صفحات مختارة

حول الإمبريالية: نصوص مقترحة لطاولة مستديرة

مع وقائع ندوة حوارية
المحتويات:
1- نجيب رومية: حول كتاب لينين: “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مبسط”
2- نايف سلّوم: ” حول الإمبريالية
استعراض الأدب الاقتصادي/ السياسي الماركسي بعد الحرب العالمية الثانية ”
3- محمد سيد رصاص: “من “الإمبريالية” إلى “العولمة””
4- معتز حيسو: حول الإمبريالية

حول كتاب لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مُبسّط
نجيب رومية
إن الدراسة التي قام بها مؤسسا الماركسية للعلاقات الإنتاجية في المجتمع الرأسمالي من حيث نشوئها وتطورها وانهيارها هي دراسة للنظام الرأسمالي في الفترة التي سبقت المرحلة الاحتكارية. ولكن في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حلت محل المرحلة ما قبل الاحتكارية في النظام الرأسمالي مرحلة جديدة احتكارية هي الإمبريالية. ولم يعش ماركس وإنجلز ليشهدا المرحلة الاحتكارية للرأسمالية، لذلك لم يستطيعا دراستها. وقد اضطلع المكمل العظيم لرسالة ماركس وإنجلز، لينين بمهمة تحليل الإمبريالية تحليلاً ماركسياً.
وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر لوحظت في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلدان الرأسمالية المتطورة ظواهر جديدة هامة. فقد رافق نمو الصناعة تركز وتمركز للرأسمال، الأمر الذي أدى بدوره إلى تكوين الاحتكارات الصناعية. وبسرعة خارقة شغلت الاحتكارات المراكز القيادية في اقتصاد البلدان الرأسمالية، وحوّل تركّز الأعمال المصرفية المصارف إلى مراكز مالية جبارة، وتمركزت في أيدي الاحتكارات تدريجياً مقادير هائلة من رؤوس الأموال. ونتيجة لتركز الإنتاج وظهور الاحتكارات واندماج البنوك مع الصناعة نشأ الرأسمال المالي. وخلال فترة قصيرة شغل الرأسمال المالي مكان السيادة في البلدان الرأسمالية، واستولت الطغمة المالية-ملوك الرأسمال المالي- على سلطة لا مثيل لها في كل مجالات الاقتصاد والسياسة في حياة المجتمع البورجوازي. ونمت التجارة العالمية بسرعة مع نمو الإنتاج. وحلت في المكان الأول إلى جانب ذلك ظاهرة جديدة خاصة بعصر الاحتكارات هي: تصدير الرأسمال. وسرعان ما حوّل تصدير الرأسمال أغلبية سكان الكرة الأرضية إلى موضوع استغلال من قبل الطغمة المالية التابعة لحفنة من البلدان المرابية. وراحت الاحتكارات الكبرى تتقاسم السوق العالمية فيما بينها بعد أن بسطت سيطرتها الكاملة على أسواق بلدانها الداخلية. وكونت الكارتيلات الدولية التي استهدف نشاطها التقسيم الاقتصادي للعالم. وخلال الربع الأخير من القرن 19 تم التوزيع الجغرافي للعالم بين الدول الكبرى وتبع ذلك صراع حامي الوطيس لتقسيم العالم بالعنف.
إن تطور الرأسمالية وقواها المنتجة وعلاقاتها الإنتاجية وتناقضاتها المستعصية ذات الحدّة المتزايدة، كل هذا هيّأ للانتقال من الرأسمالية القديمة ما قبل الاحتكارية إلى الإمبريالية.
إن مجموعة الظواهر الجديدة المحددة للامبريالية في تطور الرأسمالية تطلبت بشدة من الماركسيين تقديم تحليل علمي. إن الانتقال إلى الإمبريالية أوجد ظرفاً تاريخياً جديداً لنضال البروليتاريا الطبقي في سبيل الاشتراكية. لقد أفلست القيادات النظرية وقادة الأممية الثانية التي كانت قائمة قبل الحرب العالمية الأولى في حل هذه المسألة إفلاساً تاماً، فطمس هؤلاء القادة الجوهر الحقيقي للإمبريالية خدمة للبورجوازية وسمّموا الطبقة العاملة بسمّ الشّك بقواها، ودفعوا الحركة العمالية إلى طريق مميتة هي طريق التهادن مع أشد أعداء البروليتاريا ضراوة-البورجوازية الإمبريالية العدوانية.
وقام المحرفون تحت شعار (إعادة النظر) في موضوعات الماركسية الأساسية بإحلال اختلاقات العلم البورجوازي اللاعلمية الكاذبة محل التعاليم المبرهنة للطبقة العاملة. أما الانتهازيون الذين بقوا إلى حين متسترين بقناع (الأرثوذكسية) فاكتفوا بترديد الموضوعات الماركسية ترديداً جامداً ثم رفضوا في الظرف التاريخي اللازم إعطاء جواب ماركسي على القضايا التي طرحها العصر التاريخي الجديد، ثم انضموا إلى المحرفين المفضوحين وراحوا يؤكدون معهم “هَرَمَ” الماركسية!! ولم يبق من الأحزاب العمالية في الدول الكبرى إلا الحزب الذي أنشاه لينين في روسيا، حزب البلاشفة حزباً مخلصاً للماركسية الحية الفعالة الخلاّقة . وقاطع حزب البلاشفة الانتهازيين بحزم وقاد نضالاً لا هوادة فيه ضدّ المحرفين، وضرب مثلاً حياً على تطبيق النظرية الماركسية كمرشد للعمل في كل مراحل النضال الثوري. خانت أحزاب الأممية الثانية قضية الاشتراكية في أعوام الحرب العالمية الأولى، وخانت المصالح الحيوية للطبقة العاملة وانحدرت إلى مستنقع الاشتراكية الشوفينية. ولم يوجد حزب في مستوى القضية سوى حزب البلاشفة الذي كان في مستوى القضايا التي طرحها الظرف المعقد للحرب الإمبريالية أمام حزب البروليتاريا الثوري.
لقد ناضل الحزب الشيوعي المخلص لقضية الاشتراكية والأممية البروليتارية نضالاً دائباً حازماً ضد الحرب الإمبريالية المجرمة ومن أجل تحويل هذه الحرب الإمبريالية إلى حرب وطنية في سبيل قلب سلطة البورجوازية وانتصار الثورة البروليتارية في روسيا. وفضح لينين دون رحمة عملاء الإمبريالية وكشف المنشأ الحقيقي والطابع الدموي للحرب العالمية الأولى. ونضجت في أعوام الحرب العالمية الأولى في روسيا أعظم ثورة شعبية كما نضج انهيار القيصرية والإمبريالية نضوجاً مباشراً، وأعد الحزب الشيوعي الطبقة العاملة لتقويض أسس الرأسمالية. وأكد لينين في مقدمة كتابه عن الإمبريالية ضرورة الإلمام بالسؤال الاقتصادي الأساسي الذي لا يمكن دون دراسته فهم شيء في مجال تقدير الحرب المعاصرة والسياسة المعاصرة. وهذا السؤال بالذات هو: مسألة الجوهر الاقتصادي للإمبريالية. أنشأ لينين كتابه عن الإمبريالية (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) في عام 1916 ولكن الكتاب لم يطبع إلا بعد قلب السلطة القيصرية في عام 1917.
ولاحظ لينين في مقدمة الطبعة الفرنسية والطبعة الألمانية لكتابه أنه قد طرح أمامه مهمة إظهار لوحة تطور الاقتصاد الرأسمالي العالمي في علاقاته لدولية المتبادلة في بداية القرن العشرين عن طريق معطيات الإحصائيات الرسمية واعترافات العلماء البورجوازيين في جميع البلدان.
إن البحث اللينيني عن الإمبريالية هو ثمرة عمل جبار . وكتابه (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) لا يعتبر على وجه العموم أرسخ ما كتب عن الإمبريالية فحسب علمياً، بل إنه يبدو أيضاً نوعاً من الحصيلة النقدية لكل ما كتب قبله في هذا الموضوع، إذ أن لينين فد أعمل في سابقيه ثناء أو تحطيماً، إلا أنه استخدمهم جميعاً. يقول كرجنتسيف في كتابه “حياة لينين”: “من أجل كتابة هذا الكتاب كان قد قرأ مئات الكتب بكل اللغات ونسخ شواهد طويلة ، وكتب ثلاثة مجلدات من الأعمال التمهيدية والمسودات. إنه لم يهمل أي كتاب أو مقال هام يتعلق بالإمبريالية”.
يتألف كتاب لينين من قسمين: فبينما تحدد الفصول من الأول حتى السادس ما هي العناصر التي تؤلف الإمبريالية حسبما ظهرت في التاريخ فإن الفصول من السابع وحتى العاشر قد خصصت بالأحرى لصياغة تركيب حول الإمبريالية ونقدها بوصفها معطى إجمالياً.
الفصول من الأول وحتى السادس:
يبرهن لينين أولاً على أن [النمو العجيب في الصناعة والعملية بالغة السرعة لتركيز الإنتاج في منشآت تزداد ضخامة، هما ما يؤلف إحدى الخصائص الأشد تمييزاً للرأسمالية]. ويورد لينين منذ ذلك الوقت مثال الولايات المتحدة، حيث يخرج حوالي نصف الإنتاج عن واحد بالمائة من إجمالي عدد المنشآت، أي عن ثلاثة ألاف منشاة عملاقة، تهيمن على 268 فرعاً صناعياً. ويستطرد قائلاً “يبدو من هنا أن التركيز عندما يبلغ درجة معينة من نموه، يؤدي من تلقاء ذاته- كما يقال- إلى الاحتكار مباشرة، ذلك أن بضع عشرات من المنشآت العملاقة تستطيع أن تتوسع بسهولة..”. ثم يخلص إلى القول: “إن هذا التحول الذي يقلب المنافسة إلى احتكار هو إحدى الظاهرات الأعظم أهمية – إن لم تكن هي الأهم- في اقتصاد الرأسمالية الحالية”.
ويتمسك لينين بماركس الذي كان في كتابه (رأس المال):
“يبرهن بتحليل الرأسمالية على صعيد النظرية والتاريخ، على أن المنافسة الحرة تولّد تركيز الإنتاج، وأن هذه بدورها عندما تبلغ درجة معينة من نموها تؤدي إلى الاحتكار”. ويلح لينين على أن [الاختلافات القائمة ما بين البلدان الرأسمالية بصدد نزعتي الحماية وحرية التبادل مثلاً لا تترتب عليها إلا اختلافات زهيدة] في شكل أو في تاريخ ظهور الاحتكارات. ويوضح مرة أخرى:”مولد الاحتكارات، وهو نتيجة تركيز الإنتاج هو قانون عام وأساسي في تطور الرأسمالية في الطور الحالي”.
ولا يمكن برأي لينين تقدير بأس الاحتكارات ودورها على نحو كامل إلا تبعاً لدور المصارف الذي صار بارزاً. ثم يدرس لينين بإنعام النظر التركيز المصرفي وسرعة حدوثه، ولاسيما في ألمانيا لكي يبرز: “كيف أن تركيز رؤوس الأموال واتساع الأعمال يعدلان من أهمية المصارف على نحو جذري”. وهو يوضح أن المصارف عندما تتخذ عملياتها “اتساعاً هائلاً” يصل لها الأمر أولاً إلى معرفة أوضاع الرأسماليين المنعزلين، ثم إلى الإشراف عليهم، وأخيراً إلى تقرير مصيرهم”.
وبعد ملاحظة أن استبدال الرأسمالية الجديدة التي يسيطر عليها الاحتكار بالرأسمالية التنافسية العتيقة يستتبع فيما يستتبع تناقصاً في أهمية البورصة، يلح لينين على فكرة أن “منتهى تطور المصارف إنما هو الاحتكار”. وأن نتيجته هي “تبعية أتمّ فأتمّ للرأسمالية الصناعية نحو المصرف”. ويظهر هذا من خلال “الارتباط الشخصي ما بين المصارف والمنشآت الصناعية والتجارية الضخمة، واندماج الأولى والأخيرة عن طريق اقتناء الأسهم ودخول مديري المصارف في مجالس الإشراف أو مجالس الإدارة للمنشآت الصناعية والتجارية، والعكس بالعكس”. وينهي لينين فصله الثاني بقوله: “إن القرن العشرين يسجل على هذا النحو منعطفاً، حيث تحل الرأسمالية الجديدة محل القديمة، وحيث تحل سيطرة رأس المال المالي محل سيطرة رأس المال على وجه العموم.
[إن رأس المال المصرفي هذا- أي رأس المال النقدي-الذي يتحول في الحقيقة وعلى هذا النحو إلى رأس مال صناعي أدعوه الرأسمال المالي. إن رأس المال المالي هو إذن رأس المال الذي يتوفر للمصارف والذي يستخدمه الصناعيون]. بهذا الاقتباس عن هيلفردينغ يباشر لينين فصله الثالث. ثم يعمد إلى وصف “كيف أن سيطرة الاحتكارات الرأسمالية في نطاق الإنتاج البضاعي والملكية الخاصة كنظام عام لا بد لها من أن تغدو سيطرة الطغمة المالية”.
إنه يرى أن ثمة بالأساس “نظام المساهمة” الذي يسمح بالتحكم في أعمال إحدى الشركات المساهمة باحتلال ما لا يزيد 40 % من أسهمها. ليس من شأن هذا التحكم أن يزيد من قدرة المحتكرين إلى ما لانهاية فحسب بل أنه يبيح أيضاً أسوأ أنواع التلاعب. إذ أن زعماء الشركة الأم ليسوا مسؤولين في نظر القانون عن الشركات الفعلية المستقلة حقوقياً يضيف رأس المال المالي إلى الأرباح الحاصلة من الشركات الفرعية العاملة في الصناعة والتجارة الأرباح الفاحشة التي يحنيها من تأسيس الشركات وإصدار الأوراق المالية، ومن قروض الدولة ..الخ.. تسهم هذه الأرباح وتلك في تثبيت سيادة الطغمة المالية. ولذا ففي فترات التراجع حيث تبيد المنشآت الصغيرة أو غير المستقرة، تمارس المصارف الكبيرة شراء الأسهم بثمن بخس وعمليات (تنقية) و(إعادة التنظيم) التي تؤدي إلى تعاظم بأسها. ويلاحظ لينين أخيراً أن الرأسمالية تختص “بإقامة الفصل ما بين تملك رأس المال وتطبيقه في الصناعة” ما بين رأس المال النقدي ورأس المال الصناعي، ما بين صاحب الريع المزدهر بالأول والصناعي الذي يستثمر بالثاني.
إن الإمبريالية في نظر لينين “تلك الدرجة العليا من الرأسمالية”. حيث يبلغ هذا الفصل “مبلغاً هائلاً” “إن هيمنة رأس المال المالي على كل أشكال رأس المال تعني سيطرة صاحب الريع والطغمة المالية، وتعني وضعاً خاصاً يتبوؤه عدد قليل من الدول “القوية” من الوجهة المالية بين سائر الدول”.
يبدأ لينين فصله الرابع والأساسي بهذا التوكيد القاطع “إن ما كان يميز الرأسمالية القديمة، حيث كانت المنافسة الحرة مطلقة السيادة، إنما كان تصدير البضائع. وما يميز الرأسمالية الراهنة، حيث تسود الاحتكارات إنما هو تصدير رؤوس الأموال”. ولكنه بعدما أكد هذا راح يبرهن عليه ويشرحه:
ينتج “فائض من رؤوس الأموال” ضخم في البلدان المتقدة عن نمو الرأسمالية الاحتكارية والمالية التي سبق دراستها. ولكن النمو غير المتكافئ هو أحد قوانين الرأسمالية، ومن جرائه ومن جراء البحث عن جعل الربح يصل إلى حده الأقصى، فإن رؤوس الأموال الفائضة هذه لا تتوظّف في بلدان منشئها، مع أن الزراعة متخلّفة في هذه البلدان، بل يتم تصديرها بالأحرى إلى البلدان المتخلفة حيث تكون الأرباح عالية.
“إن ضرورة تصدير رؤوس الأموال ردّها إلى (فرط نضج) الرأسمالية في بعض البلدان، حيث يفتقر رأس المال إلى ميادين التوظيف “المؤاتية” نظراً لتخلف الزراعة وبؤس الجماهير..
يبين لينين استناداً إلى الأرقام أن تصدير رؤوس الأموال “لم يبلغ نمواً عجيباً إلا في مطلع القرن العشرين”. ثم يرى أن الإمبريالية البريطانية أميل أن تكون “مستعمرة” في حين أن الإمبريالية الفرنسية “يمكن نعتها بالمرابية”.
يبدو أن موضوعة لينين حول تصدير رؤوس الأموال ، في معارضة تصدير البضائع، تُفهم أحياناً على نحو رديء وتُفَسّر على أنها حلول تصدير الأول محل الثاني، وهذا تفسير مغلوط دون شك. إن تصدير رؤوس الأموال يكتسب عند لينين أهمية خاصة” ليس إلا..
إن لينين بعيد عن أن يرى فيه ما يحل محل تصدير البضائع، إذ هو يلاحظ ويوضح أنه كثيراً ما “يغدو تصدير رؤوس الأموال إلى الخارج..وسيلة لتشجيع تصدير البضائع” الذي غدا عسيراً من جرّاء التوسع في الحماية بالتعرفات الجمركية.
إن الشيء الجوهري الذي ينبغي تذكره عن لينين بصدد تصدير رؤوس الأموال هو أن رأس المال المالي يمدّ شباكه على بلدان العالم كافة” بهذه الوسيلة وأن “البلدان التي تصدر رؤوس الأموال قد تقاسمت العالم بالمعنى المجازي للكلمة”. يلاحظ لينين بداية وفي الفصل الخامس أن الرأسمالية قد خلقت السوق العالمية منذ عهد بعيد” وفي إطار هذه السوق الدولية كانت الأمور تسير “على نحو طبيعي” نحو تفاهم دولي بين أكبر اتحادات المحتكرين (نحو تشكيل كارتلات دولية). وهو يدعم موضوعته، على الأخص بالاتفاق الذي تم عام 1907 على تقاسم العالم ما بين التروستات الألمانية والأميركية للكهرباء، بعدما أوضح كيف أن كلاً منهما قد تشكل من قبل عن طريق الإدغام والمساهمة. إلا أن مثل هذه الاتفاقات على تقاسم العالم ليس لها عند لينين أي طابع نهائي، وهي لا تنفي عمليات تقاسم جديدة تنجم عن تغير في نسبة القوى. إن اقتسام العالم هو نتاج صراع دائم، ويمكن إعادة البحث فيه تبعاً لنتائج هذا الصراع. وثمة تحليل آخر ينطلقان من حالة عينية يتيح للينين إيضاح أن “الاحتكارات الخاصة والاحتكارات العائدة للدولة تختلط في عهد رأس المال المالي” إذ أن الأولى والأخيرة ليست إلا حلقات في سلسلة الصراع الإمبريالي..من أجل اقتسام العالم”.
ينهي لينين في فصله الخاص بهجوم مسدد إلى كاوتسكي إذ أن المذكور وبعد الآخرين كانوا يخمنون أن تطور الكارتلات الدولية يفسح المجال للأمل بالسلم بين الشعوب في النظام الرأسمالي.
إن الكاوتسكية ذلك التيار الفكري الدولي الذي يمثّله في النمسا (باور) وفي إنكلترا (ماكدونالد) وفي فرنسا (ألبيرتوم) وفي جميع بلدان العالم جمهور من الاشتراكيين والإصلاحيين والمسالمين والديمقراطيين البورجوازيين والقساوسة.
لقد حاول كاوتسكي أن يصور الأمر وكأن الإمبريالية ليست إلا شكلاً خاصاً من سياسية الرأسمال المالي، لا ارتباط له إطلاقاً ارتباطاً ضرورياً بجوهر الإمبريالية الاقتصادي. وأكد كاوتسكي أن الإمبريالية هي نتاج الرأسمالية الصناعية المتطورة كثيراً، وتتجسد في سعي البلدان المتطورة صناعياً لتضم المزيد من المقاطعات الزراعية إليها.
لقد أبان لينين أن هذا التعريف بكامله غير علمي، وأكد أن كاوتسكي إذ يسمي نفسه ماركسياً يخطو في الواقع إلى الوراء بالنسبة إلى الاشتراكي الليبرالي المكشوف (هوبسن) الذي تمثل آراؤه نموذجاً للنقد البورجوازي الصغير التافه الذي يوّجه للإمبريالية. إن التعريف الذي أعطاه كاوتسكي للإمبريالية كما يشير لينين ليس خاطئاً فقط ولكنه أيضاً أساس لمجموعة كاملة من الآراء تختلف كلياً عن النظرية الماركسية ، والممارسة الماركسية.
إن المدافعين عن الرأسمالية يهتموّن أعظم اهتمام بالسعي إلى فصل السياسة الإمبريالية عن أساسها الاقتصادي لكي يفصلوا بين الاحتكارية في السياسة والاحتكارية في الاقتصاد، وعن نظرية كاوتسكي عن الإمبريالية ينشأ استنتاج وكأن سيطرة الاحتكارات في الاقتصاد يمكن أن تقترن بنهج عملي في السياسة غير احتكاري وغير عنيف وغير إلحاقي، وكأن اقتسام العالم السياسي الذي تم في عصر الإمبريالية يمكن أن يقترن بسياسة لا إمبريالية، وهذا يعني خنق وطمس التناقضات الجذرية للمرحلة الاحتكارية في الرأسمالية بدلاً عن كشف أعماقها. إن هذا هو الإصلاحية البورجوازية بدلاً عن الماركسية. هذا التفسير للإمبريالية خدم أثناء الحرب العالمية الأولى انتهازيي الأممية الثانية كمنطلق نظري لإحلال سياسة خائنة تهدف إلى إنقاذ الرأسمالية وخدمة البورجوازية محل السياسة الثورية الهادفة إلى قلب الرأسمالية. إن التزييف الكاوتسكي للماركسية أتاح لخونة الطبقة العاملة مجالاً واسعاً لدعم حكوماتهم البورجوازية في ظروف حرب القرصنة 1914-1918.
وينوّه لينين مرة أخرى في الفصل الخامس بـِ موضوع الصراع بين التكتلات الرأسمالية، “إذ أن أشكال الصراع يمكن أن تتغير، وهي تتغير باستمرار لأسباب شتى مؤقّتة وخاصةً نوعاً ما، في حين أن جوهر الصراع، أن محتواه الطبقي لا يسعه أن يتغيّر حقيقةً ما دامت الطبقات موجودة”. ويوضح قائلاً: “لا يتقاسم الرأسماليون العالم بسبب رذالة خاصة فيهم، لكن لأن درجة التركيز التي تمّ بلوغها ترغمهم على ولوج هذه الطريق بغية جني الأرباح وإنهم يقتسمون بما يتناسب مع “رؤوس الأموال” مع “القوى الراهنة”.
وعلى التوازي مع تقاسم العالم اقتصادياً بين الاتحادات الرأسمالية، “تنشأ بعض العلاقات بين الاتحادات السياسية، بين الدول، قائمة على أساس اقتسام أقاليم العالم ، على أساس الصراع من أجل المستعمرات، الصراع من أجل المجال الاقتصادي”.
ويلاحظ لينين في فصله السادس أن السياسة الاستعمارية للبلدان الرأسمالية قد أنجزت تقاسم العالم عند عتبة القرن العشرين، أي أنه لن يمكن في المستقبل إلا إجراء تقاسم جديد تنتقل بموجبه بعض الأقاليم من “مالك” إلى سواه. وهو يقوم بتأريخ وتقدير نتائج الفتوحات الاستعمارية يبدو له أن “من غير المشكوك فيه أن انتقال الرأسمالية إلى طورها الاحتكاري، إلى رأس المال المالي، يرتبط باحتدام الصراع من أجل اقتسام العالم”.
والأمر هو كذلك لأن “هذه الاحتكارات تكون على جانب من المتانة عندما تحصر في أيديها هي وحدها مصادر المواد الأولية كافةً.. وكلما كان تطور الرأسمالية متقدماً، حدث الإحساس بالعوز إلى المواد الأولية، وازدادت المنافسة مرارة، وصار البحث عن مصادر المواد الأولية محموماً في أرجاء الكون، واحتدم الصراع للاستيلاء على المستعمرات”.
يلاحظ لينين أن “الوسائل التقنية تتطور في أيامنا بسرعة لا تُصَدَّق”. ويلفت النظر إلى أن “رأس المال المالي لا يهتم فقط بمصادر المواد الأولية المعروفة منذ الآن” بل إنه “يهتم أيضاً بالمصادر الممكنة “. ومع أن لينين كان يذكر الحديد والنفط إلا أنه يولي مع ذلك أهمية خاصة للمواد الأولية الزراعية.
وأخيراً فقد كان بوسع لينين أن يلاحظ منذ زمن أن “رأس المال المالي والسياسة الدولية الموافقة له..يخلقان لأجل اقتسام العالم اقتصادياً وسياسياً أشكالاً انتقالية شتى من تبعية الدول”. إنه يعني هنا “الأشكال المتنوعة من البلدان التابعة التي تنعم اسمياً بالاستقلال السياسي ولكنها في الحقيقة واقعة في شباك التبعية المالية والدبلوماسية”. وهناك حالة أشباه المستعمرات، وهناك أشكال أخرى تقع بين بين- يذكر لينين الأرجنتين والبرتغال- حيث تؤلف هذه الحالات جميعاً في عصر الإمبريالية الرأسمالية “نظاماً عاماً” و”جزءاً لا يتجزأ من مجموعة العلاقات التي تتحكم في اقتسام العالم”. الفصول 7-8-9-10.
“ينبغي لنا الآن أن نحاول تقديم النتيجة”. هذا ما يقوله لينين مباشرة ثم يعيد رسم معالم الفصول الستة الأولى ليعطي بعدها تعريفه الشهير للإمبريالية، الذي يشمل سماتها الأساسية الخمس:
1-تركيز الإنتاج ورأس المال تركيزاً بلغ من نموه درجة عالية إلى حد أنه خلق الاحتكارات ذات الدور الحاسم في الحياة الاقتصادية.
2-اندماج رأس المال المصرفي ورأس المال الصناعي وخلق الطغمة المالية على أساس رأس المال المالي هذا.
3-تصدير رؤوس الأموال خلافاً لتصدير البضائع يرتدي أهمية خاصة.
4-تشكيل اتحادات رأسمالية احتكارية دولية تتقاسم العالم فيما بينها.
5-إنجاز تقاسم أقاليم العالم من جانب أكبر الدول لرأسمالية.
ويعود لينين ملخصاً وموضحاً فيقول:
“الإمبريالية هي الرأسمالية التي بلغت طوراً من نموها حيث تأكدت سيطرة الاحتكارات ورأس المال المالي وحيث اكتسب تصدير رؤوس الأموال أهمية في المقام الأول، وحيث بدأت التروستات الدولية تتقاسم العالم، وانتهى اقتسام أقاليم الكرة الأرضية كلها بين أكبر البلدان الرأسمالية…إن الإمبريالية بالمفهوم المذكور تمثل دون ريب طوراً خاصاً في تطور الرأسمالية”.
إن معظم الفصل السابع يناقش تعريف الإمبريالية ويعرّي مفهوم كاوتسكي الذي واصل نقده طوال الفصل التاسع وعنوانه “نقد الإمبريالية”. تستوقف لينين في الفصل الثامن سمة جوهرية للإمبريالية ، إذ يرى أنها تحظى على وجه العموم بأهمية أقل مما تستحق وهي “الصفة الطفيلية الخاصة بالإمبريالية”. وتجد هذه الطفيلية التعبير عنها بأشكال رئيسية ثلاثة:
1- يكشف لينين في الرأسمالية الاحتكارية نزعتين متناقضتين: فتثبيت السعر الاحتكاري من جهة (يزيل حوافز التقدم التقني إلى حد ما). فهناك براءات تحفظ في الأدراج إلى أن يغدو استعمالها أمراً لا مناص منه.
ومن جهة أخرى فإن (امتلاك تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح عن طريق إدخال التحسينات التقنية، يدفع إلى التحولات) إلا أنه يضيف:
إن النزوع إلى الركود والتعفّن، الخاص بالاحتكار يواصل تأثيره من جهته، ويتفق له أن يتقلب إلى حين في بعض الفروع الصناعية وبعض البلدان).
2-الإمبريالية هي تراكم ضخم من رأس المال النقدي في عدد ضئيل من البلدان). يذكر لينين أرقاماً عن بريطانيا: بلغ رأس المال البريطاني الموظف في الخارج عام 1893 حوالي 15% من ثروة المملكة المتحدة، ويبلغ فيها دخل أصحاب الريوع خمسة أضعاف دخل التجارة الخارجية. وفي حين أن الدخل القومي البريطاني قد تضاعف مرتين ما بين 1865-1898 فإن الدخل القادم من الخارج قد تضاعف تسع مرات في الفترة ذاتها. ينجم عن هذا اتساع فائق لفئة أصحاب الريع أي الذين يعيشون من (قص قسائم الأرباح). وهم أناس منعزلون تماماً عن الاشتراك في أية منشأة (أناس مهنتهم هي البطالة). يرى لينين في هذا جوهر (الطفيلية الإمبريالية) المميزة ليس لبريطانيا وحدها بل ولكل البلدان الإمبريالية التي تغدو “دولاً ذات ريع” أي مرابية.
