رأي في منع المنقبات من الدخول إلى الحرم الجامعي
اصدار قرار وزارة التعليم منع المنقبات من دخول الحرم الجامعي انقسم أغلب الناس إلى فئتين. واحدة ضد المنع تصرخ بالحرية الشخصية، ويصرح منها أحيانا أنهم ليسوا مع النقاب لكنهم مع الحرية الشخصية. وأخرى مع المنع على أنه اضطهاد للمرأة، أو مظهر دخيل على مجتمعنا وغير حضاري، أو شكل من اشكال التطرف.
النقاب ؟!
صعوبة طرح موضوع نقاب المرأة تكمن في تشابك الرموز التي تخطر بالبال عند إثارته في بلادنا، بالاضافة إلى تنوع الآراء وصعوبة تحديد أوجه الحق والخطأ برأي البعض. (لست اناقش إن كان فرضا دينيا أم لا رغم صعوبة تحديد هذا الأمر بين المسلمين). برأيي (ورأي الكثير ايضا) أن النقاب فرض وضعه الذكر على الأنثى، سواء كان الذكر إلها أم نبياً أم “رجل بيت” أم امرأة تتحدث بلسانهم. أعتقد، ومن خلال كوني أعيش في مجتمع محافظ ينتشر فيه النقاب بشكل واضح، أن اغلب المنقبات ينتمين إلى فئتين؛ إحداهن أجبرت على ارتدائه والثانية “أقنعت به” بطريقة أو أخرى. لا يمكن بأي حال التأكد من كلامي بشكل احصائي دقيق لكنه أرجح ما يمكن.
هو يمثل تسلط الرجل على المرأة باجبارها عليه، يعكس عدم فهمه لها ولغريزته تجاهها فيقوم بحجبها بعد أن قدسها في زمن غابر (المقدس إذا لم يتم تحطيمه يبقى محجوبا عن الكشف والفهم). النقاب أيضا يلغي شخصية المرأة أمام ذاتها وأفراد المجتمع فتصبح كائنا (عورة) لا يجوز النظر إليه كباقي الموجودات – بل هو أقل من أن يُعرف حتى بهوية في المجتمع، وهو السبب الذي يجعل قول البعض بأن الدفاع عن النقاب هو دفاع عن الحرية الشخصية كلام مفرغ من محتواه، لكننا لا نحارب الإكراه بالإكراه (وهو ما سأسوقه لاحقا). هذا رأيي باقتضاب شديد. يمكن أن أكتب (وغيري) الكثير عن سبب رفضي للنقاب (والحجاب بأسباب مختلفة). باختصار، أنا ضد النقاب تماما.
لكن كل ما سبق لا يبرر منع المنقبة من دخول الجامعة، وكل الحجج التي أتت مؤيدة للقرار كانت تبسيطية لمشكلة معقدة. أو مقاربات خاطئة، أو تحمل في طياتها انقساما طبقيا أو اجتماعيا تمييزيا وربما عنصري ايضاً.
محاربة التطرف
منع النقاب كشكل من اشكال محاربة التطرف هو أكثر الحجج سطحية. أي مجموعة بشرية تتعرض لهجوم “عدائي” على ممارسة أو فكرة تحملها سيكون رد الفعل لديها عكسيا. هذا أمر يعرفه كل انسان. تنشط أكثر الأفكار محافظة وتشددا تحت الضغط. هذه سمة بشرية وآلية تساعد المجموعة – أي مجموعة – على عدم الإنهيار. بدون فهمها وفهم آلياتها (التي تكون عمياء أحيانا) فإن تطرفها سيزيد.لا يمكن اختزال التطرف بالنقاب بأي شكل. التطرف ظاهرة تحتاج إلى دراسة وفهم أكثر عمقاً. تحليل الخطابات الدينية في المدارس والجوامع. محاربة الجهل والأمية. الفقر المدقع واليأس المصاحب له. القمع والإضطهاد، مع وجود رجال دين بتاجرون ليستغلوا بؤس هؤلاء الناس للحصول على مكانة وسلطة دينية اجتماعية، بل وسياسية أيضا.
مساعدة المرأة للتخلص من قمع وتسلط الرجل وقيوده عليها.
