النظام السوري: تطويع المجتمع حسب نظرية القرود الخمسة
الذي ينظر إلى حال المجتمع السوري سيتعجب حقيقة من الصمت المطبق الذي يرزح تحته، فلا غلاء أسعار يحركه، ولا تنامي الفساد يضجره، ولا النهب المنظم يجعله يحتج، ولا الاعتقالات ترفع صوته… والناشطون السياسيون من حقهم أن يصيبهم الإحباط الشديد حين يرون أن كل تحركاتهم وبياناتهم لا تلقى صدى في المجتمع »بغض النظر عن القصور الذاتي للنشاط السياسي السوري المعارض«، ولا تحرك ساكناً ولا يلتف حولها أحد. وسيجدون أن نشاطهم وسنين عمرهم في السجون لم تترك أثراً في الحراك المجتمعي، بل ويعجب المرء من الحماس الشديد في تأييد النظام من غالبية الناس على ما توحي بذلك تعليقات القراء في المواقع الالكترونية.
لقد زرع النظام عبر تاريخه الممتد في إرهاب الناس »والمواشي حتى« ما سماه عبد الرزاق عيد »ثقافة الخوف« ويبدو لي أن الأمر لم يأت اعتباطاً؛ بل خضع لدراسة معمقة في علم الموارد البشرية وأكاد أن أقول أن نظم إدارة الموارد البشرية استخلصت نظرية »القرود الخمسة« من آليات تعامل النظام السوري مع »شعبه« وقد أضحت نظرية شهيرة في علم إدارة الموارد البشرية الحديث نسبياً. ونظرية القرود الخمسة لمن لا يعرفها هي باختصار:
أحضر خمسة قرود وضعهم في قفص، في منتصف القفص قم بتعليق عنقوداً من الموز، ضع تحته سلما. قف جانباً وراقب القرود وبيدك »خرطوم« ماء. سيسارع قرد من المجموعة لاعتلاء السلم محاولا الوصول إلى الموز. ما أن يضع يده على الموز؛ أطلق رشاشاً من الماء البارد على القرود الأربعة الباقية في أرض القفص! بعد قليل سيحاول قردٌ آخر أن يعتلي السلم ليصل إلى الموز، كرر نفس العملية، رش القرود الباقية بالماء البارد. بعد تكرار العملية عدة مرات ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد اعتلاء السلم للوصول إلى الموز ستقوم المجموعة بمنعه خوفا من الماء البارد
الآن، اترك الماء جانباً؛ واخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص، وضع مكانه قردا جديدا لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد. سيسارع القرد الجديد إلى السلم لقطف الموز! حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه، وستضربه بشدة إن لم يمتثل للأمر فوراً. بعد أكثر من محاولة سيدرك القرد الجديد إن محاولة قطف الموز تعني هجوم باقي المجموعة عليه وضربه.
اخرج قردا آخر ممن عاصروا أيام رش الماء البارد، وادخل قردا جديدا بدلاً عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق يتكرر من جديد. سيحاول الصعود إلى »سلم الموز« فتهب القردة الباقية منهالة عليه ضربا لمنعه. بما فيهم القرد الجديد الذي دخل قبله ولم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا تم ضربه في السابق، كل ما هنالك أنه تعلم أن محاولة قطف الموز تعني ضرباً شديداً له على يد المجموعة. لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد الذي جاء بعده!
استمر بتكرار عملية إخراج القرود ممن عاصروا رش الماء البارد، وكلما وضعت قردا جديدا سيتكرر نفس المشهد. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء بقرود جديدة.. أصبح لديك مجموعة قرود لم تعاصر رش الماء اخرج قرداً منها وادخل قرداً جديداً سيتكرر نفس المشهد… تنهال القردة ضربا على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم. لماذا؟ لا أحد منهم يعرف السبب! لكن هكذا أصبحت المجموعة تدريجيا.
وهكذا أصبح المجتمع السوري بعد أعوام من حفلات رش الموت والتغييب والسجون و… التي مارسها النظام بحقه، للدرجة التي أصبح يوصيني ابني الذي في الصف التاسع أن اكف عن الكتابة عن »الشباب«
نعم؛ سوريا بلادُ بلا أمل.. وهو المقال الذي »ركّز« عليه الشباب في فرع فلسطين حينما حققوا معي في الصيف الفارط…
خلف علي الخلف
ايلاف
2008 السبت 9 فبراير