أوباما.. من خطاب القاهرة إلى خطاب ساركوزي
غسان المفلح
كان واضحاً منذ مجيء أوباما إلى الحكم أن المطلوب إعادة الاعتبار لمنظومة الاستبداد الشرق أوسطي.
عندما اتى باراك أوباما إلى الحكم, وهللت له أوساط عربية ليست قليلة في تأثيرها, ثقافيا وسياسياً, وبعدها بأشهر قليلة ألقى خطابه الشهير في القاهرة, لكي يصحح صورة أميركا لدى العالم الإسلامي.
كنت لحظتها قد تناولت هذا الخطاب, واستخلصت منه نتيجة, أن باراك أوباما, يمشي على خطى ساركوزي الرئيس الفرنسي, الذي حول فرنسا من” حاضنة للحرية إلى ملاذا للطغاة” على حد تعبير الصديق صبحي حديدي في مقالة له بنفس العنوان, في صحيفة القدس العربي. أوباما كان واضحا في خطابه, تصحيح صورة أميركا نعم, لكن عبر معبرين:
– دعم الاستبداد في نظم الشرق الأوسط, وتحميل المجتمعات العربية سبب تخلفها, وتطرفها.
– تهدئة الفلسطينيين من أجل إعادة ترتيب العلاقة الأميركية الإسرائيلية بعد, أن أصبحت إسرائيل تشكل إحراجا للسياسة الأميركية في بعض اللحظات.
وبدأ بعدها أوباما بتشكيل طواقم للحوار, وتشكيل رأي عام مساند لهذه السياسة, حتى أننا نجد أنه تبنى ملف ساركوزي بالكامل, مع إيران, تشددا وحوارا, والجمع بين الأثنتين.
نزلت المعارضة الإيرانية الديمقراطية- بتحفظ- إلى الشارع, وحصلت صدامات على مدى أشهر, ومازالت ذيولها قائمة, بقي خطاب أوباما يركز على الهم النووي الإيراني, وأنه يرفض أن تقوم إسرائيل بمهاجمة المفاعل النووي الإيراني. وقمعت المظاهرات الإيرانية في الشوارع وعلى مرأى العالم الحر, لا بل بقيت الصفقات الساركوزية الأوروبية مستمرة مع النظام الإيراني, وبوقوف إوبامي صلب خلفها.
كان من الواضح منذ مجيء اوباما مع طاقمه الديمقراطي وفي ظل ذيول سياسة الإدارة الأميركية السابقة, ان المطلوب إعادة الاعتبار لمنظومة الاستبداد الشرق أوسطي, مع شرعية جديدة لما تقوم به إسرائيل من ممارسات, ولكن هذا يحتاج إلى تهدئة النفوس, وتدرجية في استيعاب اللحظة المتغيرة, خاصة أن السياسة الإيرانية قد حققت نصرا داخليا وإقليميا على أكثر من صعيد, وكلف أوباما مندوبيين ساميين لكل ملف, على طريقة الإرث التقليدي الأوروبي. مندوب سامي للملف الإيراني ومندوب سامي للملف الفلسطيني, ومندوب سامي للحوار مع إيران, وآخر للحوار مع سورية, وجاءته حكومة بينيامين نتنياهو, لدعم هذه السياسة, من خلال تشددها, وتعود أميركا لتلعب دور الوسيط النزيه بينها وبين منظومة دول المنطقة, والفلسطينيين آخر اهتماماته.
تلميحات هنا وتصريحات هناك عن سياسة إسرائيلية غير مرغوبة, وعرب يرحبون وكتاب ومثقفون يدعون اليسار العربي, لكي يرحب بمجيء أوباما وبعض من مواقفه.
وبدأت لعبت الشد والرخي الإسرائيلية الجديدة بقيادة حكومة يمينية متطرفة, وعنصرية, بشكل لا يقبل النقاش. وتساعدها أطقم إسلاموية في الطرف الآخر من المعادلة, مستندة إلى منظمومة استبدادية شرق أوسطية حاكمة, وجدت أصلا على حساب الشعب الفلسطيني وبسبب مأساته, والشعوب آخر همها.
وبقي الأخذ والرد حتى قام بنيامين نتنياهو بزيارته الأخيرة إلى واشنطن بعد أحداث أسطول الحرية مع تركيا على شواطئ غزة.
فبدل الحديث عن رفع الحصار عن غزة, أتى الحديث عن ضرورة إنهاء الملف النووي الإيراني, وشرعنة النووي الإسرائيلي, ولهذا على بعض نخب الأنظمة العربية, وبعض نخب اليسار العربي التي رحبت بأوباما أن ترفع له القبعة, لأنه من أصول أفريقية!
فكيف نجرؤ بعدها أن نقول نحن مع تصفية المشروع النووي الإيراني? خاصة ان أوباما اتخذ قرارا أميركيا أحاديا بتشديد العقوبات الدولية على إيران, ليستقبل بها بنيامين نتنياهو.
وساركوزي في فرنسا متعثر, وأصبح بطلا شرق أوسطيا, تطبل وتزمر له الصحافة العربية, بعد أن صالح الشيخ سعد الحريري, مع الرئيس بشار الأسد, لتحييد الموقعين عن السياسية الإيرانية!
ونحن صدقنا…