هل يوجد عاقل يعتقد فعلاً، أن منع النقاب سيؤدي إلى تخلي الرجل عن نقاب زوجته أو ابنته؟ المنقبة غالبا ما تأتي من مجتمع محافظ يعتقد أن الاختلاط حرام وأن الذهاب إلى الجامعة مجال للخطيئة. منع المنقبة سيؤدي فورا إلى أن يمنع الذكر تلك الفتاة من الذهاب إلى الجامعة (وخليها بالبيت نحنا حكينا هيك من الأول) و (اجت منهم ما اجت مننا). برافو. كيف ساعدتم المرأة بهذه الطريقة؟ قدمتم للذكر سببا على طبق من ذهب ليرمي بها في البيت ويبعدها عن جو “الخطيئة والحرام”. وهكذا ندفنهن في الجهل أكثر، والإنغلاق أكثر، ويعيش التطرف.
النقاب شكل من اشكال العري
أعتقد أن هذه المقارنة غير صحيحة، ليس لأن الحالتين فعلا متطرفتان، لكن لأنهما غير متناظرتين. رفض العري العلني له أسباب وجذور ثقافية واجتماعية يدرسها الأنتروبولوجيون تتعلق بنشأة الأسرة والمجتمعات القديمة وازدياد أعداد البشر وتجمعهم (*). بينما النقاب، كما أسلفت، اسبابه مختلفة. عدا عن أن طرح هذه الفكرة في الإعلام في مجتمعاتنا له نتائج سلبية ومسيئة. العري مرتبط بالعهر والدعارة في ذهن المجموع، وحين أقول للمنقبة أنك كالعارية فانا اشتمها ضمنيا وإن لم اقصد ذلك. من يقبل أفكار من يشتمه ويحقره أو يحقر نساءه؟ بل ومن يقبل أن يستمع له؟
شكل قبيح وغير حضاري.
في هذه الحجة مشكلة كبيرة وخطيرة. أنا لا أحب شكله، ولأني فعلا لا أحب شكل النقاب فإن علي أن أقبل أن أراه حولي. يماثل هذا الطرح اليميني الفاشي في خفاياه اختزال التحضر والرقي في فئة من الناس ونزع الحضارة عن فئة أخرى. ويفتح بابا لتقسيم المجتمع وعزل أجزائه عن بعضها ووضع تعريفات “للحضاري الجيد” و “المتخلف السيء”، تماما كما يعزل المتدينون المتطرفون الآخر الكافر. يذكر هذا الطرح أيضا بالموجة اليمينية التي بدأت تنتشر في أوروبة ضد المختلف حفاظا على الخصوصية الاوربية أو حجة الإسلاميين بحفاظهم على “خصوصية التراث والثقافة” واغلاقهم الأبواب في وجه الإختلاف والتعايش وقبول التنوع.
التصدي للافكار الدينية المتطرفة لا يكون على طريقة إمساك الإفعى من ذيلها. بل بفهم دوافعا وأسبابها، والاقتراب ممن تأثر بها، حواره وجداله. يكون بمراقبة خطابات إقصائية يتم السماح لها بشكل مثير للاستفهام. يمكن للنابلسي (**) ان يتحدث على اذاعة القدس وينشر أفكارا ضد الغير مؤمن والغير ملتزم. بل يمكنه وبكل فجاجة أن يسخر من العلم والحضارة و “الضالين الذين سيذهبون إلى جهنم” دون مساءلة خطابه. يمكن للمدرسات والمدرسين طرح خطاباتهم المتطرفة في المدارس دون رقيب. لكن امرأة منقبة تريد أن تتعلم، وتختلط بالمجتمع ربما هربا من كبت أو قهر أو تبعية.. تبحث عن فرصة للحرية، هي لا تستحق ذلك!؟؟ نطردها؟ التعلم حق من حقوق الإنسان، والمنقبة تستحق وتحتاج أن تتنور وتتعلم، مثل غيرها إن لم يكن أكثر.
(*) رابط لفيلم وثائقي من البي بي سي يتحدث عن العري ومحاولة فهم أسباب رفض المجتمع له. الأمر مختلف تماما عن النقاب.
http://topdocumentaryfilms.com/whats-the-problem-with-nudity/
(**) مثلا من بضعة أيام قال النابلسي – الذي يعتقد أن نظرية التطور تعني (أن يتطور الفئران من الخرق البالية) ويروج لاعتقاده هذا في اذاعة القدس – ، قال بالحرف على ذات الاذاعة ( لا تجالس من لا يصلي. ولا تواسيه ولا تخفف عنه. هو في ضيق فلا تجعله يشعر بالراحة) وهو غيض من فيضه وفيض أمثاله.
http://www.5a2en.com/