فوائد السلام السوري – الإسرائيلي على لبنان
زين الشامي
في الآونة الأخيرة زار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري دمشق، طبعاً لم تكن هذه الزيارة الأولى، سبقتها زيارات عدة، وأخيرا اعترف الرئيس السوري بشار الأسد أن زيارة كيري تركزت على السلام بين سورية وإسرائيل. هذا يعني أن المحاولات لإعادة المفاوضات بين الطرفين لم تنته منذ توقفها في تركيا في أعقاب الحرب على غزة في أواخر 2008.
السلام على الجبهة السورية – الإسرائيلية يعتبر في غاية الأهمية للجميع، وربما اليوم يشكل مفتاحاً لإدارة الرئيس باراك اوباما فيما لو أردات أن تحقق اختراقاً في الصراع العربي – الإسرائيلي وقضية الشرق الأوسط. صحيح أن حل القضية الفلسطينية يبقى أساسياً لإدارة اوباما، وللاستقرار والسلام الدائم في المنطقة، إلا أن سلاماً سورياً إسرائيلياً ربما يكون، وهو حقاً كذلك، السلام «الأسهل» بسبب غياب التعقيدات في ملف هضبة الجولان، ولأن الطرفين خاضا تجربة مفاوضات سابقة وتوصلا لأكثر من 80 في المئة من الاتفاقية المنشودة.
طبعاً لا يعني السلام مع سورية تجاهل القضية الفلسطينية، يبقى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو جوهر عملية الشرق الأوسط، إلا أن السلام مع سورية يبقى خطوة أولية مهمة سوف يحوّل وبشكل كامل ديناميكة العملية ويجعلها أكثر احتمالاً
للتحقيق من أي وقت مضى.
أيضاً ربما هناك من يعتقد عكس ذلك ويقول ان توقيع اتفاقية سلام سورية إسرائيلية سيجعل إسرائيل تستفرد بالفلسطينيين بعد ان يبقوا وحدهم في الساحة، وبعد انتهاء الصراع بينها وبين جميع جيرانها العرب، لكن الحقيقة غير ذلك، لأن سورية دون اتفاقية السلام ومع بقاء هضبة الجولان محتلة، ستعمل على إعاقة أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها لن تترك إسرائيل تنعم بالهدوء، ولقد أثبتت التجارب أن النظام في سورية يعتمد كثيراً، لا بل انه يبني سياسته في مواجهة إسرائيل، وسياسته الاقليمية كذلك، على «الأذرع الطويلة» خارج حدوده سواء في لبنان، أو في الأراضي الفلسطينية، أو حتى في العراق. وقد رأينا جميعاً الدور السوري في نجاح تجربة «حزب الله» في الجنوب اللبناني وانسحاب إسرائيل عام 2000، وما يشكله إلى اليوم الحزب من خطر على إسرائيل، وما يملكه من ترسانة صواريخ بسبب التسهيلات السورية.
طبعاً بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية «كامب ديفيد»، إضافة إلى اتفاقية «وادي عربة» بين الأردن وإسرائيل، بقيت سورية الدولة العربية الوحيدة، إضافة إلى لبنان، التي تملك حدوداً مع فلسطين التاريخية، أي مع إسرائيل اليوم، دون أن توقع معها اتفاقية سلام. ان توقيع مثل هذه الاتفاقية سيغير الكثير من طبيعة الصراع في المنطقة، لا بل ربما من شأنه وإذا ما تبعه حل على المسار الفلسطيني، أن يغير تاريخ المنطقة، وإذا كنا أكثر تفاؤلاً، فإن سلاماً سورياً إسرائيلياً سيكون الخطوة الاولى على طريق تحول إسرائيل إلى جسم طبيعي ومقبول في المنطقة. ومن قال يوماً انه «لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية» كان محقاً تماماً.
بسبب غياب السلام بين سورية وإسرائيل، لن يبقى لبنان هادئاً، كذلك ستبقى ظاهرة «حزب الله»، أو أي ظاهرة حزبية عسكرية مقاتلة أخرى قد تنشأ في المستقبل، وبكل تأكيد سيكون لسورية دور كبير في نشوئها مثل غيرها من التنظيمات والفصائل والحركات المناهضة لإسرائيل الموجودة اليوم في لبنان، سواء أكانت فلسطينية أو لبنانية.
ان سورية ومنذ معاهدة «كامب ديفيد» اختارت أن تقاتل إسرائيل من خارج الحدود، لكن بطريقة غير مباشرة، كلنا يعرف ذلك وإسرائيل أيضاً، لقد رأينا ما جرى في حرب 1982 حين انخرطت سورية وإسرائيل في مواجهة مباشرة إضافة إلى حلفائها من الفصائل الفلسطينية واللبنانية، كذلك رأينا كيف أنها أسقطت «اتفاق 17 ايار» الذي وقعه الرئيس بشير الجميل دون موافقة سورية، أيضاً رأينا كيف انتصر «حزب الله» في العام 2000 بمساعدة سورية وإيرانية، ورأينا كيف أن الحزب بقي موجوداً ومحافظاً على قوته العسكرية وجسمه القيادي في حرب 2006 التي تعتبر بمنظار سورية وإيران و«حزب الله» وجزءاً من الشارع العربي والاسلامي نصراً على إسرائيل.
ان هناك فوائد واضحة لكل من سورية وإسرائيل في التوصل إلى اتفاقية سلام، تحتاج سورية إلى التنمية الاقتصادية، وإلى البدء في عملية اصلاح سياسي واقتصادي، وهذا لن يتم دون التخفيف من احتياجاتها العسكرية الكبيرة، ولن يتم مع استمرار عسكرة المجتمع، واستمرار العمل بقانون الطوارئ بحجة الحرب مع إسرائيل واحتلالها للجولان. كذلك يمكن لإسرائيل الحصول على السلام مع عدو مهم، وهي عملية يمكن أن يتبعها سلام رسمي مع لبنان.
ان سورية بعد أن قررت، أو «اجبرت» على اخراج قواتها من لبنان عام 2005، وبعد أن افتتحت سفارة لها في بيروت، وبعد تأكيد الرئيس بشار الأسد أنه لن يعيد أبداً قواته إلى لبنان تحت أي ظرف من الظروف، وبعد اعترافه بأخطاء شابت العلاقة السورية اللبنانية في مرحلة ما قبل الانسحاب ومقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري، ان كل هذه المواقف تؤشر على عقلية جديدة في التعامل السوري مع لبنان «الدولة» وهذا تقدم في السياسة السورية الرسمية ونظرتها التاريخية إلى دولة لبنان.
ما من شك في أنّ المفاوضات السورية – الإسرائيلية ستؤثر على لبنان بطريقة رائعة، وربما يمكن القول أن لبنان قد يكون المستفيد الأول وليس إسرائيل ذاتها، فمع اتفاقية سلام كهذه، ستحل مشكلة السلاح الفلسطيني، وستسعى دمشق للعب دور كبير في تحقيق انخراط سياسي كبير ونهائي لـ «حزب الله» في الدولة اللبنانية، صحيح أن القرار النهائي في ذلك سيكون في يد طهران، إلا أننا نعرف ماذا يعني الا تكون سورية موافقة على دور عسكري للحزب ضد إسرائيل بسبب التزامها في اتفاقية سلام معها.
أيضاً يمكن أن تتقدم سورية كشريكٍ بنّاءٍ يساهم في حل مشاكل الوضع الداخلي على الساحة اللبنانية ايجاباً وليس معرقلاً بسبب حساباتها الخاصة، أو حسابات الصراع مع إسرائيل. لا ننسى أن حل الصراع بين سورية وإسرائيل، سيعني أن لبنان سينعم بهدوء طويل لأنه خرج من لعبة الصراع الإقليمية ولم يعد يمثل ساحة حرب ومعارك بين الجانبين. فسورية لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تثير مخاوف إسرائيل كذلك إسرائيل لن تقوم بأي دور في لبنان يثير حفيظة وخوف السوريين.
كاتب سوري
الراي