صفحات العالم

جورج بوش عاد إلى المنطقة

سعد محيو
مؤشرات ثلاثة تدل على أن إدارة أوباما قطعت نهر الروبيكون حيال قرار المجابهة مع إيران: الأول، هو اندفاع الدول الأوروبية التي كانت حتى فترة متأخرة من أشد أنصار تقريب أسلوب الجزرة وإبعاد نهج العصا في التعاطي مع إيران، نحو فرض عقوبات صارمة على هذه الأخيرة تتمحور أساساً حول النفط والغاز والتعاملات المالية، وهذه الدول لم تكن لتفعل ذلك، لولا إدراكها أن واشنطن قررت المضي قدماً في نهج المجابهة حتى الثمالة .
المؤشر الثاني، هو مواقف بعض الدول العربية التي أبلغت الولايات المتحدة منذ فترة غير قصيرة بأنها لن تقبل فكرة التعايش مع إيران مُدججة بالسلاح النووي، ولن ترضى حتى بنشر مظلة نووية أمريكية فوق رأسها، بل هي ستخوض غمار سباق تسلّح واسع النطاق .
المؤشر الثالث هو ماسرّبته قبل أيام مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأمريكية عن انتهاء فريق السياسة الخارجية في إدارة أوباما من إعادة تقييم مجمل التوجهات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد انتهى هذا التقييم إلى الخلاصات الخطيرة الآتية:
مجلس الأمن القومي الأمريكي، والبنتاغون، ووزارة الخارجية، توصلوا جميعاً إلى الاستنتاج بأنه ليس في مقدور الولايات المتحدة تبنّي خيار احتواء إيران نووية الذي حبّذه في السابق العديد من المسؤولين الأمريكيين . الموقف الآن هو أن الولايات المتحدة لن تسمح بأي صورة من الصور بحصول إيران على سلاح نووي .
ثمة موسيقا جديدة تُعزف هذه الأيام على بيانو البيت الأبيض، تقول إن القوات الأمريكية ستنسحب من العراق، لكن يجب أن تحل مكانها قوات للأمم المتحدة تتكوّن أساساً من وحدات أمريكية، السبب: واشنطن لاتريد لحكومة العراق أن تتأثر، أو تُرعى، أو يُلوى ذراعها من قِبَل إيران، وهي ستبذل المستحيل لكي تضمن أن هذا لن يحدث .
وأخيراً، توصل فريق أوباما (والحديث لايزال لمؤسسة واشنطن)، إلى قناعة بأن الضغط على “إسرائيل” لم يجدِ فتيلاً، وأن الأفضل العودة إلى السياسة الأمريكية القديمة القائمة على التعاون الكامل معها وعلى “تفهمها”، ثم على دفع الفلسطينيين إلى التفاوض المباشر معها من دون شروط مُسبقة .
هذه عيّنة عن التحولات التي طرأت بالفعل، والتي ستطرأ لاحقاً، على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأي تدقيق فيها يكشف النقاب فوراً عن الحقيقة بأن إدارة أوباما بدأت تعود سريعاً إلى سياسات إدارة بوش في كل الملفات تقريباً، فهي مثله قررت انتهاج مقاربة المجابهة لا الاحتواء مع إيران، وهي بدأت تنسج على منواله في العراق، من حيث العمل على بقاء القوات الأمريكية في ذلك البلد إلى أمد غير منظور بسبب الخوف من النفوذ الإيراني ظاهراً، والرغبة في مواصلة السيطرة على نفطه باطناً، كما أن حليمة الأمريكية استأنفت عادتها القديمة في اعتبار “إسرائيل” العشيقة التي لاتخطئ، والتي يجب اعتبار خطاياها مزايا وفضائل .
إلى أين من هنا؟
على الأرجح إلى حيث تركتنا إدارة بوش قبل رحيلها، في بحر هائج من الحروب والصراعات والتشنجات التي تسعى (مجدداً) إلى تغيير وجه الشرق الأوسط بالقوة، بدل العمل على بناء نظام إقليمي جديد بمشاركة كل القوى الرئيسة فيه .حصيلة مؤسفة؟
أجل، وخطيرة أيضاً .
الحليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى