الرئيس أوباما بين الرغبة والقدرة
حسين العودات
قبل عام ألقى الرئيس أوباما خطابه (التاريخي) في جامعة القاهرة، بحضور ألفين وخمسمئة مدعو، توجه به إلى العالمين العربي والإسلامي، وافترض الجميع أمريكيين وعرباً ومسلمين أن الخطاب يتضمن سياسة الرئيس وإدارته تجاه البلدان العربية والإسلامية، ولذلك أصغوا إليه بانتباه، وتناولوه من جوانبه الإيجابية، وحملوه ـ أحياناً ـ ما لم يكن يحمل، خاصة أنه جاء ـ
بما احتواه ـ وكأنه انقلاب على سياسة إدارة الرئيس بوش ، وعندما استهله (بالسلام عليكم) هاج المدعوون في القاعة واستقبلوا تحيته بالتصفيق وقوفاً، ليس فقط لأن التعبير إسلامي ويشير إلى تودد الرئيس وعدم حذره أو خشيته من استعمال هكذا تعبير، بل لأن العبارة تعني أيضاً أنه رسول سلام تخلى عن شعارات الحرب الكريهة التي أطلقتها إدارة الرئيس بوش ومارستها في البلدان العربية والإسلامية طوال ثماني سنوات، واعتبرت الإسلام عدواً رئيساً للولايات المتحدة والغرب والحداثة والحضارة وغيرها، وكان خطاب الرئيس أوباما إيذاناً بطي مرحلة وبدء مرحلة جديدة من العلاقات بين العرب والمسلمين وبين الولايات المتحدة، خاصة عندما ضمن الرئيس خطابه مواقف مختلفة كلياً عن مواقف الإدارات السابقة، حيث نادى بالحوار (الحضارات والأديان) واعتذر عن عداء هذه الإدارات للإسلام، وقال بحل الدولتين وأبدى أسفه وحسرته على الفلسطينيين وعيشهم البائس واستنكر الاستيطان، ونادى بحق شعوب المنطقة في تقرير مصيرها، وتمنى أن تقيم ديمقراطيتها وتطور حياة شعوبها، وشجب عدوان بلاده على بعض دول المنطقة، وأكد أن لا مطامع لدى إدارته لا في إقامة قواعد عسكرية ولا في غيرها، وبالإجمال قدم وجهة نظر وسياسة ما عهدها العرب والمسلمون من الإدارات الأمريكية السابقة، ولعل هذاهو الذي شجع السياسيين والمراقبين والصحفيين العرب على إطلاق صفة (تاريخي) على الخطاب، خاصة أنه جاء مكملاً لخطابه في أنقرة قبل شهرين من ذلك الوقت أمام أعضاء المجلس النيابي التركي واعُتبر خطاب القاهرة وخطاب أنقرة يشكلان معاً ملامح سياسة أمريكية متكاملة تجاه القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
لم يستطع الرئيس تنفيذ ما جاء في خطابه، رغم المحاولات التي بذلها (وعلى الغالب مخلصاً)، فلم ينجح في إيقاف الاستيطان لا أيقافاً دائماً ولا مؤقتاً، أو في دفع المفاوضات خطوة إلى الأمام، أوإيقاف العدوان الإسرائيلي اليومي على الفلسطينيين، ولا في بناء الثقة بين العرب والمسلمين وبين إدارته، وبناء حوار جديد بين الحضارات أو بين الأديان، ولا في تخفيف الاتهامات التي تطاول العرب والمسلمين وتضعهم في صف الإرهاب والإرهابيين، ولم تساعد إدارته في تخفيف تواجدها العسكري في المنطقة العربية، أو تعزف عن نهب ثروات بلدانها، وفي الواقع لم تتغير سياسة الولايات المتحدة ولم تختلف سياسة إدارة أوباما عن إدارة الرئيس بوش إلا بأنها (تذبح بريش النعام) بينما كانت إدارة بوش تصرح بعدائها في كل مناسبة، وتستعمل العصا الغليظة بدون جزرة، ولا تخفي كرهها للعرب والمسلمين وعداءها لهم، وتفتخر بهذا العداء وذاك الكره.
يفرض تساؤل نفسه في هذا المجال وهو: هل الرئيس أوباما راغب بهذه السياسة وموافق عليها، وبالتالي هل كان يخدع العرب والمسلمين عندما ضمن خطابه في جامعة القاهرة ما يرضي ويسر، أم أنه لم يكن يدرك أن رغباته ليست أوامر ومهما كانت آراؤه سديدة فهي ليست دائماً قابلة للتنفيذ، وأن مراكز القوى في بلاده هي التي تصنع القرار وليس الرئيس، وفي ضوء هذا ذهبت رغباته أدراج الرياح، وتبخرت أمانيه في أن يكون فعالاً في تطبيق رؤيته تجاه القضايا العربية والإسلامية؟ ويبدو لي أنه كانت لدى الرئيس كل الرغبة ولكن لم تكن لديه القدرة.
أخطأنا- وربما أخطأ الرئيس أوباما أيضاً ـ عندما اعتقدنا أن رئيس الولايات المتحدة كمعظم رؤساء بلدان العالم النامي يأمر فيطاع، وهو صاحب القرار وصانعه ولا يرد له طلب، بينما واقع الحال يشير إلى أن القرار في الولايات المتحدة هو نتيجة توازن عدة قوى أو حوارها أوصراعها أحياناً، وجميعها خارج قبضة الرئيس، فالاحتكارات النفطية لها دور في اتخاذ القرار، وكذا احتكارات صناعة السلاح (المجمع الصناعي العسكري) والاحتكارات الأخرى، فضلاً عن الكونغرس، والمؤسسة العسكرية والأمنية، وقوى الضغط الاجتماعية (اللوبي اليهودي مثلاً) ومؤسسات الدولة المختلفة (كوزارة الدفاع، ووزارة الخارجية وغيرهما) ويكون القرار عادة نتيجة تسوية بين هذه القوى، أو خلاصة صراع هذه القوى، وما الرئيس في الواقع سوى قوة من هذه القوى لا أكثر ولا أقل، ومن يعتقد أنه صاحب القول الفصل في اتخاذ القرارات الأساسية، أو في رسم السياسة الخارجية إنما ابتعد عن الصواب.
يرى البعض -على العكس من ذلك – أن الحسم في النهاية يعود للرئيس، ويستشهد بإجبار الرئيس ايزنهاور عام 1956 حكومة بن غوريون على الانسحاب من سيناء، لكن جميع الدراسات التي تناولت ذاك القرار تؤكد أنه لم يكن قرار الرئيس أيزنهاور وإنما قرار الاحتكارات وخاصة (النفطية والصناعات العسكرية) التي كانت تطمع في نفط الشرق الأوسط وفي بيع منتجاتها الصناعية من الأسلحة للبلدان العربية التي لم يكن النفوذ الأمريكي قد هيمن عليها بعد، فضلاً عن إملاء (الفراغ) الذي سيتركه البريطانيون والفرنسيون (الاستعمار القديم) بعد الانسحاب من المنطقة، فكان لابد للسياسة الأمريكية أن تتودد للعرب ولذلك اتخذ الرئيس أيزنهاور قراره.
وأخيراً هل يعني هذا أن لا أهمية للرئيس باتخاذ القرار؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك، فالرئيس قوة من هذه القوى وقد تكون القوة المميزة ، ورغم أن النظام السياسي الأمريكي نظام رئاسي وديموقراطي، ينتخب المواطنون الأفراد رئيسه ، إلا أن مراكز القوى هي التي تحكم البلاد.
البيان