الحماية الأمريكية أو “المظلة المثقوبة”
سعد محيو
لندقق معاً في التطورات الآتية:
الولايات المتحدة توشك على سحب وحداتها القتالية من العراق، وتحث سوريا والسعودية على عقد مؤتمر طائف جديد (على الطراز اللبناني) لمحاولة توفير توافق إقليمي للسلام الداخلي العراقي .
البيت الأبيض يرفض اقتراح الجنرال بيترايوس عدم الالتزام بالعام 2011 كموعد نهائي لسحب القوات الأمريكية، فيما الرئيس الأفغاني حامد قرضاي يناشد روسيا مساعدة حكومته على “إعادة الاستقرار إلى أفغانستان والمنطقة” .
باحثون “إسرائيليون” يدعون إلى وضع الانسحابات العسكرية الأمريكية في إطار استراتيجي عام هو انحدار النفوذ الغربي في العالم، ويقترحون على حكومة نتنياهو بدء التفكير بتنويع تحالفات تل أبيب الدولية، خاصة مع الصين والهند والبرازيل .
ماذا تعني هذه التطورات المتلاهثة؟
أمران متلازمان:
* الأول: بدأنا نشهد نهاية الحقبة البوشية، التي تميّزت بمحاولة إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط الجديد بالقوة، عبر الحروب والغزوات والضغوط الاقتصادية والسياسية العنيفة، وفق استراتيجية “الفوضى الخلاقة” .
* ثانياً: يتبيّن الآن أن هذه الاستراتيجية نجحت في نشر الفوضى، لكنها عجزت عن إبداع الحلول الخلاقة .
لماذا تعثّر المشروع البوشي على هذا النحو؟
لأنه ببساطة لم يأخذ معطيات الأوضاع المحلية العربية والإسلامية في الاعتبار . فهو اعتقد أن الانتصار الكاسح في الحروب النظامية في أفغانستان ثم في العراق، سيؤدي بشكل تلقائي إلى ولادة أنظمة تابعة برعاية القابلة القانونية العسكرية الأمريكية، كما حدث في ألمانيا واليابان غداة الحرب العالمية الثانية .
بيد أن المخططين الأمريكيين نسوا أن الخطط الأمريكية نجحت في هاتين الدولتين الأخيرتين، لأن القنابل الذرية والكلاسيكية الأمريكية هزمت المجتمع المدني فيهما وجعلته أكثر استعداداً للرضوخ . وهذا أمر لم يحدث في الشرق الأوسط .
المعنى الثاني هو أن دول الشرق الأوسط ستبدأ من الآن فصاعداً في البحث عن مظلة أمنية أوسع من المظلة الأمريكية .
وهذا الأمر سيصح أكثر ما يصح على دول الخليج العربية التي سيكون عليها من الآن فصاعداً التدقيق والتمحيص بالأبعاد الاستراتيجية العميقة للفشل العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق، وفي مدى تأثير ذلك في كلٍ من أمنيها الداخلي والخارجي .
بالطبع، هذا لا يعني أن الأمريكي على وشك أن يحمل عصاه العسكرية على كاهله ويرحل، كما فعل الإنجليزي في أوائل سبعينات القرن العشرين . فالنفط لايزال السلعة الثمينة (والنادرة) التي تستأهل أن يُسكب على جوانبها الدم . كما أنه من المشكوك فيه كثيراً أن تكون الصين والهند أو حتى روسيا، في وارد التحرّك في المستقبل القريب ل”وراثة” التركة الأمريكية في الشرق الأوسط . فهي إما لا ترغب (الصين والهند) في دفع أكلاف هذه المسؤولية الأمنية الكبرى، وإما أنها (روسيا) تخشى أن تواجهها الولايات المتحدة بردود فعل عنيفة في حدائقها الخلفية في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وفي الداخل الروسي نفسه .
بيد أن تخبط واشنطن وعجزها عن توفير نظام إقليمي آمن ومستقر، سيكون (أو يجب أن يكون) مدعاة لتفكير عميق لدى دول المنطقة . إذ إن “بوليصة التأمين” التي يُفترض أن تؤمّنها المظلة العسكرية الأمريكية لبعض الدول المعنية، أثبتت أنها مثقوبة في أحسن الأحوال، وغير قابلة للصرف الفوري في أسوئها .
الحليج