“إن الدولة ذات الريع هي دولة الرأسمالية الطفيلية المتعفنة”.
يرجع لينين إلى هوبسن الذي يتصوّر أن مثل هذا الوضع قد يتطور حتى يبلغ أشكالاً من التفسخ الكامل، فيقبل هذه الفرضية: “إذا كانت قوى الإمبريالية لا تلاقي مقاومة” ..ثم يضيف”إن ما لا ينبغي نسيانه هو القوى التي تهبّ في وجه الإمبريالية عموماً، وفي وجه الانتهازية خصوصاً”.
3- يستشهد لينين بهوبسون ثانية إذ يقول الأخير إن دولة الطفيلية الإمبريالية تسيطر على مستعمراتها وتوابعها “بغية إثراء طبقتها الحاكمة وإفساد طبقاتها الدنيا حتى تخلد إلى الهدوء”. كما يستشهد بأنجلز الذي كان منذ عام 1858، يرى البروليتاريا الإنكليزية تزادا تبرجزاً، والذي كتب عام 1882 “أما العمال فإنهم يتمتعون بكل هدوء ، مع المحافظين والأحرار) باحتكار إنكلترا الاستعماري وباحتكارها للسوق العالمية”.
ويلحظ لينين أيضاً أن المهاجرين يتدفقون باضطراد على ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة لإشغال الوظائف الأردأ دخلاً، في حين أن العمال الوطنيين يغدون مراقبين أو يقومون بالأشغال الأجود دخلاً. وكتب “إن الإمبريالية تسعى إلى أن تخلق أيضاً بين العمال فئات ذات امتيازات، وأن تسلخها عن الكتلة الكبيرة من الطبقة الكادحة”. وأيضاً “تتغلغل الأيديولوجية الإمبريالية كذلك في الطبقة العاملة التي لا يفصلها سور صيني عن سائر الطبقات”.
أما الفصل التاسع فقد أتى فيه لينين على نقد نظرية كاوتسكي عن (ما فوق الإمبريالية) أو “ما بعد الإمبريالية”.
يسوق لينين أقوال كاوتسكي التالية: “ليس محالاً من الوجهة الاقتصادية الخالصة أن تجتاز الرأسمالية طوراً جديداً، تمتد فيه سياسة الكارتلات إلى السياسة الخارجية هو طور ما بعد الإمبريالية، أي ما فوق الإمبريالية، طور اتحادات إمبرياليات العالم أجمع وليس صراعها ، طور توقف الحروب في النظام الرأسمالي، طور “استغلال الكون على نحو مشترك”.”من قبل رأس المال المالي المتحد على الصعيد الدولي”. وأيضاً “ألا يمكن أن تحل محل السياسة الإمبريالية الحالية سياسة جديدة، سياسة ما بعد الإمبريالية التي تستبدل بصراع رؤوس الأموال الوطنية بعضها مع بعض استغلال الكون على نحو مشترك من قبل رأس المال المالي المتّحد على الصعيد الدولي؟ إن هذا الطور الجديد من الرأسمالية هو على أية حال ممّا يمكن تصوره”.
يتلخص نقد لينين في أنّ “أقوال كاوتسكي عن ما بعد الإمبريالية، الخالية من كل محتوى على الإطلاق، ليس من شانها بين أمور أخرى إلا تشجيع الفكرة التي تنطوي على خطر عميق، وتسوق الماء إلى طاحونة المدافعين عن الإمبريالية وهي الفكرة القائلة أن سيطرة رأس المال المالي تُوهن على ما يزعمون وجوه عدم التكافؤ ووجوه التناقض في الاقتصاد العالمي، هذا في حين أنها تشددها في الحقيقة”.
ومن هنا تنشأ حتمية تبدل نسبة القوى بين البلدان المختلفة، الأمر الذي يؤول إلى حتمية الحروب فيما بينها بهدف إعادة اقتسام قسري لمناطق النفوذ والمستعمرات، إعادة اقتسام العالم ما دامت الإمبريالية تحتفظ بسيادتها، ولا توجد في العالم قوى تستطيع إبداء مقاومة فعّالة لاتجاهاتها الهدامة. وليست التحالفات (ما بين الإمبرياليين) أو (ما بعد الإمبريالية) إلا “هدنات” ما بين الحروب، ثم إن لينين يوافق هيلفردينغ الذي يلحظ الارتباط ما بين الإمبريالية وتشديد الاضطهاد القومي في البلدان التابعة أو المستعمرة مما يؤدي إلى “تأجيج المقاومة”. ومن هنا ينشأ “احتدام التناقضات القائمة إلى الحد الأقصى في هذا المضمار أيضاً”. إن نظرية كاوتسكي هي بنظر لينين “خداع للجماهير” إنها انتهازية ورجعية من حيث الأساس، وبالتالي فلا تنسجم مع الماركسية إطلاقاً.
لقد أظهر مجرى التاريخ صحة النضال اللينيني ضد الكاوتسكية بكل أشكالها. إن الفصل العاشر والأخير يحمل عنوان “مكان الإمبريالية في التاريخ”. إن مجرد كون الإمبريالية اقتصادية في الجوهر، كونها رأسمالية الاحتكارات يكفي إذن لتعيين مكانها في التاريخ، إذ أن الاحتكار الذي ينشأ عن المنافسة الحرة، “هذا الانتقال من النظام الرأسمالي إلى نظام اقتصادي واجتماعي أعلى”.
يذكر لينين بأربع ظاهرات للرأسمالية الاحتكارية:
1- يولد الاحتكار من تركيز الإنتاج عندما يبلغ درجة عالية جداً من التطور.
2- أدت الاحتكارات إلى تفاقم الاستيلاء على أهم مصادر المواد الأولية.
3- نشأ الاحتكار عن المصارف، إذ أن اتحاد رأس المال الصناعي ورأس المال المصرفي قد أدى إلى سيطرة الطغمة المالية.
4- نشا الاحتكار عن السياسة الاستعمارية التي بلغت غايتها
“الاحتكارات، الطغم المالية، النزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية، استغلال عدد متعاظم من الأمم الصغيرة أو الضعيفة على يد حفنة من الأمم الغنيّة أو القوية- كل ذلك ولّد ما للإمبريالية من سمات مميزة تجعلها توصف بأنها الرأسمالية الطفيلية أو المتعفنة”. ثم يستطرد لينين ليقول: “إنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذا النزوع إلى التعفن ينفي نمو الرأسمالية نمواً سريعاً”. فرغم أن تطور الرأسمالية يضحي أكثر تفاوتاً على وجه العموم “فإن الرأسمالية، على الجملة تتطور أسرع من ذي قبل بما لا يقاس”.
ثم يعود لينين إلى فكرة أن الأرباح الاحتكارية العالية تسمح للرأسمالية “بإفساد بعض فئات العمال، وإفساد أقلية عمالية على جانب من الأهمية لأجَل موقوت”. وهذا “ما يخلق صلة الوصل ما بين الإمبريالية والانتهازية” يؤدي هذا التحليل إلى صوغ ما يعتبره بكل وضوح بمثابة قاعدة ذهبية “الأمر الأشد خطورة بهذا الصدد هو أولئك الناس الذين لا يريدون فهم أن النضال ضد الإمبريالية يبقى عبارة فارغة وكذّابة إذا هو لم يرتبط دونما فكاك بالنضال ضد الانتهازية”.
ينتج من كل هذا أنه ينبغي وصف الإمبريالية بأنها “شبيه برأسمالية انتقالية” أو بالأصح “رأسمالية محتضرة”. إن علاقات الإنتاج الاجتماعية والملكية الخاصة عندما تبلغ مرحلتها الاحتكارية “تؤلف وعاء لم يعد يناسب محتواه ، وهو سوف يتفسخ بالضرورة إذا ما أُجّلت إزالته بصورة مصطنعة، ويمكن أن يبقى في حالة التفسخ زمناً طويلاً نسبياً (هذا إذا ما طال أمد شفاء الخرّاج الانتهازي، إلا أن إزالته سوف تتم حتماً”.
إن إحدى النقاط الرئيسية في النقد اللينيني هي أن للإمبريالية نزعة توسعية بحكم الجوهر وبحكم الضرورة (“يتقاسم الرأسماليون العالم…لأن درجة التركيز التي تمّ بلوغها ترغمهم على ولوج هذه الطريق”. وعلى هذا فالإمبريالية مدفوعة بل محكوم عليها أن تسيطر على العالم أجمع ولهذا الغرض فهي مدفوعة إلى احتلاله واقتسامه وإعادة اقتسامه.
تذييل
أ-أشكال الاحتكارات: إن الأشكال البسيطة للاحتكارات هي الاتفاقات المؤقتة على الأسعار. ويتعهّد الشركاء في اتفاق من هذا النوع على التقيد بأسعار المبيع المتفق عليها خلال فترة زمنية محدّدة؟
إن هذه الاتفاقات (البول-الرينغ-الكورنير) غالباً ما تكون غير ثابتة. وهي سرعان ما تنهار فور تغير الظرف في السوق.
وتحمل طابعاً أوطد الاتفاقات الاحتكارية حول الأسعار وشروط التصريف المسماة بالكارتيلات والسنديكات، فتتقاسم الشركاء في الكارتيل أسواق التصريف فيما بينهم ويتعهدون بعدم تخفيض أسعار بضائعهم عن الحدّ المتفق عليه. وغالباً ما يحدد الشركاء معدّلاً للتصريف ويتعهدون بعدم إنتاج بضاعة فوق المعدل، وإذا ما خالف أحدهم المعدل يدفع غرامة إلى الصندوق المشترك. إن كل مؤسسة من المؤسسات المشتركة في الكارتيل تحتفظ باستقلالها في مجالي الإنتاج والتجارة. أما في السنديك فتفقد المؤسسات استقلالها التجاري إلا أنها تحتفظ باستقلالها الحقوقي والإنتاجي. أما تصريف البضائع بل وشراء المواد الأولية أحياناً فيقعان في أيدي إدارة السنديك.
وهناك شكل أرقى من الاتحادات الاحتكارية هو التروست. فالمؤسسات المستقلة تفقد بدخولها التروست ليس فقط استقلالها التجاري وإنما استقلالها في الإنتاج أيضاً. إن المؤسسات المستقلة بدخولها التروست تنصهر كلية في مؤسسة واحدة وتنتقل إدارتها إلى إدارة التروست، ويتحول أصحاب المؤسسات إلى ممولين للتروست يأخذون من أرباحه بنسبة ما لكل منهم من الأسهم، وتنظم التروستات الإنتاج وتفرض الأسعار وتحدد شروط بيع البضائع وفترات الدفع وتوزيع الأرباح. ومع تشكل التروست تغلق عادة بعض المؤسسات الداخلة فيه. ويتركز الإنتاج في المصانع والفبارك التي تدر أرباحاً أكبر. وغالباً ما تدخل السنديكات والتروستات في اتحادات احتكارية كبيرة تسمى الكونزرنات. وتشترك في الكونزرنات الكبيرة عشرات وأحياناً مئات المؤسسات من مختلف فروع الصناعة. كما تدخل فيها المؤسسات التجارية والمصارف ومؤسسات النقل وما شابه ذلك.
وتنتقل أسهم المؤسسات الداخلة في الكونزرن إلى أيدي الجماعات الكبرى الممولة فيه، وتقوم هذه الجماعات بالرقابة والسيطرة على كميات الرأسمال الضخمة ـ وهكذا فإن الممارسة العلمية في النظام الرأسمالي يعرف مختلف أشكال الاحتكارات، من الاتفاقات المؤقتة حتى الاتجاهات العملاقة التي تشمل شتى أنواع الاقتصاد. ومهما اختلفت أشكال الاحتكارات فإن غايتها واحدة وهي السيطرة على الإنتاج والسوق، واستخدام هذه السيطرة في سبيل الحصول على أرباح فاحشة. وخلال بضع عشرات من الأعوام نما دور الاحتكارات في اقتصاد البلدان الرأسمالية وحجمها وحصتها نمواً عملاقاً.
رأس المال المالي: إن البنوك بحيازتها شتى أنواع الأوراق الثمينة والأسهم وسندات القرض من مختلف الشركات تؤسس شركات مساهمة جديدة لتصبح شريكة في مؤسسات التجارة والنقل والصناعة. وفي الوقت نفسه تمتلك الاحتكارات الصناعية أسهم البنوك المرتبطة بها. وهكذا ترتبط البنوك العملاقة بالاتحادات الاحتكارية في الصناعة أوثق ارتباط، وتجري عمليات دمج الرأسمال الاحتكاري الصناعي والمصرفي. ويحمل رأسمال الاحتكارات الصناعية والمصرفية المندمج هذا اسم رأس المال المالي. إن سيادة الرأسمال المالي هي إحدى الظواهر الرئيسية للمرحلة الرأسمالية الاحتكارية ـ الامبريالية. لذا يطلقون على الامبريالية اسم عصر رأس المال المالي أيضاً. إن اصطلاح (رأس المال المالي ) قد انتشر انتشاراً واسعاً في المنشورات الماركسية حتى قبل الحرب العالمية الأولى، وخاصة بعد ظهور كتاب رودلف هيلفردينغ. إلا أن هيلفردينغ قد عالج رأس المال المالي على أنه الرأسمال المصرفي المسيطر في الصناعة. وقد استنتج أن البنوك تسيطر على الصناعة على أساس تعميم الوقائع المتعلقة بصورة رئيسية بألمانيا في بداية القرن العشرين. هذا الفهم لرأس المال المالي كان وحيد الجانب ولذا فهو لم يكن صحيحاً. وقد أعطى لينين على أساس تعميم الحقائق الوفيرة جداً التي تصف الوضع لا في ألمانيا فحسب وإنما في البلدان الأخرى أيضاًَ تعريفاً شاملاً علمياً لمفهوم الرأسمال المالي. إن تعريف لينين لرأس المال المالي يشمل ثلاثة عناصر هامة: “ـ تركز الإنتاج ـ الاحتكارات الناشئة عن التركز ـ تشابك البنوك أو اندماجها مع الصناعة. هذا هو تاريخ نشوء رأس المال المالي ومحتوى هذا المفهوم ” إن بداية القرن العشرين هي بالذات نقطة الانعطاف من الرأسمالية القديمة ما قبل الاحتكارية إلى الرأسمالية، من سيطرة رأس المال عموماً إلى سيطرة رأس المال المالي.
* – كارتيل: كلمة فرنسية تعني: الاتفاق والاتحاد.
* – سنديكا: كلمة من أصل إغريقي تعني: الاتفاق والاتحاد.
حول الإمبريالية الجديدة
استعراض الأدب الاقتصادي/ السياسي الماركسي بعد الحرب العالمية الثانية
مع فهرست بالكتب الاقتصادية/ السياسية التي تعالج الإمبريالية والتخلف و”العولمة”
نايف سلّوم
تمهيد مفتاحي
يكتب لينين في المقدمة المؤرخة في نيسان 1917 : “هذا الكتاب الذي أعرضه على أنظار القارئ وضعته في مدينة زيورخ في ربيع سنة 1916 .. وقد وضعت الكتاب آخذاً بعين الاعتبار الرقابة القيصرية . ولذا كنت مضطراً إلى الاقتصار بدقة على التحليل النظري وحده ولاسيما الاقتصادي . كذلك إلى منتهى الحذر في صياغة العدد الضئيل من الملاحظات السياسية الضرورية ؛ مضطراً إلى التلميح ؛ إلى لغة لقمان الرمزية..
الرقابة القيصرية أجبرت لينين على قصر تحليله على الجانب النظري ، وتحديداً الاقتصادي ، وإلى منتهى الحذر في صياغة العدد الضئيل من الملاحظات السياسية الضرورية لاستكمال التحليل الاقتصادي، وذلك كي يصل الكتاب إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين وحتى لا تمنع الرقابة ظهوره.
.. لغة لقمان تلك اللغة الرمزية اللعينة” ص 5 في صياغة كهذه تظهر هامشية المسألة التراثية عند لينين ، خاصة التراث الديني في المشرق العربي.
“آمل بأن يساعد كتابي على فهم المسألة الاقتصادية الأساسية التي لا يمكن بدون دراستها فهم شيء في ماهية الحرب المعاصرة والسياسة المعاصرة ، نعني مسألة كنه الإمبريالية الاقتصادي” ص 5 (مقدمة مؤرخة : بتروغراد ، 26 نيسان 1917)
مقدمة للطبعتين الألمانية والفرنسية:
“إن مهمة الكتاب الأساسية كانت ولا تزال : أن يبين بموجب مجمل أرقام الإحصاءات البورجوازية التي لا تقبل الجدل وبموجب اعترافات العلماء البورجوازيين في جميع البلدان ، كيف كانت في بدء القرن العشرين ، قبيل الحرب الإمبريالية العالمية الأولى ، الصورة الإجمالية للاقتصاد الرأسمالي العالمي ضمن علاقاته العالمية.. ” ص 7
سيكون من المفيد للكثيرين من الشيوعيين في البلدان الرأسمالية المتقدمة أن يتبينوا بمثل هذا الكتاب “العلني ” من وجهة نظر الرقابة القيصرية .. بطلان نظرات الاشتراكيين المسالمين وعقدهم الآمال على ” ديمقراطية عالمية ” ص7
“إن الدليل على طابع الحرب الاجتماعي الحقيقي، أو بالأصح على طابعها الطبقي الحقيقي ، لا يكمن طبعاً في تاريخ الحرب الدبلوماسي ، بل في تحليل الحالة الموضوعية للطبقات المسيطرة في جميع الدول المتحاربة. وبتصوير هذه الحالة الموضوعية لا ينبغي اخذ أمثلة وأدلة منعزلة (نجد دائماً أمثلة منعزلة لتبرير أي فكرة)، بل ينبغي حتماً أخذ مجمل الأدلة عن أسس الحياة الاقتصادية في جميع الدول المتحاربة وفي العالم كله” ص8
يتطلب منهج لينين الديالكتيكي في القراءة أخذ مجمل الأدلة عن أسس الحياة الاقتصادية لدول العالم والدول المتحاربة جميعاً..
.. السكك الحديدية هي حامل جميع الفروع الرئيسية في الصناعة الرأسمالية (هذا في المرحلة الصناعية من تطور الرأسمالية) 1770-1870 أما في المرحلة الإمبريالية (الاحتكارية-المالية) فقد دخلت السيارة بقوة والمواصلات الجوية والربط الإلكتروني والاتصالات الفضائية. لقد حلت السيارة محل القطار في السيطرة في حقل المواصلات.
.. إن تفاوت التطور (تفاوت تطور سكك الحديد) هو حاصل الرأسمالية الاحتكارية الحديثة في النطاق العالمي . وهذا الحاصل يُظهر أن الحروب الإمبريالية هي أمر محتوم إطلاقاً على هذا الأساس الاقتصادي طالما بقيت وسائل الإنتاج ملكاً خاصاً (طالما بقيت مسيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالية /علاقات الملكية الخاصة الرأسمالية).. ص9
تظهر العبارة علاقات الحروب الإمبريالية بتفاوت تطور البلدان الرأسمالية وباستمرار سيطرة الملكية الخاصة الرأسمالية.
في الواقع فإن الخيوط الرأسمالية التي تربط بألوف الشباك هذه المشاريع (سكك الحديد كاختصار أو علامة) بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بوجه عام ، قد جعلت من هذه السكك الحديدية أداة لظلم مليار من الناس (أشباه المستعمرات إضافة إلى المستعمرات) أي لظلم أكثر من نصف سكان الأرض في البلدان التابعة، والعبيد أجراء الرأسمال في البلدان “المتمدنة” “ص 9
بينما كان ظهور السفينة ذات المحرك البخاري أداة جبارة لتحرير آلاف العبيد من عبودية العمل العضلي ، لكن هذه السفينة ذاتها غدت أداة لاستعباد الملايين في المرحلة الإمبريالية للرأسمالية (ضد النزعة التقنوية) حيث تحولت قوى الإنتاج من أدوات تحرير وبناء إلى أدوات هدم وظلم وعسف وتدمير في العصر الإمبريالي وهي إشارة إلى رجعية الإمبريالية بالمعنى التاريخي رغم التقدم الاقتصادي والتقني. يكتب لينين: “إن الملكية الخاصة القائمة على عمل صغار أصحاب الأعمال ، والمزاحمة الحرة ، والديمقراطية .. إن جميع هذه الشعارات التي يخدع بها الرأسماليون وصحافتهم العمال والفلاحين قد اندرجت بعيداً في طيات الماضي . لقد آلت الرأسمالية إلى نظام عالمي لظلم الأكثرية الكبرى من سكان الأرض استعمارياً وخنقها مالياً من قبل قبضة من البلدان “المتقدمة” ” ص 9
.. الانقسام العالمي لحركة العمال بأكملها قد اتضح الآن على أتمه (الأمميتان الثانية والثالثة) . وقد اتضح كذلك واقع النضال المسلح والحرب الأهلية بين الاتجاهين: المناشفة والاشتراكيون الثوريون في روسيا يؤيدون كولتشاك ودينكين ضد البلاشفة .. فما هو إذن الأساس الاقتصادي لهذه الظاهرة التاريخية ذات الأهمية العالمية ؟ (ظاهرة الانتهازية في الحركة البروليتارية وانقسام البروليتاريا العالمية )..
إنه بالضبط في الطفيلية والتعفن الملازمين للرأسمالية في أعلى مراحلها التاريخية ؛ أي مرحلة الإمبريالية ، أو الرأسمالية المحتضرة .
يكتب لينين: “فالرأسمالية كما برهن في الكتاب الحالي ، قد أبرزت الآن حفنة من الدول في منتهى الغنى والقوة تنهب العالم كله بمجرد “قص الكوبونات” [المضاربات المالية والقروض قصيرة الأجل] . واضح أن الربح الإضافي (من تصدير الرساميل) إضافة إلى الربح الذي يعتصره الرأسماليون من عمال بلاد”هم” يمكن من رشوة زعماء العمال والفئة العليا التي تكون ارستقراطية العمال .. وأثناء الحرب الأهلية بين البروليتاريا والبورجوازية يقف هؤلاء حتماً ، بعدد كبير ، إلى جانب البورجوازية ..”
.. وإذا لم يدرك المرء الجذور الاقتصادية لهذه الظاهرة (الانتهازية في حركة البروليتاريا) ، إذا لم يقدر أهميتها السياسية والاجتماعية حق قدرها لا يستطيع أن يخطو خطوة في ميدان حل المهام العملية التي تواجه الحركة الشيوعية والثورة الاجتماعية المقبلة .
الإمبريالية هي عشية الثورة الاجتماعية البروليتارية . وقد ثبت ذلك منذ 1917 في النطاق العالمي . Imperialism is the eve of the social revolution of the proletariat. This has been confirmed since 1917 on a world-wide scale
الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية نظراً لطفيلية الرأسمالية واحتضار الرأسمالية في هذه المرحلة. وهي عشية الثورة الاشتراكية لأنها ،عن طريق التمركز والاحتكار ، وضعت الأسس الاقتصادية والتقنية على المستوى العالمي للاشتراكية . ليس التمركز والاحتكار هما ما يحدد طبيعة بلد على كونه إمبريالياً ، ولكن التمركز والاحتكار في كنف علاقات الإنتاج الرأسمالية (في كنف وتحت سيادة الملكية الخاصة الرأسمالية ) . وهو ما يميز بين الاحتكار في الاقتصاد الصيني والاحتكار في الاقتصاد الأمريكي أو الياباني .(ضد الفهم التقنوي للتاريخ)
المقدمة مؤرخة في 6 تموز /يوليو 1920
أثناء السنوات الخمسة عشرة أو العشرين الأخيرة ولاسيما بعد الحرب الأميركية الأسبانية (1998) والحرب الإنكليزية البيويرية (1899- 1902 ) أخذ الأدب الاقتصادي وكذلك السياسي في العالمين القديم والجديد (أوربا وأمريكا الشمالية ) يتطرق أكثر فأكثر إلى مفهوم “الإمبريالية” لوصف العصر الذي نجتازه .. ففي سنة 1902 صدر في لندن ونيويورك مؤلف للاقتصادي الإنكليزي ج. هوبسون عنوانه : “الإمبريالية” .. وقد أعطى وصفاً ممتازاً مفصلاً لخواص الإمبريالية الاقتصادية والسياسية الأساسية . وفي سنة 1910 صدر في فيينا مؤلف الماركسي النمساوي رودولف هلفردينغ : “الرأسمال المالي؛ أحدث المراحل في تطور الرأسمالية “.. هذا الكتاب عبارة عن تحليل نظري قيم للغاية “لأحدث المراحل في تطور الرأسمالية ” كما ينص العنوان الثانوي لمؤلف هيلفردينغ ” ص15
.. إن ما قيل في السنوات الأخيرة عن الإمبريالية (حتى بداية الحرب العالمية الأولى )، لم يتعد في الجوهر ، دائرة الأفكار التي عرضها ، أو بالأصح التي لخصها المؤلفان المذكوران..” ص16 .. وسنسعى فيما يأتي لنعرض، بإيجاز وبأبسط شكل ممكن ، صلة وترابط خواص الإمبريالية الاقتصادية الأساسية . ولا نتطرق إلى الناحية غير الاقتصادية في المسألة مهما كانت جديرة بذلك ” ص 16
إذا وضعنا هذه الملاحظة الخاصة بالتحليل النظري الاقتصادي المجرد للإمبريالية وخواصها الاقتصادية الأساسية مقابل كلام لينين في المقدمة الذي مفاده: “وضعت الكتاب آخذاً بعين الاعتبار الرقابة القيصرية . ولذا كنت مضطراً إلى الاقتصار بدقة على التحليل النظري وحده ولاسيما الاقتصادي ، وكذلك إلى منتهى الحذر في صياغة العدد الضئيل من الملاحظات السياسية الضرورية ” ص 5 نفهم أن التجريد الاقتصادي غير كاف لمقاربة الإمبريالية كظاهرة اقتصادية سياسية في الرأسمالية .. وهذه المقاربة هي طموح مناضل سياسي من طراز رفيع كلينين. لكن الرقابة .. وضرورة وضع كتاب “علني” يصل إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين ويرصد ظاهرة جديدة في الرأسمالية جعلت لينين يقصر البحث على التحليل النظري الأساسي (الاقتصادي) إلى حد ما .
فصول الكتاب(عرض إجمالي)
1- تمركز الإنتاج والاحتكارات ص 16-37
2- البنوك ودورها الجديد ص 37-61
3- الرأسمال المالي والطغمة المالية ص 61-82
يأتي الفصل الرابع كتمفصل بين اللحظتين المحلية والعالمية للاقتصاد الإمبريالي الرأسمالي
4- تصدير الرأسمال ص 82-90 (لاحظ أيها القارئ صغر حجم هذا الفصل)
(تصدير الرأسمال كذراع ضاربة للاحتكار وللطغمة المالية)
الفصلان 5، 6 هي تداعيات و نتائج للفصول الأربع الأولى، كما تشيران إلى الدور المتعاظم للدولة الإمبريالية واقتران رأس المال المالي مع الدولة الإمبريالية في حركة واحدة:
5- اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين ص 90-102
6- اقتسام العالم بين الدول الكبرى ص 102-118
الفصول اللاحقة هي التبعات القومية والسياسية ، وانعكاسات عمل النظام الإمبريالي على الحركة العمالية في البلدان الإمبريالية والمتخلفة . والفصول اللاحقة هي أيضاً تقييم الظاهرة الجديدة و الحكم على الإمبريالية: مغزاها التاريخي ومكانتها في التاريخ العالمي وآفاق حركتها..
7- الإمبريالية مرحلة خاصة في الرأسمالية ص 118-134 (استمرار الرأسمالية والإنتاج البضاعي والصناعة الكبيرة بوسائل جديدة وقوى هائلة ؛ بالتالي استمرار الاستغلال الطبقي والظلم القومي بوسائل جديدة ومتعاظمة الجبروت)
8- طفيلية الرأسمالية وتعفنها ص 134-147 (هذه الطفيلية وذاك التعفن والاحتضار للرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية يفسر عنوان كتاب لينين من كون الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية؛ لقد غدت البورجوازية في العصر الإمبريالي رجعية على طول الخط في ظل جميع النظم ملكية كانت أم جمهورية ، “ديمقراطية” كانت أم فاشية . تترافق هذه المرحلة أو الطور من الرأسمالية بظهور الانتهازية العمالية كظاهرة دولية من نتائجها الانقسام في الحركة العمالية العالمية ، كما تفسر طفيلية الرأسمالية في العصر الإمبريالي سيطرة المضاربات على الاقتصاد العالمي بشكل خطير ، وبطريقة تجعل ملاحظة لينين التي مفادها أن الإمبريالية تزعزع الإنتاج البضاعي الذي هو أساس الرأسمالية مع أنها تبقيه لأنه جوهرها المادي: وعلى هذا الجوهر المادي يقوم جبل من المضاربات المالية الماحقة للاقتصادات وللبشر على السواء.
