تفكيك الألغاز
ساطع نور الدين
الردح المتبادل بين القوى السياسية المحلية يزيد من صعوبة تفكيك اللغز الكبير الذي لا يزال يحير اللبنانيين جميعا منذ نحو عامين عن آفاق المصالحة السورية السعودية وترجماتها اللبنانية الغامضة،ويزيد من استحالة تفسير أبعاد تلك الزيارة المشتركة التي قام بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الاسد الى بيروت، قبل اسبوعين وكاد البعض يعتبرها علاجا شافيا لجميع الآلام اللبنانية المستعصية..
المؤكد ان الردح اللبناني لا ينفي المصالحة كما انه لا يعطلها. هو يعبر على الارجح عن سوء فهم محلي لها، وربما ايضا عن مساع يبذلها الفرقاء اللبنانيون لاستكشاف كلمة السر المحفوظة في دمشق والرياض، ولمعرفة ما اذا كان هناك تحول قد طرأ بالفعل على موقف المرجع السوري والمرجع السعودي في ما خص عناوين الصراع الداخلي المعروفة، لا سيما المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي انعطفت في الآونة الأخيرة في اتجاه جديد.
لا يمكن تأييد المنطق السائد في بعض الغرف اللبنانية عن ان المصالحة السورية السعودية لا تنطبق على لبنان، وهي تعنى فقط بالعراق وفلسطين وصولا الى ايران، حيث تتسع يوما بعد يوم مساحات التفاهم بين دمشق والرياض، وتثير القلق في طهران بشكل خاص. الاقرب الى الواقع ان تلك المصالحة التي كان حافزها الرئيسي ايرانيا، كانت ولا تزال شاملة لجميع محاور الاختلاف السابق بين سوريا والسعودية، ولو بدرجات متفاوتة من الاعتراف بالمصالح والمطالب المتبادلة.
والسؤال الاهم الذي يمكن ان يطرح في هذا السياق هو ما اذا كانت المحكمة الدولية قد خرجت بالفعل من دائرة تلك المصالح والمطالب السورية والسعودية المتبادلة بعدما ظلت لسنوات اربع عنصر تفجير دائم للعلاقات بين دمشق والرياض، وباتت شأنا داخليا لبنانيا يستخدم لقياس موازين القوى المحلية.. وتاليا، وهذا هو الأدق، لقياس النفوذ الايراني في لبنان والالتزام العربي بالعمل على كبحه ووضع حدود جديدة له.
الهامش الذي تتحرك فيه القوى المحلية هذه الايام يوحي بأن المصالحة السورية السعودية وهمية، وينبئ بأن هذه القوى لا تزال تعمل بناء على تعمليات سابقة لقمة الكويت قبل عامين، وليس فقط سابقة لقمة بيروت الثلاثية قبل اسبوعين. والثقة بالنفس التي يعكسها الجميع تترك الانطباع بأنه ربما كانت دمشق والرياض تسعيان الى استنفاد طاقة حلفائهما القصوى، من اجل جرهما في ما بعد الى الانضباط والالتزام بالتوجيهات الجديدة التي لم تصل بعد الى العاصمة اللبنانية، مع الصورة التاريخية التي جمعت الملك عبد الله والرئيس الاسد على المهبط اللبناني.
والامل هو ان تكون دمشق والرياض قد تفاهمتا على ان يظل الاختبار الراهن لحلفائهما سياسيا، يقتصر على الردح الاعلامي ولا ينزل الى الشارع بأي شكل من الاشكال، وأن تكون طهران في الجو، او على الاقل في المدى الذي يستبعد اي سوء فهم او تقدير من اي من العواصم الثلاث، التي ينشغل اللبنانيون هذه الايام بفك ألغاز مواقفها المتصالحة والمتصارعة.