خيبة الأمل السورية بعد لقاء أنابوليس
رضوان زيادة
عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، العائدة من الشرق الأوسط، في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2007 عن تنظيم لقاء أنابوليس بدا وكأن الإدارة الأميركية تسترجع في أيامها الأخيرة ما نسيته في سنواتها الطوال، إنه عملية السلام.
لكن المؤتمر الجديد (تحفظت الإدارة على كلمة مؤتمر ووصفته بالاجتماع) أثار وفور الإعلان عنه إشكاليات عدة تتعلق بطبيعته. فالدعوة إلى «مؤتمر دوليّ» (أي في المصطلح الديبلوماسي: بإشراف الأمم المتحدة وانطلاقاً من قراراتها) تحوّل إلى «اجتماع» تعدّ له وترعاه الولايات المتحدة وحدها. أما جدول أعماله فقد اتصف بالغموض.
أما المشاركون به فهم يتصفون جميعهم بالضعف، فالرئيس بوش يشهد الأيام الأخيرة من ولايته فضلاً عن الانتقادات العنيفة التي يتعرض لها في إدارة الحرب على العراق، أما الرئيس محمود عباس فلا يكاد يحكم سيطرته إلا على مدينة رام الله وما حولها. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ففضلاً عن صعوبة وضع حكومته الائتلافية والملاحقات القضائية التي تعكر صفوه فإنه أضعف من أن يتخذ قراراً بتقديم «التنازلات» الضرورية لإعطاء الرئيس عباس المبرر للمضي في لقاءاته الثنائية معه. فبنظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس يجب معالجة مسائل الحدود والقدس واللاجئين والاستيطان، أي قضايا الحل النهائي.
لقد قررت سورية في البداية أنها غير معنية بالمؤتمر، وصرحت على لسان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد أن نجاح مؤتمر أنابوليس الدولي للسلام يعتمد على وجود إطار زمني محدد لتحقيق السلام في المنطقة، إضافة إلى إدراج الجولان السوري المحتل على جدول الأعمال والالتزام بالمرجعيات الدولية لعملية السلام. وأن سورية لن تحضر المؤتمر ما لم توجه الدعوة إلى دمشق كـ «طرف أصيل وليس عضواً في لجنة تفعيل مبادرة السلام العربية» كما صرحت بذلك وزيرة الخارجية الأميركية.
لكن موسكو، وعبر مبعوثيها سلطانوف وبريماكوف اللذين زارا سورية أكثر من مرة، نصحت دمشق بضرورة حضور المؤتمر الدولي، وأقنعتها بأن لدى روسيا «أفكاراً»، بحثت فيها مع واشنطن وتل أبيب، مفادها انه طالما أن المؤتمر الدولي «سيركز على المسار الفلسطيني، فإن موسكو باعتبارها عضواً في اللجنة الرباعية الدولية (مع أميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) مستعدة لاستضافة مؤتمر ثان في بداية العام المقبل للبحث في كل المسارات بما فيها المسار السوري». وأن المؤتمر الروسي سيكون متابعة لأنابوليس ويناقش التسوية الشاملة على أساس مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية، ولذلك لا بد من النظر إلى مؤتمر أنابوليس على انه «فرصة» ديبلوماسية، ونقطة انطلاق لمحادثات بشأن المسار السوري مستقبلاً.
ولعل هذا ما دفع سورية الى الضغط على قادة المنظمات الفلسطينية لتأجيل مؤتمرها المناهض لأنابوليس في دمشق، فعرضت طهران استضافة المؤتمر، في حين قرر قادة الفصائل الفلسطينية تأجيله بعد ممارسة ضغط سوري كي لا تظهر دمشق وكأنها تعمل على إفشال مؤتمر أنابوليس.
وهو ما ساهم في ترتيب أساس للقاء الوزير وليد المعلم ورايس على هامش مؤتمر دول جوار العراق الموسع في اسطنبول، حيث «شكرت» رايس المعلم على قرار دمشق «تأجيل المؤتمر» مع الإشارة إلى أن «إلغاءه كان أمراً إيجابياً».
لكن قرار الحسم النهائي بالنسبة الى المشاركة السورية يعود إلى اتخاذ لجنة المبادرة العربية في اجتماعها في القاهرة قرارا بالمشاركة على مستوى وزاري في مؤتمر انابوليس للسلام بهدف دعم الموقف الفلسطيني، حيث تمسكت بـ «المقاربة الشاملة لحل الصراع وبالمبادرة العربية للسلام»، في حين تمسكت سورية بإدراج الجولان على جدول أعمال المؤتمر بشكل «جوهري وليس إجرائياً»، مضيفة أن قرارها النهائي من الحضور ومستوى التمثيل مرتبط بالجدول النهائي للمؤتمر.
وعقب الاجتماع، أصدرت لجنة المبادرة العربية للسلام بيانا جاء فيه أنها قررت المشاركة في مؤتمر انابوليس «على مستوى وزاري» و «في إطار المرجعيات المتمثلة بقرارات الشرعية الدولية وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية» بهدف «دعم الموقف الفلسطيني» و «في ضوء ما لمسته اللجنة من الموقف الأميركي بأن يتناول جدول أعمال المؤتمر العلمية السلمية في إطار شمولي وكامل». وبعثت اللجنة رسالة إلى وزارة الخارجية الأميركية تطالب فيها بإدراج قضية الجولان والمسار اللبناني صراحة على جدول أعمال الاجتماع الدولي، بعدما أصر وزير الخارجية السوري وليد المعلم على ذلك كشرط مسبق لقبول دمشق المشاركة.
وصرح الوزير وليد المعلم إن «وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وعدت الجانب العربي خلال اتصالات معها برد ايجابي على رسالة متعلقة بتضمين المسارين السوري واللبناني ضمن أجندة مؤتمر أنابوليس»، وأضاف «إذا لبت واشنطن الطلب العربي، فإن سورية ستشارك في مؤتمر أنابوليس».
وفي النهاية أكدت سورية مشاركتها في المؤتمر الدولي للسلام ممثلة بنائب وزير الخارجية فيصل المقداد، بعدما تسلمت جدول أعمال المؤتمر الذي أشار إلى أن الجلسة المخصصة لمناقشة «السلام الشامل» تتضمن «المسار السوري» و «المسار اللبناني» و «التطبيع». ودعا المقداد في كلمته في الاجتماع إلى معاودة مفاوضات السلام مع إسرائيل المعلقة منذ عام 2000. وشدد على ضرورة انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة قبل أن تقيم الدول العربية علاقات طبيعية معها. كما أكد أن مشاركة سورية في هذا الاجتماع «خطوة إضافية من جانبها للمساهمة في صنع سلام عادل وشامل في منطقتنا المضطربة». وذكر أن سورية أجرت مفاوضات مع خمس حكومات إسرائيلية متعاقبة من دون جدوى، وان هذه المحادثات توقفت بقرار إسرائيلي عام 2000.
إن المشاركة السورية في مؤتمر أنابوليس هدفت بشكل أساسي إلى إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة برغبتها في إعادة التعاون ولكن وفق طريقتها الخاصة، كما هدفت أيضاً إلى إعادة ربط العلاقة مع الدول العربية، خصوصاً مصر والسعودية من خلال دعم المشاركة العربية الموحدة وبالوقت نفسه القول إن العلاقة مع طهران لن تكون على حساب العلاقة مع الدول العربية.
لكن من المشكوك به أن يكون الهدف السوري من المشاركة في لقاء أنابوليس قد حقق أهدافه وهو وضع الجولان السوري على أجندة المفاوضات السلمية، ذلك أن الولايات المتحدة ما تزال غير راغبة في تشجيع سورية على الانخراط في عملية السلام وإغلاق الملفات الأخرى العالقة معها لا سيما العلاقة مع لبنان، وإن كان هناك اتجاه داخل وزارة الخارجية يرى أن تشجيع سورية لخطواتها في العراق يجب أن يكون عبر فتح الأمل لها بأن استئناف المفاوضات مع إسرائيل قد يفتح استعادة الجولان أمامها.
على كل الأحوال، تبدو الخيارات السورية محدودة، ولذلك تبدو دمشق معنية اليوم ربما أكثر من أي يوم مضى باستئناف المفاوضات بما يفتح باب تأهيل علاقاتها الدولية والعربية، وربما باب الأمل باستعادة الجولان.
كاتب سوري وباحث في معهد الولايات المتحدة للسلام – واشنطن