9- انتقاد الإمبريالية (مواقف جميع الطبقات من الإمبريالية ) ص 147-166
10- مكانة الإمبريالية في التاريخ ص 166-174 (خلاصة البحث ، واستعراض جميع مستويات التعريف أو التحديد للإمبريالية ، وربط جميع هذه المستويات في مفهوم واحد أساسه الاحتكار واقتران البنوك مع الشركات الاحتكارية الصناعية واقتران رأس المال المالي مع قوة الدولة تحت سيادة الملكية الخاصة الرأسمالية. علينا هنا أخذ مفهوم الإمبريالية من جميع هذه الوجوه المترابطة ؛ فالظلم القومي والإلحاق والعسكرة والغزو والانتهازية في حركة العمال كظاهرة دولية كلها وجوه مرتبطة بظهور الاحتكار والإمبريالية كاندماج لرأس المال المالي مع قوة الدولة الرأسمالية )
مستويات التعريف أو التحديد:
1ً- نشأ الاحتكار عن تمركز الإنتاج البالغ درجة عالية جداً في تطوره . يكتب بوخارين في كتابه: “الإمبريالية والاقتصاد العالمي” ص 171 : ” نحن نفهم بالتركُّز ؛ زيادة رأس المال عن طريق رسملة القيمة الزائدة (تحويل قوة العمل الحية إلى رأس مال ) التي أنتجها رأسمال. و نفهم بالتمركز : جمع وحدات رأسمالية فردية مختلفة مع بعضها البعض بحيث تشكل وحدة اقتصادية جديدة أكبر ”
2ً- يقود سير الاحتكار إلى تسريع الاستيلاء على أهم مصادر الخامات (احتكار مصادر المواد الخام )
3ً- تحول البنوك من وسيط متواضع إلى محتكر للرأسمال المالي
4ً- نشأ عن الاحتكار سياسة حيازة المستعمرات . فالرأسمال المالي قد أضاف إلى بواعث السياسة الاستعمارية القديمة -العديدة- الصراع من أجل مصادر الخامات ، من أجل تصدير الرساميل ، من أجل مناطق النفوذ ، من أجل الأقاليم الاقتصادية بشكل عام.
*الاحتكارات والطغمة المالية تشدد النزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية ، واستثمار قلة من البلدان الغنية للبلدان المتخلفة .
*وصف الرأسمالية في هذه المرحلة الإمبريالية بالطفيلية (رأس المال المالي المضارب) أو المتقيحة أو المتعفنة أو المحتضرة. ميل الدولة الإمبريالية إلى المراباة ، وميل رأس المال المالي إلى المضاربة الواسعة بدلاً من الاستثمار المنتج.
*هذا التعفن لا ينفي نمو الرأسمالية من الناحية الاقتصادية والتقنية بسرعة أكبر من قبل ، ولكن بشكل متفاوت سواء بين القطاعات الصناعية المختلفة أو بين الدول الرأسمالية.
*ميل أقوى للتعفن لدى البلد الأقوى بالرساميل.
* الأرباح الفاحشة ورشوة قسم من الطبقة العاملة ، وظهور الانتهازية في حركة الطبقة العاملة ، وميل البروليتاريا للانقسام على المستوى العالمي
*علاقة الانتهازية بالإمبريالية كرأسمالية طفيلية متعفنة .
** من كل ما تقدم وقلناه عن طبيعة الإمبريالية الاقتصادية نستنتج أنها أعلى مراحل الرأسمالية ، لأنها رأسمالية محتضرة باتت فيها البورجوازية طبقة رجعية وآفلة بالمعنى التاريخي .
الإمبريالية مرحلة انتقالية وهي عشية الاشتراكية ، عبر التمهيد لها بالتمركز والاحتكار. أي تهيئة الأساس الاقتصادي للاشتراكية.
.. إن التشابك المتزايد للإنتاج واكتسابه الصفة الاجتماعية (مشاركة عدد كبير من البشر في العملية الإنتاجية ) يجعل الإمبريالية عشية الثورة الاجتماعية . وبقدر تناقض هذا التشابك مع الملكية الفردية الرأسمالية التي غدت قشرة كارثية في سبيل تحرر البشرية وسعادة البشرية . سوف تستفيد الدولة الاشتراكية من هذا التشابك وذاك التمركز للإنتاج ، ومن التطور الهائل في قوى الإنتاج لخدمة وفرة اشتراكية تفيد عموم السكان.
ليس كل احتكار إمبريالية فالدولة الاشتراكية سوف تحافظ على تمركز الإنتاج وعلى احتكارات الدولة كدولة اشتراكية ، كما هو الحال في الصين وروسيا بعد الثورة الاجتماعية في كل منهما.
الذي يعطي الاقتصاد طابعه ليس التمركز ، بل تمركز واحتكار في كنف الملكية الخاصة الرأسمالية . وهذا ما يميز الاقتصاد الصيني عن طبيعة الاقتصاد الأميركي أو الياباني.
I- كتاب بول باران: “الاقتصاد السياسي للتنمية “، ترجمة أحمد فؤاد بلبع، مراجعة الدكتور حامد ربيع ، دار الحقيقة بيروت . الطبعة الثانية أيلول 1971 . وهو ترجمة كتاب :
“The Political Economy of Growth Paul Baran Monthly Review Press New York 1962 ”
وقد ترجمت كلمة Growth بالتنمية والأصل أن تترجم بـ “النمو” . ويبدو أن المترجم العربي أراد أن يوحي بأهمية الكتاب للعالم المتخلف فبدّل الترجمة من النمو إلى التنمية حيث يقابل الكلمة الأخيرة كلمة Development ؛ حيث توحي الكلمة بالتحول مع الانتقال من توجيه اقتصادي معين إلى آخر معاكس كالتحول من النمط الرأسمالي إلى الاشتراكية ؛ أي توجيه التنظيم الاقتصادي للمجتمع بطريقة مضادة.
النمو يضمر مبدأ كمياً؛ نمو الرأسمالية في غرب أوربا بعد القطيعة مع الأسلوب الإقطاعي للإنتاج ، بينما التنمية تضمر مبدأ كيفياً بالدرجة الأولى .
النمو: زيادة ، ثمرة تنمية سابقة . بينما التنمية : التي تكشف وتنمي تشير إلى وجود عقبات إضافية ، وإلى دور فاعل للبنية السياسية في التنظيم الاقتصادي أكبر من المعهود. كما تنمّ عن عقبات ذات طابع اجتماعي / سياسي (طبقي)
إن بول باران وهذا أحد مؤلفاته الأساسية قد مات في 26 مارس/آذار 1964 . وبموته غاب اقتصادي ماركسي كبير، وغاب حسب تعبير بول سويزي ، وليوهوبرمان “المناضل الفكري لصراع الطبقات” . هذا ما كتبه شارل بتلهايم في تقديمه للطبعة الفرنسية للكتاب ؛ تموز 1966 .
يقول بتلهايم: “رأيت باران مرة أخرى عام 1959 في ستريزا ، أولاً في مؤتمر عالمي للسيسيولوجيا ، حيث قدم عرضاً مشرقاً حول الماركسية ومسائل عصرنا . ثم قابلته في نفس السنة في فرصوفيا في ندوة عالمية نظمها شغيلة العلم . ولقد كرست هذه الندوة أعمالها لدور العلم في التنمية الاقتصادية . وتكلم فيها باران عن دور العلوم الاجتماعية ، وبرهن بدقة كيف أن التحليل العلمي يظهر أن العقبات الرئيسية أما تنمية البلدان ضعيفة التصنيع قد تكونت بسبب من بنياتها الاقتصادية الاجتماعية وبسبب ارتباط الطبقات أو الشرائح المنعمة بالامتيازات مع الإمبريالية ” ص 6. ويضيف بتلهايم بالقول: “إنني أعتقد أن واحدة من إضافاته الأساسية هي تحليله للفائض الاقتصادي ومضمونه وأشكاله المختلفة وتناقضاته المرتبطة بوجوده وتزايده ” ص 6
يتكون الكتاب في طبعته الثانية والصادرة عن دار الحقيقة – بيروت من 400 صفحة قياس مدرسي ، يحتوي على مقدمة الطبعة الفرنسية بقلم شارل بتلهايم تموز 1966 ، ومقدمة للطبعة الأولى بقلم المؤلف ؛ ديسمبر 1956 ، ومقدمة لطبعة 1962 آذار، وثمانية فصول :
1- نظرة عامة 2- مفهوم الفائض الاقتصادي 3- السكون والحركة في ظل الرأسمالية الاحتكارية(1 ) 4- السكون والحركة في ظل الرأسمالية الاحتكارية (2) 5- حول جذور التخلف 6- نحو علم لدراسة صور التخلف (1) 7- نحو علم لدراسة صور التخلف (2) 8- الارتقاء الصعب
وسوف نقدم عرضاً مفصلاً إلى حد ما للفصل الثاني ؛ “مفهوم الفائض الاقتصادي” نظراً لعلاقته الوثيقة بالأزمة الرأسمالية الراهنة والتي نجمت بشكل مباشر عن المضاربات المالية الواسعة في قطاع العقارات والمواد الغذائية الأساسية وفي قطاع النفط ، وفي الأسواق الناشئة من قبل كأسواق النمور الآسيوية نهاية تسعينات القرن العشرين.
يكتب باران في مقدمة الطبعة الأولى: “لقد انتهيت من إعداد مخطوط هذا الكتاب في خريف 1955 ، ثم جرت في العالم أحداث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالموضوعات التي عالجتها هنا . ولكنني قاومت كل ما يغريني بإضافة ما احتوته من أدلة إلى تلك التي يتضمنها الكتاب كل في موضعه وقدرت أن أحاول إيجازها في هذه المقدمة”
وتقدم أحداث الشرق الأوسط التي بلغت ذروتها في العمل العسكري الذي اتخذته إنكلترا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر [العدوان الثلاثي] ، شاهداً قوياً يؤيد إحدى النظريات الرئيسية في هذا الكتاب ، ألا وهي أن طبيعة الإمبريالية المعاصرة لم تنصلح ، ولم يتعدل عداؤها الفطري لكل مبادرة أصيلة تتخذها البلاد المتخلفة لتنمية اقتصادها . ويعد الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية في هذا الصراع برهاناً على التنافس الذي لا يفتر بين البلدان الإمبريالية ، وكذلك على عجز الدول الإمبريالية القديمة المتزايد على المحافظة على نفوذها أمام سعي الولايات المتحدة إلى زيادة نفوذها وسلطانها. وإليكم العبارات المريرة التي وردت في جريدة الإيكونوميست اللندنية : ” يجب أن ندرك أننا لسنا نداً للأميركيين ، ولا نكون ، وأن لنا الحق في أن نبين الحد الأدنى من مصالحنا القومية ، وأن نتوقع من الأميركيين احترامها ، ولكن علينا بعد ذلك أن نتطلع إلى قيادتهم ” (عدد 17 نوفمبر 1956 ) مقدمة.. ص 9 .. ويضيف باران: “والتطورات الأخيرة في البلدان الاشتراكية الأوربية أوثق صلة بما تتضمنه هذه الدراسة ، أو ما اعتمدت عليه من آراء . فتصريحات خروتشوف المتعلقة ببعض جوانب حكم ستالين ، وما تلاها من أحداث في بولندا والمجر ، طرحت على الملأ بقوة جديدة : ” كم هو شاق وصعب ارتقاء البلاد المتخلفة إلى مجتمع أفضل وأكثر ثراء . ولكنه يكون من قبيل “عبادة الفرد ” أن نعزو كل الجرائم والأخطاء التي ارتكبت في الاتحاد السوفياتي قبل الحرب العالمية الثانية ، وفي كل بلدان شرق وجنوب شرق أوربا بعدها ، إلى الشخصيات الشريرة لستالين وبريا وشركائهما، فالأمور ليست بهذه البساطة، ومن المفهوم أن يتجه الشعور العام إلى إلقاء مسؤولية ما ارتكبته القيادة على النظام بكامله الذي ينبغي أن ننبذه . فليست الاشتراكية هي التي يمكن أن نحملها حقاً وزر الأعمال الضارة التي ارتكبها ستالين والدمى التي كان يحركها، وإنما هو النظام السياسي الذي نشأ عن اندفاع نحو تنمية بلد متخلف بسرعة خطيرة ، في حين يتهدده العدوان الخارجي وتواجهه مقاومة داخلية . وظهور مثل ذلك النظام السياسي في تلك الظروف الفريدة التي كانت سائدة في روسيا عقب استيلاء هتلر على السلطة ، وفي بلدان شرقي وجنوب شرقي أوربا في أثناء السنوات المرعبة للحرب الباردة لا يقيم الدليل على أن الاشتراكية هي بطبيعتها نظام للقهر والإرهاب- وما يعنيه ذلك- وهو درس تاريخي بالغ الدلالة – هو أن الاشتراكية في البلاد المتأخرة المتخلفة لها ميل قوي نحو أن تكون اشتراكية متأخرة متخلفة. وما حدث في الاتحاد السوفييتي والبلاد الاشتراكية في شرق أوربا يؤكد الحقيقة الماركسية الأساسية وهي أن درجة نضج موارد المجتمع الإنتاجية هي التي تحدد السمة العامة للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية . وما حدث هناك لا انعكاس له مطلقاً على كون التحول الاشتراكي في الغرب بصفة جوهرية عقلانياً ومرغوباً فيه وزاخراً بالاحتمالات ، بل في الحقيقة يزيد في الحاجة إلى هذا التحول على وجه السرعة لأن المجتمع الاشتراكي للبلاد المتقدمة لا يكون مضطراً على تنظيم مسيرة شاقة نحو التصنيع ، أو مرغماً على أن يقتطع من الاستهلاك الشعبي أجزاء كبيرة من دخول شديدة الانخفاض، أو مكرهاً على أن يخصص للأغراض العسكرية أجزاء كبيرة من ناتج إجمالي بسيط . ومثل هذا المجتمع الاشتراكي لن يشن فحسب الحرب على التبديد وفوضى الإنتاج والتدهور الثقافي والخلقي ، بل سيلقي بثقله أيضاً في المساعدة على حل كل مشكلات المرض والجوع والعوز في الأجزاء المتخلفة من العالم. ص 10-11
ونظراً لأهمية الفصل الثاني ؛ “مفهوم الفائض الاقتصادي ” وراهنيته في إضاءة الأزمة الأخيرة للرأسمالية وتفسيرها من حيث الجوهر ،ً فسوف نجري عرضاً مفصلاً وقراءة لهذا الفصل.
الفصل الثاني : مفهوم الفائض الاقتصادي ص 76-99
يعرض باران نوعين من الفائض الاقتصادي في ظل الرأسمالية الاحتكارية :
1- الفائض الاقتصادي الفعلي: وهو الفرق بين الإنتاج الفعلي الجاري للمجتمع ، واستهلاكه الجاري الفعلي ، وهو يتطابق بذلك مع الادخار والتراكم الجاريين ، ويتجسد في الأصول من جميع الأنواع التي تنضاف إلى ثروة المجتمع في الفترة المعنية . التسهيلات، المعدات الإنتاجية ، البضائع المخزنة والأرصدة الأجنبية والذهب المكتنز”
2- الفائض الاقتصادي الاحتمالي : وهو مفهوم يؤشر ويبين لاعقلانية النظام الرأسمالي، “مع ازدياد الأدلة على ارتباطه بالتبديد، وهما أبعد ما يكونا عيوباً عرضية في الرأسمالية .. لم تعد هذه المسائل ثانوية وقليلة الأهمية كما يصورها الاقتصاديون البورجوازيون ”
الفائض الاقتصادي الاحتمالي هو الفرق بين الناتج الذي يمكن إنتاجه في ظروف طبيعية وتكنولوجية معينة بالاعتماد على الموارد الإنتاجية التي يمكن استخدامها ، وبين ما يعد استهلاكاً ضرورياً. وتحقيقه يفترض سلفاً توزيع الناتج الاجتماعي وإعادة تنظيم الإنتاج بصورة حادة بدرجة أو أخرى . كما يستلزم تغيرات عميقة في هيكل المجتمع . ويظهر تحت أربعة عناوين:
أ- الاستهلاك المفرط للمجتمع(وهو وضع سائد لدى أصحاب الدخول المرتفعة، وإن كان يسود بين ما يسمى بالطبقات الوسطى في الولايات المتحدة) . [يبدو قسم من هذا الاستهلاك المفرط فائض إنتاج اجتماعي فعلي].
ب- الناتج الذي يفقده المجتمع نتيجة وجود عمال غير منتجين. ولكن ليس كل عمل غير منتج مباشرة عمل غير ضروري (العلماء، الأطباء ، المعلمون )
ج- الناتج الذي يفقده المجتمع بسبب التنظيم غير العقلاني والقائم على التبديد للجهاز الإنتاجي الموجود.
د- الناتج الضائع بسبب البطالة الناشئة أساساً عن فوضى الإنتاج الرأسمالي ، ونقص الطلب الفعال.
إن مقولة الفائض الاقتصادي الاحتمالي نفسها كحضور فعلي تتجاوز النظام الاجتماعي الرأسمالي القائم ، لأنها لا ترتبط فقط بمجرد النشاط الملحوظ للتنظيم الاجتماعي /الاقتصادي المعين، بل أيضاً بالصورة الأقل جلاء (المتخيلة) لنظام اجتماعي أكثر عقلانية..”
يكتب بول باران وبول سويزي في “رأس المال الاحتكاري” : “أوضحنا في الفصل الثالث أنه يوجد في ظل الرأسمالية الاحتكارية – نظراً لطبيعة سياسة السعر والتكلفة التي تتبعها الشركات العملاقة- ميل قوي ومنهجي لزيادة الفائض من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي أيضاً.. ويجري امتصاص الفائض أو استخدامه بوجه عام [استهلاك واستثمار الرأسماليين] على ثلاثة أنماط:
1- استهلاكه 2- استثماره 3- تبديده
الاستهلاك: يزيد استهلاك الرأسماليين بصفة مطلقة ، وهو أمر متوقع بالطبع ، ولكنه سيهبط من حيث نسبته إلى الفائض، وسيهبط أيضاً أكثر من حيث نسبته إلى الدخل الكلي.. يتضح أنه لا يمكن توقع أي حل لمشكلة امتصاص الفائض من هذه الناحية .. وقد رأينا فعلاً أن الفائض يميل في الواقع (الرأسمالي الاحتكاري) للارتفاع من حيث نسبته إلى الدخل الكلي.
الاستثمار: كنا نحلل ما يمكن أن يسمى بالنسبة لـ ستايندل وآخرين بالاستثمار “الداخلي” أي الاستثمار الذي يوجه إلى منافذ تنشأ عن الميكانيكية الداخلية للنظام . وقد رأينا أن هذه الميكانيكية تميل لتوليد مقدار متزايد بانتظام من الفائض الذي يسعى للاستثمار. ولكنها (آليات الرأسمالية الاحتكارية) لا تستطيع بطبيعة الحال توليد زيادة مقابلة في حجم المنافذ الاستثمارية ، لذلك فإنه إذا كانت المنافذ الاستثمارية الداخلية هي وحدها المتوفرة فإن الرأسمالية الاحتكارية ستتردى في حالة من الكساد الدائم . سيترجم ميل الفائض للارتفاع إلى بطالة متزايدة [نقص نسبي في الاستثمارات الجديدة] .
لكن ليست جميع الاستثمارات داخلية ، فهناك أيضاً الاستثمار “الخارجي” ويعرّف بأنه كل استثمار يتم مستقلاً عن عوامل الطلب التي تولدها الميكانيكية العادية للنظام . مثلاً، يخترع أسلوب فني جديد للإنتاج يتيح لسلعة معينة النزول إلى السوق بسعر أرخص كثيراً، وقد يتم استثمار في مصنع يستخدم هذا الأسلوب بالرغم من أنه لم يحدث أي تغير في الطلب على السلعة. ولدينا ثلاثة أنواع للاستثمار الخارجي:
1- استثمار لمواجهة احتياجات السكان المتزايدين
2- استثمار في الطرق الجديدة للإنتاج والمنتجات الجديدة
3- استثمار أجنبي.
نخلص إلى أنه لم يعد محتملاً أن يسهم التقدم التكنولوجي إسهاماً كبيراً في حل مشكلة امتصاص الفائض أكثر مما تسهم به الزيادة السكانية.
أما الاستثمار الأجنبي “فهو أداة شديدة الفعالية لتحويل الفائض المولد في الخارج إلى البلد المستثمِر [الأم] . وفي هذه الظروف ، يكون من الواضح بالطبع أن الاستثمار الأجنبي يزيد مشكلة امتصاص الفائض حدة أكثر مما يساعد على حلها”.
إن أحد تناقضات الرأسمالية الاحتكارية الأساسية هي : تحرك جدول الربحية دوماً باتجاه الصعود يقابله اتجاه للنزول في معدل التشغيل المحدث (فرص العمل الجديدة).
.. إن القوى التي تعمل في اتجاه مضاد قائمة (بمعونة الدولة الإمبريالية؛ دولة الرأسمالية الاحتكارية وبغيرها ) ولو أنها لم تكن موجودة لسقط النظام تلقائياً منذ زمن بعيد فعلاً. ومن هذه القوى التي تعمل باتجاه مضاد :
1- لنشاط التسويقي : يتحول النشاط التسويقي إلى علاج قوي لميل الرأسمالية الاحتكارية للتردي في حالة من الركود المزمن
2- الحكومة المدنية [دولة الرفاه أو الرعاية الاجتماعية] ؛ ميزانية الدولة والإنفاق الحكومي الخاص والعام . زاد الإنفاق الحكومي الكلي في الولايات المتحدة الأميركية 1929-1957 من 1/10 الناتج القومي الإجمالي تقريباً إلى 1/4 وأغلبها زيادة دفاعية. يكتب ألبرتيني: “إن ارتقاء دولة الرفاهية مرتبط بالعديد من الصراعات الاجتماعية وبتطور أيديولوجي طويل . وفي الواقع نجد وراء وضع الضمان الاجتماعي ، تحولاً عميقاً في المجتمع وفي الاقتصاد ، فالعناية أفضل ولكن بكلفة أكثر . وطرح تنظيم المدن مشكلات الإسكان التي لا يمكن أن تنهض بها سوى السلطات العامة . فالأسرة لم تعد أسرة الماضي الكبيرة .. فقد أصبحت الثقافة عاملاً في النمو لا يتسنى للدولة إهماله . أما بشأن الشيخوخة فإن تطور مستويات المعيشة يفترض تقاعديات خارج متناول تقويم الدخل الفردي .. لقد فهم الضمان الاجتماعي منذ نشأته على أنه وسيلة لتثبيت الدخل ، فهم يكافحون الأزمة بفصل الدخل عن الإنتاج وبإتاحة الفرصة للاستهلاك بالبقاء على الحالة نفسها حينما يهبط الإنتاج . هذا هو مشروع خطة بيفردج p. Beveridge المعتمدة أثناء الحرب من قبل الحكومة البريطانية للوحدة الوطنية والذي سيبدأ تنفيذه من قبل الحكومة العمالية لما بعد الحرب ” وصناديق التأمين والمعاشات هذه سوف تستثمر في المضاربات المالية وتتسبب في الأزمة الراهنة للرأسمالية الاحتكارية.
3- لعسكرة والإمبريالية : يلاحظ التوسع السريع في الاحتياجات العسكرية للولايات المتحدة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. يكتب ج. م. ألبرتيني: “من عام 1954-1969 وبعبارة أخرى من نهاية حرب كوريا إلى حرب الهند الصينية الثانية أنفقت الولايات المتحدة الأميركية 450 مليارا من الدولارات لغايات حربية (كان الناتج القومي غير الصافي في عام 1969 : 160 مليارا فقط).. ثم عرفت الولايات المتحدة ، من جديد اقتصاد حرب حقيقيا ؛ إن حمولة القنابل التي ألقيت على فيتنام معادلة لزنة القنابل التي ألقيت على الألمان بين 1939-1945 . وكان أكثر من 10% من العمال يعملون بلا انقطاع ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، من أجل “الدفاع الوطني” .. واشترت الدولة الأميركية 93% من إنتاج الطائرات والصواريخ و 60% من إنتاج السفن الحربية و 38 % من إنتاج الراديو والإذاعة و 21% من الإنتاج الكهربائي “.. لقد أخذنا على سبيل المثال الظرف الأميركي ، وأن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية ، عدا اليابان . لكن اليابان استفادت فيما بعد كثيراً جداً من حروب كوريا والفيتنام وغدت النفقات الحربية حافزاً هائلاً للنمو الصناعي . ولما ضمت هذه النفقات إلى دولة الرفاهية أعطت النفقات العامة وزناً في الفعالية الاقتصادية مجهولاً إلى ذلك الحين.”
الفائض الذي لا يمتص هو أيضاً فائض فعلي وفائض احتمالي .
واعتباراً من 1979 سنة الإعلان الرسمي عن تبني السياسات الليبرالية الجديدة في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ، سوف تظهر المضاربات المالية كوسيلة لتحريك الفائض الاقتصادي من دون زيادة في الإنتاج الحقيقي ، لكنها ستلعب في الوقت نفسه دوراً مدمراً لأسواق بكاملها (أزمة النمور الآسيوية وانهيار أسواقها 1997 ، ومن ثم أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار مواد الغذاء الرئيسية خاصة الأرز، والارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام ) ، وآخرها الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت ببنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة ، وامتدت بسرعة لتشمل الاقتصاد الرأسمالي عامة متسببة بموجة ركود اقتصادي وكساد شاملة.
يكتب د. رمزي زكي:”تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرّض موازين مدفوعاتها لعجز شديد في صيف 1997. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية قصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي ، أموالاً ساخنة Hot Money تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد . ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر. .. والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة [1994-1999 ] إنما يعود إلى تأثير عولمة [انفلات] أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية . كما عضّد نمو هذه الحركة تطور الابتكارات المالية التي وفرت أشكالاً مختلفة ومتعددة من الاستثمار المضارب . كما عكست هذه الحركة النشاط الواسع الذي قامت به الشركات عابرة القوميات في هذا المجال وكذلك نشاط ما سمي بصناديق الاستثمار Investment Funds التي يصل عددها الآن على صعيد العالم إلى حوالي 770 صندوقاً استثمارياً ضخماً. تم حشد الموارد المالية لها من شركات التأمين وصناديق التأمين والمعاشات وكبريات الشركات الصناعية . وهذه الصناديق تتعامل الآن في أصول مالية تتجاوز بكثير حجم الاحتياطيات الدولية التي تملكها البنوك المركزية في مختلف دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن المعاملات المالية في الأسهم والسندات عبر الحدود (للمقيمين وغير المقيمين) في البلدان الصناعية كانت في حدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان في عام 1980 ، لكنها الآن ، تزيد على 100 % من هذا الناتج .. وقد ارتبط تزايد المعاملات المالية العالمية في الأسهم والسندات (أو فيما يسمى بالاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Ivestment) بذلك النمو غير العادي الذي حدث في تداول النقد الأجنبي يومياً على الصعيد العالمي . فالمتوسط اليومي لحجم المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من حوالي 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1,2 تريليون دولار يومياً في عام 1996 ، وهو ما يعادل 85 % من حجم الاحتياطيات الدولية لجميع بلاد العالم . وذلك يوضح مدى الصعوبة التي أصبحت تواجهها البنوك المركزية في التأثير في أسعار صرف عملاتها الوطنية أمام جحافل رأس المال المالي الدولي قصير الأجل.” ص 70-71
ويضيف د. رمزي زكي: “هذا النشاط المضارب الهائل الذي أصبحت تتسم به الحركة الدولية لرؤوس الأموال وعلى نحو يتجاوز بكثير حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، أصبح يشير إلى حقيقة خطرة جداً . وهي أن الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية . وهذا دليل دامغ على الطابع الطفيلي الذي تتسم به الرأسمالية الاحتكارية المعاصرة (الإمبريالية) . كما أن هذا النشاط المضارب يقف وراء كثير من الأزمات النقدية والمالية التي حدثت في بلاد كثيرة (ومن بينها دول النمور الآسيوية) بسبب ما يسببه من ارتفاع جنوني في الأسعار دون مبرر حقيقي . ثم هبوطها مرة واحدة . تماماً مثل بالون ينتفخ أكثر من اللازم ولا بد أن تأتي لحظة انفجاره . وفي ضوء هذا النشاط المحموم والجنوني الذي حدث في ارتفاع أسعار الأصول المالية والمادية بسبب المضاربات نشأت ما تسمى ” الاقتصادات المنفوخة ) التي تعاني من أنشطة المضاربات وتتهددها الأزمات ” يقول بول باران في الفصل الأخير (الثامن) من كتاب”الاقتصاد السياسي للتنمية” والذي عنوانه الارتقاء الصعب؛ مصير العالم المتخلف وآفاق تحوله:
” في العالم المتخلف تصبح الحقيقة المحورية الصارخة لعصرنا واضحة للعين المجردة ، فالنظام الرأسمالي الذي كان يوماً ما محركاً جباراً للتطور الاقتصادي ، قد تحول إلى عقبة لا تقل جبروتاً أمام تقدم البشرية ” ص 338
لم يعد النظام الرأسمالي الاحتكاري عقبة أمام تقدم العالم المتخلف فحسب ، بل بات عقبة أمام تقدم البشرية”
لقد لاحظ توكفيل 1805- 1859 وجود نظم سياسية تشكل عقبة أمام التقدم .. وما لاحظه توكفيل فيما يتعلق بالنظم السياسية يسري على نطاق أوسع مما كان يمكنه هو نفسه أن يتصور” 338.
إن سيماء حكومة ما يمكن الحكم عليها على نحو أفضل داخل مستعمراتها ، فهنالك يجري تكبير لقسماتها فتبدوا أكثر وضوحاً.. فعيوبها هناك تبدوا كما لو كانت من خلال ميكروسكوب . [هربرت فرانكل]
.. والحقيقة أن التباين في البلاد المتقدمة بين ما كان يمكن إنجازه بقوة الإنتاج المتاحة للجميع ، وبين ما تحقق فعلاً على أساسها [بين الفعلي والممكن ] ، إنما هو أكبر بدرجة لا تقارن في البلاد المتخلفة. بيد أنه بينما يحجب هذا التباين في البلاد المتقدمة بواسطة المستوى المطلق العالي للإنتاجية والناتج ، والذي تحقق خلال عصر الرأسمالية ، فإن الهوة في البلاد المتخلفة بين الفعلي والممكن (بالنسبة للفائض) هوة صارخة ، وما تنطوي عليه ينذر بالكارثة.
.. حتى الكتّاب البورجوازيون يسلمون من حين لآخر بأن الانتقال في البلاد المتخلفة إلى تنظيم اقتصادي واجتماعي عقلاني أمر حيوي ملح – في حين يقولون في نفس الوقت بأن البلاد المتقدمة يمكنها بـ “سهولة” أن تظل تحت سيطرة الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية … بيد أنه لا يمكن أن يوجد ما هو أفدح خطأ ؛ وذلك لأن حكم الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية في البلاد المتقدمة والتأخر الاقتصادي والاجتماعي في البلاد المتخلفة على أوثق ارتباط ، ولا يمثلان سوى جانبين مختلفين لما هو في الواقع مشكلة واحدة. ص 339
يشير تقرير الأمم المتحدة عام 1951 : “إجراءات من أجل التنمية الاقتصادية في البلاد المتخلفة” بالقول: “بالنسبة لعدد من البلاد المتخلفة ، استبعاد إمكانية أي تقدم اقتصادي كبير حتى تحدث ثورة اجتماعية تؤدي إلى تغيير (جذري) في السلطة وتوزيع الدخل” 339
.. إن انتقال الأمم المتخلفة .. إلى نظام اقتصادي/ اجتماعي يكفل لها تنمية تقدمية يتم في وجه مقاومة مريرة من جانب الدول الإمبريالية. وما قاله لينين في عام 1913 عن البلاد الأوربية يمكن أن يقال اليوم أيضاً عن الغرب المتقدم بأسره.(يقول لينين): “في أوربا المتمدينة والمتقدمة ، بما لديها من صناعة للآلات نامية نمواً ممتازاً، ومن حضارة وتكوين يمتازان بالغنى والشمول ، وصلت الأمور إلى لحظة تاريخية تقوم فيها البورجوازية الحاكمة بسبب فزعها من نمو البروليتاريا وقوتها المتزايدة ، بتأبيد كل ما هو متأخر ومحتضر ومنتم للعصور الوسطى . إن البورجوازية البالية تتحد مع جميع القوى العتيقة والبالية في محاولة للمحافظة على عبودية الأجر المتداعية ” [لينين: أوربا المتأخرة وآسيا المتقدمة]
هذا التأبيد لكل ما هو متأخر ومحتضر ومنتم للعصور الوسطى يمكن ملاحظته في كل مكان … وهو يهدف إلى الحيلولة دون وقوع توترات اجتماعية حيثما يكون ذلك ممكناً ، وعلى عرقلة استقرار وتقدم المجتمعات الاشتراكية حيثما تكون مثل هذه الثورات قد حدثت بالفعل.
… فأية آثار قليلة لإنسانية أصيلة ، لا تزال متبقية في وعي البورجوازية منذ أيام شبابها المجيد ، تكاد أن تتلاشى تحت تأثير الصراع الطبقي المحتدم” 340
.. إن الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية .. تنتظر من الدين أن يكون عقبة في جنوب آسيا ، وفي الشرق الأوسط ، كما في أي مكان آخر ، أن يكون حصناً منيعاً ضد الشيوعية وضد التقدم … إن كل شيء متأخر ومحتضر وينتمي إلى العصور الوسطى في البلاد المتخلفة نفسها يكون على اتفاق تام مع أنصاره والمدافعين عنه في الغرب ، والطبقات المتخلفة التي تهتم اهتماماً حيوياً بأن يكون السكان الخاضعون مجتمعاً روحياً من أفراد يحبون الله… ويعملون بكد من قبيل الواجب وإرضاء الذات ، ولا تكون الحياة بالنسبة لهم مجرد متعة ونمو جسماني ، بل تطور ثقافي و روحي. وهذه الطبقات لا تدخر وسعاً ، وتلقى قدراً كبيراً من التأييد الأميركي ، في جهودها لتدعيم تسلط الخرافات الدينية على عقول أتباعها الذين يتضورون جوعاً . الذي يعني هذه الطبقات المتسلطة في البلدان المتخلفة ويعني المتواطئين معها في الغرب ، في أن يكون ثمن المحافظة على الغموض الديني جوعاً متزايداً ووفيات متزايدة.” 343 . الذي يعنيها أو يعني الإمبرياليين أن تمثل هذه الخرافات حاجزاً هاماً في طريق التقدم. .. لكن ما أن يتحول الدين إلى أداة في مواجهة الغزاة والمحتلين حتى تهاجمه الولايات المتحدة الأميركية بأكثر القاذفات تطوراً ويدخل في إطار الإرهاب الدولي والأصولي.
على غرار الارستقراطيين في نهاية العصر الإقطاعي ، فإن الملكيين الاقتصاديين في هذه الأيام الأخيرة للرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية ليسوا واقعين هم أنفسهم تحت تسلط جهالة من هذا النوع ، بيد أنهم يرونها مفيدة تماماً لمن يكدحون لديهم في الداخل والخارج” ص 344
.. والحقيقة أن عجز الرأسمالية عن أن “تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بأشياء مادية” ، عن أن تعمل كإطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، هو الذي يرغم ساستها ومحبذيها، سعياً وراء استقرارها ، على الاعتماد على الأعمال البهلوانية بدلاً من الخبز، وعلى التهريج الأيديولوجي بدلاً من العقل . وهكذا فإن الحملة من أجل صيانة الرأسمالية يروج لها اليوم بنشاط أكبر من أي وقت مضى باعتبارها حرباً صليبية من أجل الحرية والديمقراطية . وفي أيام الصراع المبكر ضد الإقطاع، عندما كانت الرأسمالية مَرْكباً قوياً للتقدم ، وعندما كان التنوير والعقل منقوشين على راية الطبقة الرأسمالية الصاعدة ، كان لهذا الزعم على الأقل صلاحية تاريخية جزئية. ولكن هذه الصلاحية كادت أن تضيع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، عندما كان حكم البورجوازية يواجه تهديداً متزايداً من جانب الحركة الاشتراكية الصاعدة ، وحتى عندما أصبح حتى أكثر افتضاحاً أن “ما يقصد بالحرية في ظل ظروف الإنتاج البورجوازية الحالية هو حرية التجارة ، وحرية البيع والشراء” [بيان الحزب الشيوعي] . كما أنها تحولت إلى زيف ونفاق في عصر الإمبريالية ، عندما أصبحت الرأسمالية، بعد أن فقدت السيطرة على ثلث الأرض ، تقاتل دفاعاً عن وجودها نفسه. وكما تنبأ انجلز بألمعيّة، “في يوم الأزمة وفي اليوم الذي يلي الأزمة … فإن الرجعية كلها وبجميع أنواعها .. ستتجمع حول شعار الديمقراطية الخالصة ” [انجلز خطاب إلى بيبل 11 ديسمبر 1884 . التشديد من الأصل]. وكون أن “الرجعية كلها وبجميع أنواعها ” ، وأن “الديمقراطية الخالصة” التي تزعم أنها تحارب من أجلها ، ليست سوى حرية خالصة في الاستغلال ، فأمر يمكن أن نلمسه على الفور من لائحة العضوية فيما يسمى العالم الحر. فباكستان وإمارات الشرق الأوسط ، والدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية .. كلها قد ارتفع بها الصليبيون الإمبرياليون إلى وضع “الدول الديمقراطية”!!
والحجج التحبيذية الفجة التي تعرف الحرية بأنها حرية رأس المال، وتساوي بين مصالح الأقلية الطفيلية والاحتياجات الحيوية للشعب ، وتنظر إلى الإمبريالية كمرادف للديمقراطية ، سيكون من المتعذر عليها أن تسترعي الأنظار إن لم يكن ذلك بالنظر إلى اعتبارين يربطانها ربطاً مباشراً بمشكلة مستقبل التنمية . وأول هذين الاعتبارين متعلق بالأثر العميق لهذه الأيديولوجية وبالظروف التاريخية التي تجعلها تستند إلى التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي للأمم الإمبريالية نفسها. وهذا الأثر تجمله ملاحظة ماركس وانجلز القاطعة والتي تقول: “لا يمكن أن تكون الأمة حرة إذا كانت تضطهد أمماً أخرى “.
II- كتاب بول باران- بول سويزي
“رأس المال الاحتكاري” – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر . ترجمة حسين فهمي مصطفى ، مراجعة . د. إبراهيم سعد الدين 1971 .
الفصل الثالث
“اتجاه الفائض للارتفاع”
ينبغي على أية حال أن نحذر الوقوع في شراك الافتراض بأن الأعمال الكبيرة والأعمال الأصغر متعادلة من حيث الكيف أو أنها ذات أهمية واحدة بالنسبة لطريقة عمل النظام . فالعنصر السائد والمحرك الأول ، هو الأعمال الكبيرة منظمة في شركات مساهمة عملاقة . وتسعى هذه الشركات لتحقيق أقصى الربح وتراكم رأس المال . وهي تدار بواسطة رجال الشركات (مدراء) الذين ترتبط مصائرهم بنجاح الشركات أو فشلها.” 61 .. إن الأعمال الأصغر يجب أن تعالج كجزء من المحيط الذي تعمل خلاله الأعمال الكبيرة أكثر من معالجتها كقوة مستقلة على المسرح” 61
.. إن العلاقات داخل الشركة المساهمة مباشرة وهرمية وبيروقراطية . وهنا يسود التخطيط الحقيقي ، مقترناً بتعليمات تهبط من أعلى إلى أدنى ومسؤولية من أدنى لأعلى . وعلى أي حال فإن مثل هذه العلاقات ليست قائمة بالنسبة للنظام ككل.” 62
.. من الحقيقي طبعاً أن عدة شركات عملاقة كثيراً ما تعمل في تناسق ، ولكنها تفعل ذلك بقصد خدمة أغراضها الخاصة أكثر مما تستهدف التأثير ، ولا نقول السيطرة على النظام ككل.” 62
بوجه عام إن الرأسمالية الاحتكارية غير مخططة مثلها في ذلك مثل الرأسمالية التنافسية التي سبقتها. وتتصل أساساً الشركات الكبرى ببعضها البعض ، وبالمستهلكين والعمال ، والأعمال الأصغر عن طريق السوق . وما زالت ميكانيكية النظام ناتجاً غير مقصود للأعمال المتسمة بمراعاة الذات من جانب الوحدات الكبيرة التي تكونه. ولما كانت علاقات السوق علاقات أسعار بصفة جوهرية فإن دراسة الرأسمالية الاحتكارية ، مثل دراسة الرأسمالية التنافسية (مثل عيسى كمثل آدم) ، يجب أن تبدأ ببحث العمليات الخاصة بميكانيكية الأسعار .” 62 .. إن المشروع الفردي في ظل الرأسمالية التنافسية “متلق للسعر” في حين أن الشركة الكبيرة في عصر الرأسمالية الاحتكارية “صانعة للسعر”. ولكن تحليل تأثير هذا الاختلاف على سير النظام ككل كان ضئيلاً بطريقة تدعو للدهشة .”
هناك دراسات نظرية وعملية معاً، عن أسعار السلع الفردية ، أو أسعار منتجات صناعات معينة ، ولكن لا توجد سوى دراسات قليلة جداً عن تشغيل ونتائج نظام السعر الاحتكاري.” 63 ..
يمكن البحث عن أسباب هذا الانفصال المتزايد الوضوح بين النظريات الوحدية والجمعية فيما تتسم به الاقتصاديات البورجوازية من طبيعة اعتذارية كما سنرى. إن نتائج إعادة الاندماج التام بين هذين المستويين للتحليل [مستوى الوحدات الإنتاجية والنظام ككل] – إحلال نظام السعر الاحتكاري محل نظام السعر التنافسي التقليدي، وتحليل تأثير ذلك على الاقتصاد كله- تؤدي على الأقل إلى نسف ادعاءات الرأسمالية باعتبارها نظاماً اجتماعياً رشيداً يعمل على زيادة رفاهية وسعادة أعضائه . ولما كان تعزيز هذه الادعاءات من أكبر اهتمامات الاقتصاديات البورجوازية ، فإن الاقتصاديين لم يبدوا بالطبع أي حماس لإتباع سبيل يفضي إلى كشف زيفهم.” 64
يقول مؤلفا الكتاب موضوع العرض: “يسلم تواً على كل من اطلع على مؤلفات كاليسكي وستايندل بأننا مدينان كثيراً لهما .. وإذا كنا لم نقتبس منهما أكثر مما اقتبسنا ، ولم نستزد من استخدام صيغهما النظرية بطريقة مباشرة ، فإن ذلك يرجع إلى أننا اهتدينا في خدمة أغراضنا إلى طريقة معالجة أخرى وشكل للعرض أكثر ملاءمة ونفعاً ” 65 . جدير بالذكر أن أعمال كاليسكي الطليعية “مقالات عن نظرية التقلبات الاقتصادية ، ودراسات في الدينامية الاقتصادية ” قد نشرت عامي 1939 1943 . ويعد كتابه “نظرية الدينامية الاقتصادية” لندن 1954 أشبه بطبعة ثانية جامعة ومنقحة للكتابين السابقين.
.. عندما نقول أن الشركات المساهمة العملاقة صانعة للسعر فإننا نعني أنها تستطيع وتقوم فعلاً باختبار الأسعار التي تحددها لمنتجاتها . هناك بالطبع حدود لحريتها في الاختيار . إذ يصبح فوق وتحت أسعار معينة التوقف عن الإنتاج كلية . لكن نطاق الاختيار غالباً ما يكون واسعاً ، فما الذي يقرر أي الأسعار تحدد داخل هذا النطاق؟ 65
.. إن الشركة المساهمة العملاقة الشائعة .. يغلب أن تكون واحدة من عدة شركات تنتج سلعاً تكفي كل منها لتكون بديلاً للأخرى بدرجة متفاوتة . وعندما تغير إحدى هذه الشركات سعرها ، فإن تأثير ذلك يظهر بالنسبة للأخريات في الحال.
إذا خفضت الشركة أسعارها ، فقد يحدث بعض الطلب الجديد .. ولكن هذا سيؤدي بأن ترد الشركات المنافسة بتخفيض أسعارها ربما لأقل .. والنتيجة الخالصة قد تكون وضع الشركات في وضع أسوأ. في هذه الظروف يتعذر على أية شركة بمفردها – حتى لو كان لديها معلومات كاملة عن الطلب على منتجات الصناعة ككل وعن تكاليفها الخاصة – أن تعرف السعر الذي يصل بأرباحها إلى الحد الأقصى . ولا يتوقف ما يمكن أن تبيعه على سعرها فقط ، بل يتوقف أيضاً على الأسعار التي تحددها الشركات المنافسة ، ولا يمكنها أن تعرف هذه الأسعار مقدماً. وعلى ذلك فقد تجري إحدى الشركات في أي وقت تقديراً دقيقاً للسعر الذي يحقق أقصى الربح، ولكن لن يكون صحيحاً إلا بالمصادفة في حالة عدم توفر المعرفة بردود الفعل لدى المنافسين . ويؤدي التخمين الخاطئ المتعلق بردود الفعل لدى المنافسين إلى التخلي عن التقدير كله وضرورة تعديله مما يؤدي بالمنافسين إلى اتخاذ خطوات جديدة ، وهكذا .. ، مما يحتمل معه أن تنحدر العملية كلها إلى حرب أسعار مدمرة متبادلة.” 66 .. لتفادي جميع هذه الأوضاع يصبح الشاغل الأول لسياسة الشركة تحقيق القيام بعمليات الأعمال المنتظمة والمربحة. 67 .. ويتحقق هذا الهدف بوسيلة بسيطة هي حظر خفض السعر كسلاح مشروع في الحرب الاقتصادية . بالطبع فإن هذا كله لم يحدث في الحال ولم يتخذ كقرار واع .” 67
.. إن القرار المضاد لخفض الأسعار ، مثل سائر المحظورات الهامة ، قد انبثق تدريجياً من تجربة طويلة كثيراً ما اتسمت بالمرارة ، وهو يستمد قوته من حقيقة أنه يخدم مصالح القوى المسيطرة في المجتمع وطالما لقي هذا القرار القبول والمراعاة، فإن حالة عدم التأكد الخطيرة تزول من طريق السعي المتعقل نحو أقصى الأرباح” 67
إن النمط السائد في احتكار القلة .. هو نوع من التواطؤ الضمني الذي يتخذ أكثر أشكاله تطوراً “فيما يعرف بقيادة السعر” 69 .. وفقاً لتعريف بيرنز فإن قيادة السعر توجد عندما يكون السعر الذي تعرض معظم وحدات صناعة ما البيع به محدداً عن طريق إتباع السعر المعلن بواسطة إحدى هذه الوحدات . والقائد عادة هو الشركة الأكبر والأقوى في الصناعة ، مثل شركة صلب الولايات المتحدة أو جنرال موتورز. وتقبل الأخريات هذا الدور القيادي المسيطر ليس فقط لأن من مصلحتها أن تفعل ذلك ولكن لأنها تعلم أيضاً أنه إذا نشبت حرب أسعار فإن القائد سيكون أقدر منها على مواجهة الصعاب” 69
إن قيادة السعر بهذا المعنى الضيق هي فقط النوع الأكثر شيوعاً من بين أنواع أخرى كثيرة . ففي صناعة السجاير ، مثلاً تتناوب الشركات الكبيرة في المبادرة بتغيير السعر ، وفي صناعة البترول تتخذ شركات مختلفة المبادرة في أسواق إقليمية مختلفة وفي أوقات مختلفة إلى حد معين . وطالما ظل هذا النموذج المنتظم ، نوعاً ما، قائماً فإن هذه الحالات يمكن أن توصف بأنها أشكال متنوعة لقيادة السعر” . ولكن توجد حالات كثيرة لا يوجد فيها هذا الانتظام : فالشركة التي تبادر بتغيير السعر يبدو تحديدها اعتباطياً.
.. في حال خفض السعر يوجد دائماً احتمال تعمد العدوان ، بأن يحاول خافض السعر زيادة حصته في السوق بخرق الحظر على التنافس السعريّ . وإذا فسر المنافسون الخطوة الأولى على هذا النحو ، فإن حرب السعر قد تنتج عن ذلك وتعم الخسائر الجميع..إن الأسعار في ظل احتكار القلة ، تميل إلى التماسك في جانب الهبوط .. أكثر من جانب الصعود . وتؤدي هذه الحقيقة إلى ميل كبير للصعود في مستوى السعر العام في اقتصاد رأسمالي احتكاري . وينطوي على الصدق قول مجلة “بيزنس ويك” المأثور: بأن نظام السعر في الولايات المتحدة اليوم نظام يسير في اتجاه واحد فقط ؛ إلى أعلى”
.. وبينما تحظر منافسة السعر عادة في ظروف احتكار القلة ، فإن هذا لا يعني أن المنافسة مستبعدة تماماً ، أو أنها لا تلعب دوراً إطلاقاً . إن أية شركة أو مجموعة شركات تعتقد أنه يمكنها دائماً الاستفادة من تكتيكات الأسعار العدوانية التي لن تتردد في استخدامها . ويحتمل بصفة خاصة أن ينشأ مثل هذا الموقف في إحدى الصناعات الجديدة حيث تناور جميع الشركات من أجل المركز وحيث لم يشكل بعد إطار ثابت معقول لحصص السوق. في هذه الظروف قد يضحي المنتجون ذوو التكلفة المنخفضة بالأرباح العائدة بسرعة بقصد زيادة حصتهم في السوق . أما المنتجون ذوو التكلفة المرتفعة العاجزون عن خوض السباق ، فقد يضطرون للاندماج بشروط غير مرضية أو يضطرون للخروج من السوق كلية .على هذا النحو تمر الصناعة بعملية غربلة تثبت في نهايتها شركات معينة مراكزها بقوة . وتثبت قدرتها على الصمود في النضال الشاق . وعند هذه المرحلة ، تجد باقي الشركات أن تكتيكات الأسعار العدوانية لم تعد تبشر بمنافع في الأجل الطويل بحيث تعوض تضحيات الأجل القصير ، لذلك فإنها تحذو حذو الشركات الأقدم في التخلي عن السعر كسلاح تنافسي وتطور نظاماً للتواطؤ الضمني بحيث يلائم الظروف الجديدة .
هنا يمكن أن تتدخل الدولة الرأسمالية الاحتكارية للمساعدة في تسهيل اندماج الشركات القومية (أميركية مثلاً) بحيث تكون قدرتها على المنافسة الدولية أكبر ولكي تزيد من حصتها في السوق العالمية .
“إن الازدياد المضطرد للطابع الاجتماعي للإنتاج يجعل من ميزانية الدولة الرأسمالية الاحتكارية “شريكاً” اقتصادياً للرأسمالية الاحتكارية، يخدم في إنقاذ الشركات المفلسة ، وفي دعم عمليات البحث والتطوير ، ودعم عمليات الاندماج بين الشركات الاحتكارية ، خاصة في القطاعات الرائدة والحديثة ، وفي إعادة توزيع الدخل القومي لصالح البورجوازية الاحتكارية . فعلى سبيل المثال “تسلّم التجمع (سيماتيك: تقانة تصنيع أشباه الموصلات ) من الحكومة الاتحادية الأميركية أكثر من 700 مليون دولار عام 1988 .. لقد أرست المساهمة الاتحادية الأسس الحاسمة للأنشطة التي سهلت التعاون بين مختلف أعضاء التجمع سيماتيك .. ويضاف إلى هذا ، أن الشركات الأميركية استطاعت في عام 1993 احتكار 43.4 % من سوق أشباه الموصلات العالمي متجاوزة بذلك حصة اليابان لأول مرة منذ ثماني سنوات ، كما أن شركات معدات تصنيع أشباه الموصلات الأميركية سيطرت على 50 % من السوق العالمية مقابل 42.9 % لليابان”
.. إن انقضاء مرحلة الغربلة لا يعني عادة انتهاء الصراع من أجل حصص أكبر في السوق ، ولكن يعني ببساطة انتهاء التنافس السعريّ كسلاح في ذلك الصراع.
.. إن الصراع نفسه يستمر ولكن بأسلحة أخرى (ومنها تدخلات الدولة الرأسمالية الاحتكارية) فالاقتصاد لا يعمل كما لو كان مكوناً من احتكارات بحتة .” 72 ومثال ذلك الاقتصاد الزراعي: “إن الأرباح المنخفضة بشكل غير عادي في فرع كبير من فروع الاقتصاد مثل الزراعة تضر بمصالح مجموعة كبيرة وقوية سياسياً من الملّاك الذين يمكنهم عن طريق الضغط والمساومة مع سائر الرأسماليين ضمان التأييد اللازم لاتخاذ إجراء علاجي ، لذلك يصبح من مسؤولية الدولة في ظل الرأسمالية الاحتكارية أن تضمن بقدر الإمكان إدخال حدود الأسعار والربح في الصناعات المنحرفة داخل النطاق السائد في المجرى العام للشركات المساهمة العملاقة ” [تتدخل الدولة عبر الدعم لرفع أسعار المنتجات الزراعية حتى تدخل هذه المنتجات في إطار الأسعار التي يقررها سير عمل الشركات الاحتكارية العملاقة]
.. إن وظيفة الدولة في ظل الرأسمالية الاحتكارية هي خدمة مصالح رأس المال الاحتكاري . ووفقاً لما قاله اثنان من دعاة المنافسة الحرة فإنه: “مع كل تقدم للاحتكار في سبيل تحقيق قوة اقتصادية أكبر ، وقبول اجتماعي أكثر تصبح الحكومة الفيدرالية أشد خضوعاً للاحتكار ، وأزيد اعتماداً عليه ، وأميل لإيثاره بما تمنحه من امتيازات وحماية وإعانة .. يترتب على ذلك أن تأثير التدخل الحكومي في الاقتصاد من ناحية ميكانيكا السوق ،مهما كان غرضه الظاهر، هو جعل النظام يعمل أكثر ، لا أقل كنظام مكون فقط من شركات مساهمة عملاقة يصدر عنها الفعل ورد الفعل على نحو ما سبق” 74 .. إن تقوية الاحتكار وتنسيق عملياته ليس بالطبع الوظيفة الوحيدة للدولة في ظل الرأسمالية الاحتكارية ، وسنحلل فيما بعد بشيء من التفصيل .. كيف تلعب الدولة دوراً حاسماً في طريقة سير النظام ، وذلك عن طريق الضرائب وأنشطتها في الإنفاق العام وسياستها إزاء العالم الخارجي” 74 يكتب ج. ألبرتيني: “إن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت ، في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية ، عدا اليابان، لكن اليابان استفادت فيما بعد كثيراً جداً من حروب كوريا وفيتنام . وغدت النفقات الحربية حافزاً هائلاً للنمو الصناعي . ولما ضمت هذه النفقات إلى دولة الرفاهية ، أعطت النفقات العامة وزناً في الفعالية الاقتصادية مجهولاً على ذلك الحين.. إن التصرف بواسطة النفقات العامة من أجل ضبط وتثبيت الطلب (الإجمالي) يكون ميسوراً أكثر عندما تقارب النفقات 40 % من الناتج القومي غير الصافي ، منه حينما لا تتجاوز حاجز 10 % منه ”
.. تمتلك الولايات المتحدة حالياً أضخم آلة حرب في “زمن السلم” وتنتشر على منطقة أوسع من العالم ، مما تحقق لأية أمة في التاريخ. إن الإمبريالية تشمل العسكريتاريا، فيما تشمل ، وفي الواقع فإنهما توأمان ، تغذى الواحد منهما على الآخر في الماضي، كما هما يفعلان الآن ، إلا أنه لم يحدث قط حتى، في ذروة السعي لاستعمار أراض جديدة ، أن احتفظت أي من الدول الاستعمارية ، أو مجموعة من هذه الدول ، بآلة حرب ، وبانتشار واسع للقوات ، بالحجم ، والمدى الذي لدى الولايات المتحدة الآن. لقد كان الإنفاق العسكري بالنسبة للفرد الواحد في جميع الدول الكبرى مجتمعة: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، اليابان، لإيطاليا والاتحاد السوفياتي ، في العام 1937 ، أي أثناء التسابق على التسلح والإعداد للحرب العالمية الثانية، لا يزيد عن 25 دولار . (وقد كان الإنفاق العسكري بالنسبة للفرد الواحد في ألمانيا 58.82 دولاراً . أما في عام 1968 فقد بلغ الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة بالنسبة للفرد الواحد ، وبأسعار 1937 مستوى 132 دولاراً.. بالمناسبة فإن تكنولوجيا الطائرة والصاروخ المتطورين ، هي التي تمكن الولايات المتحدة من أن تحتفظ بوضع عسكري على نطاق العالم.. إن جزءاً جوهرياً من الآلة العسكرية الهائلة ، بما في ذلك الآلة التي تملكها دول أوربا الغربية، هي الطريق الأنسب للمحافظة على الشبكة الإمبريالية للتجارة والاستثمار في غياب الاستعمار . لقد أدى الاستقلال السياسي للمستعمرات السابقة إلى صراعات طبقية في الدول الجديدة من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي.. مما يستدعي الدعم العسكري المباشر للطبقات الحاكمة المحلية الموالية للنظام الإمبريالي..”
يكتب هاري ماجدوف: “إذا كانت الدولة القومية في المناطق الرأسمالية تتجه كما نعتقد نحو أن تصبح أكثر أهمية ، لا أقل أهمية، لصالح الشركات متعددة الجنسيات، فما هو موقفنا من الادعاءات التي تروج، بأن هذه الشركات تعمل على إضعاف سيادة الدولة ؟ من الواضح أن هذا السؤال منفصل فيما يتعلق بكل من الدول الرأسمالية المتقدمة والدول الرأسمالية المتخلفة ؛ يجب أن يطرح بالنسبة للدول الرأسمالية المتقدمة والدول الرأسمالية المتخلفة كلاً على حدة. ” ”
ربما كان أكثر أهمية حقيقة أن تعبير مثل “رأسمالية الدولة” و “رأسمالية الدولة الاحتكارية ” يتضمن قطعاً فكرة أن الدولة قوة اجتماعية مستقلة على نحو ما ، تنسق مع الأعمال الخاصة ، وأن حركة النظام تحدد ليس فقط عن طريق تعاون هاتين القوتين ، وإنما تتحدد أيضاً بواسطة الصراعات والمنازعات بينهما.
