صفحات مختارة

“الأموات ـ الأحياء”: كما في الثقافة… كذلك في العلاقات الدولية

ترجمة وإعداد رشا الأطرش
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية (عدد تموز/آب 2010) ملفاً بعنوان “الأشرار”، تضمّن نتائج “المؤشر السنوي للدول الفاشلة”، إضافة إلى مقالات حول “أبطال” الأنظمة الديكتاتورية في العالم. ومن ضمن الملف، فصل من كتاب سيصدر قريباً تحت عنوان “الزومبي ونظريات السياسة الدولية”، لمؤلفه دانيال دريزنر، أستاذ السياسة الدولية في جامعة “تافتس” الأميركية. يركّب دريزنر سيناريو افتراضياً لاستكشاف نظريات السياسة الدولية، معتبراً أن الثقافة الشعبية تخبر شيئاً عن المجتمع والسلطة معاً…
في السياسة العالمية، ثمة مصادر كثيرة للخوف: الإرهاب، الكوارث الطبيعية، تغير المناخ، الأزمة المالية، الانتشار النووي، وغيرها. غير أن المتأمل في المنحى الثقافي للعصر لا بد أن يُصدم بتنامي القلق من خطر في العلاقات الدولية، خارق للطبيعة. أعني طبعاً الأموات الأحياء (زومبي).
“الزومبي” هو كائن بُعثت فيه الحياة من جديد، فتلبّس جسد جثة، وتلبّسته في المقابل رغبة عارمة في التهام لحم البشر. إنه تنويع على الغول الذي ظهر، أول ما ظهر، في فيلم جورج روميرو “ليلة الأموات الأحياء” (1968)، ثم تكاثر باضطراد في الثقافة اليومية السائدة خلال السنوات الماضية. فأي تفكير سيرشد أو يجب أن يرشد رد الفعل البشري إذا ما نهض الأموات من قبورهم للانقضاض على الأحياء؟
ربما يستخف القرّاء الجديون بهذا السؤال، لكن القلق من الغيلان الجديدة يتمظهر بقوة في الثقافة السائدة راهناً. إذ تشير أكثر التقديرات تحفظاً إلى أن أكثر من ثلث أفلام “الزومبي”، بالمطلق، تم إنتاجه خلال العقد الماضي. ناهيك عن ألعاب الفيديو وتسلّق كتب “الزومبي” لوائح الكتب الأكثر مبيعاً. لا مفر إذاً من أخذ “الزومبي” على محمل الجد. ولعل هذه الظاهرة تمثّل محاولة غير مباشرة لإدراك ما أشار إليه وزير الدفاع الأميركي الأسبق، دونالد رامسفيلد، ذات مرة، بـ”المجهولات المجهولة” في الأمن الدولي.
من منظور السياسات العامة، تستحق ظاهرة “الزومبي” التفاتة أطول من مثيلاتها الغرائبية، كالمخلوقات الفضائية، ومصاصي الدماء، والسحرة، والمومياءات، والمستذئبين، وحتى الأبطال الخارقين. فقصص “الزومبي” تختتم بنهايتين لا ثالث لهما: إما تصفية/إخضاع كل “الزومبي”، أو محو الجنس البشري عن وجه الأرض. وإذا كانت صحيحة مقولة “إن الثقافة السائدة تجعل من السياسة الدولية ما هي عليه”، كما تقترح مقالة نشرتها مجلة “بوليتيكس”، فعلى مجتمع العلاقات الدولية التفكير في جيوش الأحياء الأموات بلا تأجيل. لذلك، تسعى السياقات التالية إلى استبيان تأثير “الزومبي” على شكل العالم المستقبلي. لكن هذا تمرين صعب، في ظل تنوع النماذج الفكرية السياسية، وغياب الإجماع على الطريقة المثلى للتفكير بالسياسة الدولية… هكذا:
بلا دراما: السياسة الواقعية
لا سلطة مركزية في العالم، ولا حكومة واحدة متحكّمة فيه. على اللاعبين الاعتماد على إجراءاتهم الذاتية لضمان بقائهم. هذا هو منظار أهل “السياسة الواقعية”. فكيف تتأثر السياسة العالمية بتقدّم الغيلان آكلي لحوم البشر؟ الإجابة الواقعية بسيطة ومفاجئة: بالكاد ستتأثر العلاقات الدولية. سيصمد الأقوياء، وسيعاني الضعفاء شهية الجثث العائدة إلى الحياة. يتوقع الواقعيون توازناً في القوى، خصوصاً حين يخلق هجوم الأموات الأحياء تحالفاً بشرياً في مواجهة الغيلان. ستمتنع دول عن اتخاذ خطوات عملية ضد “الزومبي”، على أمل أن تقوم دول أخرى بالعمل القذر. وستستخدم دول أخرى هذا الخطر، وربما تحتل الصين تايوان، أو تتدخل روسيا في شؤون جيرانها، أو تستغل الولايات المتحدة موجة “الزومبي” استراتيجياً فتخوض حرباً خارج حدودها.
