صفحات سورية

سوريا..الطغيان ما زال في صباه

null
زينب رشيد
رغم انه ختم مقاله آملا من الرئيس الجديد طبيب العيون بأن يعدل، وأقل العدل أن يرد المظالم لأهلها، فان المناضل الانساني الكبير رياض الترك، وهو المرادف السوري والعربي الأكثر دقة لنيلسون مانديلا الجنوب أفريقي، لم يتوانى عن وصم سوريا ومنذ اللحظة الأولى لتوريث الحكم لطبيب العيون بالطريقة التي تمت بأنها مملكة الصمت، والصمت ناتج عن خوف عام يعيشه السوري في كل لحظة على حياته وحياة أبنائه، وعلى عمله ولقمة عيشه “المغموسة” على ضآلتها، بالموت والسجون والقهر والظلم.
في تلك اللحظة اجتمعت كل الشروط لتؤكد حقيقة ما كتبه رياض الترك، فالترك عاش في زنزانة الأسد الأب الانفرادية قرابة الثمانية عشر عاما، ومن المؤكد انه قد خطر في باله حين كتب ما كتب أن يعود لذات الزنزانة ولكن هذه المرة في عصر الأسد الابن طبيب العيون الذي أمل منه السوريين ومنهم بالطبع رياض الترك، أن تكون مدينة الضباب قد تركت آثارها الديمقراطية عليه، رغم الطريقة التي استحوذ بها طبيب العيون على السلطة في سوريا والتي توصف في احسن الأحوال بأنها غير شرعية.
أمل السوريين الكبير بالقادم الجديد، ومعهم رمز نضالهم الأول ضد الطغيان الأسدي سببه طيبة عالية يتسم بها هذا الشعب ويلحظها كل من يزور بلدهم شقيقا كان أو صديقا، عربيا أم أعجميا، مقيما أم سائحا، لكن هذا الأمل الذي اشترك معهم به شعوب شقيقة مجاورة عانت من جور وظلم الأب، سرعان ما تلاشى بفعل ممارسات أجهزة الرئيس الجديد، التي أعادت رياض الترك الى زنزانته، وأضافت اليه قبله وبعده مئات الأحرار من أبناء وبنات سوريا الأحرار الى غياهب السجون، رغم ان الترك لم يقل شيئا سوى “الأن مات الديكتاتور” وهي عبارة لا تعني شيئا اذا ما ترجمت بلغة السوريين وبالظروف التي أحاطت بذكرها، سوى عفا الله عما سلف، وهي دعوة من رياض الترك لعموم السوريين بأن يمنحوا رئيسهم الشاب الفرصة والوقت المناسبين كي يبرهن أن الابن ليس بالضرورة سر أبيه.
أضاف السوريين شيئا حسنا الى محاسنهم الكثيرة، وأضافوا كرما جديدا الى مكارمهم التي لا تُحصى، عندما منحوا طبيب العيون كل الفرص التي يحلم بها رئيس شاب وصل الى دفة الحكم بالوراثة من أبيه الديكتاتور، الذي أمعن في قتل هذا الشعب كما لم يفعل أحدٌ من قبل، لكن الابن أصر على أن يكون سر أبيه، وبذل ما باستطاعته ليثبت أن “فرخ” الأسد عوامٌ أيضا، ولن يُشبعه إلا لحوم السوريين وجيرانهم، ولن يرويه إلا مزيدا من دماءهم، ولن تهدأ “ساديته” إلا باستمرار عذاباتهم.
عشر سنوات مرت هذه الأيام على رحيل الديكتاتور، وعلى تلك الخمس عشرة دقيقة الأكثر ايلاما ربما في حياة سوريا الحديثة، حين اجتمع مجلس الخوف السوري، ليوافق على تبديل مادة دستورية هي أكثر أهمية بملايين المرات من غيرها من المواد التي تُعنى بتسهيل الحياة اليومية للسوريين ومازالت تنتظر موافقة ذات المجلس على تغييرها أو في أسوأ الأحوال تعديلها منذ أربعين عاما، وهو ما لم يحدث، وبات مؤكدا انه لن يحدث إلا في سياق تغيير شامل ونهائي يحتاج كي ينجح أن يبدأ أولا من طبيب العيون ذاته، ولا يتوقف عند حدود مجلس الخوف الذي يتهمه البعض بأنه منح شرعية لمن لا يستحقها، وكأن القادم الجديد انتظر فعلا موافقة ذاك المجلس الصوري على تغيير تلك المادة، حتى تنتقل له السلطة ويبدأ ممارسة مهامه الرئاسية.
عاش السوريين خلال تلك السنوات العشر على وقع خط بياني متصاعد دوما من القمع والاستبداد والقهر والتجويع والنفي، وقبل كل ذلك القتل أيضا، والحديث عن ربيع دمشقي بعد استيلاء طبيب العيون على السلطة بالوراثة من أبيه، ربما يقدم صورة وردية عن واقع حكم الأسد الابن في شهوره الأولى، ويقدمه بشكل جميل ومنفتح وديمقراطي الى حد ما، لكن الحقيقة ان سبب ذلك الربيع الذي عاشته دمشق واخواتها في تلك الفترة هو حاجز الخوف الذي تبدد عند السوريين في لحظة ظنوا ان الفرصة التسامحية الكبرى التي يمنحونها للأسد الابن في تجاوز الماضي وآلامه وعذاباته، تمنحهم حق رفع صوتهم واستعادة وطنهم المصادر، لكن طبيب العيون خيب كل الظنون، وهي في كل الأحوال تبقى ظنون، وكثير من الظن ليس اثم على أي حال.
اذا كان الأب الراحل قد قرر تحت ضغوط دولية كبيرة اطلاق سراح رياض الترك، فان الابن أعاده واضاف اليه المئات وربما الالاف الى الزنزانة وعلى مرأى من أصحاب تلك الضغوطات أفرادا ومؤسسات وحكومات دون أدنى اعتبار لهم جميعا، واذا كان الأسد الأب قد حاكم الأحرار من أبناء سوريا وبناتها على فعلهم المعارض لسيطرته، فان ابنه أصبح يحاكم الأحرار على نواياهم وأفكارهم التي مازالت في دواخلهم، وان كان الأب قد قنن لقمة العيش للسوريين من خلال “الكوبونات” فان ابنه قد سلم السوريين ولقمة عيشهم لحيتانه من الحاشية المحيطة وأبناء الخالات والأخوال. أملَ أغلبية السوريين من عهد بشار أن يشهد وفرة في لقمة العيش وكرامة في الحصول عليها، مع قسط من الحرية يستحقونه ودفعوا لأجله الغالي والنفيس، ولكن سرعان ما تأكد لهم أن حفار القبور الذي كان يسرق القطن من أجساد الموتى ليبيعه أفضل كثيرا من ابنه الذي ورث عنه مهنته، فلم يكتف بسرقة القطن وانما وضع عيدان خشبية مكان القطن المسروق.
اضافة لكل ما فعله طبيب العيون في سوريا والسوريين، فانه كان اللاعب الأساسي في ما حدث لعراق ما بعد صدام، فأجهزته هي من سهلت دخول المجرمين الذين ما زالوا حتى اللحظة يفجرون أجسادهم في تجمعات الأبرياء، وتلك الأجهزة هي التي أشرفت على تلك المجموعات اداريا وتموينيا وقدمت لها كل مساعدة لوجستية ممكنة، فقط حتى يثبت طبيب العيون قصير النظر للسوريين ان بقائه هو أرحم لهم وأخف وطأة من سوريا جديدة ستعاني ما يعانيه العراق الجديد.
لم يُقتل من رموز الحرية في لبنان في عهد الأب الديكتاتور، مثل العدد الذي فقده الشعب اللبناني في عهد ابنه طبيب العيون، ولم يتدهور النموذج اللبناني كفسحة للأمل والحرية والأمان لكل طالب أمان مثلما يتدهور هذه الأيام، ولم تيأس قيادات لبنانية في أحلك ليالي لبنان وهو في قبضة الأسد الأب من المجاهرة بحقها في رفض الوصاية والتبعية مثلما هي يائسة الأن بفعل شراسة طبيب العيون الأسد الابن، هذه الشراسة الحاضرة دوما في التعامل مع الأخ والشقيق، والغائبة دوما وصولا الى “التأرنب” في التعامل مع العدو.
عشر سنوات عجاف عاشها السوريين، وتحولت فيه سوريا الى مزرعة خاصة لطبيب العيون يمارس فيها نزواته، وتمارس أجهزته ساديتها، وكل يوم يمر على سوريا كوطن وشعب هو أفضل بكثير من سابقه، ويبقى شعب سوريا الطيب الكريم الذي قدم لطبيب العيون أكثر مما يحلم من فرص لتجاوز الماضي، يبقى هذا الشعب صبورا الى حين، ولكن ليس الى الأبد كما شعار العائلة المعروف، وان كانت الخيانة هي من المفردات الأكثر اشمئزازا وتحقيرا لدى الشعب السوري الغيور، فان خيانة نظام طبيب العيون والتحرك لعزله والقضاء عليه ستكون أعلى درجات الوطنية، حتى ترتاح روح كل فقيد قضى في عهده وعهد أبيه اعتقالا وقهر وتعذيبا ونفيا، وفي مقدمة هؤلاء روح الفقيد الكبير محمد الماغوط بحيث لا يكون آخر الخائنين.
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى