نوستالجيا
زياد ماجد
ثمة حنين في الكثير من الأوساط الثقافية العربية اليوم لأربعينيات القرن الماضي، أي للمرحلة التي تلت الاستقلالات الوطنية وسبقت بداية الانقلابات العسكرية.
فالمرحلة تلك عرفت أنظمة ذات نخب مدينية حملت بعض الانفتاح في مجال الحريات العامة والخاصة وبعض الاهتمام بعلوم الإدارة والديبلوماسية والاقتصاد وغيرها من مستلزمات بناء الدول وتدبّر شؤونها، ولو أنها صدّت باب الارتقاء الاجتماعي وضيّقت هوامش المشاركة السياسية من دون أن تلغيها أو أن تعتمد العنف السافر وسيلة لمنع تطورّها وارتقائها.
والأنظمة هذه كانت على الأرجح قابلة للإصلاح، ببطء، لو لم تُطح بها الانقلابات الحاملة نخباً جديدة تستظل بشعارات العدالة والحرية (ثم بشعار تحرير فلسطين) لتأجيل البحث في كل تحديث وتغيير داخلي ولقمع التعبير عن كل مساءلة أو معارضة، مكرّسة مسلك استبداد واحتكار نفوذ وإعمال قتل على نحو استثار ردوداً تبحث عن قتل مضاد أو عن استقالة تامة من “السياسة” وابتعاد عن كل مستلزماتها.
وإن كان لبنان قد اختلف عن محيطه في تلك السنوات لجهة تجنّبه الانقلابات وحالات الطوارئ وأنظمة السجن السياسي، إلا أن حروبه الأهلية اللاحقة المعطوفة على الصراعات الإقليمية عبره فعلت فعلها لجهة تهشيمه وتمكين نخب جديدة من البروز فيه، هي بدورها تدفع كثراً اليوم الى الترحّم على من سبقوها وسبقوا الحروب والصراعات التي أنتجتها.
بهذا، يسهل تبرير التحسّر على حقبة اغتيلت قبل أن يُسمح لها بالتطور والتبدّل، ويمكن تبرير النوستالجيا الى مرحلة بدت مفتوحة على كثرة من الاحتمالات قبل أن تأتيها قوانين الطوارئ وهتافات التعظيم والتخوين أو نيران الحروب لتنهيها وتدخلها وقسماً من أبنائها في غياهب السجون والنسيان… والحنين.
موقع لبنان الآن