صفحات العالمما يحدث في لبنان

ما بعد بعد 7 أيار

عبد الوهاب بدرخان
كان الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله بمثابة انذار لكل من يعنيهم أمر المحكمة الدولية، في الداخل كما في الخارج.
ولعله سيتبعه بخطاب آخر قريبا، ليوجه انذارا اخيرا من قبيل “أعذر من أنذر”. وربما يظن الامين العام لـ”حزب الله” ان تهديداته – وهي لا تزال أولية – لا بد ان تنعكس على القرار الظني الذي يشكل خلاصة عمل فريق التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وقد يشمل ايضا الاغتيالات التي تلته.
وكيف يمكن ان تنعكس على القرار؟ إما بتأجيل اعلانه، أو بمراجعة مضمونه وتعديله، فالمهم في مختلف الاحوال ان لا يتعرض لأي شخص معروف بانتمائه الى الحزب. لا موعد محددا لصدور القرار الظني، لكنه متوقع في الاسابيع القليلة المقبلة. لذلك فان التحرك ضده سيأتي على الارجح استباقيا، بل ان خطاب الجمعة الماضي كان بداية هذا التحرك، خصوصا انه شاء زرع نقطتين في أذهان الرأي العام: أولهما ان قطاع الاتصالات اللبناني مخترق اسرائيليا وان التحقيق الدولي يعتمد بشكل أساسي على هذه الاتصالات المعرضة للتلاعب والتضليل، والثانية اذا ان المحكمة الدولية باتت لهذه الاسباب مشروعا اسرائيليا. وطالما أنها كذلك فمن الطبيعي ان تستهدف المقاومة لتشويه سمعتها ولوضعها امام فتنة داخلية محتملة.
هذا التأهب للتحرك الاستباقي بات في مرحلة حسم السيناريوات، وهو يشير الى وجود معلومات لدى “حزب الله”، او بالاحرى استنتاجات من مضمون التحقيق مع عناصره بأن اتهامات ستوجه اليهم. وبالتالي فان القرار الظني سيشيع حالا عامة في البلد ينبغي التصدي لها قبل وقوعها، في محاولة لتبديد مفاعيلها، وفي هذا المجال لا بد من توظيف قضية شبكات التجسس، رغم انها غير مرتبطة بجريمة الاغتيال او حتى بعمل المحكمة. فالمعلوم ان التحقيق في الاغتيال هو الذي قاد الى اكتشاف تلك الشبكات، وليس العكس.
كان السيد حسن نصرالله محقا في ابداء غضبه ونقمته ازاء هذا الكم الهائل من الجواسيس، الذين قد يكون العديد منهم لم يكشف بعد. فهذه قضية مخزية للبنان وللبنانيين جميعا بلا استثناء، خصوصا ان “البيئة الحاضنة” عابرة للطوائف جميعا. وعلى رغم ان السيد حسن تكلم بصفته معنيا أكثر من سواه، إلا أن من حق اللبنانيين ان يطالبوا الدولة بأن تسمعهم صوتها، فهي الجهة التي يريدون أن يستقوا منها المعلومات عن شبكات التجسس. واذا كانت سرية التحقيقات مقبولة ومفهومة، فان استغلال طرف او فريق معين لتلك التحقيقات لا يعني سوى تجهيلهم واحتقار عقولهم، فضلا عن انهم هم الذين سيتلقون لاحقا تبعات استغلال المعلومات والتلاعب بها.
وبمقدار ما ان هناك اجماعا لا لبس فيه على ضرورة الاقتصاص من عملاء اسرائيل وانزال أشد العقوبات بحقهم، بمقدار ما ان هناك انقساما في الرأي العام اللبناني بالنسبة الى مقولة ان المحكمة الدولية هي “مشروع اسرائيلي”. كان معروفا، ولا يزال، ان هناك من يتهم اسرائيل بجريمة اغتيال الحريري، ولا جدال في أن لاسرائيل سجلا اجراميا مشهورا، لكن الحديث هو عن جريمة محددة وعن تحقيق فمحاكمة يجب ان يستندا بالضرورة الى أدلة محددة تؤدي الى اتهامات محددة، وإلا فان القرار الظني المرتقب سيكون مهزلة، خصوصا اذا كانت هناك أدلة تقود الى اسرائيل ولا يؤخذ بها او يصار الى طمسها.
هنا ايضا لا يجوز للدولة ان تبقى نعامة دافنة رأسها في الرمل، فيما يشتبك الوسط السياسي في ما لا يزال حتى الآن مجرد نقاش، لكنه مرشح لأن يتحول قريبا الى ما يشبه الانقلاب على الحكم والنظام. فالفريق الذي يعتبر نفسه متضررا من عمل المحكمة الدولية هو نفسه الفريق الذي اصطنع أزمة 2006 – 2008 وحفر الشرخ في جسم المجتمع وخوّن الفريق الآخر واستباحه، وها هو يستعد لاصطناع أزمة مماثلة ستمضي هذه المرة الى ما بعد بعد السابع من ايار 2008. ذاك ان التصدي للمحكمة الدولية، كمؤسسة دولية يشرف عليها الامين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي، سيتطلب تعطيل التعامل الحكومي اللبناني معها.
في الازمة السابقة لم تكن هناك رئاسة توافقية منتخبة، ولا حكومة “توافقية” مقيدة بالثلث المعطل، لكن هذه التوافقية المتوفرة اليوم والتي جرى التشديد عليها باعتبارها “ميثاقية” مرشحة للسقوط مع اطلالة القرار الظني، بين فريق سيرفض مضمونه حكما وفريق سيتقبله وسيتهم فورا بالعمالة والخيانة. بل ان الوعيد يطلق جهارا نهارا باطاحة الحكومة في سعي الى قطع العلاقة مع المحكمة. فالخطة ستستأنف هذه المرة من حيث توقف السابع من ايار 2008 لاستبدال “استئثار” بآخر تمهيدا للاجهاز على اتفاقي الطائف والدوحة معا بافراغهما من أي محتوى.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى