النضال النسوي العربي قاصر
سمير التنير
من الممكن القول إن المرأة عانت تمييزاً قوياً ضدها في الحقل العلمي. بأثر من عقلية ذكورية وضعتها دوماً في موضع الأدنى ما أدى إلى تهميشها تاريخياً. وان عمليات كثيرة في الحداثة، مثل التوسع في تعليم النساء ودخولهن إلى مجالات العمل والبحوث العلمية وحضورهن في الأوساط الأكاديمية، لم تفلح في إيصال المرأة إلى وضع يرفع عنها الظلم الذكوري في العلم. والمعلوم أن الأمم المتحدة أقرت مبدأ المساواة بين الجنسين في ميثاقها الأساسي عام 1945.
والأرجح أن التقرير الإرشادي الصادر عن «المجلس المشترك للأكاديميات» Inter Academy Council عام 2006 في هذه المسألة، يلخص هذه الوجهة التي ترى الحل في تمكين المرأة من المشاركة الواسعة في العلوم والتكنولوجيا وبحوثهما، مع تشديد قوي على ضرورة وصول النساء إلى موقع القرار. في المؤسسات البحثية والعلمية والأكاديمية كجزء من ضمان المشاركة الفعلية للمرأة في العلوم.
إن الوعي النسوي الغربي نظر عموما إلى تلك المسألة باعتبارها نموذجا لضرورة نقد الفكر السائد، وخصوصا الفكر الذكوري الذي تصرف دوماً باستعلاء حيال المرأة دافعا إياها إلى التهميش. فكيف تعاملت ثقافة الحركة النسائية ووعيها في الغرب مع التجربة التاريخية من التمييز علمياً ضد المرأة؟
من الممكن الإشارة إلى أن حضور المرأة في العلم شكل أحد الحقول المهمة للتفكير النسوي بطريقة نقدية للثقافة السائدة عن العلم، كما هي الحال بالنسبة إلى الثقافة بصورة عامة. ولا تنحصر المسألة في الوعي النسائي غرباً، بمجرد الحق في المساواة في المساهمة في العلم، على رغم الأهمية الفائقة لهذه المسألة، بل تتعداه لتحاول فهم الأسباب العميقة في الثقافة والبنى الاجتماعية التي تحول دون المشاركة الحرة والمفتوحة والمتساوية فعلياً للمرأة في هذا المجال. ويزيد من حدة النقد النسوي غرباً أن تلك المساواة لم تتحقق فعلياً. على رغم الصعود المتواصل للمرأة في تلك المجتمعات والجهود الضخمة في إطار تحقيق المساواة العميقة بين الجنسين.
ولعل من اللافت أن المرأة الغربية ما زالت تصر على أنها مهمشة ومستبعدة ذكورياً من نيل حقوقها في العلم. ومن الأمثلة على ذلك أن نصيبها في المراكز العلمية المتقدمة بداية من عدد الحائزات شهادة الدكتوراه في العلوم والرياضيات ووصولاً إلى اللاتي يشغلن مراكز حاسمة في القرار العلمي، ما زال ضئيلا إذا قورن بما يحوزه الرجال. وترى الحركة النسوية وخصوصاً في ثقافة ما بعد الحداثة، أن أول ما يكشفه حضور المرأة في العلم، هو زيف الأساطير الرائجة عن العلم وخصوصاً لجهة حياديته وموضوعيته. فكل معرفة إنسانية يصدرها العلم عن مجتمعات لها سياق تاريخي تتراكم فيها مجموعة من القيم السائدة. وبديهي القول إن الذكور كفئة مهيمنة تحكموا تاريخياً بمنظومات القيم الاجتماعية وكذلك الحال بالنسبة إلى الطريقة التي يرى فيها العلم العالم ويفكر به.
المفارقة أن الحركة النسوية العربية لم تصل إلى ذلك المستوى من النقد. بمعنى جعل الانقسام الجنسي جزءاً من النظرة إلى العالم، ومعرفته بما في ذلك العلم. وأما النسوية الغربية المعاصرة فاستفادت من تلك الدروس القاسية وجعلتها جزءاً أساسياً في وعيها التاريخي، وخاصة لجهة تحدي الأسطورة الذكرية عن حياد العلم.
تبين الإحصاءات أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدى المرأة العربية، كان أدنى بكثير من المعدل المقابل للرجل إذ بلغ 51% في مقابل 73% للرجل. أما في التعليم الجامعي فتبين انه في العام الدراسي 2000 ـ 2001 فاق معدل التحاق النساء في التعليم الجامعي معدل التحاق الرجال في ثلاثة بلدان هي لبنان (44% في مقابل 40% للرجال) وعمان (10% مقابل 7%) وقطر (30% في مقابل 13% للرجال).
وخلاصة نقول إن ما يزيد من تمكين تدهور المرأة في المجتمعات العربية هو غياب دورها في الشأن العام، وتواضع مساهمتها الاقتصادية، ويرجع ذلك إلى إعاقات اجتماعية وثقافية نابعة من قبلية المجتمع العربي، وسيطرة الثقافات التقليدية.
السفير