الحالة السورية
زين الشامي
تحفل كتابات عشرات من المعلقين الغربيين والمراقبين للتطورات الأخيرة في المنطقة العربية، بالكثير من التساؤلات عن الحالة السورية ومدى استعداد السوريين للقيام بتظاهرات وانتفاضة شعبية أو ثورة على غرار تلك التي حدثت في تونس ومصر وليبيا، وغيرها من البلدان العربية كالبحرين واليمن.
أسباب الاهتمام بسورية كثيرة لعل أبرزها أن السوريين مثلهم مثل غيرهم من الشعوب العربية يعانون من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية متشابهة، وأهم من ذلك أن السوريين بشكل عام هم شعب مسيس وعرف عنه تأثره بمحيطه وتأثيره فيه، ولعل تاريخ سورية منذ الاستقلال والاحداث التي تلت ذلك تثبت أن السوريين لم يكونوا يوماً بعيدين عما يحصل حولهم، إن لم نقل أنهم أثروا في محيطهم أكثر من أي شعب آخر، فمن سورية بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية على خلفية حرب 1948 وتأسيس إسرائيل، ومن سورية توجه الآلاف إلى فلسطين لمقارعة الدولة الصهيونية الناشئة، كان أبرزهم الشيخ عز الدين القسام ابن منطقة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية على الساحل السوري الذي قاد ثورة 1936 ضد الانكليز والمستوطنين اليهود.
وفي سورية تأسست وانتشرت أهم الأحزاب السياسية العربية، مثل «حزب البعث» الذي تأسس على أيادي كل من ميشيل عفلق وصلاح البيطار، و«الحزب الشيوعي السوري اللبناني»، و«الحزب السوري القومي الاجتماعي»، وهي أحزاب بمجملها أحزاب علمانية ويسارية. ومعروف أن هذه الأحزاب نشطت بفعالية في محيطها الإقليمي والعربي حتى أن «حزب البعث» استطاع أن يحكم دولة مجاورة هي العراق، كما أن «البعثيين» كانوا ناشطين في كل من السودان واليمن والأردن وبعض دول شمال افريقيا.
كذلك فإن السوريين هم من دعوا جمال عبد الناصر واقنعوه بفكرة الوحدة بين البلدين، وسورية هي من اوائل الدول العربية، إن لم يكن وحدها، التي سمح تطور الحياة السياسية وارتقاء فكرة المواطنة فيها بتعيين رجل مسيحي هو فارس الخوري كرئيس للوزراء منـذ منتصف الأربعينات، كما أنها الدولة التي كان فيها الشيوعيون و«الإخوان المسلمين» في الخمسينات يخوضون الانتخابات البرلمانية على قائمة واحدة. ولا نبالغ إذا قلنا ان «السياسة» موغلة في القدم في «الشام» حتى ان بعضهم يقول ان الخليفة معاوية ابن أبي سفيان تعلم فنون السياسة ودهاء الحكم حين كان في دمشق، وأن الدولة الاسلامية وعاصمتها دمشق مع معاوية، هي غيرها ما قبل دمشق ودون معاوية.
لكن رغم كل ذلك، لما تبدو الحالة السورية «متأخرة» عما حولها حيث يعيش العالم العربي مرحلة من الثورات والانتفاضات ضد الفساد والقهر والفقر والقمع وغياب تدوال السلطة، هل تختلف سورية عن محيطها لناحية الأسباب الدافعة للاحتجاج، هل النظام في سورية أفضل من غيره، هل هذا النظام منسجم مع تطلعات مواطنيه وهم منسجمون معه؟
اسئلة كثيرة تشغل بال المراقبين للحالة السورية، وكلها أسئلة محقة ومشروعة في اللحظة التاريخية والمصيرية التي تعيشها المنطقة العربية من شمال افريقيا وصولاً إلى الخليج العربي.
أولاً، لا بد من اأن سورية تشترك مع كل من مصر وتونس وليبيا وأغلبية الدول العربية لناحية انتشار الفساد وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء واضمحلال الطبقة الوسطى وتدهورها وغياب تدوال الحكم. كما انها مثل بقية الدول يحكم حزب شمولي يهيمن على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية منذ نحو نصف قرن، أيضاً تشترك سورية مع بقية الدول لناحية وجود نسبة كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل، ولناحية كونهم، أي الشباب، يشكلون الفئة العمرية الأكثر عدداً بين السكان.
سورية أقرب للنموذج الذي كان سائداً في اوروبا الشرقية في مرحلة السبعينات والثمانينات، نقصد نموذج الدولة الأمنية وحكم الفرد وانعدام الحياة السياسية وقمع الأصوات المعارضة واحتجاجات المثقفين. وعربياً هي الأقرب للنموذج الناصري، لكن دون انجازات الناصرية على مستوى البنية التحتية والاقتصادية والتنموية، ودون شعبية وجماهيرية عبد الناصر. نظامها في الحقيقة هو أقرب إلى «هيكل وشكل» الحكم الناصري القائم على سيطرة حزب واحد على الحياة السياسة مع الغاء جميع المختلفين والمعارضين.
فوق ذلك، سورية تعاني من «تكسر اجتماعي» كون مجتمعها متعدد الطوائف والاثنيات، وهنا تختلف عن النموذج المصري والتونسي والليبي.
سوء الفهم هذا كان من شأنه أن ساعد في تأخير وانضاج الحالة السورية وتوحدها حول الموقف من النظام، فالموقف اليوم من النظام السياسي متصدع شعبياً تبعاً لتصدع المجتمع نفسه بين مجموعات كلها حذرة ومتوجسة وتخاف بعضها البعض.
لا ننسى أن السوريين يعيشون منذ دولة الوحدة مع مصر، تحت ظل دولة أمنية وعانوا كثيراً من بطش الأجهزة، كما أن أحداث الثمانينات الدموية والمعارك بين «الإخوان المسلمين» والنظام، وما تبعها من عسكرة الحياة العامة وقمع أي اتجاهات معارضة مهما كان نوعها، كان من شأنه أن يجعل السوريين أكثر الشعوب العربية خوفاً. لكن رغم كل ذلك فلا احد يعرف ماذا يخبئ لنا الغد. الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا، فاجأت أعتى وأهم الأجهزة الاستخبارية في العالم وكل المحللين والاستراتيجيين.
الراي