سورية وجريمة اغتيال الحريري… من قتله وما هو المطلوب؟
زين الشامي
في انتظار القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، يبدو أن دمشق ونظامها السياسي، وربما السوريين كلهم، هم الأكثر فرحاً بتلك الأنباء المقبلة من هنا وهناك وتتحدث عن اتهام متوقع لـ «حزب الله» اللبناني في عملية الاغتيال، أو لعناصر «غير منضبطة» فيه كما نقل رئيس الحزب السيد حسن نصر الله عن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.
سيقول المتابعون ان النظام في دمشق ما زال متهماً لأن «حزب الله» حليفه الأول والأكبر والأوثق والأهم في لبنان، وهو ما كان ليقدم على هذا القرار الخطير لولا معرفة دمشق ودون التنسيق معها، ودون معرفة طهران ودون التنسيق معها أيضاً، لأن اغتيال شخصية لبنانية وعربية ودولية بوزن رفيق الحريري لا يمكن أن يتم دون معرفة قيادات إقليمية كبرى، ودون تعاون استخباراتي في ما بينهم، ودون تحضير كبير.
هذا المنطق صحيح تماماً، لكن وبانتظار أن تقول المحكمة الدولية رأيها الحاسم أو حكمها النهائي، يبقى كل ذلك مجرد رأي وتحليل سياسي قد تدحضه التفاصيل الجنائية، بمعنى ربما لو قدمت المحكمة الدولية تفاصيل مقنعة وأدلة ثابتة لا يرقى إليها الشكل، حول عملية الاغتيال، فإن التحليل السياسي سيختلف تبعاً لما سيقوله القضاء، هذا إذا اعتبرنا أن المحكمة الدولية هي محكمة مستقلة تماماً وبعيدة عن التدخلات السياسية للدول الكبرى.
لكن ماذا لو أتى القرار الظني متهماً لتلك «العناصر غير المنضبطة» في «حزب الله»، ودون أن يكون هناك أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد لدور سوري مفترض بجريمة الاغتيال؟
في هذه الحالة سنكون أمام احتمالين لا ثالث لهما: أولهما أن سورية والنظام السياسي فيها ليس لهما علاقة فعلياً لا من قريب ولا من بعيد بهذه الجريمة، وكل الاتهامات التي صدرت بحقها وحق نظامها، كانت ظلماً مريعاً، وهذا يعني أيضاً ويؤكد أن هناك جهة أخرى أو دولة ثانية تقف وراء هذه الجريمة، وهي إيران التي يعتبر «حزب الله» أحد أهم وأوثق حلفائها في العالم العربي. وهذا يعني أيضاً أن إيران تملك مخططها وأجندتها الإقليمية الخاصة بعيداً عن سورية والنظام فيها، وما هي بنظر طهران إلا ورقة أو نقطة ارتكاز لها في سياساتها ومخططاتها الإقليمية.
واذا كانت هذه هي الحقيقة، فإن ذلك يجب أن يشكل درساً كبيراً لدمشق ويعطيها الدافع لتعيد قراءة علاقتها مع إيران بشكل حاسم.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن يكون ثمة تنسيق واتفاق بين إيران وسورية و«حزب الله» على عملية الاغتيال، وأن المحكمة الدولية مسيسة حقاً، وقد أرادت الدول الكبرى المسيطرة عليها، أن تتهم «حزب الله» حليف إيران وتبعد سورية عن دائرة الاتهام بغية إضعاف إيران إقليمياً، أو ربما تحييد سورية في ما لو كانت هناك ضربة عسكرية مرتقبة للمنشآت النووية الإيرانية. يعني أن هذه الدول قررت أن تكافئ سورية من خلال تبرئتها من دم الحريري مقابل تشجيعها على لعب دور إقليمي مستقل وبعيد عن إيران، في العراق، وفي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
في انتظار القرار الظني والتفاصيل الجنائية وشرح ملابسات الجريمة، يبقى كل ذلك في مجال التكهنات الأولية، لكن وفيما لو كان «حزب الله» هو وحده من قام بعملية الاغتيال أو «عناصر غير منضبطة» فيه، أو سواء أكانت عملية مدبرة من قبل إيران وسورية و«حزب الله»، فإن ما هو مطلوب حقاً الآن هو وقفة هادئة وتاريخية من تيار المستقبل ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، لا بل من عموم أبناء الطائفة السنية في لبنان، وقفة وموقف حضاري ووطني يأخذ في عين الاعتبار مصلحة لبنان كله، ومصلحة وسلام الشعب اللبناني، لأن لبنان واللبنانيين لا يحتملون أي خضة عنفية جديدة، ولا يحتملون أي هزة طائفية، أو حرب أهلية جديدة… يكفي أن المحكمة والقضاء سيقول كلمته، أما عقلية الثأر القبلية فلا تجلب إلا مزيداً من الدم والحزن والألم وتورث الأحقاد.
زين الشامي
كاتب سوري
الراي