التهدئة بين الجماعة والنظام انتهت بعد (حرب غزة(
محمد فاروق الإمام
بكل وضوح وبساطة وفروسية أعلن فضيلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس رياض شقفة في تصريح لجريدة (المصري اليوم) أن تجميد أنشطة الجماعة المعارضة والهدنة مع النظام السوري انتهت بانتهاء الحرب على غزة، وهذا يعني أن الهدنة ووقف أنشطة الجماعة المعارضة للنظام التي لم تعرها دمشق أي اهتمام رغم مرور ما يقرب من سنتين على سريان مفعولها من باب التجاهل والاستعلاء والاستكبار أصبحت من الماضي. وكان لابد للجماعة أن ينفد صبرها تجاه صلف النظام ولا مبالاته، لكل يد معارضة امتدت إليه، وتتخذ قرارها بالعودة إلى مواجهة النظام ومعارضته عبر كل الطرق والأساليب السلمية والشرعية المتاحة والتي تجد عبرها الوصول إلى التغيير والتصحيح.
وقد أكد فضيلة المراقب العام على طي صفحة الخيار المسلح، وقال: (هذا الكلام انتهى في حينه لأن النظام هو الذي بادر بالاعتداء علينا). وأضاف: (العنف ليس من سياستنا في الماضي أو الحاضر، والأمر محسوم في نظامنا الداخلي)، وتابع: (الأساليب السلمية هي خيارنا في الصراع السياسي).
وألقى المحلل السياسي أيمن عبد النور على النظام مسؤولية نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين التي أتت بقيادة جديدة بقوله: أن (وصول المتشددين – كما يزعم – للمناصب القيادية العليا بمثابة رد فعل من القواعد والقيادات الوسطى لعدم التفات النظام السوري لكل المبادرات والأفكار التي طرحتها الجماعة خلال السنين الخمس الماضية).
كما قابل النظام خطوة الإخوان نحوه بجفاء فظ وقرارات حمقاء بنقله أكثر من 1200 محجبة من ملاك التدريس إلى وظائف إدارية في مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها، وقرار منع المنقبات من التسجيل في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، ومنع ترؤس الشيوخ للجمعيات الخيرية وتعيين موظفين من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية بدلاً منهم.
ولم يكتف النظام بإدارة ظهره للجماعة وتجاهل خطوتها تجاهه بوقف الأنشطة المعارضة والهدنة معه من طرف واحد، بل راح بعض رموزه يدلي بتصريحات لا مسؤولة تجاه الجماعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نفي عضو حزب البعث السوري المحامي عمران الزعبي وجود أي توجه لدى القيادة السياسية في سورية للتعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين من الناحية السياسية.
وأوضح الزعبي في تصريحات خاصة لـ(قدس برس) أن القانون هو الفيصل بين السوريين، وقال: (أعتقد أن النظر إلى الإخوان على أنهم جماعة أو حزب غير وارد في سورية، والمسألة موضوعة في سياقها القانوني البحت، فمن كانت له مشكلة قانونية أمام القضاء، فعليه أن يتابعها أمام القضاء ومن لم تكن له أي مشاكل أمام القضاء فهو حر في الدخول والخروج من وإلى سورية).
ورفض الزعبي الحديث عن وجود منفيين سوريين، متجاهلاً ما يزيد عن ثلاثة ملايين من السوريين المنفيين أو المهجرين القسريين، وقال: (الحديث عن وجود منفيين سوريين هذا أمر لا أساس له من الصحة، والذين خرجوا هم إما أنهم أفراد متورطون في أعمال إرهابية أو إنهم أفراد يرون أنه لا توجد حريات إعلامية كافية فقرروا الخروج، وهؤلاء بإمكانهم العودة وأن أبواب السفارات السورية مفتوحة لهم ليبحثوا أمر عودتهم)، على حد تعبيره.
بهذه التصريحات الاستعلائية للزعبي، وهو أحد رموز حزب البعث الشمولي الحاكم، يكون النظام قد أوصد الباب نهائياً أمام جماعة الإخوان المسلمين التي هي فصيل مهم من فصائل المعارضة السورية، وتمثل شريحة واسعة من المجتمع السوري تمثل في الحد الأدنى 78% من سكان سورية، لتعود إلى الوطن بكل رصيدها العلمي والثقافي والحضاري والمادي وصفاء الذهن ونصاعة الكف، وتشارك في بناء صرح الوطن والذود عن حياضه والوقوف في مواجهة التحديات الكبيرة، والتي يعجز النظام منفرداً عن مجابهتها والتعامل معها، وقد خبرته الجماهير السورية في ميادين كثيرة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، باستثناء بعض المكاسب الإعلامية والسياسية المحدودة، كان الإخفاق والفشل حليفه في معظمها إن لم يكن كلها على مدار نصف قرن تقريباً من استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري نفذته حفنة من الضباط البعثيين المغامرين في الثامن من آذار عام 1963.
الجماهير السورية التي مجّت هذا النظام وتجرعت كأس المرارة على يديه خلال سبع وأربعين سنة عجاف ستتدبر أمرها ولا شك وتنتهز الفرصة المناسبة، وبأقل التكاليف، لتنتفض عليه عبر الوسائل السلمية، مقتدية بما فعلته الكثير من الدول في أوروبا الشرقية وآسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا، ونجحت في إزالة كوابيس الديكتاتورية والاستبداد عن صدرها، وشرعت في إقامة نظام ديمقراطي يحترم الإنسان ورأيه ويعمل على خدمته وتحقيق السعادة والأمن والاستقرار والنمو لأبناء الوطن، دون تمييز أو محاباة لعرق أو لون أو جنس أو معتقد أو دين أو مذهب، فهوية الوطن من حق كل أبناء الوطن والرقم الوطني للجميع والفرص في العمل من حق الجميع.
خاص – صفحات سورية –