.. يبدو هذا لنا رأياً مضللاً بشكل خطير . وفي الواقع ، إن ما يبدو كمنازعات بين الأعمال والحكومة هو انعكاسات للنزاع داخل الطبقة الحاكمة . ونعتقد أن من المرغوب فيه تجنب استخدام مصطلحات تتجه لإشاعة ذلك الرأي” 75 .. وقد استخدمنا تعبير ” رأس المال الاحتكاري” و ” الرأسمالية الاحتكارية ” بدون تعديل لسببين : أولاً، لعبت الدولة دائماً دوراً حاسماً في تطور الرأسمالية، وبينما زاد هذا الدور قطعاً من ناحية الكم ، فإننا نشعر بأن الدليل على حدوث تغيير كيفي في عشرات السنين الأخيرة غير مقنع . وفي هذه الظروف ، فإن التأكيد بصفة خاصة على دور الدولة في المرحلة الحاضرة من الرأسمالية الاحتكارية قد يؤدي إلى تضليل الناس بافتراض أن هذا الدور كانت له أهمية ضئيلة في المراحل الأولى للرأسمالية.” 74
يكتب يوجين فارغا: “يشكل التحام القوتين- الاحتكارات والدولة- أساس رأسمالية الدولة الاحتكارية .. إن رأسمالية الدولة الاحتكارية توحد قوة الاحتكارات وقوة الدولة في آلية واحدة غرضها إثراء الاحتكارات وقمع الحركة العمالية ونضال التحرر الوطني ، وإنقاذ النظام الرأسمالي ، وشن الحروب العدوانية”
.. إن التخلي عن المنافسة السعرية يعني انتهاء جميع أشكال المنافسة .. وتندرج معظم الأشكال الجديدة من المنافسة تحت عنوان ما نسميه النشاط التسويقي والذي خصص له فصل.. من الكتاب (رأس المال الاحتكاري)
نحن نحصر الاهتمام هنا بتلك الأشكال من المنافسة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على تكاليف الإنتاج وبالتالي على حجم الفائض .
يقول مؤلفا الكتاب: “إذا كان حقاً ، كما دللنا ، أن احتكارات القلة تنجح في تحقيق الاقتراب الدقيق من السعر الاحتكاري النظري ، وأن جهودها التي لا تتوقف أبداً لخفض التكاليف ، والتي أكد عليها جيمس إيرلي ، وهي جهود ناجحة بوجه عام ، فإنه يترتب على ذلك بمنطق حتمي أن الفائض ينبغي أن يكون لديه اتجاه قوي ومستمر للصعود ” 75
يبدو لنا أن هناك وجهين للمنافسة غير السعرية يتمتعان بأهمية حاسمة هنا:
الأول: يتعلق بما يمكن تسميته دينامية حصص السوق ، والثاني: يتصل بالشكل الخاص الذي يتخذه النشاط التسويقي في صناعات السلع الإنتاجية” 76 .. إن الشركة ذات التكاليف الأقل والأرباح الأعلى ، تتمتع بمزايا متعددة بالنسبة للمنافسين ذوي التكلفة الأعلى في النضال من أجل حصص السوق … لهذا يوجد حافز إيجابي قوي لدى الشركة المساهمة الكبيرة في صناعة تحتكرها القلة ليس فقط للاتجاه باستمرار إلى خفض التكاليف ، بل ولتنفيذ ذلك بسرعة أكبر من منافسيها 77 … هناك سبب آخر نعتقد على أنه على درجة من الأهمية بقدر ما يجري تجاهله ، ويتعلق بعلة الوجود المستمر للاتجاه النزولي لتكاليف الإنتاج في الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري بأسره. .. وهو ينبثق من مقتضيات المنافسة غير السعرية في صناعات السلع الإنتاجية.. هنا كما هو الحال في الصناعات المنتجة لسلع الاستهلاك ، يتعين على البائعين أن يسعوا دائماً لوضع شيء جديد في السوق . ولكنهم لا يتعاملون مع المشترين الذين ينصرف اهتمامهم الأول لأحدث المبتكرات أو مجاراة الآخرين ، وإنما يتعاملون مع المشترين المحنكين الذين يهتمون بزيادة الأرباح . لذلك ينبغي أن تصمم المنتجات الجديدة المعروضة على المشترين المحتملين بحيث تساعدهم على زيادة أرباحهم، مما يعني بوجه عام مساعدتهم على خفض تكاليف إنتاجهم… 78
ربما كان أوضح مثل لآثار خفض التكلفة المترتبة على النشاط الابتكاري لصانعي السلع الإنتاجية متوافر في الزراعة . وكما أشار غالبريث ” فإنه لن يوجد سوى تطور فني قليل وتقدم زراعي محدود لو لم توجد البحوث المعانة من الحكومة تكملها بحوث الشركات التي تصمم المنتجات وتبيعها للمزارع”.
باختصار ، فإن منتجي السلع الإنتاجية يحققون أرباحاً أزيد بمساعدة الآخرين على تحقيق أرباح أزيد ، إن العملية تدعم نفسها ذاتياً وتراكمية، وهي تساعد كثيراً في تفسير التقدم السريع غير العادي لتكنولوجيا وإنتاجية العمل مما يميز الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري المتقدم.”
إن قواعد التكلفة التي يفرضها الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري على أقسامه لا تقل شدة عن قواعد سلفه التنافسي، بالإضافة لذلك فإنه يولد دوافع جديدة وقوية للاحتكار . لذلك لا يمكن أن يوجد أي شك حول الاتجاه النزولي لتكاليف الإنتاج في ظل الرأسمالية الاحتكارية .
يحقق النظام الرأسمالي الاحتكاري زيادة في فائض الإنتاج عبر الآليات التالية:
1- التسعير الاحتكاري
2- ميل تكاليف الإنتاج للانخفاض
3- التقدم السريع والمتواصل في التكنولوجيا وإنتاجية العمل
4- إعانات الدولة الرأسمالية الاحتكارية (الدولة الإمبريالية) للبحوث الزراعية والصناعية وإعانات تسهيل اندماج الشركات القومية في الصناعات الرائدة (شيبات الذاكرة ) بهدف زيادة حصة الشركة “القومية ” في السوق الدولية.
قد يبدو هذا من ناحية الشكل حجة في مصلحة الرأسمالية الاحتكارية ، إذ تبدو على هذا الشكل نظاماً رشيداً أو تقدمياً. ولو أمكن فصل اتجاهها لخفض التكلفة عن التسعير الاحتكاري على نحو ما ، وإيجاد وسيلة لاستخدام ثمار الإنتاجية المتزايدة لمصلحة المجتمع ككل ، لأصبحت هذه الحجة قوية فعلاً. ولكن هذا بالضبط ما لا يمكن تحقيقه. إن الحافز الكلي لخفض التكلفة هو زيادة الأرباح ، ويمكن تركيب الأسواق الاحتكاري الشركات من الحصول على نصيب الأسد في ثمار الإنتاجية المتزايدة على شكل أرباح أعلى. وهذا يعني أن التكاليف المتناقصة في ظل الرأسمالية الاحتكارية تنطوي على توسيع حدود الربح باستمرار. بدوره ينطوي توسيع حدود الربح باستمرار على أرباح إجمالية تزيد ليس فقط بصفة مطلقة وإنما كحصة من الناتج القومي أيضاً. وإذا افترضنا مؤقتاً ، أن الأرباح الإجمالية تعادل الفائض الاقتصادي في المجتمع لأمكن أن نقرر كقانون للرأسمالية الاحتكارية : أن الفائض يميل للارتفاع من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي معاً كلما تطور النظام.
الواقع أن الأرباح المسجلة بالإحصائيات تقصر عن أن تشمل الفائض الاقتصادي كله . فالفائدة والريع شكلان للفائض أيضاً، وكما سنرى ، فإن أشكالاً أخرى لا تزال تتخذ أهمية حاسمة في ظل الرأسمالية الاحتكارية . وحتى الآن استخدمنا ،مع ذلك ، تعبير الأرباح ليعطي ببساطة الفرق بين دخل المبيعات وتكاليف الإنتاج.
.. يستدعي هذا القانون فوراً المقارنة مع القانون الماركسي التقليدي الخاص بالاتجاه النزولي لمعدل الربح. ويمكننا القول – دون الدخول في تحليل الصيغ المختلفة التي يتخذها هذا الاتجاه (القانون) بأن هذه الصيغ جميعاً تفترض مقدماً وجود نظام رأسمالي تنافسيّ.
ونحن لا نرفض أن نراجع نظرية في الاقتصاد السياسي أضفى عليها القدم مهابة ، بإحلال قانون الفائض المتزايد محل قانون معدل الربح الهابط. وإنما ندخل في الاعتبار ببساطة الحقيقة الثابتة وهي أن هيكل الاقتصاد الرأسمالي قد اعتراه تغيير أساسي منذ وضع تلك النظرية . إن المسائل الجوهرية للغاية المتعلقة بالتغيير الهيكلي من رأسمالية تنافسية إلى احتكارية تجد تفسيرها النظري في هذا الاستبدال.” 80
يعترض كالدور على نظرية الفائض الاقتصادي التي يصفها كالتالي: ” قد يدلل الاقتصاديون الماركسيون على أنه يمكن توقع الزيادة المنتظمة ليس فقط لإنتاجية العمل وإنما أيضاً لدرجة تركيز الإنتاج وذلك مع تقدم الرأسمالية . ويسبب هذا ضعفاً مستمراً لقوى المنافسة مما ينتج عنه استمرار حصة الربح بالارتفاع بحيث تتجاوز النقطة التي تغطي احتياجات الاستثمار والاستهلاك للرأسماليين ويترتب على هذه الحجة أن يتوقف النظام عن القدرة على توليد قوة شرائية كافية لكي تمضي ميكانيكية التنمية في العمل ” . وهذا بالضبط ما حصل في المضاربات المالية الهائلة وهي رؤوس الأموال الفائضة عن الاستثمار والاستهلاك الرأسماليين وهي التي أدت إلى انهيار مئات البنوك الاستثمارية وبنوك الرهن العقاري ودللت الأسعار العالية المضاربة على ضعف وتراجع في القدرة الشرائية وانحطاطها ، حتى لدى العائلات الأميركية المتوسطة.
هناك اعتراض أخير على نظرية الفائض الاقتصادي المتزايدة في ظل الرأسمالية الاحتكارية ، يمكن تناوله بإيجاز كبير ، ونعني به أن اتحادات العمال أصبحت الآن قوية بدرجة كافية حتى تستخلص لأعضائها زيادات من الأرباح الناجمة عن المزج بين التكاليف المتناقصة والتسعير الاحتكاري ..” 84
من المحقق أن الاتحادات العمالية تلعب دوراً هاماً في تقرير الأجور النقدية ، وأن العمال في الصناعات الأقوى تنظيماً يحققون لأنفسهم بوجه عام مكاسب أكبر من العمال في فروع الاقتصاد الأضعف تنظيماً. هذا لا يعني أن الطبقة العاملة ككل في وضع يمكنها من التعدي على الفائض أو حتى الاستيلاء على زيادات الفائض التي تفيد، لو تحققت ، الطبقة الرأسمالية بالمقارنة بالطبقة العاملة. والسبب هو أن أرباب الأعمال في ظل الرأسمالية الاحتكارية يمكنهم تعويض تكاليف أعلى للعمل ويعوضونها فعلاً على شكل أسعار أعلى . .. لقد استطاعوا في حالات عديدة خلال السنوات الأخيرة إدماج زيادات الأجور في سياساتهم السعرية الاحتكارية على نحو يرمي إلى تحقيق مقاربة أسرع وأوثق من السعر الاحتكاري النظري أكثر مما كان ذلك ممكناً بطريقة أخرى.” 84
وسواء أكانت الشركات المساهمة الاحتكارية قد اعتادت استخدام زيادات الأجور كذريعة لزيادة حدود الربح أم لا، فإنها بلا جدال تملك السلطة لمنع زيادات الأجور من خفض تلك الحدود . وكما أوضح ليفنسون ببراعة ، فإنه”بينما القوة الاقتصادية الجماعية قد تكون فعالة في رفع قيمة العمل (الأجور) ، فإن احتمالات إعادة التوزيع من واقع الأرباح تكون ضئيلة جداً طالما ظل الرأسماليون أحراراً في تحديد أسعارهم وأساليبهم الفنية والعمالة بقصد حماية وضعهم من ناحية الربح” 85
III- كتاب هاري ماجدوف: “عصر الإمبريالية” ترجمة د. عبد الكريم أحمد ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق 1971
العنوان الأصلي للكتاب: The Age of Imperialism
Harry Magdoff, Monthly Review Press
يتكون الكتاب من :
1- مقدمة
2- الإمبريالية الجديدة
3- الشبكة المالية
4- المساعدات والتجارة
5- الإمبراطورية الأميركية واقتصاد الولايات المتحدة
6- ملاحق
الفصل الثاني: الإمبريالية الجديدة
ويتكون من :
“من النقاط الأساسية في نظرية لينين عن الإمبريالية؛ تحديد وضع الإمبريالية باعتبارها مرحلة خاصة في نمو الرأسمالية ظهرت قرابة نهاية القرن التاسع عشر” ص 33
وتتلخص هذه المرحلة كالتالي:
1- نشأة المشروعات الكبرى في ميدان الأعمال
عجلت في نشأة هذه المشروعات تركز القوة الاقتصادية والمالية إلى درجة كافية ، والثورة الصناعية الثانية ، والتي شكلت جزءً لا يتجزأ من عملية التحول من الرأسمالية التي تسود فيها الوحدات الصغيرة المبعثرة و المتنافسة فيما بينها ، إلى الرأسمالية التي سيطرت على المسرح الصناعي والمالي فيها تكتلات كبرى للقوة الاقتصادية . ونستطيع أن نتبين مدى تأثير هذه التطورات التكنولوجية التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر في التعجيل بفاعلية الاتجاهات الاحتكارية عندما نفحص المندمجات العملاقة القائمة في الوقت الحاضر” 38 .. فالصناعات الكبرى .. صارت مشروعات ضخمة ومركزة رأسياً” 40
2- الزحف الجديد نحو المواد الأولية
.. فالصناعة قد خرجت الآن إلى العالم بحثاً عن المواد الأساسية التي بدونها، في أشكالها الجديدة لا بقاء لها… اتسع نطاق إنتاج المواد الأولية من أمريكا الشمالية ، رومانيا وروسيا إلى الأراضي الاستوائية وما وراءها ، إلى أستراليا وأفريقيا الجنوبية وتحللت المناطق التجارية والخطوط التجارية التي كانت مكتفية بذاتها من قبل في شبكة واحدة على نطاق العالم” 42
3- الإمبراطورية والإمبريالية الجديدة
.. لم ينجو ركن في العالم من تأثير هذا الاندفاع الإمبريالي الجديد: فالعالم بأكمله تحول وتكيف لحاجات الصناعة الجديدة المسيطرة في كل من الدول الصناعية ولمقتضيات التنافس بين هذه الدول تحت ضغط هذه الحاجات” 45
4- الإمبريالية والمستعمرات
إن نظام العلاقات الاقتصادية والسياسية المتشابكة الذي نشأ عن هذه الظواهر الجديدة تماماً أو قام ليخدمها أكتنف عصر الإمبريالية . ولم يحدث هذا التغيير الذي تحدثنا عنه فجأة فقد نما مباشرة من اتجاهات متأصلة الجذور في الاقتصاد الرأسمالي والسمة الرئيسية الجديدة هي تركيز القوة الاقتصادية في مندمجات ومؤسسات مالية عملاقة ، وما نجم عن ذلك من تدويل رأس المال.
إن النزوع إلى السيطرة جزء لا يتجزأ من سمات عالم الأعمال ، فهو عالم يزخر بالمخاطر . إذ أن المنافسة الداخلية والخارجية ، والتغييرات التكنولوجية السريعة ، والأزمات ، وغيرها كثيراً ما تهدد رأس المال المستثمر ذاته وليس معدل الربح فحسب، ومن ثم فإن رجال الأعمال يتطلعون باستمرار إلى الطرق التي يستطيعون بها السيطرة على البيئة بهدف التخلص من أكبر قدر ممكن من المخاطرة.” 45 ..
( أ ) وأول مقتضيات ضمان السلامة والسيطرة وأكثرها وضوحاً .. تأكيد السيطرة على أكبر قدر ممكن من مصادر المواد الأولية – حيثما وجدت هذه المواد الأولية ، بما في ذلك المصادر المحتملة.. والسيطرة على مصادر المواد الأولية إجراء وقائي ضد ضغط المنافسين وكذلك سلاح هجومي لوضع المنافسين غير المتكاملين في مكانهم . فملكية المواد الأولية والسيطرة عليها تعتبر ، كقاعدة عامة، من الشروط الأولية الجوهرية لقدرة أي مشروع كبير أو مجموعة من المشروعات الكبرى على الحد من المنافسة الجديدة والسيطرة على الإنتاج وعلى أسعار المنتجات المصنعة . فضلاً عن أن حجم المشروعات الكبرى المتكاملة رأسياً يتيح لها الموارد اللازمة لاكتشاف واستغلال مصادر جديدة في جميع أنحاء العالم.. إن تاريخ صناعة البترول هو طبعاً النموذج الكلاسيكي لهذا المبدأ، ولكنه ينطبق أيضاً على الألمنيوم والحديد والنحاس ومواد أخرى..” 46
(ب) إن نموذج معظم المشروعات الصناعية الناجحة يتضمن غزو الأسواق.
.. بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركي بأقل من عشر سنوات ، وتحديداً في عام 1871 كانت نسبة السلع المصنعة أكثر قليلاً من 7 % من صادرات الولايات المتحدة ، وفي عام 1890 ارتفعت النسبة إلى 12 % ، وفي 1900 وصلت إلى حوالي 19 % …وقد تمخض تعاقب نوبات الكساد التي حدثت ابتداء من 1873 إلى مطلع القرن العشرين عن استجابتين: داخلياً، موجة من التكتلات والجنوح إلى تكوين المشروعات الكبرى [الكساد والجنوح للتكتل والاندماج بين الشركات والبنوك] ؛ وخارجياً، النزوع إلى اقتناص أسواق التصدير؛ بما فيها أسواق من أوربا الصناعية” 47 .. والأسواق الخارجية مطلوبة بمساعدة الدولة وتأييدها لتوفير معدل النمو الذي لا بد منه لدعم الاستثمار الكبير لرأس المال واستغلال الفرص السوقية الجديدة. 48
(ج) والاستثمار في الخارج أسلوب فعال بصفة خاصة في تنمية الأسواق الخارجية والحافظة عليها .49
.. بيد أن هذا الأسلوب في التسرب إلى الأسواق الخارجية يصبح أكثر شيوعاً في عصر المندمجات العملاقة الذي يتميز بالزيادة في حدة التنافس بين الدول فدور الاستثمار الخارجي في اقتناص مصادر المواد الأولية واستغلالها واضح . بيد أن هناك ما هو أكثر حتى من ذلك : ضرورة الاستثمار الخارجي لمقاومة المنافسة ، أو الاستيلاء على الأسواق وغلقها في وجه الغير، في البلاد التي توجد فيها منافسة أيضاً بين المندمجات العملاقة. 49-50
من المألوف أن ينظر إلى المنافسة والاحتكار باعتبارهما نقيضين مباشرين. وهذا صحيح تماماً في تعريفات المعاجم [المدرسية] . بيد أن مصطلحي المنافسة والاحتكار في الكتابات الماركسية يستخدمان للتعبير عن مراحل مختلفة في المجتمع الرأسمالي [واحدة يهيمن عليها التنافس والثانية يهيمن عليها الاحتكار] . ولا يوجد في أي من المرحلتين منافسة بحتة أو احتكار بحت . بل الواقع أن جوهر نظرية الإمبريالية ذاته هو إدراك أن المنافسة توجد داخل المرحلة الاحتكارية .. وتكون في هذه الحالة بين عمالقة من نفس الصناعة (داخل الدولة الواحدة وخارجها ) وبين الصناعات المختلفة (بين الصلب والألمنيوم ومنتجات البلاستيك مثلاً) . هامش ص 49
( د) إن النزوع نحو انتهاز فرص الاستثمار الخارجي والسيطرة على الأسواق الخارجية يرفع مستوى النشاط السياسي في الشؤون الاقتصادية إلى صعيد جديد أكثر حدة .. 52
يقول ماجدوف: “والتبسيط المغالي فيه الذي يعتبر الإمبريالية والاستعمار شيئاً واحداً دون أي فرق لا يشبه نظرية لينين ولا واقع الحال، وبالمثل يخطئ من يفسر نظرية لينين بأن الإمبريالية في جوهرها ناشئة عن حاجة الدول المتقدمة إلى التخلص من فائض يخنقها بقاؤه داخلها، وأن هذا الفائض يتم التخلص منه عن طريق الاستثمار المنتج في المستعمرات ” 54
.. إن مرحلة الإمبريالية كما حاولنا أن نبين ، أكثر تعقيداً بكثير من أن تفسر بواسطة أية صيغة مبسطة . فالنزوع إلى اقتناء المستعمرات ليس اقتصادياً فحسب ، بل ينطوي على اعتبارات سياسية وعسكرية في عالم من الدول الإمبريالية المتنافسة.” 55
إن القيمة الخاصة لنظرية لينين في إلقاء الأضواء على جميع المؤثرات الرئيسية التي حركت العلاقات الاقتصادية الدولية . وهذه المؤثرات هي التي ترتبط بالطور الجديد للاحتكار وبالأساليب الجوهرية التي يتبعها الاحتكار لتحقيق السيطرة والسيادة على مصادر إمداداته وعلى الأسواق . وحقيقة أن هذه المؤثرات ما زالت هي العوامل الرئيسية حتى الآن تفسر لماذا تعتبر هذه النظرية لا تزال صالحة . ولكن الصور المختلفة التي تعمل هذه العوامل في إطارها تتكيف مع الظروف الجديدة التي تتطلب دراسة مستمرة.” 55
وبناء على متطلبات الدراسة المستمرة للظواهر والصور الجديدة للإمبريالية فقد ظهر كتاب هاري ماجد وف: “عصر الإمبريالية” موضوع عرضنا القائم. وألحقه بعد عشر سنوات بكتابه الآخر الهام : الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم ” وهو إكمال وتوسيع وتوضيح للكتاب الحالي ورد على النقّاد.
السمات الحديثة للإمبريالية
تتميز إمبريالية الوقت الحاضر بعدد من السمات الجديدة وهذه السمات، هي:
1- تحول موطن التركيز الرئيسي من التنافس على تقسيم العالم إلى الصراع ضد تقلصات النظام الإمبريالي.
2- الدور الجديد للولايات المتحدة كمنظم وقائد للنظام الإمبريالي العالمي
3- نشأة التكنولوجيا ذات الطابع الدولي
i- تعتبر الثورة الروسية المؤشر لبداية الطور الجديد. قبل الحرب العالمية الأولى كانت السمتان الرئيسيتان هما التوسع الإمبريالي ليغطي الدنيا كلها ، والصراعات بين الدول لإعادة توزيع (اقتسام) الأقاليم ومجالات النفوذ. ولكن بعد انتصار الثورة الروسية 1917 دخل عنصر جديد في هذا الصراع التنافسي : النزوع إلى إعادة السيطرة على هذا الجزء من العالم الذي انفلت من النظام الإمبريالي والحاجة إلى منع مناطق أخرى من الهرب من الشبكة الإمبريالية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أدى اتساع الجزء الاشتراكي من العالم وتحطيم القسم الأكبر من النظام الاستعماري إلى زيادة حدة النزوع إلى إنقاذ أكبر قدر ممكن من الشبكة الإمبريالية واستعادة الأقاليم التي فقدتها. وفي هذا الإطار يتخذ الغزو صوراً مختلفة حسب الظروف: عسكرية وسياسية واقتصادية .” 56
ii- وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كانت العمليات السياسية العسكرية داخل العالم الإمبريالي تتم بالأسلوب التقليدي القائم على تكوين الكتل المتحالفة : وكانت المصالح المتنافسة داخل كل كتلة تكبح مؤقتاً من أجل القيام بحملة هجوم أو دفاع مشترك ضد الكتلة الأخرى . وكان تأليف هذه الكتل يتغير مع الوقت وكذلك المزايا التكتيكية التي تشن من اجلها الحملات . ومنذ 1945 كانت الظاهرة الجديدة هي تولي الولايات المتحدة زعامة النظام الإمبريالي بأكمله. إذ أنه نتيجة لنضجها الاقتصادي وقوتها العسكرية من ناحية وللتدمير الذي أحاق بمنافسيها من ناحية أخرى صار لدى الولايات المتحدة القدرة والفرصة لتنظيم الشبكة الإمبريالية المعاصرة وقيادتها.. وقد سارت عملية تنظيم النظام الإمبريالي بعد الحرب عن طريق الوكالات التي أنشئت قرب نهاية الحرب : الأمم المتحدة، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي. وقد استطاعت الولايات المتحدة ، لأسباب مختلفة ، أن تمارس في كل منه دور الزعامة. وتم تدعيم هذا النظام عن طريق أنشطة هيئة التعمير والإغاثة ومشروع مارشال وبرامج المعونة الاقتصادية والعسكرية العديدة التي تمولها واشنطون وتسيطر عليها. 57
iii- أن التكنولوجيا الجديدة ، التي دفعتها الحرب العالمية الثانية إلى الأمام دفعة قوية ، ذات نطاق عالمي أكثر بكثير من التكنولوجيا القديمة، ومن ثم فإن لها دلالات خاصة بالنسبة لسير العمليات الإمبريالية الجارية وفي المستقبل. وأوضح جانب لهذا النطاق هو تكنولوجيا الفضاء . فذلك العدد الكبير من محطات “الفضاء” حول الكرة الأرضية التي يديرها الفنيون الأميركيون هو أحد سمات الموقف الدولي . وكذلك يعتبر الدور الرائد للأقمار الصناعية الأميركية كوسيلة للاتصالات إحدى هذه السمات [وشبكة الإنترنت والربط الإلكتروني الدولي] . فلم تعد “لايف” و “ريدرزدايجست” و “تايم” وأفلام هوليود ومطبوعات جهاز الاستعلامات الأميركي فقط في متناول الجميع ، بل أن برامج التلفزيون الأميركية أيضاً صارت من الممكن رؤيتها فوراً: جميع الوسائل النافعة في تحقيق الوحدة “الثقافية” التي تعكس قيادة الولايات المتحدة للنظام الإمبريالي . وجاء مع هذا أيضاً ترتيب قانوني دولي جديد ، كما أشار وزير الخارجية راسك : “ولنشرع في بناء نظام واحد في العالم كله للاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية أنشأنا مؤسسة دولية جديدة تسهم المندمجات الأميركية في ملكيتها بنصيب مع 45 حكومة” 62
بالإضافة إلى ذلك ، فإن لتكنولوجيا الطاقة الذرية والعقول الإلكترونية سمات دولية خاصة . فالاستثمارات الضخمة في البحوث والتنمية التي تتطلبها هذه الصناعات تتيح ميزة خاصة للمندمجات التي تبلغ من كبر الحجم درجة توفر لها العمل على نطاق دولي .. ينبغي أن نلاحظ التزاوج السعيد بين التكنولوجيا الجديدة والمندمجات الدولية:
A – أن الولايات المتحدة لديها مؤسسات أعمال كبيرة إلى حد أنها تملك ، أو يمكن أن تحصل على رأس مال كاف للتنمية التكنولوجية الضرورية بحيث تستطيع أن تسيطر على الميدان في البلاد الأخرى.
B – لتحظى المؤسسات الأميركية بسند في هذه الزعامة التكنولوجية من المنح الحكومية الضخمة المخصصة للبحوث والتنمية.
C- اكتسبت هذه المؤسسات تجربة في العمليات على النطاق الدولي ، إما لحسابها الخاص أو بالتعاون مع حكومة الولايات المتحدة في العمليات التي تقوم بها الحكومة لتوسيع نطاق أنشطتها العسكرية والمساعدات الخارجية المتنوعة حول العالم.
D – نشأ مع المساعدة الحكومية السخية ، جهاز متكامل للبحوث العلمية والتنمية الفنية في المندمجات الكبرى . وكان من نتائج هذا الجهاز أن قلت إلى حد كبير المدة بين الاكتشافات العلمية والتطبيق العملي بإنتاج سلع جديدة . وهكذا صارت للمندمجات الدولية ميزة عالمية على منافسيها الأصغر والأضعف.
E – أخيراً، جعلت الانجازات التكنولوجية في ميدان الطيران النفاث (والربط الإلكتروني الدولي) من الممكن عملياً التنسيق في إدارة هذه المندمجات على نطاق دولي.
iv- الطلب على المصادر الخارجية للمواد الأولية
أحد السمات المستمرة دون تراجع للإمبريالية حتى يومنا هذا اعتماد المندمجات العملاقة على موارد خارجية للمواد الأولية في سبيل تحقيق مركز احتكاري وزيادة حجم أرباحها. والجديد في إمبريالية اليوم (الإمبريالية الجديدة) أن الولايات المتحدة صارت من الدول التي “لا تملك” فيما يتصل بعدد كبير من المعادن النادرة والعادية… فالعامل الحاسم ليس هو حاجات المستهلك أو حاجة المجتمع ، بل هي السيطرة التي تريدها دوائر الأعمال لتوجيه الإنتاج العالمي والأسعار بما يحقق أرباحاً أكثر.. وفي حين تؤدي أنماط السلوك الاحتكارية إلى اندفاع شديد نحو المصادر الخارجية للمواد، فإن تحول الولايات المتحدة من دولة “تملك” إلى دولة “لا تملك” نجم عنه زيادة حدة النزوع إلى اقتناء الموارد الخارجية والسيطرة عليها.” 65
.. إن هذا التحول في مركز الولايات المتحدة من الاكتفاء الذاتي النسبي إلى مركز الاعتماد المتزايد على الموارد الأجنبية يمثل أحد التغييرات الاقتصادية الملحوظة في عصرنا. وكانت بداية الحرب العالمية الثانية نقطة التحول الرئيسية في هذا التغيير.
