السوريون و الكاميرا : المسؤول له قناع أمامها و المواطن له قناع أيضا !؟
خالد سميسم
في زيارة قمنا بها إلى واشنطن مع عدد من الزملاء الصحفيين السوريين لفت نظرنا خلال جولة قمنا بها في متحف ” الأخبار” و هو متحف يحوي الكثير من تقنيات التصوير القديمة و الحديثة و كذلك الصحف القديمة و الحديثة أيضا و كل ماله علاقة بالإعلام، لفت نظرنا لوحة كبيرة فيها أغلب صور الصحفيين الذين قضوا موتا في الحروب أو أثناء العمل في العالم، و ضمن تلك الصور أيضا يوجد عدد من الصحفيين و الإعلاميين العرب الذين قتلوا في السنوات التي مضت في العراق، و في نظرة لهذه الصور ينتابنا شعور بأن الصحفي لا يستهدف فقط لأنه صحفي بل كونه سيكشف أشياء، و بالتالي ستضرب كاميرته التي يصور بها باعتبارها أداة للكشف………
هذا الاستهداف للكاميرا كان أغلبه في الحروب في العراق أم فلسطين أما في سوريا ثمة “استهداف” للكاميرا من نوع آخر، يظهر عند بعض المسؤولين أو من قبل أناس عاديين، و ثمة خوف من قبل شرائح كبيرة في مجتمعنا منها، إذ أتضح أن لكل أسبابه في هذا الخوف..
و للحقيقة ان عددا لا بأس به من الناس يخافون منها حتى لو أردنا تصويرهم في وضح النهار، لأن من نقصدهم لا يفضلون سوى البقاء بعيدا عن الضوء وإدارة أعمالهم في الظلمة، إذا هي حالة يريدون المحافظة عليها، لذلك نراهم يخشون الكاميرا التي تعني “الكشف” و الفضيحة لهم بشكل أو بآخر.
و هذا لا يعني أنهم لا يحبونها ، لا بل هم يحددون الوقت و المكان المناسبين ليبتسموا و يديروا وجوههم الممتلئة نحو العدسة، فهم سيحددون لك متى تبدأ التصوير، في أي دقيقة أو حتى أي ثانية، عند ذلك نتابع بحكم خبرتنا، كيف يقوم هؤلاء بارتداء القناع، وجه واثق، مبتسم، جدي عند الضرورة، حريص على المصلحة العامة و بالطبع أمام الكاميرا….
ففي أحد المرات اقتربنا من امرأة تقوم بمد يدها إلى الناس ( متسولة) كي نصورها و ما إن شاهدت العدسة تصوب باتجاهها، حتى هجمت مذعورة و راحت تشتمنا بكل ما عرفت من كلمات سوقية.
وفي أحد شوارع دمشق بينما كنا نحاول التقاط صورة عامة لهذا الشارع لحق بنا أحد الرجال مدعيا أننا صورنا زوجته و يريد أن يحرق الفيلم أو يحرقنا، و كذلك في أحد أسواق الخضار أحتج أحد الباعة على الصورة التي التقطت للسوق لأنه ظهر فيها.
و كذلك في حوار كنا قد قمنا به مع أحد المسؤولين رغم أنه وضع القناع المناسب الذي يوحي بأنه من النوع ( المخلص جدا) للوطن طلب أو يبدل لباسه ( الطقم) أثناء التصوير ليبدو على أحسن حال ، ثم أخبرنا أنه يريد الصورة عندما يتحدث ليوحي من خلالها أنه رجل عملي ، و حقيقة بدأ الحديث بأشياء لا تهمنا و لا تخدم الحوار و كل اهتمامه كان منصبا على الكاميرا ، حتى انه حاول إقامة علاقة ودية مع المصور الصحفي الذي يرافقنا .
من خلال العمل أيضا القليل القليل من الناس في سوريا يرضون أن نتجه بالكاميرا نحو وجوههم فورا و نسألهم، لا بل علينا الانتظار “ليظبط” الشخص نفسه ، ربما ليستعد من كافة النواحي لمواجهة المجتمع و الدولة و أي شيء يخطر على باله، و يظهر لنا في كثير من الأحيان أن ثمة حديث أمام الكاميرا ووجة نظر تكون مختلفة حين إبعادها.
مؤخرا حكى لي صديق كان يعمل مرافقا لبعثة أثرية يابانية تنقب عن الآثار في قرية بعيدة عن مدينة حلب، عندما هجم شاب في مقتبل العمر من أهالي القرية على مقر البعثة مدعيا أن رجلا يابانيا قد التقت صورة لزوجته عندما كانت تحمل جرة الماء على رأسها، واعتبر أن الأمر قضية تمس بشرفه،و لم يعرف من الذي قام بالتصوير، و لكن بعد مغادرة البعثة أرسل الرجل الياباني الذي قام بالتصوير، على صندوق بريد القرية صورا لكل الأهالي و من ضمنهم صورة لامرأة جميلة تحمل جرة على رأسها.!
على ما يبدو أن الكاميرا مازالت غير مفضلة لا بل مكروه عند عدد كبير من الناس، و هؤلاء ربما يفضلون الظلمة و الظل على النور و النهار..بالفعل هي آلة ربما تقتل صاحبها..في الشرق..شرقنا.
كلنا شركاء