التمييز الديني في سوريا
1994 / الرمل الشمالي – اللاذقية – مدرسة توفيق حمود، حينها كان عمري 6 سنوات حين أدركت أن الدين خارج حدود خيالي هو مغاير تماماً للواقع، كان ذلك حين طُلب إلينا أن ننقسم في أول درس تربية دينية لنا في المدرسة إلى طابورين متعاكسين تماماً في المكان، والاتجاه، كان يجب علينا أن ننقسم حسب انتمائاتنا الدينية، وحيث كنا حينها أصغر من أن نكون قد كونّا انتماءاً دينياً كان علينا أن ننقسم حسب انتماء أهلنا، حين بدأ الطلاب بالانقسام، آثرت أن أبقى في الطابور الوسط، وليس حسب ما يبدو للقارئ بأن مظاهر اللادينيّة لديّ بدأت بالتشكل في عامي السادس، لكن كان ذلك التردد مرتبطاً بأنّي لا أعرف إن كان أبي مسلماً أم مسيحياً، وحيث كان أبي تبعاً للمكان الذي ينتمي إليه هو مسلماً، وأمّي تنتمي إلى حيٍّ يندر فيه تواجد الفئة المسلمة في قريتها، حيث كانت العائلات المسلمة ومنها عائلة أمّي تعدّ على أصابع اليد، كما أن علاقات والدي.. إن كانت علاقات العمل أو الصداقات، حتى تلك الصداقات التي كنت أنادي بها لأيٍّ من أصدقائه بـ «عمّي» وأشعر حينها بارتياح وصدقية ومعنى لهذه الكلمة أكثر مما أشعر به حيال عمّي شقيق أبي، حيث كان خليط الجوّ الذي نعيش به يمنعني من إدراك إن كنت مسلماً أم مسيحياً،
ولا أنكر أن الطائفية لم تكن موجودة آنذاك، لكن ما أريد قوله أنه على الرغم من أنّ والديّ استطاعا أن يلغيا التمييز الديني من مجتمعنا المصغّر الذي كنا نعيشه، لكنهم لم يكونوا قادرين على حجب ذلك التمييز حين خروجنا في أول اصطدام مع المجتمع.
وبالعودة إلى المدرسة تلك، كان للمدرّس أن يقودني بكفّ يده نحو طابوري المحدد، وهنا.. على الرغم من انحيازي ظاهرياً نحو طابور.. تولّد لدي الدافع للنضال كي أبقى بالنسبة للطابورين.. في المنتصف.
وطالما كان حديثي عن التمييز الديني، فإن هذا التمييز الذي واجهته في الصغر.. لا زال موجوداً الآن ولو كان هذا بعد 16 عاماً، ولو كان أيضاً بأوجهٍ مختلفة، فاليوم لن يأتيني.. أو يأتي أيّاً منا مدرّس ليأمرنا بالوقوف في طابورنا، بل لهذا التمييز أوجهاً اليوم أكثر تطوراً وتلقائية في التصرف والانصراف نحو الطابور المحدد دون أيّ أمر مسبق، إن كان ذلك في العلاقات الاجتماعية او المدنية او العمل، ولعلّ أبرز هذه الأوجه هو زواج الخلائط الدينية في سوريا.
وهنا لا أعني فقط الزواج بين الإسلام والمسيحية أو أي دينين آخرين سماويين كانا أم غير سماويين، بل أذهب حتى إلى الزواج بين أبناء الدين الواحد من طوائف مختلفة، فبينما يبدو تكوين هذه العائلات كلغز كبير في مجتمعنا، ومهما حاولو إخفاء الأمر فإنهم في النهاية خارج نطاق منزلهم ومجتمعهم المصغر سيكونون أشبه بالمنبوذين أو ككائنات فضائية من كوكبٍ آخر، وكثيرة هي التسميات التي يطلقونها على «ضحايا تخلف المجتمع» كـ مختلف، من غير دين، و مهجّنة.
وعلى الرغم من أن الزواج المختلط في مجتمعنا خاصةً، قد يولّد ازدواجيةً تربوية لدى الأطفال الذين في الطفولة يكونون مرتبطين وأكثر تقارباً مع الوالدة، وفي مرحلة ما بعد الطفولة يظهر اقترابهم من الوالد، وهنا يلعب الأهل الدور الأكبر في الموازنة وإيجاد نقاط الالتقاء بين التربيتين كالتسامح والتفاهم والمحبة، واللتين مهما حاولاً أن يوازنا بينهما فإنهما سيكونان عاجزان عن ذلك بشكلٍ كامل، وذلك يعود مجدداً لما يفرضه عليهم المجتمع.
وعلى الرغم من أن السمة العامة للتوازن المبني عليها المجتمع السوري وتربيته هو التسامح ، إلا أن لكل قاعدة – في سوريا – «شذوذ»، وهنا يشكل الزواج الشذوذ بالنسبة لهذه القاعدة، التي ما أن تحصل حتى يتم تنحية الفرد «الشاذ» بنظر المجتمع، عن مجتمعه، وتتم تبرئته منهم، وقد تصل غالباً إلى المعاداة والتعامل بقمة السلبية.
إحدى الثغرات الظاهرة في مجتمعنا السوري الشرقي، هو تحليل زواج الذكر المسلم من الأنثى المسيحية، بينما يحرّموه في المقابل في حالة الذكر المسيحي والأنثى المسلمة، على الرغم من أن هذا التحريم هو اجتهاد بشريّ شخصي، ولم أجد حتى الآن أيّ نص قرآني يشرّع هذا التحريم، وعند البحث عن السبب، كانت نتيجة هذا البحث بأن الرجل هو رب الأسرة ويجب أن يكون مؤمناً بعقيدة أفرادها، فإذا كان مسلماً فإنه يؤمن بالإنجيلا والتوراة، أما المسيحي فهو غالباً لا يؤمن بنبوة النبي محمد !!!
وهنا نعود إلى الأحكام المسبقة على الآخر ، والنظرة التعميمية، وأيضاً النظرة التعصّبية.
وما يدعم وجود هذه السلبية تجاه هذا الأمر في مجتمعنا في سوريا، فإنه يعود أولاً وآخراً إلى قانون الزواج الذي لا زال إلى حد الآن بعيداً كل البعد عن تحوّله إلى قانون زواج مدني، وطالما بقي على ما هو عليه، فإن هذه العقلية التعصبية ستبقى موجودة في مجتمعنا.
وفي النهاية وجود الأديان كان لضبط المجتمع ونشر السلام، وليس لمحاربة المجتمع للفرد والتمييز والتعصب تجاه الانتمائات.
http://blog.syrtofolio.com/?p=998