وفيما يتصل بالنمو الاقتصادي الأميركي على المدى الطويل ، وكذلك فيما يتصل بالدفاع القومي ، يمثل هذا التحول للولايات المتحدة من مركز المصدر للمعادن والموارد المعدنية إلى مركز المستورد عاملاً بالغ الدلالة في وضع السياسة الاقتصادية الخارجية .
v- المواد الإستراتيجية
تشكل مصادر المواد الأولية أحد عناصر السياسة الخارجية ، لا على أساس ما يتعلق بالاحتياجات المباشرة للولايات المتحدة فحسب ، بل كذلك على أساس أنه مما يهم الولايات المتحدة ومن مسؤولياتها بوصفها زعيمة “العالم الحر” ، أن تؤمن حصول بلاد غرب أوربا واليابان على المواد الأولية.
.. إنه من الجلي أن للولايات المتحدة مصلحة قومية كبرى في تكوين ائتلاف للعالم الحر يضم الدول الصناعية في غرب أوربا واليابان مع المناطق المتخلفة في آسيا والشرق الأوسط بقدر كاف من التناسق والوحدة. 77
Vi – الولايات المتحدة كأكبر مصدر للرأسمال
جاء ،مع التغيرات السياسية والعسكرية بعد الحرب العالمية الثانية ، عندما تولت الولايات المتحدة دور الزعامة بلا منازع للرأسمالية العالمية ، جاء التفوق الحاسم للولايات المتحدة كمصدرة لرأس المال. وفي حين أسهمت الحاجة الملحة إلى تنمية مصادر المواد الأولية الأجنبية في دفع عجلة تصدير رأس المال بعد الحرب ، أضاف التزايد السريع للاستثمار في المشروعات الصناعية الأجنبية (خاصة في البلدان المتطور؛ أوربا الغربية وكندا ) بعداً جديداً لتدويل رأس المال.
.. إن أبرز التغيرات الملحوظة طوال السنوات السبعين الماضية تقريباً هو ما حدث من تبادل المراكز بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (بريطانيا). فقد هبط نصيب بريطانيا في التجارة العالمية المصنعة من 23 % إلى 12 % ، في حين زاد نصيب الولايات المتحدة من 12 إلى 21 % ص 78
.. ومما هو جدير بالملاحظة بصفة خاصة أن مبيعات المشروعات الخارجية التابعة لشركات أميركية أم في جميع الصناعات قد صارت عام 1965 أكثر من الصادرات من السلع المصنوعة في الولايات المتحدة ذاتها. وأكثر من ذلك ، كانت الزيادة خلال هذه السنوات في حالة المشروعات الخارجية التابعة أكثر منها في الصادرات. فالمبيعات في مجموع الصناعات ارتفعت بالنسبة للمشروعات الخارجية التابعة بمقدار 140 % في حين لم ترتفع الصادرات من الولايات المتحدة إلا 55 % . ص 82 .. وتسهم المبيعات من المشروعات الصناعية في الخارج في غزو الأسواق الخارجية بنصيب مزدوج: فهي لا تستولي على نصيب في سوق البلد الذي يوجد فيه المشروع التابع فحسب، ولكنها تدخل أيضاً في مسالك التجارة الخارجية للدول المتنافسة (أي تصدر من البلد الذي يعمل فيه فرع الشركة الأميركية إلى بلدان أخرى)
وهكذا فإن المصانع التابعة للولايات المتحدة الموجودة في أوربا تبيع 77 % فقط من إنتاجها في الأسواق المحلية الأوربية ، وتمثل الصادرات إلى البلدان الأخرى 22 % من المبيعات. ويلاحظ أن نسبة الصادرات في البلدان المتخلفة صغيرة نسبياً (أمريكا اللاتينية وغيرها) .83
إن الاستثمار المباشر للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي يلعب دوراً مذهلاً. فطبقاً لما يؤكده المجلس الأميركي لغرفة التجارة الدولية يتجاوز مجموع قيمة إنتاج لشركات الأميركية في الخارج كثيراً عن 100 بليون دولار في العام. أي أنه على أساس مجموع الإنتاج تعتبر المشروعات الأميركية في الخارج ثالث اقتصاد في العالم إذا صح أن نستخدم هذا المصطلح… وبطبيعة الحال تعتبر هذه المشروعات من كبار مستهلكي المواد الأولية والعناصر الأخرى المحلية التي تتكون منها المصنوعات.”
.. وفيما يتعلق بالإنتاج الصناعي تتركز العمليات الخارجية أساساً في كندا وأوربا (34.8 % في كندا ، 40.3 % في أوربا عام 1966 من مجموع الاستثمارات الأميركية الخارجية الصناعية) .. ومنذ الحرب العالمية الثانية ، وفي بيئة يؤثر فيها مشروع مارشال (تعمير أوربا واليابان من قبل أمريكا ابتداء من 1947 )، وحلف شمال الأطلسي ، كان الاتجاه الرئيسي هو تدفق رأس المال الأمريكي المستثمر في الإنتاج الصناعي إلى أوربا” 85 .. بيد أن الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يعمل على غزو هذه الأسواق.. . فالبيوت الإنكليزية تستثمر في فرنسا وألمانيا . وبلجيكا تستثمر في فرنسا وألمانيا وإنكلترا، غير أنه من الجلي أن مركز الولايات المتحدة كمستثمر خارجي في أوربا متفوق على الجميع
.. تظهر الأرقام التي يوردها ماجدوف مدى الترابط بين الاتجاهات الاحتكارية وتدفق الاستثمارات على أوربا: في أكبر ثلاثة أسواق أوربية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) تملك ثلاث مندمجات أمريكية- هي أسو، جنرال موترز، وفورد- 40 % من الاستثمارات الأمريكية المباشرة.” 88
باختصار فإن تدويل رأس المال بين البيوت العملاقة بلغ اليوم مستوى أكثر ارتفاعاً بكثير مما كان عليه منذ خمسين عاماً عندما كتب لينين مؤلفه عن الإمبريالية. 88
فهرست تفصيلي لباقي الفصول
عرض الفصل الثالث : الشبكة المالية
عناوين فرعية:
1- الجهاز المصرفي الأميركي يتخذ الطابع الدولي
إن أكبر مناطق نمو النشاط المصرفي الأميركي اليوم ليست في الولايات المتحدة ولكن خارجها- كما يخلق التوسع في الخارج أيضاً أول شبكة مصرفية دولية حقيقية. وهذا التطور في النشاط المصرفي هو التكملة المناسبة للدور الجديد للولايات المتحدة كقائد للنظام الإمبريالي ومنظمة له” 91
.. من الطبيعي ، والدولار يحتل المركز الرئيسي كعملة دولية والولايات المتحدة تحتل المركز الأول كمصدرة ومستوردة للسلع والخدمات ورأس المال، أن تسارع مصارف الولايات المتحدة إلى القيام بذات الدور النسبي في المالية الدولية الذي كانت تقوم به المؤسسات البريطانية الكبرى في القرن التاسع عشر” 94 .. فالحربين العالميتين .. اكتسحت العقبات التي كانت تعرقل هذا التطور..”96
2- فروع المصارف تهيمن على سوق العالم الرأسمالي
تدخل مصارف الولايات المتحدة الأسواق الخارجية بثلاث طرق:
a- باستخدام المصارف الأجنبية كوكلاء لها.
b- بإنشاء فروع تقوم بكل العمليات المصرفية كما تفعل في الولايات المتحدة . ومثل هذا النشاط يتم في ظل القوانين المصرفية السائدة في البلد المضيف.
c- بإنشاء مندمجات فرعية . وتقوم هذه المندمجات بشراء حصص في البنوك الأجنبية . وتنشئ مصارفاً وشركات مالية في الخارج، وتستثمر في أنواع مختلفة من الأعمال غير المصرفية أيضاً.
وفي ذات الوقت الذي تنتشر فيه المصارف الأميركية في البلاد المتخلفة ، وبخاصة أمريكا اللاتينية التي يوجد فيها حوالي نصف الفروع الخارجية تقريباً، يكتسب نفوذها في البلاد الصناعية مركزاً استراتيجياً بصورة متزايدة وقد لاحظت مجلة “فورشن” أنه قد “صار من العبارات المألوفة في الدوائر المصرفية هو أن : المصارف الأوربية الحقيقية في أيامنا أمريكية” 105
3- التوسع الخارجي عن طريق التوابع المصرفية
.. والأداة النشطة الأخرى التي تستخدمها المصارف الأمريكية للتوغل في شرايين المالية الدولية هي الشركة المندمجة التابعة..
وضعت وعدلت قوانين تسهل هذا الأمر منها: قانون الاحتياطي الفيدرالي في عهد الرئيس ويلسون، وتعديل 1919 لقانون الاحتياطي الفيدرالي المعروف باسم “قانون الحافة” . والواقع أن هذه المراسيم التشريعية سمحت للمصارف الأمريكية بإنشاء مندمجات تابعة
( أ) لتسهيل إنشاء الفروع في البلاد التي لا تسمح قوانينها بالفروع المصرفية
(ب) لتتيح للمصارف أن تعمل على نطاق أوسع للأنشطة المالية والاستثمارية في الخارج. وقد سمح لهذه المندمجات التابعة بأن تتجاوز الأنشطة المالية العادية التي تقوم بها المصارف المحلية ، بما في ذلك الاستثمار المباشر في عمليات غير مالية – مثل الصناعة والتعدين والتجارة – التي لا يسمح للمصارف في الولايات المتحدة بالقيام بها. ص 108
يمكن تقسيم العمليات العديدة التي تقوم بها هذه المندمجات التابعة إلى ثلاث فئات:
الأولى: أنشئت شركات مصرفية ومالية في كندا وسبع بلاد أوربية و8 بلاد في أمريكا اللاتينية وبلدين أفريقيين . وتقوم هذه الشركات بدورها بأنشطة استثمارية متنوعة ، بالتعاون مع بعض المصارف المحلية في كثير من الحالات ومع المصرفيين الدوليين الآخرين، وأحياناً مع حكومة الولايات المتحدة.
الثانية: تستخدم المندمجات التابعة في شراء حصص صغيرة أو كبيرة (مسيطرة) في المصارف في الخارج.
ثالثاً: تستخدم المندمجات التابعة (للشركة الأم) في الحصول على ملكية مجموعة كبيرة متنوعة من المشروعات الصناعية ومشروعات الخدمات في الخارج ، وبخاصة في البلاد المتخلفة .111
وإلى الآن كنا نصف جانباً واحداً من جوانب تدويل المالية الأميركية – وهو يتعلق ببناء شبكة من الفروع والمندمجات التابعة للاستثمار في الخارج . ولكن ينبغي أن نتذكر أن ذلك لا يمثل سوى جانب واحد من عملية التدويل – وهي عملية تتجسد في انتقال السوق المركزي الدولي لرأس المال من أوربا إلى الولايات المتحدة وصعود الدولار إلى مركز العملة العالمية الرئيسية. ص112
4- الدولار كعملة عالمية: نيويورك مصرف العالم.
5- تكتلات العملة كأدوات للهيمنة
.. إن الاستخدامات التي يمكن أن تستعمل فيها هذه الترتيبات النقدية تصبح واضحة تماماً عندما نفحص استخدامها كوسائل للهيمنة من جانب العواصم الكبرى على مستعمراتها أو في أوقات الأزمة الاقتصادية.124 .. وقد صارت احتمالات الهيمنة التي ينطوي عليها استخدام عملة بذاتها أكثر وضوحاً أثناء الحرب العالمية الثانية.(اتفاقات الدفع من قبل المتعاملين والذين هم ضمن منطقة النفوذ) 125
6- طريقة خفض قيمة العملة
7- صور متباينة في عمليات خفض قيمة العملة
8- المراكز المالية تخلق نقدها الخاص
9- مالية الولايات المتحدة
إن أوسع استخدام لا مثيل له للقوة المالية بغرض الهيمنة على الأجزاء الأخرى من العالم هو ذلك الذي تمارسه الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية . ففي كل عام منذ 1950 باستثناء سنة واحدة إبان أزمة قناة السويس، كان ميزان مدفوعات الولايات المتحدة في حالة عجز. وهناك ثلاث نقاط يجب فهمها تماماً وبوضوح فيما يتصل بهذا العجز المستمر:
النقطة الأولى: إن العجز حدث واستمر فقط كجزء لا يتجزأ من دور الولايات المتحدة بوصفها المنظم والقائد للنظام الإمبريالي … إن العجز يستخدم في تمويل :
* النفقات العسكرية (ما ينجم عنها من تحويل دولارات إلى الخارج فقط وليس جميع النفقات)
* مساعدات عسكرية ومعونات اقتصادية : الأدوات التي تستخدم لكي تمارس الولايات المتحدة هيمنتها على الدول الأخرى
* استثمارات دوائر الصناعة والمالية الأميركية في البلاد الأجنبية
النقطة الثانية: ويتم تمويل العجز بزيادة كمية الدولارات الأمريكية عن طريق الائتمان الذي تخلقه الحكومة والمصارف .. إن صكوك مديونية الحكومة الأميركية وسندات الخزينة الأميركية تقبل كنقود… ففي ظل نظام العملة الاحتياطية ، عندما يعمل بطريقة سليمة ، يكون المستفيد الأول من أية زيادة في المقدار المتاح من النقد الدولي هو بوضوح العملة الاحتياطية ذاتها.
النقطة الثالثة: تستطيع الولايات المتحدة تمويل ما تتعرض له من عجز لأنها مصرف العالم.. وبقية العالم الرأسمالي على استعداد (مع بعض التردد أحياناً) لقبول الدولار كأصول احتياطية.
فقد أعلن مستر ديلون: “إننا نتمتع بميزة حقيقية تماماً عندما يسمح لنا بتمويل ما يلحق بميزاننا من عجز بواسطة زيادة كمية الدولارات التي تقتنى في الخارج. فإذا لم نكن عملة احتياطية ، وإذا لم نكن مصرف العالم، لما أمكن حدوث ذلك. “147 فضلاً عن ذلك أن الاستقرار السياسي والمقدرة الاقتصادية والعسكرية الضخمة للولايات المتحدة ساعدت أيضاً على زيادة الرغبة في الاحتفاظ بالتوازنات هنا أكثر من أي بلد آخر في العالم. ص 148
يقول ماجدوف: يدرك مستر روسا .. الدلالات الثورية .. لأي خروج جذري على النظام النقدي الدولي الحالي” 151
الفصل الرابع : المساعدات والتجارة
عناوين فرعية
1- النفقات العسكرية و “السلام الأمريكي”
2- المساعدات الأجنبية: أداة سيطرة
إن المساعدات الاقتصادية والعسكرية مثل العنصرين الآخرين الرئيسيين في عجز ميزان المدفوعات ، يقصد بها خدمة أهداف السيطرة. وكما قال الرئيس جون ف. كيندي: “إن المساعدات الخارجية هي أسلوب تحافظ بواسطته الولايات المتحدة على مركز النفوذ والهيمنة في أنحاء العالم ، وتدعم عدداً كبيراً من البلاد التي كان لابد أن تنهار أو تنتقل إلى الكتلة الشيوعية” 161
3- تنفيذ السياسات الأمريكية العسكرية والسياسية
4- المساعدات الاقتصادية من أجل سياسة الباب المفتوح
.. إن القسم الأكبر من المساعدات حتى الاقتصادية منها .. يقصد به في نهاية الأمر إما أغراض عسكرية أو أغراض سياسية مباشرة.” 171 .. وقد لخص الاتجاه الرئيسي بوضوح لسياسة الباب المفتوح تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جاء فيه : “إن أهم سبب هو أن الدول التي عقدت العزم على التنمية، تكون المشاركة في هذه العملية هي السبيل الوحيد الذي يتيح لنا فرصة توجيه هذا التنمية على أفضل أسس تخدم مصالحنا ” 174
5- المساعدات الخارجية ودوائر الأعمال الأمريكية
في حين تغطي المساعدات الخارجية مجموعة متنوعة من النشاطات الحكومية وتستخدم كأداة للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في العالم المتخلف ، تحصل دوائر الأعمال على فوائد مباشرة ، فورية وعلى المدى البعيد، من هذا النشاط.. 181
6- المساعدات الخارجية: “رسالة إمبريالية” للرجل الأبيض
7- السيطرة عن طريق صندوق النقد الدولي
8- المساعدات والمديونية
التبعية الاقتصادية من جانب البلاد المتخلفة بوصفها موردة للطعام والمواد الأولية للبلاد المتقدمة تنجم عنها تبعية مالية أيضاً . وتعمل هذه التبعية المالية بدورها على تعزيز التبعية الاقتصادية. وتسير هذه العملية عادة على الخطوط التالية : أن تقلبات الطلب على المنتجات الأولية ، ومن ثم تقلب أسعارها عند تصديرها من البلاد المتخلفة ، يخلق عجزاً متكرراً في ميزانها. ويمول هذا العجز بالاقتراض من الدول الدائنة . ويتطلب رد الدين ، دفع الأقساط والفوائد ، أن يخصص قسم من الصادرات في المستقبل لهذه القروض بدلاً من شراء الواردات التي تدعو إليها الحاجة. ومن ثم يبدأ الإقراض من جديد لسد ثمن الواردات العادية. وتصير دورة التبعية المالية الاقتصادية هذه أكثر حدة كلما حاول البلد المدين أن يتقدم بالأسلوب الرأسمالي المألوف.” 214
تأخر نمو الصادرات في البلاد المتخلفة والقيود على الصادرات من قبل الدول المتقدمة صناعياً ص223، 227 ولكي يتقدم بلد متخلف بالفعل عليه أن ينجز ذلك بأسلوب مختلف عن الأسلوب الرأسمالي ؛ أن يتقدم بالأسلوب الاشتراكي الماركسي. نقتطف أخيراً من كتاب ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم: “الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً… فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم” ص 140
فهرست لدراسة المؤلفات الاقتصادية/السياسية المترجمة إلى العربية بعد الحرب العالمية الثانية ، والتي تعالج موضوع الإمبريالية الجديدة و التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي وقضايا التخلف.
1- ج. م. ألبرتيني “لفهم الاقتصاد العالمي ، ترجمة د. مصطفى عدنان السيوطي مراجعة عيسى عصفور منشورات وزارة الثقافة 1986 ” فصل : الازدهار الكبير 1945-1975
2-توماس سنتش : الاقتصاد السياسي للتخلف” ترجمة فالح عبد الجبار 1978 المجلد 2 ، القسم الأول : أسباب التخلف وخصائصه
3- بول باران الاقتصاد السياسي للتنمية ” ، ترجمة أحمد فؤاد بلبع مراجعة الدكتور حامد ربيع ط2 1971 الفصل الثاني “مفهوم الفائض الاقتصادي” ص76 مع تصفح الفصل الأخير : الارتقاء الصعب.
4- بول باران وبول سويزي : رأس المال الاحتكاري بحث في النظام الاقتصادي والاجتماعي الأميركي ترجمة حسين فهمي مصطفى مراجعة دكتور إبراهيم سعد الدين الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971 الفصل الثالث: اتجاه الفائض للارتفاع ص 61 مع تعداد أشكال امتصاص الفائض
5-هاري ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم ترجمة مؤسسة الأبحاث العربية 1981
المحتويات: تعريف بالكاتب- تقديم للطبعة العربية- المقدمة ملاحظة فنية.
التاريخ: التوسع الأوربي منذ 1763 – التوسع الإمبريالي بين المصادفة والتصميم – الإمبريالية : مسح تاريخي.
النظرية والعالم الثالث: الإمبريالية من دون مستعمرات- الخرافات الاقتصادية والإمبريالية- الشركة متعددة الجنسيات والتنمية: هل يتناقضان- النزعة العسكرية والإمبريالية- تأثير السياسة الخارجية الأميركية على البلدان المتخلفة- رأس المال، التكنولوجيا، والتنمية.
الرد على النقاد: هل الإمبريالية ضرورية حقاً- كيف تعمل من القبّة حبّة.
من مؤلفاته المعروفة “عصر الإمبريالية”، وكتاب “ديناميات الرأسمالية الأميركية ونهاية الازدهار: الاقتصاد الأمريكي في السبعينات” وضعه بالاشتراك مع بول سويزي.
6- يوجين فارغا : القضايا الاقتصادية / السياسية للرأسمالية تعريب أحمد فؤاد بلبع دار الفارابي أيار 1975 . الفصول : قضايا رأسمالية الدولة الاحتكارية ص 65 الارستقراطية العمالية بع الحرب العالمية الثانية 15 ، تدفق رأس المال خلال تسوية معدل الربح 171 ، طاقة السوق الرأسمالية 197 ، والتغيرات في دورة تكرار الإنتاج في أعقاب الحرب العالمية الثانية 249
7- أوسكار لانغه: الاقتصاد السياسي ، القضايا العامة تقديم وتعريب الدكتور محمد سلمان حسن، ط1 1967 ط4 1982 تصفح عام
هاري ماجدوف: عصر الإمبريالية ، الفصول 2 : الإمبريالية الجديدة 31 ، الشبكة المالية ص 89 ، الإمبراطورية الأميركية واقتصاد الولايات المتحدة 241
8- بيير جاليه : الامبريالية عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص دار الحقيقة 1970 الفصل العاشر تناقضات الامبرياليين واندماجهم ، الامبريالية الأميركية، الفصل الحادي عشر التناقض الرئيسي، والفصل الأول عودة إلى المصادر.
9- ارنست ماندل : النظرية الاقتصادية الماركسية الجزء الثاني ترجمة جورج طرابيشي دار الحقيقة بيروت الفصل الثالث عشر: الإمبريالية ، 119 الفصل الرابع عشر عصر أفول الرأسمالية ص 180 ملحق: ذروة الرأسمالية الجديدة ومستقبلها 262 الفصل الحادي عشر : الأزمات الدورية ص 5
10-ارنست ماندل: “الرد الاشتراكي على التحدي الأميركي ” ترجمة الدكتور نعيم الخوري دار دمشق من دون تاريخ
11- ميشيل تشوسودوفسكي : “عولمة الفقر” ترجمة محمد مستجير مصطفى دار سطور 1998
12- ما العولمة: الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم . تأليف بول هيرست ، جراهام تومسون. ترجمة فالح عبد الجبار . عالم المعرفة عدد سبتمبر 2001 رقم 273 . جاء في بداية الكتاب:
“إن من الحصافة بمكان أن ندرس النظام الاقتصادي العالمي من منظور تاريخي أطول . وأن نقر بأن التغيرات الحالية وإن كانت مهمة ومتميزة فإنها ليست بلا سابق ، كما أنها لا تنطوي بالضرورة على نقلة باتجاه نمط جديد من النظام الاقتصادي” المؤلفان.
“إن وجود الدولة القومية كمنبع لحكم القانون يؤلف شرطاً جوهرياً مسبقاً للضبط من خلال القانون الدولي كما أنها ، بوصفها سلطة عمومية نافذة ضرورية لبقاء التجمعات القومية (التعددية)” المؤلفان. يكتب ماندل: “أدت دوماً تقوية سلطة الدولة –دون أن تلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج- إلى تقوية قبضة أقدر جماعات الرأسمال الكبير.. ” الرد الاشتراكي على التحدي الأمريكي ص 154 .. وكلما ازدادت الشروط الاقتصادية سوءاً كلما ازدادت تدخلات الدولة والحكومة في الاقتصاد”.. ماندل مذكور 125
13- ميشيل تانزر: الاقتصاد السياسي للبترول العالمي . ترجمة جمال عون دار الحقيقة بيروت ، ط1 1974
14-شيريل بييار: البنك الدولي دراسة نقدية ” ترجمة أحمد فؤاد بلبع، تقديم: د. رمزي زكي. دار سينا ط1 1994
15- د. رمزي زكي : المحنة الآسيوية ؛ قصة صعود وهبوط دول المعجزات الآسيوية ” دار المدى للثقافة والنشر ط1 2000 . القسم الثاني يحلل أسباب وجذور الأزمة ودور المضاربات المالية ، وهو قسم هام بشكل لافت.
16-ف. بوليانسكي: “التأريخ الاقتصادي اعصر الإمبريالية” في جزأين. ترجمة عبد الإله النعيمي ، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ط1 1988
17- توماس سنتش: “نقد نظريات الاقتصاد العالمي، في جزأين .” ترجمة عبد الإله النعيمي مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية . ط1 1990
18- مايكل تانزر: التسابق على الموارد؛ الصراعات المستمرة على المعادن والمحروقات. ترجمة حسني زينة . مؤسسة الأبحاث العربية ط1 1981
19- ج. م. ألبرتيني: “التخلف والتنمية في العالم الثالث ” ترجمة ياسين الحافظ ط3 1980 دار الحقيقة بيروت.
20- د. سمير أمين: “التراكم على المستوى العالمي؛ نقد نظرية التخلف” ترجمة حسن قبيسي ، دار ابن خلدون ط2 1978
21- فرانسوا بيرو: “رأس المال المالي والإنتاج؛ وخلل توازن الاقتصاد العالمي ” ترجمة د. ناجي الدراوشة ، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1988
22- فرانسوا بيرو: “الضياع والمجتمع الصناعي” ترجمة د. ناجي الدراوشة منشورات وزارة الثقافة دمشق 1990
23- يوجين فارغا: “رأسمالية القرن العشرين” نقله إلى العربية صلاح مزهر ولطف الله مزهر، راجعه مأمون أبو الذهب، الناشر مؤسسة العلاقات الاقتصادية والقانونية ط1 1972
24- تأليف مجموعة من الاقتصاديين ، تحرير ديتر سنجهاز: “”الإمبريالية وإعادة الإنتاج التابع ترجمة ميشيل كيلو منشورات وزارة الثقافة دمشق 1986
نشير إلى أهمية دراسة كتاب لينين الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مبسط ، وكتاب بوخارين: الإمبريالية والاقتصاد العالمي. ترجمة رجاء أحمد مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية ط1 1990 وهو مؤلف من 15 فصلاً . وتوجد ترجمة مصرية لكتاب لينين بعنوان: “الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية ” ترجمة دكتور راشد البراوي، الطبعة الثالثة 1954 مكتبة النهضة المصرية . وواضح الخطأ في ترجمة العنوان لأن الإمبريالية غير الاستعمار. راجع الفصل الرابع من كتاب : ماجدوف: “الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم” وهو بعنوان : الإمبريالية من دون مستعمرات. ويقسم الفصل إلى المحاور التالية: 1- ضغط فائض رأس المال 2- معدل الربح المنخفض 3- الاحتكار والاستثمار الخارجي 4- الإمبريالية والأزمة 5- دور الحكومة ؛ تأملات في النظام السياسي 6- الإمبريالية بلا مستعمرات
25- جون كينيث غالبريث : الدولة الصناعية الحديثة” ترجمة يحي علي أديب مطبعة وزارة الثقافة دمشق 1972
26-: ديفد هارفي: “الإمبريالية الجديدة” – ترجمة: وليد شحادة إصدار: دار الحوار الثقافي2004، بيروت
27- الإمبريالية الجديدة : حمزة علوي و هاري ماجدوف ، ترجمة كمال أبو الحسن ، دار الطليعة بيروت 1970 . وهو عبارة عن مقالتين واحدة للكاتب الباكستاني المقيم في بريطانيا حمزة علوي وأخرى لـ ماجدوف الماركسي الأمريكي الشمالي هي الفصل الخامس و الأخير من كتابه “الإمبريالية” وهو تحت عنوان: “الإمبراطورية الأمريكية واقتصاد الولايات المتحدة”
28 – د. رمزي زكي: “الاقتصاد السياسي للبطالة(تحليل لأخطر مشكلات الرأسمالية المعاصرة) ” عالم المعرفة العدد 226 ت1 1997 .
من “الإمبريالية” إلى “العولمة”
محمد سيد رصاص
لم يعد يذكر مصطلح الامبريالية عند اليساريين العرب في مرحلة ما بعد الحقبة السوفييتية، فيما راج مفهوم العولمة في الفترة اللاحقة لذلك، وانضم لترداده الكثير من القوميين والإسلاميين.
كانا لمصطلح الأول مرتبطاً بالثنائية القطبية الموزعة بين واشنطن وموسكو، واستخدم لأغراض مفهومية تحليلية، ودعائية – تحريضية ضد الغرب، وخاصة مع نسب ارتباطه المعرفي الذي يعود إلى كتاب لينين “الإمبريالية” (1916).
