نسميه زواجاً صيفياً أو سياحياً العلاقات الموسمية أصبح اسمها زواج
القاهرة ـ نهى عاطف
من وسط القاهرة تحتاج إلى ساعتين لتصل إلى محافظة 6أكتوبر التي صارت تعتبر إدارياً جزءاً من العاصمة. هي مثل مناطق القاهرة الأخرى، تتجاور بها المتناقضات، ففيها، إلى جانب القرى الفقيرة والمساكن الشعبية، مدنٌ سكنية مثل “دريم لاند” و”بفرلي هيلز” و”غراند هايتس” ذات التصميمات والأسعار الخيالية. عندما تصل إلى المدينة، تجد نفسك في بقعة تضم 74 بالمئة من أشكال زواج القاصرات في مصر، وفقا لما كشفته دراسة حديثة لوزارة الأسرة والسكان…
النسبة التي تبدو مفزعة هي نفسها السبب في إطلاق الوزارة حملة، طوال أشهر الصيف، للحد من “الزواج الصيفي”، أحد أكثر هذه الأشكال شيوعاً. وهو زواج يتم بعقد رسمي يبرمه أحد المحامين بين والد العروس بصفته وكيلاً عنها وبين عريس ثري يأتي من أحد البلدان الشقيقة لقضاء إجازة صيفية يكون خلالها زوجا للفتاة التي يدفع لها مهراً ويؤثث أو يؤجر لها منزلاً، ويمضي على عقد زواج عرفي منها. العملية برمتها كانت دافعاً لاعتبار مصر محطة انتقال ترانزيت للاتجار بالبشر ومن ذلك عملية زواج القاصرات أو “الزواج السياحي”، وفقا لتقرير صدر عن وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع منظمة اليونيسيف.
ورغم أن الحديث عن زواج القاصرات يثير صورة الفتاة المرغمة على الزواج، إلا أن عروس “الزواج السياحي” ليست من هؤلاء رغم كونها قاصرا أو بعبارة أخرى مراهقة. فنسبة 35 بالمئة من المتورطات في هذا النوع من الزواج تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 عاما، قد لا تكون شديدة الجمال أو تلقت قسطا وافرا من التعليم، لكن بعض الاهتمام بمظهرها وشيء من الدلال يؤهلها للعمل كزوجة للإيجار، وهي مهنة تمارس برضاها ولا تخجل منها. فهي-على أية حال- تدر عليها وأسرتها قدرا جيدا من المال، وكسب القوت هو أنبل مهمة يؤديها إنسان لأسرته، وهي تتزوج “على سنة الله ورسوله” بينما تمتهن فتيات أخريات الدعارة ويجلبن لأسرهن الفضائح. وهذه أيضا في رأي غالبية الزوجات الصيفيات- مهنة أفضل من العمل في تنظيف البيوت أو حتى التخديم في المقاهي وغيرهما من المهن التي تمارس خارج البيت، حيث تتعرض النساء للتحرش الجنسي أو ما هو أكثر، لكن “مهنة الزواج” تنقلها من بيت لآخر بعيدا عن كل متاعب خروج امرأة لسوق العمل………..
وعندما تتحدث إلى والد العروس عن موقفه من زواج ابنته المؤقت، فلا تحاول لومه، لأن لديه عشرات العبارات التي حضرها لتجميل هذا الموقف أمام الناس وأمام نفسه أبسط هذه العبارات كون ذلك “جواز على سنة الله ورسوله”، رغم أن الزواج في “سنة الله” هو رباط يجمع شخصين في حياة واحدة، لا علاقة عابرة في رحلة مؤقتة لثري يبحث عن عروس شابة. وفي رواية والد العروس المؤجرة أن “الراجل شافها وعجبته وطلب يتجوزها”، وهي رواية صحيحة ومختصرة، غير أن تفاصيلها هي ما يحمل خطيئة هذا الزواج.
أما سمسار الزواج، فهو المحامي الذي يعمل “خاطبة” يعرف هذا الأب وذاك ويعرف هذه الشابة وتلك، بالتالي يستطيع أن يرشح للعريس الزبون عدة فتيات يختار هو من بينهن، لا يختلف هذا المحامي عن القوّاد إلا في كونه حاصلا على بطاقة من الدولة تخوّل له ممارسة عمله، وأن صفقاته لتأجير النساء باسم الزواج تتم بعد توقيع عدة أوراق تسمى “عقد زواج” كثيرا ما تكون غير موثقة، وربما من نسخة واحدة يحتفظ بها على أن يسلمها إلى الزوج بعد تطليقه زوجته الموسمية. الرجل الذي يختار هذا النوع من الاقتران، هو دائماً من خارج مصر! أن يكون شابا أو شيخا لا يهم، فعندما يأتي إلى مصر سيجد ما هو ممنوع في بلاده-بحكم القانون أو اهتمامه بمظهر محترم ومستقيم- متاحا في “أم الدنيا”، غير أن هذا الزوج “السياحي” لا يحب ارتكاب الخطيئة ولا يهوى الحرام، إنما يلتزم بإتباع “سنة الله ورسوله” -على النحو الذي يعرفه والد العروس المؤجرة!- فيجتمع الاثنان على إتمام الصفقة التي لا يتكلف فيها الزوج العربي أكثر مما يعادل ثمن إقامته أسبوعا في أحد فنادق الخمس نجوم، أو ثمن سوار قيّم يهديه لزوجته في بلده الشقيق.
