إليك.. أيها المنتصب في الغروب..
مُبللاً بأثقالك واقفاً على باب القيامة، تدقُّ ناقوسك وتحمل وَجهك القديم ذاته، تتصاعدُ في جوفك أدخنة النرجيلة والسجائر والمصانع ولهاثُ المُضّطهدين.. أصدقاؤك يمرّون بك كالغُرباء تشيّعهم المَدينة الكارهة لأبناءها في توابيت شمعية مُسبقة الصّنع، تحملُ الريح جنائزهم وتعلكهم في أتونها المستعر.
وأنتَ أنتْ.. ما زلتَ تتنفس قسوة المدينة وتطيلُ النظرَ في الفراغ الهائل المُحيط بك، تتحشرجُ فيك كلّ الكلمات ويتشقّق لسانك عَطشاً للكلام.. تُدير حانتك بنفسك وتسقي نزلاءك رائحة المصيبة.
مَدينتك المتعبة تنوءُ بسكانها.. أرصفتها المتصدّعة تنتهي بمقابر جماعية تنتصبُ عليها شواهدٌ من الرماد لأناس ينتظرون دورهم في طوابير طويلة.. يرسمون وجه المدينة الحزين بملامح متنافرة، تتورّم خيباتهم ويعتريهم شغب التساؤل.. يشغل بالهم فكرة واحدة.. واحدة فقط..
الليالي المشوّهة تمرّ ببطئ وكلّ ليلة تترمّل أكثر في وحدتك.. تسير على مساحات الخراب التي لا تؤدي إلى النهار هارباً من احتقان الأرق في أحشاءك.. تنشر جثتك العارية على أرصفة المدينة القديمة وتتغزّل بها.. تحيا بين جدران التاريخ وفي نفسك رغبة جامحة بأن تروي ظمأك.. ولا تجرؤ.. تخشى تلك “البطانة الصالحة”.. أو ربما “الطالحة”.. أولئك الذين كل حواسهم “آذان”.. عيونهم آذان.. أنوفهم آذان.. أفواههم آذان.. أيديهم.. أرجلهم.. كروشهم.. أقفيتهم.. كل شيء فيهم آذان.. لا أحد منهم أفضل من الآخر.. بل فاجرٌ وفاجرٌ أقل..
ينتابك حريق يغتصب كل ما حولك وينال شيئاً من وجهك القديم.. يأكل الناس.. ينهب المدينة.. يسلخ سحنة الليل.. وعيناك المبتلّتان بالماء تحاول عبثاً إخماده.. تشعر بالاختناق.. بل أنت تختنق.. وتموت..
مدينتك.. مدينةٌ مُرهِقة..
الهواء فيها مُحاصر..
التراب مُحاصر..
الروح مُحاصرة..
..
..
مدينتك تابوتٌ يكفي كلّ الموتى، يعتليه وريث البلاد الوحيد..
http://nj180degree.com/2010/07/30/dams/