بصمات أصابع إسرائيل على السطح: اغتيال الحريري
راني أميري
في الشرق الأوسط فإن الصلة ما بين المكايد السياسية و التجسس و الاغتيال إما أن تكون واضحة وضوح النهار أو أن تكون غامضة غموض الوحل.
بالنسبة للقضية غير المحلولة و المتمثلة في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري فإن الوحل يبدو أنه يعطي شيئا من الطريق لضوء النهار.
إن الإجراءات المتخذة ضد حلقات التجسس الإسرائيلية في لبنان قد أسفرت عن اعتقال ما يزيد على 70 شخصا خلال الشهور ال 18 الأخيرة. من ضمنهم أربعة ضباط رفيعي المستوى في الجيش اللبناني و ضابط من الأمن العام – أحدهم كان يتجسس لصالح إسرائيل منذ 1948.
إن التطور المثير في التحقيقات الجارية حدث في نهاية شهر حزيران و بلغ ذروته في اعتقال شربل قزي وهو رئيس البث و الإذاعة في شركة ألفا و هي إحدى الشركات الحكومية الاثنتين اللتين تقدمان خدمة الهواتف الخلوية.
بحسب صحيفة السفير اليومية فإن قزي قد اعترف بتثبيت برامج كومبيوتر و تركيب رقائق إلكترونية في أجهزة إرسال ألفا. و هذه البرامج قد تستخدم فيما بعد من قبل المخابرات الإسرائيلية من أجل مراقبة الاتصالات, و تحديد الشخصيات المراد اغتيالها, إضافة إلى إحتمالية نشر فيروسات قادرة على مسح جميع المكالمات المسجلة على خطوط بعض الأشخاص. إن تعاون قزي مع إسرائيل قد يعود إلى 14 سنة ماضية.
في 12 يوليو نفذت عملية إعتقال ثانية في شركة ألفا. حيث تم إعتقال طارق الربع و هو مهندس و شريك للقزي حيث اتهم بالتجسس لصالح إسرائيل و المساس بالأمن القومي. و بعد أيام قليلة, تم اعتقال موظف ثالث في شركة ألفا.
و قد رفضت إسرائيل التعليق على عمليات الاعتقال هذه. و على الرغم من هذا, فإن قدرتهم الظاهرة على إختراق الجيش اللبناني و قطاعات الإتصالات قد أدى إلى تسارع وتيرة القلق الأمني لدى لبنان.
ما الدور الذي يمكن ان يكون قد لعبه كل من هؤلاء الأشخاص في إغتيال الحريري؟
بعيدا عن التشعبات الواضحة لتورط ضباط لبنانيين رفيعي المستوى في العمل مع إسرائيل, فإن شرعية المحكمة الدولية الخاصة موضع سؤال الآن. إن المحكمة الدولية هي هيئة تابعة للأمم المتحدة مهمتها التحقيق في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. في 14 فبراير 2005 أدى إنفجار 1000 كيلوغرام من المتفجرات في الموكب الذي كان يسير فيه الحريري إلى مقتله و 21 شخصا آخرين.
و يتوقع أن تقوم المحكمة الدولية باستصدار لوائح اتهام في بداية شهر سبتمبر وقد اعتمدت بشكل كبير على التسجيلات التلفونية و البث في هذه اللوائح.
و بحسب وكالة الأنباء الفرنسية ” فإن التقرير الأولي الذي أعده فريق التحقيق قد قام بجمع المعلومات من المكالمات الخلوية التي تمت في يوم اغتيال الحريري و استخدمها كدليل”
كما ذكرت صحيفة ذا نايشن أن ” التحقيق الدولي يمكن أن يقدم لوائح الإتهام في شهر سبتمبر, و ذلك بحسب تقارير إعلامية لم يتم التحقق منها, و قد استخدم في هذه اللوائح تسجيلات تلفونية مكثفة من أجل التوصل إلى مؤامرة اغتيال الحريري و التي ألقي اللوم فيها بشكل كبير على سوريا… “.