وأهل القرية الذين كانوا يغنون للعروس “ان شالله تعمريها… وعيالك يجروا فيها” وقت دخولها منزل الزوجية، في حالة الزواج السياحي لا يتمنون حقيقة أن “تعمّر” العروس دارها أو تنجب أطفالا، لأن العلاقة في هذا النوع من الاقتران مصيرها إلى الانتهاء قبل موسم الشتاء، والأطفال خلالها غير مرغوب فيهم. فالقنصليات العربية في مصر تتلقى كل يوم بلاغات تطلب مرسلاتها تنسيب أبنائهن إلى الزوج السائح الذي عاد إلى بلده، ما دعا هذه القنصليات إلى تحذير رعاياها في مصر من الإقدام على هذا النوع من الزواج.
ولحسن الحظ لم يغب علماء الدين المستنيرون عن الساحة، فأوضح عدة أساتذة أزهريون ذوو مكانة مرموقة لدى الناس رفضهم لهذا النوع واعتباره باطلاً. وفي بداية العام الجاري، ألقت الشرطة القبض على رجل زوّج ابنته ذات العشرة أعوام إلى ثري عمره 73 عاما مقابل 10 آلاف جنيه (1700 دولار أميركي)، والتهمة هي تزويج قاصر حيث لا يجيز القانون المصري زواج الفتاة أو الفتى تحت سن 18 عاما. وحدث أن أرسلت النيابة العامة سؤالا لفضيلة مفتي الديار المصرية عن صحة هذا الزواج، لينتهز الشيخ الدكتور علي جمعة الفرصة ويعطي فتوى رسمية مستفيضة بكون الزيجة “استغلالا جنسيا” للطفلة، ويؤكد أن هذا الأب الذي زوجها لمن هو في عمر جدها “فاسقا” و”تسقط ولايته على أبنائه”. ودعا الدكتور جمعة النيابة إلى عقاب رادع لكل من الأب والأم والوسيط والمحامي الذي أتم الزيجة والزوج نفسه. غير أن الفتاوى لا تنتهي، ففي الأمر الواحد تجد الفتوى ونقيضتها….
اللافت أن كثيراً من الأسر لا تحتاج إلى جهد كبيرا للاقتناع بتزويج فتياتها للأثرياء العرب زواجا مؤقتا. فمن واقع دراسة أجرتها مؤسسة منف للتنمية السياحية والثقافية والبيئية، تبيّن أن 50 بالمئة من هذه الزيجات تتم عن طريق الأهل، الذين لا يتورع بعضهم في القرى المشهورة بهذا النوع من الزواج- عن دعوة السائح العربي لاحتساء الشاي في الوقت الذي يختار فيه عروسته من بين بناته! بينما يتولى المحامون تزويج 30 بالمئة من الفتيات المشاركات في هذا “الزواج”، والسماسرة يحظون بنسبة 20 بالمئة الباقية، وأغلبهم من النساء.
وعلى خلاف المتوقع، فإن الفقر ليس السبب الأول لانتشار هذا النوع من الزواج المجازي، فقد أظهرت دراسة رسمية ميدانية أن أكثر من 57 بالمئة من العائلات التي ترتضي الزواج السياحي متوسطة الحال، أما الفقراء فلا يشكلون أكثر من 30 بالمئة من الأسر التي لا تمانع هذا الزواج. ورؤية “المتطلعين نحو حياة أفضل” للزواج هي الأخطر، أخطر حتى مما قد يرد على خاطر الفقراء أو شديدي الفقر. فعند هؤلاء الأخيرين ما يزال اقتران الفتاة هو الغاية الأساسية لوجودها، من أجله يتم ختانها وحرمانها من الاختلاط وتحفيزها على الادخار لشراء ما يلزمها عندما تصير عروسا. والحفاظ على استمرارية الزواج ما تزال مهمة المرأة التي يرى أهلها في طلاقها عارا، حتى لو أسفر عن بضعة آلاف من الجنيهات. وللرجل الزواج قيد يدفع به إلى حياة مستقيمة وفقا لما تراه غالبية سكان المناطق الفقيرة. وشديد الفقر مهما تطلع فهو يدرك أن الوصول إلى ما يتمنى شديد البعد عن طاقته، بينما متوسط الحال يرى المسافة أكثر قصرا بين واقعه وما يتطلع إليه.
على سبيل المثال، سجلت مصر في عام واحد هو( 2007) أربعين ألف حالة زواج سياحي، وهو العام نفسه الذي تصدرت فيه قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها هذا النوع من الزواج، وفقا لدراسة أجراها جيرار نيتش الأستاذ بجامعة السوربون: إنتشار هذه الزيجات تركز في مناطق سياحية مثل شرم الشيخ والأقصر، وهي مدن يستطيع فيها العامل بالسياحة أن يحقق دخلا معقولا يصنع له حياة متوسطة الحال. غير أن 40 بالمئة من الشباب الأقصري الذي قرر الزواج في هذا العام، اختار الاقتران بإحدى الأجنبيات من كبار السن، وفقا لرئيس المجلس الأعلى للمدينة. فالشاب يعيش واقعا ويسمع عن حياة أخرى ويجد طريقا مختصرا لها، يختاره ويسميه زواجا، ليصبح الرجل “الصعيدي” بكل ما هو معروف عنه من نخوة وتشدد “زوج بالإيجار” لسيدة تعطيه عدة آلاف قبل رحيلها.
هذا النوع من العلاقة يسميه الناس زواجا لمقاومة إحساس داخلي بالذنب من اقتراف الخطيئة وتفادي عقاب اجتماعي بالرفض إذا ما تم الاقتران دون “زواج”، والأخطر من إقدام بعض الأسر على ممارسته من خلال بناتهن أو حتى رجالهن، هو إقرار بيئتهم بهذه الممارسة والاعتراف بها ضمنيا كأحد أشكال للزواج، ما يرشحها لمزيد من الانتشار.
المستقبل