العالم لنا
عباس بيضون
في لقاء بين سلمان رشدي وبول اوستر اللذين ولدا في العام 1947 نفسه وجمعتهما صداقة منذ وقت طويل. يقول سلمان رشدي الذي ولد في بومباي انه شب وهو يسمع الفيس بريسلي بدون أن يهتم بكونه أميركيا. وانه بالطريقة ذاتها حضر كل الكوميديات الموسيقية وشاهد كل الأفلام الغربية، وطبعاً بدون أن ينشغل كثيراً بمصدرها فالحياة في بلد كبومباي تعني ان يكون المرء في مهب كل التيارات التي تأتي من العالم. يمكن لغير سلمان رشدي ان يروي الحكاية نفسها، أن يقول إنه في بيروت والقاهرة أو دمشق أو بغداد قرأ إليوت وويتمان وريلكه وبيرس وغوته وفوكنر وبروست بدون أن يشعر أنه في حومة لغات وثقافات مختلفة. إنه شاهد إيليا قازان وفلليني وتروفو وهيشكوك بدون أن يهتمّ بكون الأول أميركياً والثاني إيطالياً والثالث فرنسياً.. الخ وانه سمع بيتهوفن ودويبسي والبيتلز والفيس بريسلي بدون أن يميّز كثيراً بين منابت هؤلاء ولا حتى عصورهم وأنواعهم، فالواضح أننا في عواصم كهذه نتلقى ودفعة واحدة نتاجات من كل العالم وكل العصور. نجد أنفسنا في الوقت نفسه تحت دفق العالم باختلاف بلدانه ولغاته وثقافاته واختلاف عصوره ومراحله ولا نبالي. لا نفرز لغة من لغة ولا فناً من فن ولا عصراً من عصر. انه طوفان وطوفان حقيقي يفيض من كل الجهات. ليس طوفاناً فحسب لكنه في الغالب مزيج متناقض وغريب وخلطة غير مسبوقة. ثم أنه تواقت لمصادر لا تتواقت في العادة ولا تتناسب لا في المادة ولا في الزمن. مع ذلك نتلقى كل هذه الفوضى وكأنها نظام واحد، وكل هذه التيارات وكأنها سياق واحد.
لا يبدو على سلمان رشدي أنه نقدي تجاه ذلك. أكاد أقول إنه فخور، اذا كان التعدد الثقافي الذي يتكلمون عنه شيئاً فهو هذا. لا يهتم سلمان رشدي كثيراً بما يحصل في هذا التلقي المتعدد من تغريب وتحريف للمصادر من خلط ومزج غريبين، من قطع عن الأصول. لا يبدو انه مهتم كثيراً بهذا. هل علينا نحن أن نهتمّ، ان نجد في خلط وتسوية المصادر المتعددة هرطقة، في تغريبها خيانة، في تحريفها وتحويرها وتحويلها إلى استخدام خاص جهلاً وانحطاطاً بها إلى درك لا يناسبها. هل علينا أن نجد في ذلك لعنة أم امتيازاً. سلمان رشدي لا يحاسب نفسه على ذلك. يجد فيه امتيازاً وحظاً. لكن سلمان رشدي يكتب بالانكليزية وبالانكليزية حوَّل تلك الهرطقة إلى رؤية خاصة، جعل منها لقاء فريداً بين الشرق والغرب. حول ذلك العار الكولونيالي حقاً إلى ميزة. هل كان سلمان رشدي تكلم على هذا النحو لو كان يكتب بالبنغالية أو الأردية. كان طاغور يترجم أشعاره بنفسه. هل كان اضطر إلى ذلك لو كان يكتب مباشرة بالانكليزية. هل كان احتاج إلى أن يكتب نسختين واحدة منها لقومه وأخرى للعالم، مع ذلك فإن جواب رشدي البسيط يدعو إلى التأمل. إننا نرث العالم كله ودفعة واحدة. أليس ذلك فعلاً امتيازاً.
السفير