لم يقدم مستخدموه العرب إضافات معرفية تذكر عليه، رغم كون المنطقة العربية مداراً ومحوراً لنشاط غربي كثيف على مدار القرن المنصرم، بل اقتصروا على ترداد مقولات لينين وبيير جاليه بشكل استظهاري، ليحولوا ذلك المفهوم إلى شيء أقرب للثنائية المانوية القديمة بين (الشر=الظلام) و(الخير=النور)، بعد أن تم تثبيته في شكل دعائي تحريضي كان مقطوع الصلة مع العملية المعرفية للوقائع، وبالتالي، لم يعد يربطه رابط مع التحليل السياسي للوضع الذي يستند ويقوم على تلك العملية المعرفية، وإذا حاول بعضهم نحت مصطلحات جديدة لمعالجة الموضوع، مثل مهدي عامل، فإن المحتوى الذي قدمه لم يعط جديداً على التحليل اللينيني، وإنما كان ترداداً مضمونياً له ولو بكثير من اللغة الجديدة ذات الطابع المرهق للقارئ، والتي تعود في بنيتها المعرفية إلى الأطروحات الستالينية الجديدة التي قدمها (لوي ألتوسير) في كتابه “قراءة رأس المال)” في عام 1965، الشيء الذي ترافق مع إقصاء خروتشوف وفشل عملية نزع الستالينية.
إن ذلك المصطلح، أي (الإمبريالية)، قد استخدمه لينين من أجل تقديم رؤية اقتصادية للرأسمالية، أعطت جديداً على ما قدمه ماركس في “رأس المال” (1867)، ما شكل مدخلاً له لرؤية الوضع السياسي العالمي في ظرف الحرب العالمية، معتبراً أن (الإمبريالية) تتكون من حلقات، وأن روسيا هي حلقتها الضعيفة-المتخلفة، وأنه يمكن عبر ضرب الأخيرة، (بخلاف نظرية ماركس حول نضوج ممهدات الاشتراكية في البلدان المتقدمة فقط) الدخول في أفق تحديثي تمديني (مثل ما حصل مع الثورة الفرنسية) تعجز عنه البورجوازية الروسية لارتباطها بالقيصرية وإنكلترا وفرنسا، ومن ثم في أفق اشتراكي، وأن المرحلتين متداخلتان، بخلاف نظريته السابقة المقدمة في كتابه “خطتا الاشتراكية الديمقراطية” (1905). بغض النظر عن عدم استطاعة التجربة السوفييتية الدخول في أفق اشتراكي، لتنحصر في نمط من رأسمالية الدولة كان أفقه الاقتصادي-الاجتماعي هو اقتصاد السوق، الشيء الذي جعل يلتسين هو الوريث الشرعي للينين وليس بريجنيف- فإن أصحابنا العرب لم يقدموا شيئاً من العناصر الجديدة كالتي قدمها، عالمياً ومحلياً وفي الاقتصاد والسياسة، التحليل اللينيني.
ما حصل مع (الإمبريالية) يحصل الآن مع (العولمة).
خلال السنوات الأخيرة، لم تتجاوز طرق المستخدمين العرب لمفهوم (العولمة) ما كان عليه الوضع مع المصطلح السابق، مع العلم بأن الكثير من مستخدمي (الإمبريالية) السابقين هم أنفسهم الذين قاموا، الآن، باستبداله (كزر معرفي “يفتح” كل شيء وعلى الصعيد التحريضي) بـ (العولمة)، وإن كان هناك الكثير من اليساريين السابقين، من بعد انتقالهم من مواقع ستالين وسوسلوف إلى ليبرالية جون ستيوارت ميل، قد أصبحوا يرون الخلاص مجسداً في (العولمة)، ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وكوسيلة لمواجهة “الظلاميين” الذين قطعت واشنطن ورقتهم في مرحلة (ما بعد موسكو).
لا ينتبه مردّدو مصطلح (العولمة)، من اليساريين العرب، إلى أن القوى الرئيسية المضادة للعولمة في الغرب الأوروبي هي من اليمين المتطرف، على طراز (لوبان) و(هايدر)، أو من قوى اجتماعية متضررة من مزاحمة المنتجات الأميركية، مثل المزارعين الفرنسيين الذين أصبحوا حصناً لليمين هناك منذ عام 1848، وأن اليسار الأوروبي بشكليه الاشتراكي الديمقراطي والماركسي، ليس على تلك الضفة، وأن من ينضم إلى تلك القوى المضادة للعولمة، أحياناً، يكون إما من المهمشين في الغرب، أو من قوى محلية تخاف على منتجاتها من الاكتساح الاقتصادي العالمي، مما لا يشكل قوة ثابتة اجتماعية أو ذات طابع “تقدمي”.
ينتمي المعادون للعولمة، عندنا، إلى أفكار تعود بجذورها إلى التجربة السوفييتية، التي قامت على نظرية (القطع)، مع المركز الإمبريالي وأن ذلك شرط للنمو الذي يمكن أن يحصل من خلال “قلعة محاصرة”، أو إلى تجارب قومية عربية استلهمت النموذج السوفياتي في النمو وإدارة الموارد مع مساعدة ومساندة “الكتلة الاشتراكية”. فيما يعود عداء الإسلاميين منهم للعولمة إلى دوافع ثقافية- سياسية وإلى خوف على (الهوية المحلية).
أثبت القرن العشرون أن تجارب (موسكو السوفياتية) و(بيونغ يانغ) و(بغداد) و(القاهرة) و(كابول الطالبانية) قد أصبحت بلا مستقبل، الشيء الذي أدركه (دينغ سياو بينغ)، منذ عام 1978، عندما فهم أن العملاق الصيني لا يمكنه الاستمرار سياسياً، حتى وهو يملك السلاح النووي، من دون الانفتاح الاقتصادي والثقافي على العالم، وأن العملية الثانية تشرط الاستقلال السياسي وتقوّي وضعه وأوراقه، وليس العكس كما كان يظن ماوتسي تونغ، وأنه يمكن مقايضة الاقتصاد والتكنولوجيا بالسياسة، مستغلاً الخلاف الصيني السوفياتي، ومن بعد ذلك شقوق النظام العالمي الجديد، من أجل الحفاظ على رأس الصين، ولو مع بعض الانحناء هنا أو هناك، الشيء الذي تفعله الآن، أيضاً، الأصولية الهندوسية الحاكمة في نيودلهي بالرغم من عدائها الثقافي للغرب، مستفيدة من حاجة الغرب الأمريكي للهند في مواجهة الأصولية الإسلامية، وربما، في المستقبل، لتشكيل سد غربي حدودي أمام الصين.
هناك نظرة خنادقية إلى السياسة في العالم العربي: إما مع موسكو أو واشنطن، أو إما مع “العولمة” أو “الاستقلال” ، فيما لا يُرى الرمادي الذي هو اللون الأساسي للحقائق السياسية وليس الأبيض والأسود، ولا يُدْرَكُ بأنه يمكن أن يفعل العرب ما فعله الصينيون والهنود من خلال جمع الاثنين ولو عبر نسبية فائقة الدقة، حيث لا تنحصر السياسة هناك بين نموذجين متضادين: (صدام) و(الجلبي)، بل يقدم (فاجبايي) ، وقبله (دينغ) نموذجاً متجاوزاً لهما، وخارجاً، بالمرة، عن تلك الثنائية التي تقسّم وتسجن السياسة العربية، الآن، في حدودها الضيقة.
أليس مصطلح (الإمبريالية) أكثر مقاربة، في التحليل وفهم العالم، من مصطلح (العولمة)؟……
حول الإمبريالية
معتز حيسو
يتزامن رواج تداول مفهوم العولمة مع تراجع نسبي للاستخدام الوظيفي لعدة مصطلحات ومفاهيم ( ديكتاتورية البروليتاريا، الثورة، اللينينية، التناقض، وأخيراً وليس آخراً الإمبريالية التي حددها لينين بكونها رأسمالية احتكارية يندمج فيها رأس المال البنكي مع الاتحادات الصناعية، مما يشكل وفق منظوره رأس مال مالي، وبمستوى آخر حرب الإمبرياليات لاستعمار العالم ،واستتباع الدول المتخلفة، ويمكننا في اللحظة الراهنة المقارنة بين نزوع الدول الرأسمالية المعولمة إلى الهيمنة على مصادر الطاقة بشكل خاص والثروات الخام بشكل عام. ويمكننا إيجاز تحديد لينين للإمبريالية بـ: زيادة حدة تمركز وتركز رأس المال، اندماج رأس المال البنكي مع رأس المال الصناعي، تصدير الرساميل ، تشكيل اتحادات رأسمالية احتكارية تتصارع على اقتسام المستعمرات، لتشكل بآفاقها المستقبلية ( نلحظ تجلياتها بأشكال ومستويات مختلفة)مقدمة لرأسمالية معولمة. …).
إن تراجع الأحزاب الماركسية،وتحديداً الشيوعية،( أو ما كان يطلق عليها الأحزاب الشيوعية سابقاً،والقوى والتجمعات ذات الشكلانية اليسارية)عن الاشتغال ببعض المفاهيم الماركسية،يدلل موضوعياً على أن آليات التحليل والتوظيف المفاهيمي اتخذت ميولاً ومسارات مختلفة عما كان سائداً في لحظات ومفاصل تاريخية سابقة.
إن دلالة الغياب أو التراجع النسبي لبعضٍ من المفاهيم (الإمبريالية..)التي يمكن اعتبارها من المكونات الأساسية للمنظومة النظرية الشيوعية،وتحديداً اللينينية،( كون مفهوم الإمبريالية يشكّل نتيجة لسيرورة التحليل الاقتصاد السياسي للينين)،يدلل من وجهة نظرنا على تباين و تناقض و اختلاف آليات التحليل النظري الإبستمولوجي وأيضاً آليات الممارسة السياسية التي خضعت وتخضع لجملة من التحولات التي يمكن في بعض اللحظات اعتبارها تحولات موضوعية تعبّر عن التحولات والتغيرات الاجتماعية العامة في المستوى الكلي والعام على مختلف المستويات،انطلاقاً من المستوى الاقتصادي وصولاً إلى المستوى السياسي المترابط والمتحدّد نظرياً بالمستوى الاقتصادي( النمط، الشكل). وإذا كانت هذه المتغيرات في سياقها الموضوعي الصحيح، فإن مجمل التحولات في سياق الممارسة السياسية والنظرية، يمكن اعتبارها دلالة موضوعية على المتغيرات والتحولات العالمية. مما يعني التأكيد على إعادة البحث النقدي في المنظومة الماركسية عموماً، والشيوعية بنمطها اللينيني بشكل خاص، وتحديداً بعض القوانين المحدّدة للممارسة النظرية و السياسية، وهذا ليس انتقاصاً منها، ومن كونها مرجعية تمثل أحد الأدوات المعرفية التحليلية. بل يمثل ضرورة لترسيخ حيويتها وقدرتها التحليلية.
وإذا سلمنا بداهة بأن الإمبريالية تشكل مرحلة موضوعية في سياق السيرورة المعولمة للنظام الرأسمالي، فإنها، أي الإمبريالية، وفق المحددات المشكّلة لها، والتي أوردها لينين في كتابه ( الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) والتي اعتمدتها كآليات تحليل سياسي ونظري معظم إن لم يكن جميع التشكيلات والتجمعات السياسية الشيوعية الرسمية وغير الرسمي، وكثيراً من المنظرين والسياسيين، تنطبق على الدول الصناعية العظمى بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة، وفق آليات وأشكال تعبّر عن مستويات التطور الصناعي. أي إن المحددات النظرية البنيوية للإمبريالية/ تمركز رأس المال ، اندماج رأس المال البنكي مع الرأسمال الصناعي( تحوّل رأس المال الصناعي لرأس مال مالي)، اندماج القطاعات الصناعية، تصدير بعض القطاعات والفروع الصناعية، وأيضاً تصدير الرساميل إلى الدول الطرفية وتحديداً الصناعية الناشئة منها….، لم تتشكل في سياق علاقات الإنتاج الرأسمالي فقط، بل وفي علاقات الإنتاج الاشتراكي المحقق، ولدقة التحديد/في أشكال رأسماليات الدولة في التجارب الاشتراكية المحققة.
ويجب علينا في هذا السياق أن نؤكد على الفارق الجوهري بين النموذجين، والذي تجلى بأشكال علاقة دول الاشتراكيات المحققة ودعمها لبلدان المحيط، ولحركات التحرر الوطني، و بين دول رأسمالية كلاسيكية عملت وما زالت على محاربة حركات التحرر الوطني،ووأدها في المهد، و تعمل على إعادة تقسيم الأسواق العالمية، وزيادة تمركز الرساميل في دول المركز، مما يعني زيادة الفجوة والتناقض بين دول الجنوب ودول الشمال، إضافة إلى أشكال توظيف الرساميل وفق أنماط وأشكال تزيد من حدة التناقض الطبقي، أي زيادة مستويات الفقر والبطالة في دول الجنوب بشكل خاص ومحدّد، وباقي دول العالم، وتحديداً المندمجة منها بعلاقات الإنتاج الرأسمالي العالمي، ليتجلى التناقض الاجتماعي بمستويات وأشكال مختلفة. ويتعيّن ما أردناه وفق أشكال ملموسة في سياق سيرورة تحويل دول الجنوب، في مرحلة تراكم الفائض النقدي من خلال تصدير كتل نقدية ضخمة على شكل قروض، إلى دول تابعة ومرتهنة لقرارات الدول الرأسمالية، وأيضاً تحويلها إلى دول مندمجة في سياق النظام الرأسمالي العالمي. لتتحول الديون إلى سيفاً مسلطاً على رقاب كافة الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمفقرة… في إطار التحول البنيوي لسلطة الدولة عبر اندماجها السياسي والاقتصادي في سيرورة الميول الرأسمالية المعولمة إلى أدوات لرأس المال المعولم، لتتحول في هذا سياق مجتمعات الدول الجنوبية لبؤر دائمة التوتر لأسباب متعددة.
وثمة تساؤل يطرح نفسه هنا: هل ما زالت الإمبريالية تشكل كما حدّدها لينين أعلى مراحل الرأسمالية، وهل يشكل مفهوم الإمبريالية حتى اللحظة أداة معرفية وسياسية صالحة للتوظيف السياسي والاقتصادي للرأسمالية العالمية المعولمة؟؟
في محاولة للإجابة على الشق الأول من التساؤل، يمكننا القول: إذا كانت الإمبريالية تشكل مرحلة موضوعية من مراحل تطور الرأسمالية العالمية، وخصوصاً في بلدان المراكز الصناعية الأولى، فإن مضمون وجوهر الرأسمالية، أو قوانينها الأساسية المتمثلة في: تمركز الرساميل وتركزها،الميول الاندماجية بشكليها القسرية والموضوعية، ارتباط القوة العسكرية بحركة رأس المال ودعمها الدائم لميوله التوسعية العولمية.. ما زالت صالحة حتى الآن، ويمكننا أن ندلل على صحة ما أوردناه، من خلال التأكيد على مظاهر تزايد حدة التمركز والتركز لرأس المال في الشركات العابرة للقومية والشركات فوق قومية التي تجتاف وتبتلع في سياق توسعها الأفقي، والعمودي/ الرأسي، كثيراً من الشركات، وحتى اقتصاديات دول مجتمعة، مسببة انهيارات وأزمات اقتصادية على المستوى الدولي في سياق الميول التنافسية والاحتكارية، وتتعزز هذه الميول في سياق الأزمات الاقتصادية البنيوية والدورية للرأسمالية العالمية، وأحياناً تكون نتيجة للأزمة. ( يجب التنويه بأن رأس مال بعض الشركات العابرة للقومية، أو فوق قومية يتجاوز في كمه وتزايد حدة تمركزه، اقتصاديات دول متعددة ….). أما على مستوى الارتباط الوظيفي وتبعية الآلة العسكرية في خدمة الميول التوسعية لحركة رأس المال المعولم، فإن ما يؤكدها هو الإحتلالات الأخيرة للعراق وأفغانستان..، والتدخل في السياسات الداخلية لبعض الدول الإقليمية، والتي يرافقها تزايد حدة الضغوط التي تنبئ بالتدخل العسكري بأشكاله المباشرة. ورغم محاولة أساطين رأس المال وممثليه السياسيين تقديم تدخلها وفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية عالمياً، على أنه حرباً ضد الإرهاب الدولي، للحفاظ على السلم والاستقرار العالمي، لكنها في جوهرها الحقيقي تعكس هيمنة رأس المال وظيفياً على القوة العسكرية، بما يخدم ميوله التوسعية، في سياق يترابط مع السياق الموضوعي لتطور الرأسمالية المعولمة، لنرى آليات اشتغالها تعمل على إعادة تقسيم العالم وتحديداً مناطق النفوذ، أو التي يجب أن تتحول إلى مناطق للهيمنة الرأسمالية،على أسس اثنية، طائفية، عشائرية…. وعلى إعادة تقسيم العمل العالمي وفق أشكال جديدة تنويه: (إن طابع الحرب الاجتماعي، يحدده التحليل الموضوعي للطبقات المسيطرة في الدول المتحاربة.).
أما العلامة الفارقة فإنها تتجلى بدور الدولة، الذي حاول دعاة النيو ليبرالية إزاحته جانباً والتخلي عنه، وإطلاق عنان الحرية المطلقة لرأس المال، وتحددّت هذه الميول وتعيّنت وفق أشكال ملموسة ومتحددة واقعياً منذ عام/ 1979/، وساهم في تكريس هذه الميول معرفياً ونظرياً زعيم المدرسة النيو ليبرالية ( ميلتون فريدمان ) وجسدها سياسياً واقتصادياً رونالد ريغان، ومارغريت تاتشر، وكان هذا التحول وفق مزاعم دعاة المدرسة النيو ليبرالية رداً على السياسية الكنزية التي لم تكن ولم تعد قادرة على قيادة الاقتصاد العالمي وإخراجه من أزماته، و هي/ أي السياسات الكنزية/ بالنسبة لمنظرين المدرسة النيو ليبرالية، أحد أسباب أزمات الاقتصاد الرأسمالي. لكن دون أن يعني هذا زوال السمة الطبقية عن بنية الدولة و أجهزتها ومؤسساتها التي تدافع مستميتة عن رأس المال ومصالحه وميوله التوسعية. وكانت السياسات الاقتصادية النيو ليبرالية بجانب منها، نتيجة لأزمتي فيض الإنتاج و التراكم النقدي،الذي ارتبط تصديرهما لبلدان المحيط بزيادة حدة تبعيتها بمراكز الدول الرأسمالية الأولى، إضافة إلى انتقال قسم هام لفروع الشركات الأم إلى بلدان المحيط ذات النمو الصناعي الناشئ ( جنوب شرق أسيا) ويجب أن ننوه بأن ما تم التخلي عنه أو تحطيمه، هو دور الدولة الاجتماعي عموماً، ودورها الحمائي الضابط لحركة رأس المال تحديداً. ويجب التأكيد بأنه وبعد أزمة فيض الرساميل في البلدان الصناعية، والتي تم تصدير جزءاً منها إلى الدول المتخلفة لربطها بنيوياً بحركة الرأسمال العالمي، لتتحول إلى دول مدينة غير قادرة على سداد خدمة الدين، مما أدى إلى استنزاف موادها الأولية وكتلها النقدية الوطنية، ليصبح حجم المبالغ النقدية والمالية التي تدخل أسواق الدول الرأسمالية المركزية من الدول الطرفية أكبر بكثير من النقود التي تصدرها ذات الدول الصناعية الأخيرة، ليعاد من جديد تصدير هذه الرساميل وتوظيفها مجدداً.
لكن و جراء الأزمة الاقتصادية البنيوية للرأسمالية، والتي نشهد تداعياتها وتأثيراتها على كافة الاقتصاديات العالمية، نلاحظ كيف يتم العمل في البلدان الصناعية المأزومة على استعادة دور سلطة الدولة والتأكيد على أهمية دورها في حل إشكاليات وتناقضات وأزمات رأس المال. أي أنه حتى اللحظة لم ينزع الغطاء الطبقي والتدخلي عن سلطة الدولة، التي تمثل نمط الاقتصاد الرأسمالي وتدافع عنه. وهذا التحول أو التغيير الذي لا يمكن توصيفه بأنه طارئ أو مفاجئ، أعاد التفكير في آليات التحليل والممارسة النظرية والسياسية التي سادت بعد تداعي التجربة السوفيتية. أما فيما يتعلق بالجانب الثاني للسؤال، فإننا نرى ضرورة التأكيد على السمة المعولمة لرأس المال المتجاوز والمهدّم في آن، في سياق سيرورة ميوله التوسعية لكافة الحواجز والمعيقات، والتي ارتبط في سياقها اندماج رأس المال الروسي والصيني( ليثبت السياق الموضوعي، بأن التطور الأفقي والعمودي لنمط الاقتصاد الرأسمالي يستغرق ليصل إلى حدوده النهائية كافة التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية، وما خروج بعض التجارب عن الميول العامة للتطور الاقتصادي إلا خروجاً إرادياً عن سيرورة الميول التاريخية العامة). وهذا الميل يدلل على صحة قراء ماركس لحركة تطور الاقتصاد الرأسمالي، وميوله التوسعية المتجاوزة لكافة الأشكال الاقتصادية الما قبل رأسمالية، أو الرأسماليات المتخلفة أو المتباينة عن النموذج الكلاسيكي. وفي هذا الإطار نرى أنه من المهم أن ننوه إلى أن بنية الإمبريالية الرأسمالية بأشكالها المعولمة، و التحولات والتغيرات البنيوية التي طرأت على بعض مفاعيلها، تجاوزت في بعض اللحظات، الإمبريالية الموصوفة والمحدّدة في النصوص الشيوعية الكلاسيكية، والتي يمكن عرضها باختصار، ( تحول آليات اشتغال رأس المال صناعي إلى رأس مال خدمي، ريعي، مضارب يجوب العالم لتحقيق معدلات ربحية عالية، ويتجلى هذا الميل في الابتعاد عن توظيف الرساميل في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية التي تتشكل فيها، وينتج عنها فائض القيمة، ويجب التأكيد على تحول رأس المال الصناعي إلى رأس مال مالي يختلف في آليات اشتغاله عن توصيف لينين له، والذي كان يقصد به اندماج رأس المال المصرفي مع الرأسمال الصناعي.)، ويجب التذكير بأن الأزمة الاقتصادية الراهنة للنظام الرأسمالي العالمي،رغم أن جذورها تعود إلى بداية التحوّل إلى النيو ليبرالية، لتتجلى في اللحظة الراهنة بكونها أزمة مالية بدأت من القطاعات والمؤسسات المالية، لتتنقل بسرعة النار في الهشيم إلى القطاعات الإنتاجية، متحولة لأزمة اقتصادية عالمية. فإن أسباب تحول الأزمة المالية التي تشكّل أحد مستويات الأزمة البنيوية للاقتصاد الرأسمالي المعولم، هو تحول الرأسمال الصناعي / الإنتاجي، إلى رأس مال خدمي وريعي ورأس مال مالي يشتغل في المضاربات، البورصات، رهونات، سمسرة مالية، إقراض، خدمات،…و يهيمن على الاقتصاد الرأسمالي المعولم، ويحدد ميوله وأشكاله العامة.
ويمكننا أن ننوه إلى بعض النقاط التي تباينت أو تتباين فيها الرأسمالية المعولمة عما وصّف به لينين الإمبريالية الرأسمالية بكونها أعلى مراحل الرأسمالية،والتي من خلالها أوصد الباب على إمكانيات التطور التاريخي، وفق آليات تحليل تعتمد الحتمية التاريخية، وبنفس الوقت نعتبر النقاط التي سنوردها مجال حوار مفتوح:
ـ ثورة الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا، وأثرها على آليات اشتغال الرأسمالية و في سياق توسعها أفقياً وعمودياً.
ــ التغيرات التي طرأت على بنية الطبقة العاملة والطبقات الاجتماعية، نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل،والذي ساهم في تقسيم جديد للعمل على المستوى العالمي، بأشكال ومستويات جديدة، تغيّر علاقة العامل بالآلة، / تغيّر معادلة العمل الذهني/ العمل اليدوي، ازدياد الحاجة إلى قوى عاملة حية فائقة التطور وذات مؤهلات علمية عالية، تغيّر آليات إنتاج فائض القيمة.
ــ زيادة حدة الترابط بين الداخل والخارج، وربط المحلي بالعالمي اقتصادياً، اجتماعياً ، ثقافياً سياسياً ، إنسانياً .
ــ تضاؤل أولوية وأهمية الحدود الجغرافية والقومية على المستوى الدولي نسبياً فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، وأيضاً الخصوصيات التاريخية والجغرافية.
ــ تراكم رأس المال( فائض نقدي)+ انخفاض معدلات الربح+ عدم الاهتمام برفع مستويات المعيشة وتطوير القطاعات الإنتاجية ، يؤدي إلى تصدير الرساميل إلى مناطق الاستثمار.
ــ تزايد مستويات التطور التكنولوجي في المجالات الإنتاجية، يساهم في زيادة التمركز وتحقيق معدلات ربح مرتفعة.
ــ فيض رأس المال عن معدلات التوظيف الوطني + التطور التكنولوجي الوطني+ انخفاض معدلات الربح … يؤدي إلى تجاوز الحدود الوطنية والقومية.
في نهاية هذا العرض المختصر، نرى أنه من الضروري التركيز على أهمية العمل الورشي لبحث المفاهيم النظرية والسياسية، التي بات يشكل طرحها على مستوى الممارسة النظرية والسياسية إشكالية عند الكثير من التشكيلات السياسية، وحتى الأفراد.
وقائع الندوة الحوارية حول الإمبريالية
رؤوس أقلام: مداخلة رويدة
1
-علينا أن نحدد الآن بعد هذا الحوار:
أ-هل الإمبريالية في مرحلتها العليا أم تعيش أزمتها؟
ب-الأزمة الحالية بالرغم من حدتها: هل يوجد بديل تاريخي في الوقت الحالي لها.؟ وفي ظل عدم وجود البديل التاريخي لا يعني أنها قادرة على تطوير نفسها وبالرغم من ذلك تحدث تفاعلات بداخلها عنوانها الرئيسي حتى اليوم هو “انهيار” المركز الرئيسي الذي تمثله الولايات المتحدة.
بالرغم من هذه الأزمات المتتالية هناك ظهور لعدد من المراكز مثل الصين-اليابان- روسيا- وأوربا ويمكن أن نلحظ نمو مراكز جديدة مثل تركيا وإيران وهذا يعني بالضرورة العمل على “إعادة اقتسام العالم” بما يتناسب وحاجة وقدرة هذه الدول. وبما أننا نمتلك الطاقة التي تتمثل بالمواد الأولية إذاً ستكون هذه المنطقة ساحة الصراع ونحن موضوع الصراع في إعادة الاقتسام.
نتيجة:
إذاً علينا تحديد القوى الاجتماعية والسياسية القادرة على التصدي ومواجهة هذه القوة الكبرى، وتأمين الأشكال الفاعلة من التعاون مع هذه القوى- القادرة على التصدي ومعرفة أشكال النشاط الإمبريالي في منطقتنا الذي يلاحظ في : تشجيع المد المذهبي والقبلي وتعميم الفساد وإعاقة التطور الصناعي للحفاظ على التبعية للخارج. والعمل بشكل دائم على إيجاد مبررات الحروب بين هذه الشعوب التابعة.
2
-عندما ذهب دينغ هسياو بنغ رئيس جمهورية الصين الشعبية إلى أمريكا في أول زيارة له وكانت قد سبقته إلى هناك أفكاره في الإصلاح والانفتاح وأنه سيجعل من الصين قوة عظمى تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية من كل النواحي. وقف على شرفة البيت الأبيض أمام شاشات التلفزيون لإلقاء كلمة متضمنة أفكاره وآراءه والشعب الأمريكي مذهول أمام شخص قصير القامة أصفر اللون وكأنه يعاني من جوع مزمن كان الشعب الأمريكي يتساءل بذهول أهذا الشخص يقود مليار نسمة وزعيم لأكبر حزب شيوعي في العالم سوف يجعل من الصين أكثر قوة وتقدماً ونمواً من أمريكا نفسها زعيمة “العالم الحر” وأقوى قوة عسكرية في العالم. وعندما انتهى من إلقاء كلمته بدأ الصحفيون الأمريكيون يوجهون إليه الأسئلة بدهشة وازدراء وصلف فرد عليهم بقولته الشهيرة: لا يهم لون القطط ما دامت قادرة على الإمساك بالفئران.
3
– نقتطف من كتاب هاري ماجدوف (الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم) هذه الفقرة التي تلخص الكثير مما قيل وسيقال في هذه الندوة وفي كثير من اللقاءات المماثلة. (إن الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً..فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم).
4
– هناك خصائص مشتركة بين النظام الاشتراكي والرأسمالي – وهذه إحدى هذه الخصائص- توظيف الرساميل- ولكن ما هو الهدف من هذا التوظيف
-الطابع الاجتماعي بالرغم من أنه لا توجد سوى الدواعي الاقتصادية والبحث عن أسواق تصريف الإنتاج ورؤوس الأموال.
– نص مفتوح فمن أين نبدأ؟
من خارج النص: ليس في بلادنا رأسمالية قادرة على لعب دور حاسم في الإنتاج والمال والمعرفة. أنظمتها تعمل تحت إشراف رأس المال العالمي فقدت مؤسساتها وقواها الاقتصادية استقلالها وقدرتها وظهرت كتابع مباشر لمصلحة القوى الخارجية ففسدت قياداتها وأفسدت المجتمعات وسحقت كل قوة جادة وبأساليب متعددة وسلبتها كل إمكانات المقاومة. حاولت إحدى هذه الأنظمة رفض الدولار فسحقتها فائدة النظام العالمي مؤكدة مدى الارتباط بين سيطرة رأس المال المالي و الاضطهاد القومي.
من داخل النص: محاولة وضع صياغات جديدة لمعطيات حقبة راهنة.
المفاهيم والرؤى للدعاية والتحريض ضد التخلف أو ضد “الغرب” وأياً كان مصدرها أو مطورها هي نتاج جهد معرفي بشري عبر مراحل ودورات حضارية متنقلة وهي ملك عام للبشرية.
– الانحطاط السياسي واختصار الأوطان برموز وربط الوقائع بالخارج أو بالغيب والركود والاكتفاء بالتلقي والنقل بعيداً عن الحداثة أدى إلى عجز عقلي وتم تبادل البقاء بالحرية والكرامة فمن بايع أطعمناه ومن تكلم قتلناه كل بدعة ضلالة وكل إضافة تحريف وفي كل رأس رقيب فأمسينا أمة لا تقرأ ولا تكتب.
أوضحت ارتدادات الزلزال: وحشية رأس المال فبحث عن عدو جديد مستغلاً ثورة المعرفة فاختلطت الأوراق وسادت الفوضى وانقلبت القيم وارتدت القوى إلى مفاهيم ما قبل الحضارة دفنت الرؤوس وانقلب المناضلون إلى المكان الخطأ؛ أصوليات وقلاع خنادق وحواجز وظلام تحديات لا بد من إبداع حلول لأن الآتي أعظم.
حول النصوص: تؤيد الرأسمالية العالمية تنظيماً مجيّراً لها وتفقد إنسانيتها وتصب القذائف على أصدقاء الأمس إذ لا يمكن لسيد أن يكون حراً كعبده.
وتبدأ بالسيطرة المباشرة على الأسواق والمواد الأولية مستخدمة التجارة والدولار والمصارف والأسعار والأحلاف والهيئات لتأكيد التبعية وكل ذلك بقانون.
ومضات من النصوص: لا تقدم بلا تغيير جذري لبنية المجتمع وإزاحة الوكلاء والاهتمام بالإنتاج الفعلي وتقنين السوق ونظام سياسي مستقل ومنفتح على شعبه للحد من كوارث البيئة والمال والغذاء والاهتمام برأي عام متنور بعيداً عن التزوير المهين لإبعاد الاستبداد عن خلايا المجتمع مجتمع محطم منتقص القيمة والقيم لا يرى هدفاً ولا طريق…يعين خيارات مفروضة بين الاستبداد والاستعمار خيارات تقتل إمكانات الإبداع وقدرات المقاومة.
أيترك النوم والظلام حق العلم: رؤيا نلتزم بها نبدع مهارات نتدرب عليها تساعدنا مشروع يقربنا ولو تدريجياً للاندماج بمسيرة حضارة البشر
– الرأسمالية أخطبوط وصل الكواكب وغرف النوم
– للأنظمة مؤسسات ودوائر أمنية رديفة تحميها، وللشعب رب يحميه
أ.منصور: طرح مفهوم الإمبريالية، إلغاء لشعارات ديماغوجية كالعولمة، والبحث يحمل قيمة سياسية وفكرية خاصة في بلادنا.
نذيرجزماتي: لينين-الإمبريالية: قسم-الرأسمالية النقدية يحمل قيمة مالية.
-عرض عام للكتاب- مع ملاحظات الأستاذ نجيب
– ملاحظات حول قراءة الأستاذ نجيب.
نايف سلّوم: كتاب لينين، كتاب مخاتل. هو شبيه بكتابات دستويفسكي، نص مركّز. يجب التركيز على منهج لينين في القراءة: القانون العلمي بعيداً عن السياسة وتدخل البشر كلحظة أولى . وكتاب لينين راهن في الكثير من جوانبه.
ما هو راهن يشرح الأزمة المالية القائمة .
في ص 69 يقول: موجودات البنوك، الرساميل الموظفة في الإنتاج أقل من تلك الموظفة في المضاربات- هذه السمة هي سمة الأزمة الراهنة-
نقطة أخرى- مفهوم الإمبريالية ظهر قبل لينين لوصف العصر الذي تجتازه البشرية ؛ ظهر المفهوم اعتباراً من 1902 (كتاب هوبسون ؛ الاشتراكي الليبرالي الإنكليزي).
-اختصار مفهوم الإمبريالية بتصدير الرساميل تشويه لنظرية لينين.
خواص الإمبريالية وعلاقاتها المتبادلة – التعفن-الطفيلية – الاحتكار…الخ
– لم يذكر لينين-التركيز بل التمركز-اتحادات الرأسماليين. التمركز يقود إلى الاحتكار.
– ثمة نقص في التركيز علي الفرق بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج بالنسبة للدول المتخلفة، لم تطرح قضية التخلف في زمن لينين.
الدول المتخلفة تحصل على العلاقات الرأسمالية للإنتاج، وليس على قوى الإنتاج المتطورة.
(أغلب الاستثمارات الصناعية تذهب إلى الدول المتطورة، بينما تذهب الاستثمارات بالمواد الخام (الصناعات الاستخراجية) إلى الدول الفقيرة.
-الكارتل والتروست: الكارتل : يأخذ طابعا فيدرالياً ، بينما التروست: مركزي وبيروقراطي
– تقاسم العالم انتهى بعد ظهور الاتحاد السوفييتي. وتحول إلى اندماج جهود الدول الإمبريالية.
– مسألة أشكال الحكم. (الرأسمال المالي ينزع إلى إلغاء الفروق بين أشكال الحكم الرأسمالية، رأسمال أخضع النظم لسياسته- دمج سلطة الدولة بالرأسمال، حيث تم تخفيض النقد لكل مناحي الحياة-(أدب- فكر-علم..الخ)
سعيد: لم يتم التركيز على عنوان الكتاب. العنوان فيه مشكلة ما. فالإمبريالية تظهر كمرحلة نهائية. وإن الرأسمالية محكومة بالانهيار مع هذه المرحلة- وهذا ما أحدث أزمة مع إشاعة هذه الفكرة من قبل علماء الماركسية السوفييت.
نايف سلّوم: كتاب لينين دراسة نقدية حول الجوهر الاقتصادي للإمبريالية، دراسة لينين ؛ أسس المسألة الاقتصادية لفكرة سياسية فكرية غير معالجة.
سعيد : لينين وصل لمفهوم جديد حول القيمة الزائدة كربح احتكاري في زمن الإمبريالية.
– حوار الطاولة المستديرة تم تجاوز مسألة المفاهيم، التي تحتاج إلى شرح.
أم مهند: ما يتعلق بكتاب لينين يحتاج لشرح موسع، خاصة بعد شيوع الفكرة الاشتراكية التي تقول بأن القوانين الاشتراكية ستسود. والإمبريالية لم تتعفن حتى الآن.
الأستاذ نجيب: فهم لينين للنظام الرأسمالي، بأن تطوره هو إمبريالي، رد لينين على كاوتسكي الذي اعتبر أن ثمة ما بعد إمبريالية.
فالوحش الإمبريالي لم يعد وحشاً. (الإمبريالية العليا هي مستقبل الإنسان) حسب كاوتسكي
-المرحلة التالية للإمبريالية هي الاشتراكية مهما طال الأمر.
– ماوتسي تونغ في الخمسينات قال : إن مسألة من سينتصر (اشتراكي أم رأسمالي) مسألة لم تجد حلاً لها بعد.
رد على نايف: علاقات الإنتاج بنية، قوى الإنتاج ليست بنية.
نايف:. نقد مفهوم العولمة: مفهوم العولمة الجديد فيه تكرار فارغ حين يؤكد أن الرأسمالية ظاهرة عالمية. الرأسمالية عالمية منذ بداية ظهورها.
– نقد العنوان ؛ عنوان كتاب لينين : الإمبريالية أعلى مرحلة أو درجة في الرأسمالية يعني أن الإمبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار. وأن البورجوازية باتت طبقة آفلة اجتماعياً ، وأن الاحتكار هو عشية الثورة الاشتراكية . الاحتكار خلق القاعدة التقنية والمادية للاشتراكية . لم يبق سوى تحطيم القشرة ؛ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، خاصة مع تعاظم الطابع الاجتماعي لعملية الإنتاج والتشريك المتنامي لهذه العملية في ظل عمل الشركة العملاقة الاحتكارية.
– كل مستويات تعريف لينين للإمبريالية لا زالت جديدة وراهنة.
العولمة مصطلح أيديولوجي، صُدّر للتشويه وحجب مفهوم الإمبريالية كمفهوم اقتصادي / سياسي وطبقي.
ما قاله ماجدوف صحيح: الأزمات الاقتصادية لا تؤدي إلى انهيار الرأسمالية. ولن تنهار دون صراعات اجتماعية.
ضرورة التحليل الاقتصادي لبناء برامج سياسية.
هناك مفهومان للعلم: مفهوم دراسة الشرط لدى ماركس، ولينين : كيفية إنتاج العلم. مفهوم العلم ؛ مفهوم الحصر ، دراسة الشرط هو الأهم ماركسياً لإنتاج العلم. والمفهوم الآخر : العلم يعني التنبؤ بالمستقبل . وهذا فيه نقص. كل مبالغة في الاندفاع فيها نقص. يقول غرامشي: القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد
أ. منصور: أسئلة سعيد محقة: التطورات الجديدة أثرت في الشعوب وعلى القوى الاقتصادية وهذا يحتاج لفهم جديد ودراسة.
-لا توجد حركة شعوب، بل أزمة إمبريالية اقتصادية.
-هل يعاد اقتسام العالم مرة ثانية، وهل هذا سينتج حروباً جديدة.
-الآن، هل ثمة إضافات لخصائص الإمبريالية التي حددها لينين.
ملاحظات شفهية
– تماثل خصائص النظامين (اشتراكي- رأسمالي)، كتوظيف الأموال-هي تحقيق الربح من أجل الإنسان. على عكس شهوة الربح لدى الرأسمالية.
-الطابع الاجتماعي للحرب: البحث عن موارد جديدة واقتسام جديد للعالم.
رد نايف على معتز: مفهوم العولمة غير واضح لك حتى الآن.
لينين اشتغل على الاقتصاد الاجتماعي (التاريخ هو صراع طبقات) حول الثروة والسلطة-أي صراع على تنظيم المجتمع.
لينين: لم تعد البورجوازية قادرة على انجاز مهامها التقليدية.
– اقتران سلطة الدولة بالرأسمال المالي هو الإمبريالية وحدة الاقتصادي والسياسي ، أو اقترانهما.
-البورجوازية التي أتت بالإمبريالية- تحتضر لأن البورجوازية كطبقة تاريخية لم تعد بقادرة على القيام بمهمتها الديمقراطية.
-العولمة اعتمدت على التقنية، السياسات الليبرالية جعلت الرأسمال المضارب يتحرك بحرية. كل ذلك مدعم بأيديولوجيا الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني كلها أتت تمهيداً للغزو الأمريكي.
-العولمة مفهوم وفقاعة أيديولوجية ضمن سياسات الإمبريالية.
سعيد: ظهور سمات جديدة للظاهرة الإمبريالية والتفسيرات اللينينية حولها ومفسريها (ماجدوف- باران..الخ) هل يعطينا الحق بأن الرأسمالية تمر بأعلى مراحلها وما هو مدلوله، فهل ستنهار الرأسمالية معها؟.
– لماذا نعتبر أن الرأسمالية قد أفلست.
– قانون الفائض الاقتصادي لا يتناقض مع ميل الربح إلى الانخفاض.
ن.جزماتي:
يجب عدم تحويل الشيوعية إلى دين، في البيان الشيوعي لماركس وأنجلز اعتذرا بأنه بعد ربع قرن لم يطورا مفاهيمهما.
– سقط من حسابنا مجيء نظام اشتراكي آخر.
– سمير أمين يسمي النظام الاقتصادي السوفييتي برأسمالية الدولة.
ن. رومية: أخشى ألا يكون النظام الاشتراكي هو مستقبل البشرية!
– سقوط النظام الاشتراكي (هل يعني أن المفاهيم الاشتراكية غير قابلة للتطبيق).
– تبدل الشكل والجوهر هو هو، فكتاب لينين عن الإمبريالية يمكن أن يستحضر الآن لقراءة ما هو قائم.
-النظام الرأسمالي كوني، والعولمة ليست ذات طابع طبقي، ومفهوم الإمبريالية يحمل طابعاً طبقياً (العولمة لها علاقة بالسياسات الليبرالية الجديدة وبالتقنية)
-البديل الثوري في أزمة، كما النظام الرأسمالي.
-الإطاحة بالأسس هو انتهازية فكرية، ففهم ماركس للنظام الرأسمالي صحيح وفهم لينين أيضاً.
-الفكر الانتقائي فكر تلفيقي، فيجب التمسك بالأسس.
نايف: الحقائق عينية وتتضمن التحزب كلحظة تالية مكملة (حسب هيغل وماركس)
– كيف تتم إعادة النظام الاقتصادي لنفسه. ماركسياً الاحتكار لا يلغي المنافسة، بل يرفعها إلى مستواه ؛ تنافس قلة من المحتكرين ، مع بقاء مؤسسات وسط وصغيرة متعايشة مع الاحتكارات.
-الإمبريالية وتجلياتها المعاصرة وأزمتها وتأثيراتها على بلادنا والموقف منها.
– أزمة المهمة الأممية للتجربة السوفيتية؛ قراءة التجربة نقدياً..
-حتى الآن نحاول ألا نختلف على أساسيات الرأسمالية وأشكال تطورها حتى العصر الإمبريالي..
– أزمة البديل.
-المهام المطروحة أمامنا إذا استطعنا وضعها نربط النظرية بالممارسة.
-الرأسمالية القديمة والجديدة/صنعة كل الرأسمالية والإمبريالية
هناك ما هو قديم بسبب الظرف الدولي (احتدام الصراع من أجل اقتسام العالم) ومنها راهن.
نجيب رومية:
1-هناك نقطة لم يتم التركيز عليها، هل الإمبريالية التي عرفها لينين هي الأعلى؟
الرأسمالية محكومة بالانهيار في فترة الإمبريالية.
2- دراسة نقدية مكثفة جداً. اهتم بتطور الرأسمالية وحاول أن يؤسس لرؤية فكرية بمعالجته للمسألة الاقتصادية.
-الكتاب: – يوجد إضافات هامة جداً بالنسبة لرأسمال ماركس.
-الفرق بين ماركس ولينين هو الفرق بين الربح البسيط والاحتكاري.
المواد المقترحة لطاولة الحوار:
لم يتم تجاوز المفاهيم مثل التركز والتمركز وما هي علاقتها بالتركز
أم مهند: -أهمية العرض الموسع لما طرح حسب التشكيلات الاجتماعية. الإمبريالية ثم انهيار الرأسمالية وبناء النظام الاشتراكي الآن وماذا بعد.
– تداخل ما بين شرح التركز والتمركز….التوضيح
نجيب
– العنوان: صحيح.. فهمنا العلمي يقول أن الاشتراكية تلي الإمبريالية.
-لا يوجد سقوط إلا سقوط الإمبريالية بفعل نضال الشعوب. هناك تفاؤل علمي
نايف: يوجد ضرورة لنقد هذا العنوان نحن نعيد الاعتبار لمفهوم الإمبريالية بعد انتشار مفهوم العولمة.
أبو مهند: -السائل يتوجه للاجتماع ككل. وليس إلى شخص . هكذا خطأ
صالح: المداخلات المكتوبة حول كتب تعالج موضوعة الإمبريالية
– مداخلتي لها طابع أدبي أكثر من أي طابع اقتصادي
تعليق -لا يوجد أي تناقض بين الجيش والطبقة السائدة وخصوصاً الإمبريالية لذلك فإن الطابع الاجتماعي للحرب تتخذه طبقة النظام القائم.
صيغة رأسمال مالي:
-ثورة الاتصال وأثرها
معتز حيسو: -التغيرات التي طرأت على بنية الطبقة العاملة وتأثيره.
ازدياد الحاجة إلى قوة حية فائقة. تغير آليات إنتاج . زيادة التداخل بين الداخل والخارج. تراكم الرأسمال …يؤدي إلى تصدير الرساميل.
رويدة: خصائص مشتركة بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي.
-الطابع الاجتماعي للحل
نايف: – كان المطلوب أن نكتب عن العولمة
-المطلوب معرفة دور الطبقات التاريخي ودور البورجوازية الحاضر والمستقبل
-تحليل ماركس لثورة فرنسا يقول: لم تعد الرأسمالية على المستوى الكوني قادرة على إنجاز مهامها وعلى الاشتراكيين أن ينجزوا مهام البورجوازيين ومهامهم .
– قسم من العمال لم يعودوا ينجزون مهامهم لأنهم أصبحوا انتهازيين.
– أصبحت الإمبريالية قوة خطيرة وهدامة ومدمرة. يؤكد ذلك بوخارين بقوله : إن العسكرة والإمبريالية خاصيتان ملازمتان للرأسمالية في العصر الحديث.
-لماذا رأس المال المالي. لأن سلطة الدولة مع رأسمال المالي والصناعي أدخل مفهوم الإمبريالية.
-في الأزمة الاقتصادية يقول الأمريكان أنه زاد دور الدولة.
– حقيقة البورجوازية لم يعد لها دور تقدمي- كل تصنيع رأسمالي (بورجوازي) يحمل طابعاً سياسي التوجه لمواجهة الميول الشيوعية في البلدان المتخلفة.
-إذا كان الأمريكان مثل الاشتراكيين. لماذا الثورة؟
-الرأسمال يعمل بالإنتاج في جنوب شرق آسيا واسمه رأسمال ساخن. سماه رمزي زكي بالطيور الجارحة.
-كل ذلك يؤدي أن مفهوم الإمبريالية مفهوم نابض
-مفهوم العولمة اعتمدت على عدة عناصر: الاتصالات، الربط الإلكتروني، سرعة تحرك الرأسمال، وقبل ذلك مدعوم بالثقافة الليبرالية الجديدة و مفهوم المجتمع المدني ونهاية التاريخ وصراع الحضارات .. الخ وقبل ذلك مهدت هذه المفاهيم للغزو الأمريكي للعراق ، حيث سقطت سقطت هذه المفاهيم تحت وقع فضيحة الغزو وتعسر قوات الاحتلال في تحقيق أهدافها العدوانية .
سعيد:
-هل ظهور إحداثيات جديدة في ظل الظاهرة الرأسمالية يعطينا الحق أن نقول أن الظاهرة الإمبريالية هي أعلى مراحل التطور الرأسمالي؟
-هل تغير هيكل النظام الرأسمالي وانتقاله من الظاهرة التنافسية إلى الظاهرة الاحتكارية هو انهيار للنظام الرأسمالي.
-لماذا نحن مسجونون بوهم أن الرأسمالية أفلست ولماذا هذا الاعتقاد؟
-هناك قانون الفائض الاقتصادي قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض هذا لا يجب أن ينفي هذا وأقترح أن يتم التركيز على هذا الموضوع.
-القانون الرئيسي للرأسمالية هو السعي نحو الربح الأعلى.
– لماذا لا نتعامل مع الأزمة من جانبين: أزمة الرأسمالية وأزمة البديل ومعالجة الحركات الاجتماعية الموجودة.
نجيب:
-يجب ألا نقتنع أن الإمبريالية مخلدة
-الديمقراطية بواقعنا تعني الانطلاق من موقف واحد تجاه الإمبريالية
-الطابع الطبقي للإمبريالية.
-مستقبل الاشتراكية.
-المطلوب الاعتراف أن البديل الثوري بأزمة تماماً كأزمة الرأسمالية.
-العقل السياسي المبدع يحترم المعجزات.
-نخشى أن تتسرب إلى طروحاتنا الانتهازية الفكرية
-إما الماركسية العلمية أو بديل أيديولوجي آخر.
سعيد
1-هل ظهور إحداثيات جديدة (سمات جديدة) في الرأسمالية، السمات الخمس الأساسية “لينين”، السمات التي تحدث عنها (بول باران/ بول سويزي)، السمات التي تحدث عنها “هاي ماجدوف”، كافية لاعتبار الرأسمالية تعيش في أعلى مراحلها (المرحلة الأخيرة؟)
ملاحظة: يجب إعادة النظر في مفهوم (أعلى) ، هل يعني (المرحلة الأخيرة) أو طور جديد…الخ؟
2-في أوراق الطاولة المستديرة (حول الإمبريالية) ، في عرض د.نايف سلّوم لكتاب (رأس المال الاحتكاري) لـ بول باران- بول سويزي، تمت الإشارة (إشارة بسيطة) إلى المقارنة بين القانون الذي اكتشفه ماركس (ميل معدل الربح إلى الانخفاض مع تغير التركيب العضوي للرأسمال)، وقانون الفائض المتزايد (بول باران).
أرجح أنه من الهام التركيز على القانونين من قبل الحضور، لأهمية القانونين وتداخلهما وارتباطهما على أرض (حركة الواقع)، وأهمية القانونين تتجلى في إمكانية اكتشاف جوانب وإحداثيات جديدة في الرأسمالية الاحتكارية.
أي دراسة العلاقة بين قانون (ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تغير التركيب العضوي للرأسمال)، وقانون (الفائض المتزايد) ، وتفاعلاتهما لتحديد الإحداثيات الجديدة في الرأسمالية الاحتكارية .
3-الملاحظ أنه عند النقاش والحوار حول الإمبريالية (لإغناء هذا النقاش أو الحوار) يتم فقط من زاوية (وصف وتحليل أزمة الرأسمالية) ، دون الحديث عن أزمة الحركات الاجتماعية.
أعتقد أنه يجب تناول موضوع الأزمة من زاويتين:
1-أزمة الرأسمالية وتناقضاتها المستعصية.
2-أزمة الحركات الاجتماعية (في تحركها، تنظيمها ، وبرامجها) وفي تقديم رؤية للبديل (مشروع بديل للنظام الرأسمالي).
غرامشي: (القديم والجديد لا يستطيع أن يولد بعد، وفي هذا الفصل تظهر أعراض مرضية كثيرة وعظيمة في تنوعها).
د.رمزي زكي:
1-تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرض موازين مدفوعاتها لعجز شديد في صيف 1997. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية القصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي أموالاً ساخنة (hot money) تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد. ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر..”
2-والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة (1994-1999) إنما يعود إلى تأثير عولمة (انفلات) أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية.
3-د.رمزي زكي: الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية. (الطابع الطفيلي للرأسمالية في عصر الإمبريالية).
مداخلة معتز :
بداية أنوه على أن النقاط التي أثارها الأستاذ سعيد ( ترافق انخفاض معدلات الربح مع ارتفاع الفائض الاقتصادي، التغير في التركيب العضوي لرأس المال) على غاية من الأهمية، وتحتاج إلى إفراد حوار خاص بها، لجملة من الأسباب، في مقدمتها : إن تحول شكل حركة رأس المال، وهيمنة رأس المال المالي المضارب، ريعي، خدمي… على رأس المال الإنتاجي، منذ عام / 1979/، أسس لرأسمالية نيوليبرالية، وهذا التحول كان المدماك الأساس للأزمة البنيوية للرأسمالية، والتي نشهد تجلياتها.
ــ أما فيما يتعلق بما قدمه الأستاذ نجيب، فإننا نرى رغم تأكيده على ضرورة التنوع والتعدد والديمقراطية.. في رده على ما تقدمنا به، فإننا نرى خلاف ذلك، وهذا يعود إلى أسباب لا مجال لنقاشها الآن، لكنها باختصار تتعلق بالبنية الفكرية وآليات التحليل.
أما فيما قدمه من تحذيرات حددها في خشيته من أن لا تعود الاشتراكية تمثل المرحلة المقبلة، وإن الرأسمالية يمكن أن تتمكن من تجديد ذاتها، مما يعني إعطاء مبررات لديمومتها، وإن المفكر سمير أمين أكد أن المفاهيم الاشتراكية غير قابلة للتطبيق، وإن الحقيقة دائماً حزبية، ويخشى بأن ما قدمته يساهم في زرع بذور الشك. …
ــ في سياق ردنا على ما تقدم به الأستاذ نجيب نرى بأن إمكانية تجسيد المفاهيم الاشتراكية عيانياً وفق أشكال ملموسة وواقعية… لا يمكن أن يحددها أياً من المفكرين بأشكال ذاتية، بل هي مجال اشتغال الطبقات الاجتماعية وأحزابها السياسية للانتقال بالمجتمع من القوة والكمون، إلى الفعل والتمكين في سياق سيرورة الحركة التاريخية. وإذ يرى بعض المفكرين والمثقفين عدم إمكانية تحقيق المفاهيم الاشتراكية، فإن مرد ذلك جملة من الأسباب الذاتية والموضوعية. بالتالي فإن خشية الأستاذ نجيب من أن لا تكون الاشتراكية مرحلة مقبلة، أو أن تتمكن الرأسمالية من تجديد ذاتها، فإن هذا يتعلق بالشرط التاريخي، واللحظة التاريخية التي يزداد فيها تعمق هيمنة علاقات الإنتاج الرأسمالية، لذلك فإن شروط الانتقال، أو تجديد بنى أشكال نمط الاقتصاد الرأسمالي المهيمن، لا يتحدد بناءً على رغبات ذاتية، بل على معطيات موضوعية يساهم في تحديدها البنية الكونية للنظام الرأسمالي، وواقع حال البديل الطبقي، ويجب التنويه بأن دخول النظام الرأسمالي في أزمة بنيوية، لا يعني الانتقال للنمط الاشتراكي، لذلك يجب التأكيد على أن النظام الرأسمالي المعولم، قد يعاني من التعفن والتأزم البنيوي لفترات زمنية طويلة، لكن غياب فاعلية البديل الطبقي يساهم في استمرار هيمنة الرأسمالية، حتى لو دخلت الرأسمالية في طور أزماتها المتتالية.
ويلمح الأستاذ نجيب إلى زرع بذور الشك، ومرد تلميحه يمكن أن يكون نسبية الاختلاف في آليات التحليل، أو في منهجية التحليل التي قادتنا إلى نتائج متباينة عما يشكل ميوله المعرفية، لذلك فإنه يرى بأن ما نطرحه يمكن أن يزعزع أو يزرع بذور الشك في البنى المعرفية المستقرة. ونؤكد من جهتنا على أن الشكل النقدي يشكل جوهر التطور المعرفي….
وأخيراً فإن تأكيد الأستاذ نجيب على أن الحقيقة حزبية، يدلل على بقاءه أسيراً لهيمنة أيديولوجية، وهذا يتعارض مع تأكيده بأنه ليس نصياً، ليقع في مطب آخر يؤكد من خلاله على أحادية التحليل.
ــ أما فيما يتعلق بما عرضه الدكتور نايف، فإنه من الصعوبة بمكان استعراضه بالكامل، لذلك أرى ضرورة التوقف النقدي المختصر في رأيه بأن الإمبريالية مصطلح طبقي، بينما يشكل مفهوم العولمة مفهوماً سائباً، وليس طبقياً، ويدلل على / ثورة الاتصالات والمعرفة… / لهذا يجب التنويه بأن مفهوم العولمة من وجهة نظرنا يعبّر عن الرأسمالية في تجلياتها الراهنة، ولا ينحصر بالمستويات أو الأشكال التي طرحها الدكتور، بل يشمل كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية…. ومفهوم العولمة بالدرجة الأولى يعبّر عن الكونية الرأسمالية بالمستويين الرأسي والأفقي، ولهذا يجب التأكيد على أن الرأسمالية عالمية ومعولمة، وأزمة البدائل السياسية، ترتبط بمستوى من المستويات بأزمة الرأسمالية البنيوية المولدة للاستبداد والتخلف وأيضاً مولدة لحركات التعصب السلفي الأصولي بأشكاله المذهبية والشوفينية… في الدول المحيطية/ الطرفية.
ــ أما فيما يتعلق بما طرحه الدكتور نايف عن الإمبريالية، فإنني لم أزل متمسكاً بشكل عام بما طرحه لينين من الخصائص المحددة للإمبريالية الرأسمالية ( باستثناء آلية تحديد بنية رأس المال المالي). لكن من وجهة نظري أرى إمكانية تشكّل تجليات جديدة للرأسمالية الراهنة في سياق سيرورة إعادة إنتاج وتجديد ذاتي على قاعدة التأزم البنيوي والتعفن الذي نوه له لينين، والذي لا يحد من إمكانية التطور التقني المتسارع للرأسمالية في سياق ميول تحول أشكال رأس المال. وبناءً على التمدد الكوني للإمبريالية الرأسمالية، وتأثيرها السلبي الذي يطال كافة الفئات والشرائح الاجتماعية، فإني أرى ضرورة أن تعبّر الأحزاب الشيوعية عن كافة الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من تناقضات الرأسمالية البنيوية، والتي تفترض دوراً أوضح لكافة الطبقات الاجتماعية، وممثليها السياسيين في صيغة وتكريس البدائل السياسية.
أخيراً أقدم اعتذاري إذا أغفلت بعض ما طرح بسبب ضيق الوقت والمساحة.

جدل – العدد 7 أيار / مايو 2010
تجمع اليسار الماركسي في سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى