لو أعطى السلطة في وطني
لذبحتُ السين ،
وسوف ،
وتاء التأنيث البلهاء ..
يحدثُ أن نستيقظ صباحاً على قرارٍ رسمي ينال الحظ الأوفر من الأحاديث التي تشغل ذلك الصباح وتمتدّ لتحتلّ أسابيع وأشهر من الجدل والخلاف والآراء المتضاربة بين مؤيد ومُعارض ومحايد ، ممتعض وغير مبال .
لدرجة أننا أصبنا بداء إدمان نشرات الأخبار ، وداء متلازمةِ قراءةِ الصحيفة اليومية لنصطاد خبر الموسم ، ذلك الذي سيعطينا مساحة لا بأس بها من النقاشات والجدالات والندوات المصغّرة التي تعقد على كأس متّة أو إبريق شاي .
وتنال الأخبار ذات الطابع الطائفيّ أو العصبي القبلي النصيب الأوفر من الشهرة في الشارع ، وتغدو حتى أخبار الكرة والرياضة مادة دسمة للخلاف والتضارب.
أحد تلك الأخبار أفاد بأن السيد وزير التعليم العالي أصدر قراراً بمنع دخولِ الفتيات المنقّبات إلى الحرم الجامعي .
وثارت الثائرة ، فاعتبر البعض القرار تدخلاً في الحرية الشخصية التي يفترض أن تكون مقدّسة ، وذهب آخرون بعيداً في وصف القرار بالتعسفي والمقصود منه الحد من ممارسة الحريّة الدينية تبعاً لأهواء “ العلمانيين “ ، بينما لم يعن الخبر شريحة واسعة من الناس أي شيء .
لكن ما هو النقاب ؟ ، وما هي وجهة النظر الدينية والاجتماعية حياله ؟
النقاب هو ستر الوجه كاملاً عدا العينين أو إحداهما .
وتعددت الآراء حول عدم الحاجة له ، ووجوبه ، وتحريمه! .وهذا تبعاً لـ “المدارس الدينية “ وتوجهاتها . فذهب مشايخ الأزهر وبعض الكبار كالألباني إلى أن وجه المرأة ليس بعورة ولا حاجة لارتداء النقاب إلا في حالات خاصة جداً تكون المرأة فيها من الجمال بمكان لا يسعها فيه أن تكشف وجهها “ خوفاً من الفتنة “ .
بينما فضّل مشايخ الوهابية الوسطيون “ علماً أن هذه التسمية غير دارجة في الوسط الوهابي “ إلى وجوب ارتدائه كالشيخ ابن باز ومن معه معللاً سبب وجوبه وفرضه لأن وجه المرأة عورة لا يجب كشفها ، والرأي الثالث كان لمشايخ الوهابية المتشددين كالشيخ ابن عثيمين ومن معه ، فقال بتحريم النقاب لما له من آثار فتنة ولعدم التزام المرأة بقواعده وأفتى بوجوب تغطية الوجه كاملاً .
ولن ندخل هنا في تحليل كل رأي فأصحاب الآراء أعلاه لهم مريدون وتابعون ولسنا في صدد تقييم رأي شيخ أو عالم ، لأن المفترض أن يكون لدى العلماء ما ليس لدينا .
المهم …
تقول الوسطية الإسلامية بعدم وجوب وفرض الحجاب ، واعتباره فضلاً أو عملاً تطوعياً محبباً ولا نص واضح يوجب ارتداءه فهو ليس من أركان الإسلام وليس من تبعات الحجاب الإسلامي المعروف والمطلوب فيه ستر الجسم والرأس عدا الكفين والوجه .
أما إن نظرنا إليه كعادة اجتماعية موجودة في بعض الأوساط فيغدو النقاب شيئاً من الحرية الشخصية غير المؤذية للآخر وتخص صاحبته فقط ، فإن أرادت ارتدته وإن لم ترد فهذا شأنها .
عودة للقرار المثير للجدل : جميعنا يعرف كيف أن وسائل الغش في الجامعات قد تطورت مع تطور التكنولوجيا وأصبح من الصعب إيجاد وسائل للحد منها من سماعة صغيرة خفية توضع في الأذن وتوصل بهاتف محمول ، لساعات يد تعمل عمل الهاتف المحمول وترتبط بالسماعة أيضاً … إلخ .
فوجدت وزارة التعليم العالي الحل بمنع ارتداء النقاب في الحرم الجامعي لمنع هذه الأمور وللحد منها ، أيضاً لمنع انتحال شخصية طالبة أخرى وتقديم الامتحان بدلاً عنها . كما جرى وسمعنا .
فهل هذا الحل جاء منافياً لأصول الحشمة وللتعاليم الدينية ؟ هل جاء جائراً ومتعدياً على الحرية الشخصية ؟ .
ببساطة وبود .. لم أر ذلك .
كطالب يتبع لقوانين الجامعة ولوزارة التعليم ، يجب أن أحترم القرارات التي من شأنها أن تنظم العمل داخل هذا المجمع ، وإلا هل يمكن اعتبار التقيد بأوقات الدوام مثلاً حداً من الحرية الشخصية ؟ وهل يمكن اعتبار تضارب أوقات المحاضرات مع مواعيد الصلاة حداً من الحرية الدينية ، ثم والأكبر : هل يعتبر قرار جعل العطلة الأسبوعية هو يوم الجمعة حداً من الحرية الدينية للأخوة المسيحيين ؟ وهل قرار وجود دوام في أيام الجمعة فيما يخص الجامعة المفتوحة حداً من الحرية الدينية للطلاب المسلمين الملتزمين بصلاة الجمعة ؟.
هذا كذاك تماماً .. لا فرق . فما الذي أقام الدنيا على هذا القرار ولماذا هذا التطرف أحياناً في مجابهة كذا قرارات ؟ .
وللتوضيح ، يعني أيضاً أرى أن السيد الوزير كان يمكنه التعامل مع هذا الأمر بحكمة أكبر بإيجاد وسائل أخرى للحد من مسألة الغش … إلخ .
وكان سيمنع وقوع هذه الحساسيات التي تبدأ ولا تنتهي والتي اعتبرها البعض إهانة لدينه ولمعتقده .
وهذا يذكرني بجائزة انتشرت مؤخراً على الفيس بوك “ ……….. للنقد البناء “ .
يتمنى المرء أحياناً أن يكون في سدة أصحاب القرار ليتصرف بما يراه هو مناسباً .
فلو يعطى السلطة لفعل كذا وكذا .
لو أعطى السلطة في وطني : أرى أن الحل الوحيد هو منع المتة والشاي من التداول بين المواطنين درءاً للفتنة .