صفحات العالم

المجتمع المدني يقاوم

ساطع نور الدين
عندما تتولى منظمات المجتمع المدني العربية والأجنبية قيادة الصراع على فلسطين، وتستقر الأنظمة العربية في مقاعد المشاهدين المحايدين، وتكتفي تنظيمات المقاومة بدور المشجعين والمصفقين، تقتحم القضية الفلسطينية عوالم جديدة، هي أدنى بما لا يقاس من عالمها السابق الذي كان أحد أهم مكونات الهوية السياسية والثقافية للعرب، وأعلى بما لا يدع مجالا للشك من جميع أساليب وأيديولوجيات المواجهة الراهنة للمشروع الاسرائيلي.
ابتكار تلك الطرق المدنية السلمية لفك الحصار عن مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة، هو حتما أضعف الايمان وليس أشده. الأساطيل المتوجهة الى القطاع تقوم بعمل إنساني وأخلاقي لا جدال فيه، لكنه عمل دعائي أيضا يهدف الى فضح دولة إسرائيل وسلوكها الوحشي إزاء الفلسطينيين وأبسط حقوقهم المعيشية.. التي احتلت مكان حقوقهم الوطنية والسياسية المعلقة أو المؤجلة في انتظار اكتمال شروط يضعها المسؤولون في مختلف أنحاء العالم، ويقبلها المتضامنون الذين يغامرون بأرواحهم من أجل إيصال المعونات الغذائية والصحية الى أطفالهم، وهي استعادة وحدتهم الوطنية التي يفترض أن تنزع عن جناحهم الإسلامي شرعية تمثيله أو بعضا منها، وبلورة خطتهم السياسية التي تتلاءم مع الوقائع التي فرضها الاسرائيليون على الارض الفلسطينية.
هو عمل من خارج السياسة، التي يفترض أن تشتمل على الدعاية لدى الرأي العام العالمي لكنها لا تقتصر عليها، ان ترفع غصن الزيتون لكنها لا تكتفي به، وتحاول دائماً فتح جبهات للاشتباك مع العدو وإطلاق النار عليه، في أي مكان في العالم، وفتح قنوات الاتصال مع أي حليف أو نصير محتمل للقضية برمتها وليس لبعدها الإنساني والأخلاقي الذي يحفز أساطيل الإغاثة الدولية خاصة على الدخول في سجال مع دولة إسرائيل ومعاييرها الإنسانية والأخلاقية، فيما يعيد الى الأذهان جانبا من الحملات التي شنها الغرب على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.. حيث يجب الاعتراف بأن مقاومة السود كانت أهم وأفعل من مقاومة الفلسطينيين على اختلاف تنظيماتهم وقياداتهم السياسية.
الجمهور الغربي الذي يتعاطف مع أساطيل الإغاثة وسعيها لإنقاذ سكان غزة من محنة إنسانية وصحية ومعيشية، يقود في اتجاه تكرار التجربة الافريقية الباهرة، على المدى البعيد، الذي لا يمكن تقصيره إلا بقراءة دقيقة لنضال السود في أقصى جنوبي القارة، حتى ولو اتضح أنها عودة بالقضية الفلسطينية الى نقطة البداية التي سبق أن تجاوزتها في مراحل عديدة من الصراع، عندما حازت في الماضي القريب الاعتراف الدولي شبه الإجماعي بشرعيتها وبندقيتها وخطابها السياسي، وعندما كانت تختزل توق العرب ومعهم شعوب العالم الثالث كله الى الحرية والاستقلال والسيادة.
قد تبدو الرحلات البحرية في اتجاه غزة انتكاسة للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي انحدرت أولوياته القصوى الى السعي فك الحصار عن مليون ونصف مليون مواطن، لكن ذلك الجمهور الغربي الذي يعبر اليوم ولو بشكل خجول ومحدود جدا عن تعاطفه مع تلك المسألة الإنسانية هو السلاح الوحيد المتبقي في معركة كثر فيها عدد المشاهدين والمشجعين العرب، وندر فيها عدد المقاتلين الأشداء والمفاوضين الدهاة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى