“حبل سري” للسورية مها حسن: رواية مفتوحة على النزق.. والأحزان
عناية جابر
عن «دار الكوكب» ريــاض الريس للكتب والنشر، صدرت رواية الكاتبة السورية المقيمة في باريس مها حسن تحت عنوان «حبل سري» تتمهل فيها الكاتبة في سرد حياة باريسية، فرنسية على وجه الخصوص، مكثفة لشخصيات تتنوع نوازعها العاطفية، والمادية، جذرها عنوان الرواية الموفق «حبل سري» الذي يربط كل منها ببيئته ونشأته في تباينات شعورية تشوبها الرقة والقسوة بحسب الكشف الذي برعت الكاتـبة في الاعتناء السردي به.
الخطوط الروائية المتشعبة لرواية «حبل سري» مرتبــطة بتكــنيك السرد الروائي، لكن ترتبط أكثر بموضوعها العــام: شياطين الحـنين الى الانتماء التي تستحوذ على بطلة الرواية الآتية الى باريس بموروثها العربي ـ الكردي المتــسلط، لجهة تسلــّط العائــلة (ذكــورها على الإناث) تعطي الروايــة كــكل وحدة داخلية هي الأبرز في التحام الســرد ونكهته، وفي تأمل حياة أبــطال «حبل سري» كل من بيئـته وثقافته المختلفتين.
ما فعلته حسن في روايتــها، هو تأليفها من منطقة غير كلاسيــكية تأخذ معها الروائية بتـطوير موضوعاتها التي تتحقق بثبات داخل ومع القصة في آن. ثمة ما يشّد مها حسن الى هجر روايتها في بعض المواقع، لتبيان بعض الثوابت عندها في الانتصار للمرأة، او للإنسان بشكل عام ولحقوقه المشروعة، ويظهر هذا الكشف في مواضع عديدة ما يضعف قليلاً قوة السرد، وتلقائيته، كمن يستنطق عامداً شيئا سبق استنطاقه وتعريفه، فيما في مواضع اخرى تبرع حسن في صهر الحلم بالواقع على سجية شاعرة تعرف تماماً ماهية الحب في شقه العاطفي والجسدي.
سرد رشيق
صوفي بيران، بحقيبة ظهر صغيرة، تنتقل بها من مدينــة لاخــرى، وترافقها مع محتوياتها ذاتــها في جميع الفنادق. صـوفي الباحثة في رواية آلان بيران عن مصيرها الذي تجهله، تأخذنا معها في سرد الكاتبة الرشيق الى دواخل ورغبات مفاجئة وحزن مباغت، وتلعب على هوسها بالقيادة السريعة المتأصل فيها، كحالة انتقام من الثبات، او حالة سخرية من عالم آلان بيران نفسه، الذي تحمل اسمه. حقيبة هي مجرد حجة، لحمل مجموعة من نوازع صوفي، ومن رغباتها وتأملاتها، ومع ذلك فهذه الحقيبة تشكل مدخلاً الى عالمها، وضرورة لإعطاء السرد حس الرواية المفتوحة على النزق، والحزن.
فرنسيان وسوريات. فرنسيون وسوريـون وأكـراد أشــخاص روايـة مهـا حســن، نجد فــيها عرضــاً لأفكار الكاتبة التي تتركهم الى مصائرهم من دون كثــير تدخل، تتركهـم لوجودهم الــحر، ولكل صخرته التي تسحقه ويتلوى تحت ثقلها.
مـن الســطر الاول في الــرواية، تتعــمد الكاتبة تحــميل لغــتها نغـمة مرحة، ساخرة، مستفزة، تجريبية ومتـسائلة وإن تضـعف على ما ذكرنا، حـين تكون حكــمية او مبـاشـرة تشـير بأصــابع الاتــهام الى «دونية» المرأة العــربية في مجتمعاتنا، في إدانة واضحة، مترابطة مع أفكار الكاتبة وحقيقة المسألة المشار إليها. المرأة العربية في حياتها في باريس او سواها، تبقى استمراراً لحياة أمها، كقدر لا مفر منه لان جوهر حريتها الحقيقية متجذر في مواضيع اخرى، ما يجعل حياتها أقل حياة، ومقتصرة على التأمل الشعري في الوجود، ما يستدعي بعض التفسيرات الاجتماعية والتاريخية لمجتمعاتنا المتخلفة، من دون تحديد حياة الشخصيات في مجال زمني معيّن.
تفسّخ
أغلب شخصــيات روايـة «حبل سري» كما لو هي في قفــص، وعليــها ان تجـد طريـقة للخــروج منـه، تناسب الاختفاء التدريجي لمفهوم التفسخ الذي يعيــشه الإنــسان العربي والغربي في آن، التفـسخ الروحي والاستــلاب المــادي الذي يعبث الآن بكــل شيء، ويقذف بالإنسان الى شواطئ مجهــولة، من دون إمكانية «الحب» الذي يبقى حاجة اولى وملاذاً، وغالياً أكثر من الأوطان نفسها.
نستطيع ان نتبـين في رواية مها حسن، المهارة في سرد الطبيعة العلائقية بين كائنين، ســواء في الحب او في الصــداقة او النــبوة والأخــوة. كل علاقــة عندها تتــوفر علـى كمية من الإشارات تسيّرها حركة ذكية وعارفة للدواخل البــشرية، المفتوحة على كل الاحتمالات التي تـذكي حيويتها. كثافة متساوية في كل المشاهد، خصوصاً مواصفات الحب الذي تذهب فيه الكــاتبة حتــى منتهـاه، غــير متحرجــة من أي توصيف يرفع في الضغط الانفعالي للمشهد حتى لو أتى جريئاً. مهمة الكاتبة في المواضع التي ذكرنا هي إيجاد ألفاظ صـادقة، جديدة أكثر كثافة وتضجراً من المشـهد نفـسه، والأمر برأيي، هو حاجة الكاتبة قبل كل شيء، التي تحتاج الى الفن في التعبير، فيكون الانتشاء بصياغة الكلمات أكثر من الانتشاء من المشهد نفسه. رواية ضخمة لمها حسن تستحق التأمل والمتابعة.
السفير