كم أفواه السوريين بين الافتراضي والحقيقي في مسودة قانون الإعلام الإلكتروني
هيام جميل
وزعت وزارة الاتصالات في نهاية حزيران الفائت مسودة قانون الإعلام الإلكتروني على رؤساء تحرير الصحف الإلكترونية السورية، بعد طول حديث عن ضرورة تنظيم هذا الحقل الإعلامي من قبل مسؤولين حكوميين سوريين وتحت عنوان “قانون تنظيم العمل الإعلامي الإلكتروني”.
وقدا بدا واضحا إنزعاج الحكومة السورية من قدرة الإعلام الإلكتروني على تجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعتها في قانون المطبوعات الصادر سنة 2001، إذ صرح رئيسها المهندس ناجي عطري مرارا عن ضرورة “الحد من الفوضى التي تسيطر على عمل الإعلام الإلكتروني في سورية”.
المسودة التي جاءت في تسعة أبواب شملت التعاريف الخاصة بها: الأحكام العامة، مقدمي الخدمات على الشبكة، مقدمي خدمات التواصل على الشبكة واعتمادهم، الإعلان الإلكتروني على الشبكة، محظورات النشر والرد والتصحيح، المسؤوليات والجرائم والعقوبات، أصول المحاكمات، والأحكام الختامية.
الصحفي أيمن عبد النور، رئيس تحرير موقع كلنا شركاء “المحجوب” وأحد أهم المواقع الإخبارية السورية الذي يلقى متابعة من داخل وخارج سورية، أعرب عن موافقته على القانون من حيث الفكرة وعلى ضرورة قوننة جميع الأعمال من أجل ضمان حقوق الأطراف جميعها، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن هدف السلطة في سورية، المشرعة والمنفذة في آن معا، هو “تخويف الصحفيين ومنعهم من الكتابة في المواضيع التي يكتبون فيها الآن”، وذلك برأيه يتنافى مع الهدف الذي وجد من أجله التشريع، وهو أن يكون منصفا وعادلا للجميع.
ملاذ عمران، الناشط على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، والذي يدخله السوريون رغم الحجب الذي تفرضه الحكومة، يوافق مع وجهة النظر القائلة بضرورة قوننة العمل الإعلامي كما مختلف جوانب الحياة، غير أنه يجد أيضا أن هذه الخطوة تأتي للحد من الحريات العامة في سورية وتقييد تدفق المعلومات وبالنهاية “خنق هذا الوسط الحر”، كما يقول.
وفي حين يتضح من شكل المسودة التي أعدت بمشاركة وزارات الاتصالات أنها كسابقتها “قانون المطبوعات” قد جاءت برزمة عقوبات جديدة، تتراوح بين أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامات تصل إلى مليون ليرة تضاعف في حال التكرار، مع ملاحظة أن الجرائم غير المنصوص عليها في هذا القانون تتم العودة فيها إلى قانون المطبوعات أو قانون العقوبات، يوضح معظم الإعلاميين في الفضاء الإلكتروني السوري أنهم غير معنيين بهذه العقوبات لأن شكل وسرعة التواصل الإلكتروني سيمنع تطبيق مثل هذه العقوبات غير المنطقية برأيهم.
حيث يرى الأستاذ أيمن عبد النور أن الأخبار والتعليقات وكذلك التحليل للأخبار لا يمكن أن ينتظر تقديم طلبات أو موافقات أو مراسلات، وبالتالي حتى بوجود نص قانوني فإن الواقع على الأرض سيدفع باتجاه عدم تنفيذه مما يوقع الجميع للعمل تحت سياسة غض النظر التي يمكن أن تنقلب في أية لحظة، ليكشف عندها المسؤولون المخالفات القانونية الكثيرة التي تم غض النظر عنها سابقا.
ويكمل قائلا ” هذا ليس عملا بل صيغة للابتزاز تلجأ إليها كثير من الأنظمة في دول العالم الثالث”.
ولا يختلف الأمر مطلقا بالنسبة للفيس بوك، وقد أصبح اليوم منبرا إعلاميا لمستخدميه السوريين الذين تجاوز عددهم الثلاثة آلاف مستخدم من داخل سورية حسب التقدير الشخصي للناشط ملاذ عمران، من بينهم من يتجاوز عدد أصدقائه الذي يتابعون ما نشر عتبة الـ 1500 صديق، أو قارئ، وهو برأيه رقم لم تستطيع الوصول إليه كثير من المطبوعات والجرائد وحتى المواقع الإلكترونية، مما يؤكد على خطورة هذا العصر الإلكتروني الجديد وتأثيره على حياة السوريين الآن ومستقبلا.
ومع وجود هذه الأعداد من المستخدمين من داخل سورية يرى الناشط ملاذ عمران أن “الخرق” لمثل هذه النصوص القانونية “واجب لأنها قوانين غير عادلة” بل وهو يشجع على خرقها حين تتناقض مع الحقوق الطبيعية والإنسانية وتشكل تعديا على الحريات المدنية والسياسية.
والعقوبات الجديدة التي تعتزم السلطات السورية فرضها على الإعلام الإلكتروني السوري تأتي في إطار سلسلة سبقت من العقوبات، ومنها الحجب الذي تعاني منه مختلف شرائح المواقع الإلكترونية الإخبارية والثقافية والدينية والاجتماعية والمنوعة، عربية وكردية..
وبالطبع فإن هذه العقوبات الجديدة ستكون ذات تأثير سلبي على المواقع الإلكترونية حسب عبد النور ولكنه يضيف ” سنستمر بإذن الله لان العمل الإعلامي رسالة يجب أن يكافح الإعلامي والصحفي لإيصالها ويجب ألا يستسلم عند العقبات لأنها أمانة”.
يسلّم ملاذ بفكرة وجود خسائر يتكبدها كثيرون لكنه في الآن ذاته يرى أن هذه القانون سيبوء بالفشل في النهاية في كم أفواه السوريين..
” بمناسبة ذكر الضحايا يجب على كل قانون أن يمتلك الأدوات المناسبة لفرضه وتقصي مخترقيه وعقابهم، أما بالنسبة لقانون الإعلام الإلكتروني فأرى بأنه يدخل في معركة خاسرة سلفاًُ لأنه يواجه فضاء صمم ليكون حراً ولا يمكن تقييده بقانون”.
وبانتظار صدور المسودة، وبدء فرض العقوبات على المواقع الإلكترونية “المسموح بها”، كما المحجوبة أصلا، فإنه يبدو واضحا أن كلا من الرقابة الحقيقية والإلكترونية تحاول أحكام قبضتها أكثر فأكثر، فيما يبدو السوريون أكثر قدرة على التجدد والإبداع وابتكار أساليب جديدة لإسماع صوتهم.