المسلسلات السورية في رمضان: بيع الدراما بالكيلو مثل البطاطا!
ميساء آق بيق
كل عام وأنتم بخير.. زحمة مسلسلات على الفضائيات العربية، التي يعتقد القائمون عليها ربما أن الشركات والمؤسسات والمصانع والمعاهد تغلق أبوابها، وأن العرب يتوقفون عن العمل والإنتاج خلال هذا الشهر الفضيل، قد يكونون على حق نوعاً ما..!
خلال الأيام القليلة الماضية منذ أن بدأ طوفان المسلسلات العربية يغرق الشاشات، تمكنت من مشاهدة مقاطع أو حلقات من هنا وهناك بقدر ما سمح لي وقتي المتبقي من اليوم، وأود أن أطرح في هذه الزاوية بعضاً من الانطباعات التي خرجت بها.
أعتقد أنني هذا العام سأعطي شهادات رسوب في كثير من مواد الامتحان بالنسبة للدراما السورية!
اولها شهادة أسوأ هندسة صوت لعدد كبير من المسلسلات، فالصوت سيئ لدرجة أننا بالكاد نسمع الحوار، خصوصا في الحلقات الأولى، فإما أن الموسيقى التصويرية أعلى من الحديث، أو أن صوت الممثلين منخفض، أو أن ضجة تعلو على صوت الحوار.
وثانيها شهادة الدرجة الأولى في البطء الممل والرتيب، كل شيء يسير ببطء، الكاميرا، الموسيقى، اللقطات، الحوارات أغلبها افتقرت للحيوية.
وثالثها شهادة رسوب في الموسيقى التصويرية: أكثر ما شاهدته كانت الموسيقى التصويرية فيه مزعجة ولا تتناسب مع الموقف.
نضيف الى كل ذلك شهادة في التنغيص على أمزجة المشاهدين، حيث نجد جرعات ضخمة من الحزن والكآبة والشر والصراخ والعويل والعنف اللفظي أو الجسدي والحقد والفساد والضياع والغضب والفقر المدقع أو الغنى الفاحش، وكلاهما بالمناسبة يسببان الكآبة، لدرجة تدفع المتابع لها على بعد خطوتين من اليأس الكامل من الحياة والمجتمع. أما المسلسلات التي أخذت الطابع الكوميدي فهي تهريج مبالغ فيه تبتعد عن كوميديا الموقف. تعود للذاكرة مسلسلات على نمط ‘الفصول الأربعة’ الذي كان ينتزع البسمة من شفاهنا تلقائيا بواقعية أحداثه ورقيها ومعالجة المشاكل بطريقة مهذبة وعالية المستوى، أين اختفى هذا النوع من القصص؟
وكذلك شهادة رسوب أخرى لضياع المشاهد بين الممثلين! أكثر من 30 مسلسلاً ومجموعة من الممثلين والممثلات تتكرر وجوههم في كل مكان، حتى ضاع المشاهد ولم يعد يعرف من هذا ومن تلك، وأي قصة هذه أو أي دور هذا… إنه أمر سيئ جداً أن يرمي الفنانون أنفسهم في كواليس الابتذال، فتضيع جهودهم الجبارة سدىً ولا يعلق في ذاكرة الناس أي من الأدوار التي مثلوها.
تكاليف المعيشة
يحزنني بحق وضع الممثل السوري الذي يتنقل من كادر تصوير إلى آخر ويلوّن مزاجه بين الشخصيات المختلفة وطريقة اللباس والحديث تبعاً للسيناريو وأتساءل أين النجومية في سورية؟ قلة قليلة تكتفي بعمل واحد أو اثنين كما يفعل النجوم المصريون، وحقيقة لا أعلم إذا كان السوريون يفعلون هذا لأن أجورهم لا تكفي تكاليف المعيشة بقية السنة، باعتبار أن العمل يكون فقط لشهر رمضان، أم أنهم لا يشبعون!
فليتكرم أحد من القائمين على الأعمال الدرامية ويفيدني في هذا الموضوع، ويقول لي هل هي أخطاء المخرجين أم المنتجين أم الممثلين أنفسهم؟ ولماذا يكتفي البعض مثل تيم حسن وبسام كوسا وعابد فهد بدور أو اثنين، في حين تظهر الوجوه نفسها في جميع المحطات؟ أليس من الظلم أن نرى الممثلة الرائعة والجبارة منى واصف في خمسة أعمال، وربما أكثر لا أدري؟ هذه الفنانة التي تتفانى في تجسيد الدور المطلوب منها حتى تذوب فيه، لماذا تعمل كثيرا ويتقاذفها المخرجون من مسلسل إلى آخر؟
وإذا دخلنا في بعض التفاصيل أود أن أعبر عن خيبة أملي من ذوبان قصتين جميلتين بين يدي المخرج نجدت أنزور، ‘ما ملكت أيمانكم’ و’ذاكرة الجسد’ كلاهما حملت معاني رائعة وحوارات تلمس شغاف القلوب والمشاعر لكن البطء الشديد الذي ساد أحداث المسلسلين دفع بالملل إلى التسرب من بين ثنايا القصتين، والملل هو قاتل الإبداع.
حقيقة لم يعد عذر الثلاثين حلقة يقنعني، ولا أفهم لماذا بات بيع الدراما مثل بيع البطاطا، بالكيلو، ألم ينجح مسلسل قامت ببطولته ليلى علوي العام الماضي وجسد القصة في خمس عشرة حلقة؟ في نهاية الأمر أتحدى أن يقول لي أحد أنه تمكن من مشاهدة جميع المسلسلات المعروضة فهو أمر مستحيل، إلا إذا كان لا ينام ولا يتحرك من مكانه ويقلب بين القنوات في فترة الفواصل الإعلانية.
لماذا يتمسك الجميع بعرض الأعمال الفنية في رمضان، لماذا يخصص مسؤولو الفضائيات كل ميزانياتهم لشهر رمضان ويتركون الشهور المتبقية بلا ميزانية، لماذا بالأصل لا تعرف الفضائيات كيف تملأ أوقات بثها سوى بالمسلسلات؟ أين ذهبت البرامج التي تحمل المعرفة والمعلومات العامة؟ هل من الضروري أن تكون في إطار فوازير إما مليئة بالرقص والحركات السخيفة، أو أن تسحب من جيوب المشاهدين المشاركين عبر الهواتف والرسائل النصية؟ هل المشكلة في كثرة الفضائيات التي لا تعد ولا تحصى، أم في خدعة تخصص القنوات بين هذه الدينية وتلك الموجهة للأطفال والأخرى التي تقدم أطباق الطعام؟
لا شيء تغيّر
بالعودة إلى الأعمال الدرامية أود أن أتوقف عند المخرج باسل الخطيب ورائعته ‘أنا القدس’، فالجهد الذي بذله هذا المخرج يُشار إليه بالبنان، الممثلون يقدمون أداء جميلا جدا، والقصة تدغدغ المشاعر فعلا، ولكن عدا عن بعض المقاطع التي كان الصوت فيها سيئاً فإن كاتب الحوار سقط في فخ الأسلوب الخطابي المباشر وتوجيه الرسائل عبر الإسقاطات التاريخية وهذا الأسلوب ثبت أنه عديم الفاعلية ولم يعد يحرك المشاهد، أعتقد أن أكثر المشاهدين قادرون على القول: تماما كما يحدث الآن عندما يرون ما يحدث، ولماذا يتعب الكاتب نفسه بالأصل؟ لم يتغير شيء في وضع العرب على مدى قرن من الزمن، فقط صاروا أكثر فجورا وأكثر انفلاتا وامتلكوا سيارات وتلفزيونات وهواتف متحركة آخر طراز، وأصبح عري الفتاة وميوعتها شيئا غير مستهجن.
بشكل عام كنا نفتقر إلى هذا النوع من القصص والمعالجة، وبعد ‘التغريبة الفلسطينية’ رائعة حاتم علي لم نشاهد عملا يذكرنا بقضيتنا الأولى فلسطين، العودة إلى القدس فيها ذكاء شديد على أساس التنبيه إلى أن زهرة المدائن هي الأصل وليس الفروع والتفاصيل، وهي المدينة التي تقبع تحت الخطر وضياعها ضياع للأمة، يشبه سقوط الأندلس النهائي عندما سقطت غرناطة.
مسلسل ‘تخت شرقي’ للمخرجة رشا شربتجي عمل يحمل الألم بين ثنايا واقعيته المفرطة وسخريته الشديدة من صورة الحال، لكن عيبه يكمن في كثرة شخصياته لدرجة تسبب الحيرة، فينسى المتابع للعمل ماذا كان يفعل هذا هنا وما علاقة هذه الشخصية بالقصة، عموما لقد أثبتت رشا شربتجي عبقريتها في تصوير مسلسلات الزمن الحاضر، ووقعت في فخ صورة الحارة الشامية عند إخراجها مسلسل ‘أسعد الوراق’، لأن قصته تتطلب جواً أكثر كآبة من تلك التي قدمها المسلسل في نسخته الجديدة، رأيناها عند مخرج النسخة القديمة في الظلال والعتمة والماكياج، والحقيقة انني أستغرب وجود مهندس الديكور حسان أبو عياش في أكثر الأعمال الدرامية، بالأخص منها التي تصور البيئة الدمشقية القديمة، وليس هذا موقفا سلبيا منه فهو عبقري ويهتم بالتفاصيل، لكن المشكلة تكمن في التكرار، ومن الطبيعي أن تظهر ملامح شخصية مهندس الديكور على عمله في كل مكان. من يدري، ربما توقف السوريون عن دراسة هندسة الديكور أو العمل في المجال الفني!
لكني لن أتوقف عند الدراما السورية ولا بد لي من العودة إلى الدراما المصرية… قريبا..
‘ كاتبة واعلامية من سورية
القدس العربي