الليبراليون للتعاون بوجه “الزومبي”
تحتمل الليبرالية تنويعات عدة، لكن الليبراليين جميعاً يؤمنون بإمكانية التعاون في عالم فوضوي، يحفزهم تحصيل المكاسب طويلة الأمد، وتفادي كلفة الأداء المارق. لعل النهج الليبرالي، في عالم مصاب بـ”الزومبي”، يسرّع انفلاش الأخيرين، لا سيما عبر الحدود المفتوحة. غير أن هذا النموذج قد يأتي بنكهة إضافية من قبيل ما في أفلام الكوميديا الرومانسية “الزومبية”. وقد يفضي النموذج الليبرالي أيضاً إلى نتائج – كيانات هشّة، على طريقة الاتحاد الأوروبي. لكن النظام العام سيؤدي، في النهاية، وظيفته، مستبعداً قيامة “زومبية” شاملة. ستظهر إرساليات إنسانية شبه دائمة لمجابهة “الزومبي”، ربما برعاية الأمم المتحدة، لا سيما في الدول المهزوزة. وسيدرك الليبراليون أن القضاء المبرم على “الزومبي” غير ممكن، إنما الممكن هو تقليص المعضلة إلى أزمة قابلة للإدارة.
المحافظون الجدد: محور الأشرار والأموات
رد فعل المحافظين الجدد على صعود الأموات الأحياء بسيط ومباشر: البشر من الأرض و”الزومبي” من الجحيم. سيوصون بتحرك عسكري لضمان الهيمنة البشرية، وستتحول الضربة الاستباقية للـ”زومبي” إلى حرب على الشرّ بعينه. لا بد أنهم سيكتّلون الجثث المبعوثة حيّة، مع بعض التهديدات البشرية، ثم يخوضون حرباً عالمية ثالثة ضد الحكّام الطغاة و”الزومبي” معاً “محور الأشرار والأموات”.
عن إدارة التهديد
تكشف المراجعة السريعة أعلاه استنتاجات مثيرة للاهتمام بشأن العالم في عصر “الزومبي”. يسارع السرد التقليدي حول الأموات الأحياء، في الرواية والسينما، إلى بلوغ ذروة مصيرية. في حين تقترح نظريات العلاقات الدولية المختلفة سياسات حيوية وعاتية إزاء الخطر. قد يؤدي الخلل البيروقراطي إلى انهيار تام في سلطة الدولة. وربما يصعّب الرأي العام، مضافاً إلى مجموعات الضغط، التعاون متعدد الأطراف. إنما، في النهاية، كل ما يمكن أن يقال هو أن تهديد “الزومبي” يمكن احتواؤه بتخطيط متأن ومقاربة متماسكة.
الهدف من هذا النص ليس التوصية بسياسة معينة على حساب أخرى، إذ يعود للقارئ استخلاص ما يشاء من المعطيات المعروضة. المهم أن يُعمل طلاب السياسة الدولية عقولهم جيداً في المسألة… قبل أن يفعل “الزومبي”.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى