«كتاب في جريدة»: فتنة شعريّة في سوريا!
خليل صويلح
نوري الجرّاحنوري الجرّاحكما كان متوقعاً، أثار العدد الأخير من «كتاب في جريدة» المخّصص للشعر السوري في «الربع الأخير من القرن العشرين» غضب الأوساط الأدبيّة في سوريا. قائمة طويلة من الشعراء اختُزِلَت إلى 32 اسماً فقط، وبدا المشهد ناقصاً في غياب تجارب مؤثرة، حلت مكانها أسماء وتجارب ليس لها ــــ برأي المعترضين ــــ أي موقع على الخريطة الشعريّة. والطريف أن الاحتجاج لم يأتِ فقط من الشعراء المستبعدين… بل أيضاً من شعراء كان لهم حظ الدخول إلى النعيم الأنطولوجي لهذا المشروع الذي أراد له شوقي عبد الأمير (الشاعر العراقي المعروف)، أن يتجاوز غبار خزانات الأدب، لينفتح على التجارب الحيّة والراهنة في المشهد الشعري العربي… مشعلاً من حيث لا يدري «نار الفتنة»!
شوقي بغدادي الذي اختار أسماء الشعراء جاء متأخراً إلى المشروع، بعد انسحاب بندر عبد الحميد والزميل حسين بن حمزة من إنجاز المشروع إثر خلافات بينهما بشأن القائمة وشرعية وجود أسماء معيّنة وغياب أخرى. وإذا كان الأمر يتعلّق بالذائقة في المقام الأول، فإنّ بغدادي الثمانيني «قد لا يستسيغ معظم شعراء الثمانينيات والتسعينيات»، كما يذكّر بعضهم، علماً بأنّه «لم يواكب الأصوات الراهنة عن كثب، ليفرزها حسب معايير نقدية دقيقة». ووصف بعضهم الانتقائية التي سلكها بغدادي بـ«الزهايمر الثقافي»، نظراً إلى نسيان (أو تناسي؟) تجارب لافتة في المشهد الشعري. إذ كيف يغيب صوت استثنائي مثل سليم بركات؟ وماذا بخصوص غياب اسم دعد حداد، إحدى أبرز شاعرات السبعينيات؟ وماذا عن عبد اللطيف خطاب صاحب الصوت المفرد في جيل الثمانينيات؟ وحتى نزيه أبو عفش الذي تبلورت تجربته في السبعينيات، وكان أحد الآباء المؤثرين في تجارب شعراء الثمانينيات بصدور ديوانه «أيها الزمان الضيق… أيتها الأرض الواسعة» (1978) غاب عن القائمة من دون أسباب مقنعة.
عمل شوقي بغدادي على ترتيب الأسماء تبعاً لتاريخ الميلاد، وافتتح قائمته باسم محمد حمدان (من يعرفه؟)… ثم تتالت أسماء غسان صديق حنا، حسان الجودي، زاهد المالح، ثائر زين الدين… ويعلّق مثقفون خبثاء في جلسات المقاهي بأن «معظم هؤلاء هم أصدقاء طاولة للمعد، لا أصحاب منجز شعري». كما تسللت أسماء جديدة إلى المختارات التي أنجزت في زمن قياسي، «عن طريق المراسلة». والثغرات الأساسية التي تعتري المشروع، جعلت أحد الشعراء المكرّسين يعلّق بمرارة: «لقد طغت ذائقة اتحاد الكتّاب العرب على معايير الحداثة والتجديد».