في 16 يوليو فقد خمن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن تقوم المحكمة الدولية بإستخدام معلومات مستقاة من الإتصالات الإسرائيلية بشكل خاطئ من أجل توريط حزب الله في عملية اغتيال رئيس الوزراء.
يقول نصرالله:” يعتمد البعض في تحليليهم على شهادات الشهود الذي تبين أن الكثير منهم كاذبون, و على شبكات الاتصال المخترقة من قبل الجواسيس الذين يمكن أن يغيروا أو يتلاعبوا في البيانات.
و يضيف ” قبل حرب 2006 قدم هؤلاء الجواسيس معلومات مهمة للعدو الإسرائيلي و اعتمادا على هذه المعلومات قامت إسرائيل بقصف المباني و البيوت و المصانع و المؤسسات العامة. و قد استشهد الكثير و أصيب عدد كبير آخر. إن هؤلاء الجواسيس شركاء في عمليات القتل و الجرائم و التهديد التشريد”.
و قد وصف نصرالله المحكمة الدولية بأنها “مشروع إسرائيلي” القصد منه “خلق بلبلة في لبنان”.
في الواقع في مايو 2008 شهدت لبنان شيئا من هذا الأمر. في ذروة الجمود الذي استمر 18 شهرا من أجل تشكيل الحكومة اللبنانية تحت رئاسة فؤاد السنيورة فإن قرار حكومته في الإعلان عن أن شبكة حزب الله للاتصالات هي شبكة غير قانونية قد أدى إلى دفع البلاد إلى شفير حرب أهلية.
مدركين للقيمة الكبيرة لخطوط الإتصالات الآمنة في حرب عام 2006 مع إسرائيل و الشك في الشبكة المملوكة للحكومة فقد قاوم حزب الله خطط السنيورة في تفكيك شبكات الحزب. و قد اجتاح رجال الحزب غرب بيروت ووضعوا حدا سريعا لخطط الحكومة. بعد عامين على هذا, فقد تبين أن شكوكهم في محلها.
إن المعارضة و زعيم التيار الوطني الحر ميشيل عون قد حذروا نصرالله بأن المحكمة الدولية سوف تضع الملامة على أعضاء من حزب الله مما سيؤدي إلى مواجهة لبنانية لبنانية و مواجهة لبنانية فلسطينية اضافة إلى حرب إسرائيلية على لبنان…. .
لقد تجددت الثقة في كلام نصرالله و تأكيدات عون, من خلال كلام قائد الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي الذي توقع ” مع الكثير من التمني بأن الوضع في لبنان سوف يتدهور في شهر سبتمبر بعد أن تتهم المحكمة الدولية حزب الله في إغتيال الحريري”.
إن كلام أشكنازي الجذل و الذي قدم أمام لجنة الشئون الخارجية يظهر آمال إسرائيل في نتائج المحكمة الدولية و المتمثل في حرب أهلية ما بين الطوائف اللبنانية المتناحرة و المنقسمة بشكل عام إلى قوى مناهضة و موالية لسوريا. لقد توقع أشكنازي أن يحصل هذا الأمر, وذلك بالطبع لأنه يعلم بالوصول الإٍسرائيلي إلى سجلات المكالمات الهاتفية الحساسة و أن هذا الأمر سوف يحمل حزب الله مسئولية الجريمة.
إن عملاء إسرائيل في لبنان و اختراقها لشبكة الإتصالات أصبح أمرا معروفا. على الأٌقل فإن المحكمة الدولية يجب أن تدرك أن ذلك الدليل و المتمثل في تورط حزب الله المزعوم في مقتل الحريري (إن الحزب معروف بعلاقات جيدة تاريخيا مع رئيس الوزراء الراحل) هو دليل ملوث و لربما تعرض للتلاعب.
إن إعتقال القزي و الربع يجب أن يدفع المحكمة الدولية إلى تحويل تركيزها إلى اللاعب الإقليمي الوحيد الذي استفاد من إغتيال الحريري, و هو اللاعب الذي سيستمر في عمله متى تم التأكد من توريط حزب الله.
لقد حان الوقت للنظر باتجاه تل أبيب.
بقلم: راني أميري / كاونتربانش
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي