما بينهم حول طبيعة و “عز” العمل و “هيبته”يفضلون دخول تقنية الرسائل القصيرة عبر الموبايل إلى عملهم.
في قصة طريفة حصلت مع أحد المخبرين ممن يعملون في إحدى الدوائر الحكومية، و بعد أن عين رئيس الدائرة الجديد طلب أحد الموظفين إلى مكتبه و هو “مخبر” معروف و جلب “المصحف” و حلفه أغلظ الإيمان بأنه إذا ما رغب بكتابة شيء عنه أن يخبره بذلك، و إذا ما تحدث أي موظف عن المدير في الدائرة بكراهية و خبث ان يخبره أيضا، و بالطبع تمنع المخبر قليلا عن الحلفان ثم وضع يده على المصحف و حلف بأن لا “يضر المدير و إذا ما سمع بشيء عنه يخبره فورا”، و هذا المخبر حسب راوي القصة بأنه تطور في عمله الإخباري لأنه كان قبل ذلك يصنف “فسفوسا”، أي هي المرحلة التي يمر بها المخبر قبل تعيينه بقليل.
تطور المخبر و فنه في نقل المعلومة إلى الأمن، فلم يعد المخبر جاهل أو لا يحمل شهادة، و لم تعد المؤهلات خط جميل فقط، و إنما المخبر هذه الأيام يمكن أن يكون في أي مهنة حتى و لو اعتبرها المجتمع راقية، فنرى المخبرين في مهنة الصحافة و هم كثر و “معروفين”، أو في مهنة الطب أو المحاماة أو دوائر الدولة أو جمعيات المجتمع المدني و الجمعيات الحقوقية و المعارضة و غيرها، و المخبر الذي ينحدر من هذه المهن و الأعمال هذه الأيام يستخدم الإيميل في إيصال المعلومة، و كذلك في الجهة المقابلة أصبح صاحب الفخامة الذي يتلقى المعلومة أيضا يستخدم الإيميل، إضافة إلى ذلك أن المخبرين الذين يعملون في الصحافة هم الأخطر، كونهم يباهون في علاقاتهم مع الأمن و يعتبرونها “علاقة مفيدة” لجهة المكاسب التي يحصلون عليها، عدا عن احتكاكهم الكبير بشرائح المجتمع المختلفة.
ضباط الأمن حسب ما سمعنا أنهم يكرهون المخبر و يعتبرونه “حقيرا” حتى و لو قدم لهم خدمات، و كذلك الناس يعتبرونه “ابن حرام” مهما كان شكله او “شكل” ثقافته، و لكن ألا تعتقدون ان الكثير من الدول العربية للمخبر فيها سواء الذي استخدم الورق قديما أو الذي يستخدم الرسائل و الايميل حديثا له “فضل” في قوتها..نقصد قوة نظامها الأمني..سؤال ربما نعرف جوابه في حياتنا..و ربما لا.
كلنا شركاء