هكذا سـُـئـِـلت ُ مـَـن يكون سعد الله ونوس ؟
بعد َ أن إستمتعت ُ كثيرا ً بقراءة قصصيّة “ تفاصيل “ للكاتبة ديما ونوّس ، عزمت ُ على شراء روايتها التالية “ كرسي “ التي صدرت في العام الماضي . بحثت ُ كثيرا ً في الكثير جدّا ً من المكتبات الدمشقيّة و لم أستطع العثور على أيّة نسخة ؛ كان الجميع يقول أن ّ النسخ قد فرغت من الأسواق ، لذا استغليت ُ رحلتي إلى محافظة حمص للسؤال عنها في السوق الحمصيّة للكتاب ، لكن ّ عمليّة البحث في حمص كانت مؤلمة و حزينة جدّا ً ؛ تعاني حمص من أزمة ثقافيّة من النوع المؤلم . بحثت ُ كثيرا ً و لم أوفـّق في أن ّ أيّ من المكتبات عرفت شيئا ً عن أي ّ من الكتاب أو كاتبته ُ و لكن ّ الموقف الذي كان أكثر و أشد ّ غرابة و حزنا ً من كل ّ ذلك هو أحد موظفي معرض الكتاب العربي في حمص :
كنت ُ أسمع وقع خطواتي المترددة و أنا متجهة ً نحو الباب ٍ الزجاجي ّ الذي كتب َ عليه “ معرض الكتاب العربي “ بلون ٍ أحمر داكن و خلفيّة بيضاء ، ذكرياتي مع هذا المعرض متعبة منذ ُ الصغر . معرض الكتاب العربي الذي كان أنذاك قرب الساعة الحمصيّة المعروفة، هو المكان الوحيد الذي أستطيع ُ أن أوفـّر من مصروفي الشخصي لشراء الكتب منه و لذا كنت ُ ازوره كثيرا ً و كنت ُ بعد كل ّ زيارة أعدُ نفسي أنني لن أكرر الزيارة و أكررها و أندم !
و هذا فعلا ً ما حصل ، دخلت ُ من الباب الزجاجيّ فهب ّ أحد العاملين هناك و نظر إلي ّ و هو يحك ّ كرشه ُ المستدير امامه ُ و كأنّه إستيقظ لتوّه من النوم أو أنّه لم يعتد أن يزوره أحد فنهض قائلا ً :
– “ أهلا يا هلا تفضلي يا أهلين “
– مرحبا !
– أهلا و سهلا !!
و شعرت ُ أنني ربما أكون قد قاطعته ُ عن شيء ٍ ما ، لعبة شدّة أو ربما حديث مهم ّ مع أصدقاءه الذين كانوا ينظرون إلي ّ و هم يهزون كؤوس الشاي بأيديهم و كأنّها مظاهرة إعتراض ٍ على مقاطعتي شيئا ً ما يخصهم فقررت ُ الدخول َ في الموضوع مباشرة ً :
– عم دوّر على كتاب “ كرسي “ لديما ونوس ؟؟
– ديما ونوس ؟؟؟
قال ذلك و كأنّه يحاول ُ أن يتذكر شيئا ً مهمـّا ً حبسه ُ لا شعوره ُ عنه ُ
– ديما ونوس ، ديما ونوس ، ديما ونوس !!؟
قالها و هو ينظر حوله متفحصا ً الكتب فظننت ُ أنّه يحاول ُ أن يتذكّر رقم الرف ّ أو مكان الكتاب فبدأت الإبتسامة ترتسم ُ على وجهي إلى أن نظر إلي ّ مستفهما ً برفع أحد حاجبيه ،
– ديما ونوس ؟
– بنته لسعد الله ونوّس !؟
قلت ُ في محاولة ٍ لإسعاف ذاكرته التي ظننت ُ بعد نظرته المستفهمة أنّه لربما كان يحاول ُ إستذكار أنّه قد سمع َ بإسم ٍ مشابه أو شيء من هذا القبيل .
ساد صمت ٌ ما بعد إسعافي لذاكرته ثم ّ قال و هو ينقّل نظره ُ بين بعض الكتب على طاولة ٍ في المنتصف و الكتب المرتبة على الرفوف :
– سعد الله ونوس ؟ عن شو بيكتب ؟؟
– … … !!
إستطاعت الصدمة أن تأخذ منـّي مخزوني من الكلام ، فقد كنت ُ قد توقعت ُ أي ّ شيء إلّا إجابة كهذه ..
– في لنزار قباني إذا بدّك ؟ و في أشعار عالطاولي النصانييّ شوفيي بيناتن ، بس مافـيي شيي لسعد الله ونوس و لا لبنتوو ، إذا بدّك دوريي بالشام ، ترا بالشام بيلتقى كل شيي !!!
أجاب بلهجة مـَن يبيعني خضار و ينادي عليه و يدلّعه و يطلق عليه أسماء لمزيد من الترغيب به ؛ “ أصبيع البوبو يا خيار ! “
أصبت ُ بحزن ٍ مؤلم منعني من الرغبة بالكلام ، نظرت ُ حولي إلى بعض الكتب المرفوعة إلى الجدار و من ثم ّ إلى الطاولة التي أشار إليها فصفعتني العناوين التي أمتدّت أمامي متموّجة ً بألوانها و مرتفعاتها كأنّها ترغب بإغاظتي :
“ أسرار ليلة الدخلة “ ، “ هديّة العروسين “ ، “ أجمل 1000 مسج “ ، “ 100 مسج رومنسية “ ، “ 500 مسج مضحكة “ ، “ تفسير الأبراج من كارمن “ ، “ تفسير الأبراج مع … “ ، “ حظّك في 2010 “ و عناوين أخرى تحمل ُ ذات المفهوم !!
كان الحزن ُ يسيطر ُ علي ّ فلم أتحرّك من مكاني و لكنني لمحت ُ و في زاوية عيني المجموعه الكاملة لنزار قباني و بجانبها بعض الكتب الصغيرة التي توقعت ُ من شكلها و مكانها إنّـها نزاريّة أيضا ً ، إلى جانبها أمتدّت طاولة أخرى من الكتب الدينيّة تلتها مباشرة الكتب السياسيّة التي كانت جميعها تحمل من عناوينها و صورها تهديدات و تنديدات بأميركا و تكشف خططها و كتب أخرى تردد الشعارات التاريخيّة …
شكرته ُ بإيماءة من رأسي و أنا أحاول ُ أن أقنع نفسـي بأنّه ربما كان هذا أيضا ً جزء تابع لنظرية المؤامرة و “ الحظر الثقافي “ الذي تحاول إسرائيل أن تفرضه ُ علينا لتنهب خيراتنا و عقول شبابنا و أن ّ أي ّ من المؤسسات الثقافيّة المحليّة غير مسؤولة عن هذا !!
http://www.freesham.com/2010/06/blog-post_17.html