نهاية “النفاق”

سميح صعب

في مقابلة مع صحيفة “التايمس” البريطانية يقول الرئيس الاميركي جورج بوش انه كان عليه الا يلجأ الى استخدام لهجة تنم عن التحدي قبل غزو العراق، لان ذلك جعله يبدو رجلا “تواقا الى الحرب وليس رجل سلام”. وهو يرى انه كان عليه الا يستخدم عبارات مثل “ميت او حي” او “نتحداكم للقتال”. اذن المسألة في نظره تكمن في الشكل وليس في الجوهر الذي هو قرار الحرب.

غداة هذا التبرير، اصدرت اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الانسان في مجلس النواب الاميركي بيانا خلصت فيه الى ان مشاعر العداء للولايات المتحدة في الدول الاسلامية واميركا اللاتينية هي في اعلى مستوياتها بسبب السياسات الاميركية مثل الحرب على العراق، و”نفاق” واشنطن في ما يتعلق بالتزام مبادئها الديموقراطية. كما توصل التقرير الى ان المشكلة لا تكمن في رفض الثقافة والمبادئ الاميركية وانما في السياسات الاميركية، مثل دعم الانظمة الاستبدادية، وفي الوقت عينه الدعوة الى الديموقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون، فضلا عن الانحياز الى اسرائيل.

وأتى تقرير اللجنة بعد اسبوع من تقرير للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ اكدت فيه ان الادارة الاميركية تلاعبت بالمعلومات الاستخبارية من اجل تبرير الذهاب الى الحرب في العراق، دون ان يثبت بالدليل الملموس أي من ادعاءات بوش ونائبه ديك تشيني عن امتلاك النظام العراقي السابق اسلحة للدمار الشامل، او يثبت انه كانت ثمة علاقة بين نظام صدام ومحمد عطا الاصولي المصري الذي قاد مجموعات “القاعدة” التي نفذت هجمات 11 ايلول في نيويورك وواشنطن.

انتكاسة اخرى واجهها بوش قبل يومين من خلال قرار المحكمة الفيديرالية العليا الذي اعتبر ان معتقلي سجن قاعدة غوانتنامو في كوبا يملكون الحق الدستوري في مراجعة قضايا توقيفهم امام المحاكم الفيديرالية الاميركية. وغداة الضربة التي تلقاها بوش من المحكمة الفيديرالية، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “بيو” الاميركي للأبحاث في 24 دولة حول العالم ان كثيرين ممن استطلعت آراؤهم يتوقعون ان تتحسن السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد مغادرة بوش البيت الابيض في كانون الثاني المقبل، وخصوصا اذا فاز المرشح الديموقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية.

وقبل ستة اشهر من انتهاء ولاية بوش، يعيش العالم تحت تأثير ما بات يعرف بالصدمة النفطية الثالثة المتمثلة في ارتفاع قياسي لأسعار النفط مع ما يتسبب ذلك من ارتفاع في سائر اسعار المواد الغذائية وتهديد لاقتصادات الدول المستهلكة للنفط بالانكماش. وليست هناك دولة في العالم لا تعاني الان جراء ارتفاع اسعار النفط الذي تعتبر حرب العراق احد اسبابه فضلا عن تهديدات الرئيس الاميركي المستمرة لايران.

ولئن تكن حصيلة اعوام بوش الثمانية في البيت الابيض لم تجلب على اميركا والعالم سوى الحروب والازمات الاقتصادية، فان المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين يحاول النأي بنفسه قدر الامكان عن بوش في حملته الانتخابية. وبعد كل هذا، لا يرى بوش ان المشكلة في الاعوام الثمانية الماضية كانت في سياساته وقراراته شن الحروب، وانما بسبب التعابير التي استخدمها قبل شن الحروب. وبات المهم الان في نظره ألاّ يبدو انه كان رجلا “تواقا الى الحرب”. وهذا دليل آخر على مدى الضرر الذي الحقته سياسات بوش بالولايات المتحدة. فليس المهم تحقيق انجازات عسكرية سريعة، بل المهم ان تقنع الآخرين بأنك على حق في استخدام هذه القوة. وهذا ما كانت ادارة بوش تفتقر الى أبسط مقوماته. فالقوة المادية غير المؤيدة بالقوة الاخلاقية لا تحقق لاصحابها سوى مكاسب وقتية. وهذا يفضح الحروب التي قامت على “النفاق“.